أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏استعمال -لغة الطهر- لتبرير -أفعال القهر-














المزيد.....

‏استعمال -لغة الطهر- لتبرير -أفعال القهر-


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 10:04
المحور: قضايا ثقافية
    



‏الملخص

‏يبحث هذا المقال في آليات الخطاب التي توظّف مفردات الطهر الأخلاقي والديني لتبرير العنف والقهر السياسي والاجتماعي. يركّز التحليل على البنية اللغوية التي تُنتج خطاب الهيمنة باسم القيم، وعلى العلاقة الجدلية بين “الطهر” و”القهر” في تاريخ الفكر الإنساني. ويناقش المقال كيف تحوّلت اللغة من وسيلة للتنوير إلى أداة للتضليل، ومن حامل للمعنى إلى غطاء للأيديولوجيا.

‏الكلمات المفتاحية: الطهر، القهر، الخطاب، السلطة، اللغة، الأيديولوجيا.


‏---

‏المقدمة

‏منذ بدايات التاريخ، استخدمت السلطة اللغة لا بوصفها أداة للتواصل فحسب، بل كوسيلة للسيطرة. فالخطابات التي ترفع شعار “الطهر”، سواء الديني أو الأخلاقي أو الوطني، كثيرًا ما استُخدمت لتبرير أفعال القهر ضد المختلفين.
‏هذه العلاقة بين "لغة الطهر" و"أفعال القهر" تمثّل إحدى أبرز مفارقات التاريخ الإنساني، حيث يتحوّل المقدّس إلى غطاء للسيطرة، ويتحوّل اللسان الأخلاقي إلى سيفٍ يقطع.

‏وقد أشار ميشيل فوكو (Foucault, 1977) إلى أن الخطاب الأخلاقي جزء من منظومة السلطة، إذ ينتج “الحقيقة” التي تحتاجها السلطة لتبرير أفعالها، سواء أكانت سياسية أم دينية أم ثقافية.


‏---

‏أولاً: الطهر كأداة رمزية للهيمنة

‏الطهر في الخطاب السلطوي ليس مفهومًا روحانيًا فحسب، بل رمزٌ للشرعية. من خلاله تُحدَّد الفئات “الطاهرة” مقابل “النجسة”، “المؤمنة” مقابل “الكافرة”، “المخلصة” مقابل “الخائنة”.
‏بهذا التصنيف الأخلاقي تُبنى هرمية اجتماعية تتيح ممارسة القهر تحت شعار الفضيلة.
‏ويرى بيير بورديو (Bourdieu, 1991) أن اللغة تُمارس العنف الرمزي حين تفرض معاييرها بوصفها طبيعية ومطلقة، فتصبح أدوات “التسمية” أدوات “تجريم” وإقصاء.


‏---

‏ثانياً: القهر المشرعن بخطاب الطهر

‏في التاريخ السياسي والديني، كانت “لغة الطهر” وسيلة مثالية لتمرير القهر.

‏في العصور الوسطى، استخدمت الكنيسة خطاب الطهر الروحي لتبرير محاكم التفتيش وحرق “المهرطقين”.

‏في الأنظمة الحديثة، استخدمت الأنظمة الشمولية لغة “النقاء الوطني” أو “الطهارة العقائدية” لتصفية الخصوم (Arendt, 1951).

‏في المجتمعات المحافظة، تُستعمل لغة “الحياء” و”الشرف” لتقييد النساء وقمع الحريات الفردية.


‏إن الطهر هنا يتحوّل من قيمة أخلاقية إلى خطاب إقصائي، يمارس العنف باسم الفضيلة. وكما تقول جوديث بتلر (Butler, 1997)، “اللغة لا تصف الواقع فحسب، بل تصنعه”، ومن ثم فإن تكرار مفردات الطهر يصنع نظامًا من الطاعة والخضوع.


‏---

‏ثالثاً: الطهر كواجهة أيديولوجية

‏تسعى الأيديولوجيات المهيمنة إلى احتكار تعريف الخير.
‏فعندما تدّعي جماعة أو سلطة أنها تمثّل “الطهر”، فإنها تستحوذ على سلطة تعريف “الصواب والخطأ”. هذا الاحتكار يسمح بممارسة القهر دون إحساس بالذنب، لأن القامع يرى نفسه مخلّصًا.
‏يحلل إدوارد سعيد (Said, 1978) في الاستشراق كيف استخدم الغرب لغة “التمدّن والطهر الحضاري” لتبرير استعمار الشرق “الجاهل”، وهو نموذج واضح للهيمنة الأخلاقية المغلّفة بالمثالية.


‏---

‏رابعاً: لغة الطهر في الخطاب الديني المعاصر

‏في السياق العربي والإسلامي المعاصر، نجد توظيفًا واسعًا لمفردات الطهر لتثبيت أنماط الطاعة والولاء.
‏فخطاب “تطهير الأمة من الفساد” قد يتحول إلى تبرير للعنف ضد المختلفين.
‏ويرى الباحث نصر حامد أبو زيد (1990) أن “المشكلة ليست في النص الديني بل في تسييس اللغة الدينية وتحويلها إلى خطاب سلطة”.
‏وبذلك يُختزل الدين إلى لغة قهر تفرض الطاعة باسم الطهر، وتغلق باب الاجتهاد والنقد.


‏---

‏خامساً: نحو وعي نقدي بلغة الطهر

‏يقتضي تجاوز هذا النمط من الخطاب بناء وعي لغوي نقدي يُفكك العلاقة بين المفردة والسلطة.
‏فاللغة ليست بريئة، كما يؤكد فوكو، بل هي “حقل قتال” تتصارع فيه القوى على تحديد المعنى.
‏إن استعادة وظيفة اللغة في تحرير الإنسان لا إخضاعه تمثل أحد أهم شروط النهضة الفكرية.
‏ويصبح السؤال المركزي ليس: “من الطاهر؟” بل: “من يملك حق تعريف الطهر؟”


‏---

‏الخاتمة

‏إن استعمال "لغة الطهر" لتبرير "أفعال القهر" يكشف كيف تتحوّل القيم إلى أدوات سلطة، وكيف تنقلب الأخلاق إلى أيديولوجيا.
‏فكل خطاب يُقدّس ذاته يُخفي في داخله نزعةً قهرية، وكل طهرٍ مطلقٍ يولّد عنفًا خفيًا.
‏إن مقاومة هذا النمط لا تكون بالصدام، بل بتفكيك اللغة نفسها، وإعادة المعنى إلى أصله الإنساني الحر.
‏فحين تتحرر اللغة، يتحرر الإنسان.


‏---

‏المراجع (APA 7th Edition)

‏Arendt, H. (1951). The Origins of Totalitarianism. Harcourt, Brace and Company.

‏Bourdieu, P. (1991). Language and Symbolic Power. Harvard University Press.

‏Butler, J. (1997). Excitable Speech: A Politics of the Performative. Routledge.

‏Foucault, M. (1977). Discipline and Punish: The Birth of the Prison. Pantheon Books.

‏Said, E. (1978). Orientalism. Pantheon Books.

‏Abu Zayd, N. H. (1990). النص، السلطة، الحقيقة: الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة. القاهرة: المركز الثقافي العربي.





#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم لا يموت والعالم لا يُحال إلى التقاعد، والعقول العظيمة ...
- ‏مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط: الأهداف الاستراتيجية لإسرائ ...
- ‏مفهوم التنويم المغناطيسي واستحضار الأرواح في مسرحية الدكتور ...
- ‏عبق من ذكراه....فواز أذكي منارة علم للأجيال
- الدكتور فاوستوس وتجسيد فكره في السياسة الدولية
- قراءة نقدية شاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني
- نيكولو باغانيني: عازف الكمان الإيطالي الذي باع روحه للشيطان ...
- الربيع العربي من البلطجية إلى الشبيحة إلى الدبيحة: تاريخ موج ...
- ‏حان الوقت لتوحيد شمال شرقي سوريا مع بقية سوريا
- دلالات استحضار روح هيلين طروادة في مسرحية الدكتور فاوستوس
- القداسة والهيمنة: لماذا تُستخدم القداسة كواجهة للهيمنة على ا ...
- وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ
- التفشير في العلاقات الإنسانية: هل هو مقبول أم غير مقبول؟ ‏
- ‏صورة اليهودي في تاجر البندقية لشكسبير واليهودي المالطي لمار ...
- ‏فرنسا التي لا تغفر مرة ثانية
- اتصال الرابعة صباحًا
- ‏الدكتور فاوستوس لمارلو وتجسيد فكره في السياسة الدولية
- ‏هل ستقبل إسرائيل بالواقع الراهن في
- ‏التجذير السياسي في العلاقات بين الدول: مقاربة تحليلية للعوا ...
- ‏العوامل التي ستقود إلى فشل اتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس ...


المزيد.....




- أصبح السيد فقط لكنه قد يصبح ملك بريطانيا يومًا ما.. كيف أطاح ...
- الذكاء الاصطناعي يهز سوق الطاقة وواشنطن تبحث عن الحل في الخل ...
- -ضربوا من قاوم وسرقوه وأعدموا البعض. شاهدتُ جثثاً ملقاة في ا ...
- الدعم السريع تعلن القبض على مسلحيها متهمين بانتهاكات الفاشر ...
- الحريديم يحتجون ضد التجنيد الإلزامي في الجيش الإسرائيلي
- الهالوين في أمريكا: ألعاب مرعبة ومنازل مزينة بالوحوش لجذب ال ...
- تقرير: استمرار إطلاق -قنابل الكربون- يعرقل أهداف المناخ العا ...
- أمطار غزيرة في نيويورك تقتل شخصين وتعطل رحلات جوية
- أم سودانية من قلب مجزرة الفاشر تروي قصة مدينة تبتلع أبناءها ...
- أول أفريقي حاصل على نوبل للسلام اغتاله نظام الفصل العنصري


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏استعمال -لغة الطهر- لتبرير -أفعال القهر-