أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون














المزيد.....

الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 10:48
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة الحلة، حيث ينام الفرات على ضفاف التاريخ وتستفيق الأساطير في ملامح الوجوه، ولد الفنان والكاتب سمير يوسف عام 1947، كأنما لتضع المدينة في مهده حبّها للفن، وشغفها بالحرف، ونبضها الطيني الذي يتلوّن بماء الحضارات. لم يكن مجرد رسّام أو معلم فني، بل حامل رؤيا، ومرآة عصر، وذاكرة ثقافية حملت عبء الهوية التشكيلية في بابل لعقود.
بدأ سمير يوسف مسيرته في معهد الفنون الجميلة، وتخرّج عام 1969 بدبلوم فنون تشكيلية، لكنه ما أن خطّ أولى خطواته في سلك التعليم، حتى بدأت مدينته الصغيرة تتسع بحجم أفكاره. تنقّل بين مدارس الحلة مشرفًا وموجهًا ومربّيًا، ثم اختتم خدمته الوظيفية مشرفًا تربويًا حتى عام 2010، ليكرّس سنوات التقاعد لإبداع متجدد، لا يعرف السكون.
غير أن الحلة لم تكن بالنسبة له مجرد مكان عمل، بل حاضنة لفن وجدان، وذاكرة مغموسة بالألوان والتراث والنبض الشعبي، وقد بادلها العشق فعاد إليها في كل معرض، في كل مقال، وفي كل تأمل بصري أو نقدي.
انتماؤه للنقابات والجمعيات الثقافية لم يكن انخراطًا شكليًا، بل فعل تأسيسٍ دائم. كان من مؤسسي فرع بابل لنقابة الفنانين، ومسؤول الشعبة التشكيلية فيها لسنوات طويلة، كما كان من أوائل المنخرطين في جمعية التشكيليين العراقيين. أنشطته لم تتوقف في إطار الفن وحده، بل امتدّت إلى الصحافة، حيث نشر رسومه ومقالاته في مجلات عراقية رصينة كـ"الجنائن" و"المرأة العراقية" و"الفيحاء"، مؤكدًا أن الريشة والقلم لا يفترقان حين يحكمهما وعي ناضج وثقافة رصينة.
امتلك سمير يوسف قدرة نادرة على المواءمة بين الحرف واللون، فكان الكاتب الذي يشرح التشكيل بلغة دقيقة، والفنان الذي يلوّن المقال بلقطات بصرية. أقام تسعة معارض شخصية منذ سبعينيات القرن الماضي، وتوزعت تلك المعارض بين قاعات الحلة وبغداد والقاهرة والحبانية، وكان آخرها في 2022 على قاعة نقابة الفنانين بمناسبة يوم تمصير الحلة، وكأنما أراد أن يوثق لحظة التمدّن بريشة رجل من ترابها.
تنوّعت معارضه بين الرسم الكلاسيكي، والتجريد، والكاريكاتير، مما يكشف عن عمق أدواته وتعدّد طبقات وعيه البصري. وكانت رسومه، كما يشير النقاد، مشبعة بالرمز والبيئة، مستلهمة من الطين البابلي والأنوثة العراقية والزخرفة الفراتية.
في كتاباته…
لم يكن الفن عند سمير يوسف مقصورا على القماش والفرشاة، بل كان ميدان تأمل وتأريخ ونقد. كتب عن الحركة التشكيلية البابليّة في مؤلفات صدرت تباعًا، أبرزها:
لمحات تشكيلية لمعلم التربية الفنية (2007) ، تأملات في الفن التشكيلي البابلي المعاصر (2022)، الحركة التشكيلية البابلية المعاصرة من 1956 إلى 2018، الذي طبع مرتين، إضافة إلى مشاركته في تأليف التاج: تجليات حلية، وفنانون بابليون، وكتاب نقدي عن منجز الفنانة أشواق الكاهجي.
هذه المؤلفات، كما رأى بعض النقاد، تمثّل مشروع تأريخ للفن المحلي في بابل، وتكاد تكون وثائق بصرية ونقدية مكتملة، تؤرخ وتشرح وتضيء الطريق للأجيال الجديدة من الفنانين. لقد وصفه البعض بأنه "المؤرّخ الصامت لفن بابل"، فيما اعتبره آخرون "ضمير الجيل الذي رسم المدينة بالكلمات كما بالألوان".
في عيون النقاد
يرى النقاد أن سيرة سمير يوسف تمثّل دربًا طويلًا من التماهي بين الفن والرسالة، فهو فنان لا يكتفي بالإنتاج، بل يواكب بالحفر النقدي، والتوثيق الحي. أشاد الناقد صلاح عباس بتنوع أدواته بين الريشة والمقال، واعتبره أحد القلائل الذين صنعوا "مدوّنة بابلية للفن العراقي"، بينما وصفه آخرون بأنه "المعلم الذي لم يغادر صفّه أبدًا، حتى وهو في المعارض والكتب والصحف".
أما الشاعر الراحل شكر حاجم الصالح، الذي رافقه في بعض المؤلفات، فقد كتب مرة: "في رسوم سمير يوسف شيء من جدران بابل... تصدّعت لكنها لا تزال تنبض".
وقد بلغ عدد مشاركاته في المعارض والفعاليات الفنية أكثر من 85 مشاركة، عدا عن مساهماته في تصميم أغلفة كتب الشعراء ورسوم القصائد، وكأنه اختار أن يكون الظلّ البصري للنصّ المكتوب، يضيء ما خلف الحرف بخطّ نابض وميلاد ضوء.
أوسمة وقلائد لا تُحصى
مسيرته الحافلة تُوّجت بعشرات الأوسمة والشهادات، من وزارات التربية والثقافة والشباب، ومن جهات رسمية وأهلية، منها وسام الإبداع العراقي، وقلادة الإبداع من مجلس محافظة بابل، ودرع مؤسسة المدى، ودرع هواجس للإبداع، إضافة إلى أكثر من 75 شهادة تقديرية و50 كتاب شكر.
وفي الختام لا يُمكن اختزال الفنان سمير يوسف في صفة أو مهنة أو مرحلة، لأنه خلاصة روح مدينة، وصوتٌ خافت لمبدع صبور، ظلّ يرسم على جدران الأيام، ويكتب في هوامش الزمن، ويؤمن أن الفنّ هو الطريقة الأجمل لمواجهة الاندثار.
هو الفنان الذي لم يهادن الركود، ولم يغادر الساحة حتى وهو يطوي صفحة الوظيفة. سمير يوسف، بابليٌّ ظلَّ وفيًّا لمدينته، وصار أحد معالمها، كما تمثال، أو جدارية، أو سطر لم يُمحَ بعد من ذاكرة الطين.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...
- الدكتور عامر عبد زيد بين التاريخ والحداثة، في رحاب الفلسفة و ...
- طه التميمي.. شاعر الضمير الشعبي وصوت الطبقة الكادحة
- رائد النافعي السارد الذي اختزن بابل في قلبه وحررها على الورق
- سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني
- الناقد سامر جلاب صانع المرايا في دروب الشعر والنقد
- حواريّة الموت-.. مرثية عراقية موجعة
- حيدر العميدي الناقد الذي قرأ المسرح بجسد الروح
- شريف هاشم الزميلي شاعرٌ بنكهة الأسطورة وناثرُ حلمٍ لا يشيخ
- صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب
- طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة ال ...


المزيد.....




- وزير إسرائيلي يجدد هجومه على السعودية -بعد اعتذاره لها-.. ما ...
- لماذا غيّر رحالة مغربي مسار رحلته على الدراجة إلى مكة ثلاث م ...
- فوز أطول زعماء العالم بقاء في السلطة في الانتخابات في الكامي ...
- مخاوف على المدنيين بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر في ...
- فلسطين: ما دلالات إصدار الرئيس محمود عباس إعلانا دستوريا حول ...
- جدة فلسطينية تبحث مع أحفادها وسط أنقاض الحرب في غزة عن الماء ...
- دعوة أممية لوقف إطلاق النار فورا بالسودان ونزوح بعد تقدم الد ...
- رئيس الوزراء السوداني للجزيرة نت: لا تستطيع أي جهة فرض تنازل ...
- كيف استغلت هجمات التصيد الاحتيالي أداة الذكاء الاصطناعي -كوب ...
- %40 من الأميركيين يستهلكون الأخبار بشكل سلبي.. ما دلالات ذلك ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون