أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - قراءة نقدية شاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني















المزيد.....


قراءة نقدية شاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 10:42
المحور: قضايا ثقافية
    


‏قراءة نقدية شاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني

‏قصيدة مايا
‏للشاعر نزار قباني


‏الركبةُ الملساءُ.. والشفةُ الغليظه..

‏والسراويلُ الطويلةُ والقصيرةُ..

‏إنِّي تعبتُ من التفاصيل الصغيره..

‏ومن الخطوطِ المستقيمةِ والخطوطِ المستديره..

‏وتعبتُ من هذا النفير العسكري إلى مطارحة الغرام..

‏النهدُ.. مثل القائدِ العربي يأمرني:

‏تقدّم للأمام !

‏والفلفلُ الهنديُّ في الشفتين يهتفُ بي:

‏تقدّم للأمام !

‏والأحمرُ العنبيُّ فوق أصابع القدمين،

‏يصرخُ بي:

‏تقدّم للأمام !

‏إنّي رفعتُ الراية البيضاء سيدتي..

‏بلا قيدٍ ولا شرط..

‏ومفتاح المدينة تحت أمرك..

‏فادخليها في سلام..

‏جسدي المدينةُ..

‏فادخلي من أي بابٍ شئتِ أيتها الجميله..

‏وتصرّفي بجميع ما فيها ومن فيها..

‏وخليني أنام !

‏الركبةُ البيضاءُ.. والحمراءُ.. والخضراءُ..

‏كيف أميّزُ الألوان؟!

‏إنّ زجاجةَ الفودكا تحيلُ ثقافتي صفراً..

‏وترجعني إلى جهل العشيره..

‏وتضخمُ الإحساسَ بالأشياء..

‏ترميني عليكِ كأنكِ الأنثى الاخيره !

‏مايا.. تغنّي.. وهي تحت الدوش..

‏أغنيةً من اليونان رائعةً..

‏وتضحكُ دونما سببٍ..

‏وتغضبُ دونما سببٍ..

‏وترضى دونما سببٍ..

‏ويدخلُ نهدُها الذهبيُّ في لحم المرايا !

‏مايا.. تناديني..

‏لأعطيها مناشفها..

‏وأعطيها مكاحلها..

‏وأعطيها خواتمها الملونة المثيره..

‏مايا.. تقول بأنها لم تبلغ العشرينَ بعدْ..

‏وأنها ما قاربتْ أحداً سوايا..

‏وأنا أصدّقُ كلّ ما قال النبيذ..

‏وكلّ ما قالتهُ مايا !

‏مايا على الموكيت حافيةٌ..

‏وتطلبُ أن أساعدَها على ربطِ الضفيره..

‏وأنا.. أواجهُ ظهرها العاري..

‏كطفلٍ ضائعٍ بينَ آلافِ الهدايا !

‏الشمسُ تشرقُ دائماً مِنْ ظهر مايا !

‏مِنْ أينَ أبدأُ رحلتي؟!

‏والبحرُ مِنْ ذهبٍ ومِنْ زغبٍ..

‏وحولَ عمودِها الفِقريِّ أكثرُ مِنْ جزيره..

‏مَنْ يا تُرى اخترعَ القصيدةَ والنبيذَ وخصرَ مايا ؟!

‏مايا لها إبطان.. يخترعانِ عطرَهُما..

‏ويكتشفانِ رائحةَ الطريده !

‏مايا تُسافرُ في انحنائاتِ النبيذِ.،

‏وفي انحنائاتِ الشعورِ.،

‏وفي إضائاتِ القصيده !

‏وأنا.. أسافرُ في أنوثتها..

‏وضحكتها..

‏وأرسو كلّ ثانيةٍ..

‏على أرضٍ جديده !

‏مايا تقولُ بأنّني الذكرُ الوحيدْ..

‏وأنَّها الأنثى الوحيده !

‏وأنا أصدّقُ كلّ ما قال النبيذ..

‏وكلّ ما قالتهُ مايا !

‏مايا لها نهدان شيطانان..

‏همُّهُمَا مُخالفه الوصايا !

‏مايا مخرّبةٌ وطيّبةٌ..

‏وماكرةٌ وطاهرةٌ..

‏وتحلو حين ترتكبُ الخطايا !

‏مايا وراء ستارة الحمام واقفةٌ كسنبلةٍ..

‏وتروي لي النوادرَ والحكايا..

‏وأنا.. أرى الأشياء ثابتةً.. ومائلةً..

‏وحاضرةً وغائبةً..

‏وواضحةً وغامضةً.. فتخذلني يدايا !

‏مايا مبللةٌ وطازجةٌ كتفاح الجبال..

‏وعند تقاطع الخلجان قد سالتْ دمايا !

‏مايا تكرّرُ أنها ما لامست أحداً سوايا.،

‏وأنا أصدّق كلّ ما قال النبيذ..

‏ونصفَ ما قالتهُ مايا !

‏مايا مهيأةٌ كطاووسٍ ملوكيٍّ.،

‏وزهرةِ جلنارْ..

‏مايا تفتّش عن فريستها كأسماكِ البحار !

‏فمتى سأتّخذُ القرار؟؟!

‏هذي شواطئُ حضرَ موت.،

‏وبعدها تأتى طريقُ الهندْ..

‏إنّ مراكبي داختْ..

‏وبينَ الطحلبِ البحريِّ والمرجان.،

‏تنفتحُ احتمالاتٌ كثيره !

‏ماذا اعتراني؟؟

‏إن إفريقيا على مرمى يدي.،

‏ومَجاهلُ البنغال أخطرُ من خطيره !

‏مايا تناديني..

‏فتنفجرُ المعادن.،

‏والفواكهُ والتوابلُ والبهارْ.،

‏هذا النبيذ أساءَ لي جدّاً..

‏وأنساني بداياتِ الحوارْ !

‏فمتى سأتّخذُ القرارْ ؟؟!

‏مايا تغنّي من مكانٍ ما..

‏ولا أدري على التحديدِ أين مكانُ مايا ؟!

‏كانتْ وراءَ ستارةِ الحمّام ساطعةً كلؤلؤةٍ..

‏وحوَّلها النبيذُ إلى شظايا !

‏مايا تقولُ بأنها امرأتي.،

‏ومالِكتي.. ومَمْلكتي..

‏وتحلفُ أنها ما ضاجعتْ أحداً سوايا !

‏وأنا أصدّقُ كلَّ ما قالَ النبيذ..

‏وربعَ ما قالتهُ مايا !!!


‏التحليل النقدي
‏-----------------

‏🪞 أولاً: مقدمة عامة

‏قصيدة «مايا» تنتمي إلى المرحلة النزارية المتأخرة التي امتزجت فيها الإيروسية (الشهوانية) بالفلسفة الوجودية، حيث يتحول الجسد عند نزار من موضوع للمتعة إلى نصٍّ رمزي يعكس أزمة الإنسان العربي المعاصر: أزمة الحرية، والهوية، والمعنى.
‏مايا ليست مجرد امرأة؛ إنها رمز مركّب: الجمال، والفتنة، والسلطة، والأنثى المتمرّدة، بل قد تكون «الحياة» ذاتها بكل تناقضاتها.


‏---

‏1. الأبعاد الفلسفية

‏أ. جدلية الجسد والمعرفة

‏يقول الشاعر:

‏> "إنّ زجاجة الفودكا تحيلُ ثقافتي صفراً...
‏وترجعني إلى جهل العشيرة."



‏هنا الفكر يسقط أمام الجسد، والعقل يتلاشى في لحظة الغريزة.
‏نزار يتأمل فلسفة الجسد كقوة بدائية تفكك النظام العقلي والاجتماعي، لتعيد الإنسان إلى أصله الحيواني، حيث الحقيقة في اللذة لا في الفكر.

‏الفلسفة النزارية هنا وجودية حسّية:

‏الإنسان يُعرّف عبر جسده لا عقله.

‏المعرفة ليست في الكتب بل في التجربة واللمس واللذة.

‏الحب/الجسد طريق إلى معرفة الذات والآخر.


‏ب. عبثية القرار

‏> "فمتى سأتّخذُ القرار؟؟"



‏هذا التساؤل المتكرر يُبرز الضياع الوجودي للشاعر. إنه يدور في حلقة من اللذة والندم، من الوعي واللاوعي، كمن يبحث عن خلاصٍ مستحيل. القرار هنا ليس فقط عن مايا، بل عن التحرر من أسر الرغبة ومن دوامة العبث.


‏---

‏2. الأبعاد النفسية

‏أ. الازدواجية العاطفية

‏الشاعر يعيش صراعًا بين الشغف والذنب:

‏> "مايا مخرّبةٌ وطيّبةٌ.. وماكرةٌ وطاهرةٌ.. وتحلو حين ترتكب الخطايا!"



‏مايا هي انعكاس للأنوثة الغامضة التي تجمع القداسة والدنس، الطهارة والإغواء.
‏هذا الازدواج يعكس نفسية الرجل الشرقي الممزق بين الرغبة المكبوتة والتربية الأخلاقية.

‏ب. الإدمان على الوهم

‏> "وأنا أصدّق كلّ ما قال النبيذ.. ونصفَ ما قالتهُ مايا."



‏النبيذ (رمز اللاوعي والرغبة) يصبح أصدق من الواقع.
‏نزار يرسم هنا ملامح الإدمان العاطفي، حيث يذوب الوعي في الكأس والأنثى، فيفقد القدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم.


‏---

‏3. الأبعاد السياسية والاجتماعية

‏أ. المرأة كرمز للوطن

‏> "جسدي المدينة.. فادخلي من أي بابٍ شئتِ أيتها الجميله."



‏يُسقط الشاعر رمزية المدينة/الوطن على جسده، في مفارقة عميقة:

‏الجسد الأنثوي يتحول إلى أرض محتلة،

‏والاحتلال إلى غزوٍ عاطفي/جسدي.


‏هنا نزار ينتقد بطريقة رمزية الانهزام العربي:
‏الراية البيضاء، الاستسلام، المفاتيح، كلها مفردات سياسية مسحوبة إلى عالم الغريزة.
‏إنه يفضح الاستسلام العربي للسلطة والجمال والضعف في آنٍ واحد.

‏ب. النفير العسكري

‏> "وتعبتُ من هذا النفير العسكري إلى مطارحة الغرام."



‏تشبيه الحب بـ"النفير العسكري" هو سخرية من النظام العربي الذكوري الذي يحوّل كل شيء إلى أمرٍ، إلى "تقدّم للأمام"، حتى الحب.
‏إنها مفارقة بين لغة الحرب ولغة الجسد، تكشف عن عنفٍ متأصلٍ في ثقافة الرجل الشرقي حتى في لحظات العشق.


‏---

‏4. الأبعاد العاطفية

‏مايا ليست حبيبة رومانسية بل عاصفة حسّية.
‏العاطفة في القصيدة جسدانية بامتياز، ولكنها ليست سطحية:
‏هي مزيج من الوله، والضياع، والاحتراق، والحنين إلى نقاء مستحيل.

‏في قوله:

‏> "وأنا أواجهُ ظهرها العاري.. كطفلٍ ضائعٍ بين آلافِ الهدايا!"



‏يتحوّل العاشق من رجلٍ إلى طفلٍ أمام الأنوثة.
‏الجسد الأنثوي يصبح كونًا مدهشًا، والموقف كله حالة من الولادة الجديدة، أو "الرجوع إلى رحم الحياة".


‏---

‏5. الأبعاد البلاغية والصورية

‏أ. الصور البريئة وغير البريئة

‏نزار ينسج من التفاصيل اليومية رموزًا حسّية بريئة المظهر، مشبعة بالإيحاء:

‏"الركبة البيضاء" براءة الطفولة/إغراء الجسد.

‏"نهدها الذهبي يدخل في لحم المرايا"  اتحاد الأنثى بالصورة، بالضوء، بالانعكاس، في مشهد ميتافيزيقي.

‏"الشمس تشرق دائماً من ظهر مايا" إلهة الخصب والنور، تحيل إلى أسطورة إيزيس أو فينوس.


‏كل مشهدٍ حسيّ في القصيدة يحمل معنى وجوديًا:
‏الأنثى ليست فقط موضوعًا للشهوة، بل مصدرًا للخلق والجمال والفوضى.

‏ب. التكرار والإيقاع

‏التكرار مثل:

‏> "وأنا أصدّق كلّ ما قال النبيذ..."
‏"تقدّم للأمام!"
‏"فمتى سأتّخذ القرار؟"



‏يخلق إيقاعًا دائريًا يعكس الدوران الداخلي للشاعر بين اللذة والوعي، كأنه يدور في حلقة الغواية الأبدية.


‏---

‏6. الخلاصة الرمزية

‏العنصرالدلالة

‏ماياالأنثى/الوجود/الحرية/الفتنة
‏النبيذاللاوعي، الغريزة، الانفلات من العقل
‏الجسدالوطن، الذات، المعرفة
‏القرارالوعي، الصحوة، أو الخلاص المستحيل



‏---

‏🧭 الخاتمة النقدية

‏قصيدة «مايا» ليست مجرد غزلٍ جسدي، بل تأملٌ في علاقة الإنسان العربي بجسده، وحريته، وحقيقته.
‏نزار قباني هنا شاعر المفارقة الكبرى:
‏يستخدم الجسد ليكشف عُري الروح، ويستخدم اللذة ليعبّر عن اليأس من المعنى.

‏مايا هي المرآة التي يرى فيها نزار سقوطه، وانبهاره، وضعفه، وتمرده.
‏وبين النبيذ ومايا، بين الجسد والفكر، تتجلى تراجيديا الإنسان العربي الحائر بين الحرية والتابو.


‏---

‏التحليل البلاغي لقصيدة مايا:

‏---

‏🌸 أولًا: تحليل الصور والمجازات في المقاطع الأساسية

‏🔹 المقطع الأول:

‏> "الركبةُ الملساءُ.. والشفةُ الغليظة.. والسراويلُ الطويلةُ والقصيرةُ.."



‏🔸 النوع البلاغي: تصوير حسّي قائم على التكرار والتقابل.
‏🔸 الوظيفة:
‏نزار يبدأ بمشهدٍ بصري حسيّ مكثّف يُدخل القارئ فورًا في عالم التفاصيل الجسدية.
‏التقابل بين الطويلة والقصيرة يوحي بتعبه من السطحيات والتكرار في علاقاته.
‏إنها مقدمة للتمرد على الشكل الخارجي في سبيل البحث عن جوهر التجربة.


‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "تعبتُ من هذا النفير العسكري إلى مطارحة الغرام."



‏🔸 النوع البلاغي: استعارة تمثيلية وسخرية.
‏🔸 الشرح: يشبّه العلاقة العاطفية بـ"نفير عسكري"؛ أي أنها تُدار بالأوامر والانضباط، لا بالعفوية.
‏🔸 الوظيفة الجمالية:
‏نقد ساخر لثقافة الرجل العربي الذي يمارس الحب بعقلية الحرب، فيفضح التشييء العسكري للأنثى.
‏فيها موسيقى داخلية ناتجة من المفارقة بين "النفير" و"الغرام".


‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "النهدُ مثل القائدِ العربي يأمرني: تقدّم للأمام!"



‏🔸 النوع البلاغي: تشبيه واستعارة رمزية.
‏🔸 الدلالة:

‏النهد = القائد العربي (رمز السلطة والتحريض).

‏"تقدّم للأمام" = شعار سياسي وعسكري، يُستعار هنا ليصبح أمرًا جسديًا.
‏🔸 الوظيفة:
‏مزج السياسة بالجنس، والسلطة باللذة.
‏إنها سخرية سياسية لاذعة: القائد العربي لا يعرف إلا الأوامر، حتى في الحب!



‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "جسدي المدينةُ.. فادخلي من أي بابٍ شئتِ أيتها الجميله.."



‏🔸 النوع البلاغي: استعارة مركبة وتشخيص.
‏🔸 الدلالة:
‏جسد الشاعر يُشبَّه بالمدينة المفتوحة، والأنثى بالغزاة أو بالمحبوبة التي تدخلها.
‏🔸 الوظيفة:
‏هذه الصورة من أجرأ صور نزار وأكثرها رمزية.
‏تُظهر استسلام العاشق، لكنها تحمل أيضًا إسقاطًا سياسيًا على فكرة الاحتلال العربي والعجز.
‏الجسد يتحول إلى رمز للوطن المغلوب، والأنثى إلى الحرية أو الفاتح.


‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "إنّ زجاجةَ الفودكا تحيلُ ثقافتي صفراً.. وترجعني إلى جهل العشيرة.."



‏🔸 النوع البلاغي: كناية واستعارة.
‏🔸 الدلالة:
‏الفودكا (رمز اللاوعي والنسيان) تُسقط المعرفة المكتسبة وتعيده إلى البدائية.
‏🔸 الوظيفة:
‏تكشف عن صراع بين العقل والغريزة، وتضعنا أمام مفارقة فلسفية:
‏هل الثقافة تُغنينا عن البدائية، أم أن اللذة تعيدنا إلى حقيقتنا الأصلية؟


‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "مايا تُغنّي وهي تحت الدوش... ويدخلُ نهدُها الذهبيُّ في لحم المرايا."



‏🔸 النوع البلاغي: استعارة مكنية وتشخيص + مشهد بصري سينمائي.
‏🔸 الشرح: النهد "يدخل في لحم المرايا" = انعكاس الجسد في المرايا كأنه يذوب فيها.
‏🔸 الوظيفة:
‏صورة ما بعد واقعية (Surrealistic)، تكشف اندماج الجسد بالصورة، والأنوثة بالانعكاس.
‏فيها تقديس للجسد كجمالٍ بصريّ خالد.


‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "الشمسُ تشرقُ دائماً مِنْ ظهر مايا!"



‏🔸 النوع البلاغي: استعارة كونية (ميثولوجية).
‏🔸 الدلالة:
‏الشمس = النور، الحياة، الخصب.
‏الأنثى تصبح مركز الكون، مصدر الإشراق.
‏🔸 الوظيفة:
‏يؤلّه الشاعر الأنوثة، فيجعلها مبدأً للوجود والطبيعة.
‏إنها عودة إلى رمزية الإلهة الأم القديمة (فينوس/عشتار).


‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "من يا تُرى اخترعَ القصيدةَ والنبيذَ وخصرَ مايا؟"



‏🔸 النوع البلاغي: سؤال بلاغي + تراسل الحواس (Synesthesia).
‏🔸 الشرح: يربط بين الإبداع الشعري (القصيدة)، والمتعة الحسية (النبيذ)، والأنوثة (خصر مايا).
‏🔸 الوظيفة:
‏توحيد عناصر الجمال الثلاثة: الكلمة – الخمرة – الجسد.
‏إنها فلسفة نزار الجمالية: كلّ جمالٍ حقيقي يولد من اللذة.


‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "مايا تقولُ بأنها امرأتي.. ومالكتي.. ومملكتي.."



‏🔸 النوع البلاغي: جناس وسجع واستعارة ملكية.
‏🔸 الوظيفة:
‏تأكيد على هيمنة الأنثى وتحولها إلى قوة سلطوية رمزية.
‏الشاعر هنا العاشق/العبد، والأنثى هي الملكة/السلطة.
‏فيها نقضٌ لدور الرجل الشرقي التقليدي.


‏---

‏🔹 المقطع:

‏> "وأنا أصدّقُ كلَّ ما قالَ النبيذ.. وربعَ ما قالتهُ مايا!"



‏🔸 النوع البلاغي: مفارقة ساخرة.
‏🔸 الدلالة:
‏بين اللاوعي (النبيذ) والعقل (مايا) تتجسد مأساة التردد وعدم الثقة.
‏🔸 الوظيفة الجمالية:
‏خاتمة ذكية تلخّص حالة الشكّ الوجودي والعاطفي للشاعر.
‏النبيذ أصبح مرجعًا للصدق، والمرأة موضع شكّ، في عكسٍ فلسفيّ ساخر.


‏---

‏🌿 ثانيًا: السمات البلاغية العامة في القصيدة

‏السمة التوضيحة والوظيفة الجمالية

‏التكرار مثل "وأنا أصدّق..."، "تقدّم للأمام"يخلق إيقاعًا داخليًا يوحي بالهوس والدوران النفسي.
‏المفارقة الجمع بين الحب والحرب، النهد والقائد، المدينة والجسد تكشف نقدًا ساخرًا للمجتمع والسياسة والذكورة.
‏الرمزية مايا = الأنوثة/الحياة/الحرية تمنح القصيدة بعدًا فلسفيًا يتجاوز الوصف الجسدي.
‏الانزياح اللغوينقل مفردات الحرب والسياسة إلى الحب يوسّع الحقل الدلالي للشعر الغزلي التقليدي.
‏التشخيص والتجسيد المرايا، الشمس، النبيذ ككائنات حيّة يخلق جوًّا من التفاعل بين الإنسان والطبيعة.



‏---

‏🌺 خلاصة بلاغية

‏نزار في "مايا" يكتب الجسد بلغة العقل، ويكتب العقل بلغة الجسد.
‏كل صورة شعرية فيها انزلاق من الملموس إلى الرمزي:

‏من الركبة إلى الوطن،

‏من النهد إلى القائد،

‏من النبيذ إلى الوعي،

‏من مايا إلى الحياة ذاتها.


‏البلاغة عند نزار ليست زخرفة، بل أداة فلسفية لكشف تناقضات الإنسان العربي:
‏بين الرغبة والحرية، بين الجمال والعار، بين الأنثى والوطن.


‏---

‏🔶 الخاتمة النقدية الشاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني

‏تشكل قصيدة «مايا» ذروة من ذرى التجربة الشعرية النزارية في بعدها الإيروسي – الفلسفي – الرمزي، حيث تتجاوز حدود الغزل التقليدي إلى نصٍّ متعدّد الطبقات: جسدي، نفسي، فلسفي، سياسي، وجمالي.

‏نزار قباني في هذه القصيدة لا يكتب عن امرأةٍ محددة، بل عن حالة إنسانية متوترة بين الرغبة والوعي، وعن صراع الكائن العربي مع ذاته — مع جسده المكبوت، وثقافته المقموعة، وسلطته الداخلية والخارجية.


‏---

‏🧭 أولاً: البعد الدلالي والرمزي

‏تتحول مايا من كيانٍ أنثوي إلى رمزٍ شاملٍ للأنوثة والحرية والفتنة والحياة.
‏إنها ليست امرأةً بل "العالم" الذي يواجهه الشاعر.
‏فحين يقول:

‏> «جسدي المدينة.. فادخلي من أي بابٍ شئتِ»،
‏فهو لا يصف لذّة، بل يكشف عن استسلام الإنسان العربي أمام قوى الجمال والسلطة والحب.
‏يتخذ الجسد هنا وظيفة ميتافيزيقية: فهو ميدان الصراع بين العقل والغريزة، بين الانضباط والاندفاع، بين الثقافة والطبيعة.




‏---

‏🪞ثانيًا: البعد النفسي

‏القصيدة تسرد رحلة نفسية متوترة:
‏من الانبهار بالحسّ إلى الإرهاق من التفاصيل، من الوعي إلى النسيان (الفودكا)، من الانقياد إلى الحيرة، من التصديق المطلق إلى الشكّ الممزق.
‏نزار هنا يعرّي ذاته الذكورية، فيكشف هشاشتها أمام أنوثةٍ طاغية، ويعترف ضمنيًا بانكسار صورة الرجل الشرقي الذي يظن نفسه القائد بينما هو أسير الرغبة.

‏اللاوعي يهيمن على اللغة: النبيذ، الماء، المرآة، الجسد... رموز تُعيد الشاعر إلى حالٍ بدائيةٍ من الوجود حيث تُمحى الحدود بين الذات والعالم.


‏---

‏⚖️ ثالثًا: البعد الفلسفي والسياسي

‏في عمقها، «مايا» قصيدة عن السلطة والرغبة.
‏النهد كـ«قائد عربي يأمرني: تقدَّم للأمام!» يجمع بين إيروسية الجسد واستبداد السياسة، فيتحول الحب إلى مسرحٍ للهيمنة، والأنثى إلى رمزٍ مزدوجٍ للغواية والقهر.

‏إنّ الاستعارات السياسية المتكررة (الراية البيضاء، المدينة، القرار، النفير العسكري) تُدخل القصيدة في حقل الخطاب الوجودي والسياسي؛ فالعاشق ليس مجرد رجل، بل هو إنسان عربي يعيش تحت وطأة القمع، يحاول أن يجد في الجسد خلاصًا من الانكسار العام.


‏---

‏💫 رابعًا: البعد البلاغي والجمالي

‏القصيدة غنية بالصور الاستعارية والرمزية والتشخيصية التي تتراوح بين البراءة والإيحاء:

‏الركبة البيضاء رمزٌ للطفولة والفتنة معًا،

‏الشمس تشرق من ظهر مايا صورةٌ كونيةٌ تمنح الجسد طابعًا مقدسًا،

‏النبيذ والمرايا رموزٌ للتحوّل والانعكاس وفقدان الهوية.


‏تشتغل البلاغة في «مايا» لا كزخرف لغوي بل كأداة فكرية:
‏كل صورةٍ تفتح بابًا للمعنى، وكل استعارةٍ تخفي مفارقة وجودية بين اللذة والفراغ.


‏---

‏🎼 خامسًا: البنية الأسلوبية والموسيقية

‏من الناحية الأسلوبية، تعتمد القصيدة على الإيقاع الحرّ الذي يتحرّر من الأوزان التقليدية، لتصبح الموسيقى انعكاسًا مباشرًا للحالة النفسية.
‏التكرار ("وأنا أصدّق..."، "تقدَّم للأمام"، "فمتى سأتّخذ القرار؟") هو نواة الإيقاع الداخلي الذي يخلق توترًا دائريًا يعكس دوران الشاعر حول ذاته.

‏التوازي التركيبي والجناس الصوتي يمنحان النص نبضًا متصاعدًا يشبه الموسيقى الداخلية للجسد.
‏الإيقاع هنا ليس خارج اللغة، بل منبثق من داخلها، كأن الشاعر يجعل الكلمات تتنفس، وتشهق، وتئنّ.


‏---

‏🔮 سادسًا: الرؤية الكلية

‏في النهاية، «مايا» ليست قصيدة في الجسد فحسب، بل في معنى الوجود الإنساني حين يفقد توازنه بين العقل والرغبة.
‏الأنثى في شعر نزار هي الكون والمرآة والمقدّس والمحرّم.
‏ومايا تحديدًا تمثل المرأة/الحياة التي تُغري وتُهلك، تُعطي وتُسلب، تُنير وتُعمِي.

‏يتجلى في النص الوعي المأزوم للذات العربية الحديثة:
‏تبحث عن الحرية في اللذة، وعن الهوية في المرآة، وعن الخلاص في النبيذ.
‏لكن كل محاولة تنتهي بسؤالٍ وجوديٍّ معلّق:

‏> «فمتى سأتّخذ القرار؟»
‏وهو السؤال الذي يُلخّص عبثية الإنسان العربي، الموزّع بين شهوةٍ جامحة وعجزٍ أبديٍّ عن الفعل.

‏---

‏🪶 سابعًا: الخاتمة الفكرية

‏يمكن القول إن «مايا» قصيدة تُعيد تعريف الشعر الغزلي العربي:
‏فهي تجمع بين الجسد والفكر، بين اللذة والأسئلة، بين المتعة والوعي.
‏إنها ليست مجرّد وصفٍ لجمال امرأة، بل تأمل في فلسفة الجمال نفسه، وفي ثنائية الإنسان بين الرغبة والمعرفة، وبين الحبّ والسلطة.

‏نزار قباني في «مايا» يقدّم بيانًا شعريًا حديثًا يُعلن فيه أن الجسد ليس ضدّ الروح، بل هو طريقها، وأن الحبّ — مهما بدا حسّيًا — هو في جوهره بحثٌ عن المطلق.




#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيكولو باغانيني: عازف الكمان الإيطالي الذي باع روحه للشيطان ...
- الربيع العربي من البلطجية إلى الشبيحة إلى الدبيحة: تاريخ موج ...
- ‏حان الوقت لتوحيد شمال شرقي سوريا مع بقية سوريا
- دلالات استحضار روح هيلين طروادة في مسرحية الدكتور فاوستوس
- القداسة والهيمنة: لماذا تُستخدم القداسة كواجهة للهيمنة على ا ...
- وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ
- التفشير في العلاقات الإنسانية: هل هو مقبول أم غير مقبول؟ ‏
- ‏صورة اليهودي في تاجر البندقية لشكسبير واليهودي المالطي لمار ...
- ‏فرنسا التي لا تغفر مرة ثانية
- اتصال الرابعة صباحًا
- ‏الدكتور فاوستوس لمارلو وتجسيد فكره في السياسة الدولية
- ‏هل ستقبل إسرائيل بالواقع الراهن في
- ‏التجذير السياسي في العلاقات بين الدول: مقاربة تحليلية للعوا ...
- ‏العوامل التي ستقود إلى فشل اتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس ...
- ‏الاستنساخ إلى أين؟ الجرأة على الحدود الممنوعة
- مزامير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
- الأسباب الخفية للحروب: من حرب أسبرطة وأثينا إلى داحس والغبرا ...
- حدود وآفاق الهندسة الجينية في عصر الانفجار المعرفي
- ‏المقاومة بالموسيقا: دروس من التاريخ – من الصرخة إلى اللحن، ...
- ‏فاوست في السياسة الدولية الحديثة: مفاهيم الصراع، القوة، وال ...


المزيد.....




- أول تعليق لإدارة ترامب بعد الغارات الإسرائيلية على غزة
- نتنياهو يأمر الجيش الإسرائيلي بتنفيذ هجمات فورية على غزة
- شركة إسرائيلية تخترق العالم العربي.. كيف تجاوزت IDE حملات ال ...
- القدس على موعد مع تحرك للحريديم.. الحاخامات يلوّحون بإسقاط ا ...
- نتنياهو يتهم حماس بانتهاك وقف إطلاق النار ويأمر بشن -غارات ق ...
- كيف تفاعل مهاجرون مع تصريحات ميرتس حول -صورة المدن-؟
- الشرطة الدولية والألمانية تلاحقان مع فرنسا لصوص مجوهرات متحف ...
- نادي باريس سان جرمان الفرنسي يجني أرباحا قياسية بلغت 837 ملي ...
- غزة: نهاية الهدنة؟
- نازحة من الفاشر تروي فظاعات ارتكبها الدعم السريع بعد سقوط ال ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - قراءة نقدية شاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني