أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - كامل حسين المقيم على حافة الجمال














المزيد.....

كامل حسين المقيم على حافة الجمال


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 12:07
المحور: سيرة ذاتية
    


في منطقة الجزائر بالبصرة، حيث الشمس تطلُّ على النهر بشغفٍ جنوبيٍّ عتيق، ولد الفنان والناقد التشكيلي كامل حسين علي الموسوي عام 1952، وفي ملامح الطفولة الأولى بزغت إشاراتٌ لحسٍّ بصريٍّ استثنائيٍّ سرعان ما نما وتجلّى في ألوانه وخطوطه، وفي رؤيته التي سبقت زمنه، كأنّه كان يُصغي منذ صغره إلى وشوشات اللوحة القادمة من الأعماق.
تكوّن وعيه الفني باكرًا في مرسم الحياة وتحت ظلال أساتذته الكبار، فقد تلمذ على أيدي محمد راضي عبد الله، وشوكت الربيعي، وشاكر حمد، لكنه حين تقدم نحو ضفاف الاحتراف، كان ينهل من أنهار الفن العراقي العريض، من فائق حسن، وحافظ الدروبي، وكاظم حيدر، وإسماعيل الشيخلي، مستلهماً روح الريادة، لا مقلدًا، بل باحثًا عن صوته الخاص وسط ضجيج الألوان والصيحات.
تخرج عام 1977 من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، فرع الرسم، ومنذ أولى خطواته التعليمية في معاهد البصرة ثم بغداد، كان يحمل همَّ الفن رسالةً ووعيًا وتربيةً، متخذًا من اللوحة فضاءً حرًّا يكتب فيه يومياته الروحية والبصرية. ولأن الإبداع لا يعرف سقفًا، فقد عاد إلى الجامعة لاحقًا، ونال شهادة الماجستير عام 2012 من كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل، ليضيف إلى رصيده العلمي بعدًا نقديًّا وشعريًّا تميز به لاحقًا في كتاباته وأشعاره.
ما بين اللون والكلمة، أقام كامل حسين صرحه، شاعرًا ونّاقدًا وفنانًا. وفي ديوانه الوحيد "أقيم على حافة الهاوية وأنجو من الجمال بأعجوبة"، كان يستحضر رهافة الشاعر وبصيرة الناقد، يلتقط من المفردات اليومية شذرات الحياة، يوشيها بشراراتٍ فكرية وشعورية، يكتب عن الذات ليحمل همّ الجماعة، ويبوح ليشير إلى ما وراء القول.
كفنان، كان يرى أن اللوحة كائن حيّ، يولد، ويحبو، وينمو، ويتنفس. لا يرسم ليؤرشف، بل ليُطلق الحياة في فضاء اللوحة، كمن يحرر طائرًا من قفص. يقول: "أعمالي تتجه إلى أماكن مفتوحة وحرة، لا أستطيع أن أقيدها"، فالتقنيات ليست غاية، بل وسيلة لالتقاط نبض الوجود، وقد آمن بأن الفن هو الإنصات الدائم للمستقبل، والتماهي مع الإنسان والحيوان والكون والكواكب، بعينٍ تلتقط الهمّ، وروحٍ تمارس الطيران.
أقام أكثر من أربعة عشر معرضًا شخصيًا، من البصرة إلى بغداد، ومن بيروت إلى عمان، ومن قاعات الأكاديميات إلى صالات الفن المعاصر، وكان دائم الحضور في المعارض العربية والأوربية، لوحاته تترحل باسمه، وتوقيعه ظلّ حاضرًا في فضاءات عدة، بينما ظلّ هو نفسه ساكنًا في خلوة الألوان، مخلصًا لنجواه.
الناقد التشكيلي صلاح عباس رآه فنانًا يوميًّا يعيش تفاصيل الفن كوجبة روحانية، وقال عنه: "يختطّ طريقًا خاصًا منذ أكثر من أربعين عامًا، عينه فاحصة لدقائق الأمور، يرسم لا توثيقًا، بل نموًا للوحة، ككائن حي يولد وينضج ويتلاشى". أما الفنان زياد جسام فقد وصفه بأنه يمثّل اتجاهًا محليًّا خاصًا، ينتمي للفن التعبيري، مجسّدًا عبر أدواته حالة إنسانية مركبة، يشتبك فيها المحلي بالكوني، والحلم بالواقع، والرواية بالتأمل. لم تكن شخوصه مجرّد وجوه، بل كائنات نابضة بالحياة، تخرج من سطح اللوحة لتوقظ في المتلقي تأملًا طويلًا.
وفي كلمة حافلة بالشغف، كتب عنه الفنان مهدي حسن: "وقفة فيها تأمل، ونظرة فيها شموخ، فلسفة الألوان تجسد الحياة، عزف موسيقي عالمي بلغة لا تحتاج إلى ترجمان، بل إلى بصيرة تتأمل الرسالة المختبئة في اللون والمضمون".
لقد كان كامل حسين أحد أولئك القلائل الذين لا يكتفون بأن يكونوا فنانين، بل يصوغون من الحياة كلها مادة للرؤية والتحليل. جمع بين التشكيل والنقد والشعر، وكان في كلّ منها صادقًا، غير متكلّف، مسكونًا بالدهشة.
عضوياته في اتحادات الأدباء والتشكيليين، ومشاركاته في اللجان الفنية والثقافية، لم تكن مجرّد انتماءات شكلية، بل جزءًا من حضوره الفاعل في الثقافة العراقية. كتب، ودرّس، وعرض، وقرأ، وصاغ الأثر.
وفي عام 2017، توقّف هذا القلب الكبير عن الخفقان، لكنّ لوحاته لم تتوقف عن البوح. بقي كامل حسين حاضرًا في صالات العرض وفي ذاكرة الفن العراقي، كصوتٍ وديع خرج من الجنوب ليصغي إلى العالم، ويبقى.
له الذكر الطيب... لقد أقام على حافة الهاوية، ونجا بالجمال فعلاً، بأعجوبة.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...
- الدكتور عامر عبد زيد بين التاريخ والحداثة، في رحاب الفلسفة و ...
- طه التميمي.. شاعر الضمير الشعبي وصوت الطبقة الكادحة
- رائد النافعي السارد الذي اختزن بابل في قلبه وحررها على الورق
- سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني
- الناقد سامر جلاب صانع المرايا في دروب الشعر والنقد
- حواريّة الموت-.. مرثية عراقية موجعة
- حيدر العميدي الناقد الذي قرأ المسرح بجسد الروح


المزيد.....




- بعد إعلان ترامب.. متحدث أممي يُحذر من مخاطر التجارب النووية ...
- لحظة محرجة.. قاض يلاحظ أن شرطيًا لا يرتدي بنطاله أثناء الإدل ...
- رغم إصراره على تحقيق -أعلى الأرقام-.. شعبية ترامب تتراجع إلى ...
- المدمرة يو إس إس غرايفلي تغادر ترينيداد وتوباغو
- قمة ترامب شي جينبينغ : ماذا بعد اللقاء؟
- -أغمضي عينيك يا هند-.. وثائقي يروي ساعات الرعب الأخيرة للطفل ...
- محادثات إسطنبول.. إلى أين تتجه العلاقة بين أفغانستان وباكستا ...
- كيف بدت أصداء انطلاقة الموسم الـ 6 من -The Voice-؟
- بمكافآت ممتعة لحيواناتها.. حدائق الحيوان تحتفل بأجواء الهالو ...
- وزير الخارجية الألماني في دمشق... برلين تمد يدها لسوريا بعد ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - كامل حسين المقيم على حافة الجمال