بشار مرشد
كاتب وباحث
(Bashar Murshid)
الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 01:52
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لم تعد السياسة في عالمنا العربي كما كانت ساحةً للتنافس على خدمة الناس، بل أصبح كثيرٌ منها ميدانًا لتبادل الأدوار بين أحزابٍ وحركاتٍ تتصارع أمام الجماهير، وتتقاسم الحكم في الخفاء.
ما يُقدَّم في الإعلام كصراعٍ محتدم بين خصومٍ سياسيين هو، في الحقيقة، مسرحٌ مموَّه، يُخفي وراءه اتفاقاتٍ خلف الكواليس على توزيع المناصب والامتيازات: العداء أمام الكاميرات والاتباع، والمصافحة في الغرف المغلقة.
المأساة الكبرى أن الصراع الحقيقي لا يقع بين القادة، بل بين الأتباع.
العناصرُ الموالون، المعبَّأون بالشعارات، يشتبكون ويتناحرون في الشوارع وعلى الشاشات، بينما الزعماء أنفسهم يلتقون في صمتٍ وابتسامات، ويديرون مصالحهم المشتركة بلا حرج.
أولئك “المتحاربون” في الخطاب ليسوا خصومًا فعلاً، بل ممثلين في مشهدٍ واحد، والجمهور وحده من يدفع الثمن.
تحوّلت الأحزاب إلى شركاتٍ عائلية، تتوارث فيها القيادة كما تُورَّث التركة والعقار.
كان هذا، قديمًا، يحدث على استحياءٍ أو بقدرٍ من الخجل، أما اليوم فبصلافةٍ تامة.
الوريث يُقدَّم بوصفه “امتدادًا لمسيرة القائد”، والحزب يُختزل في اسم العائلة، والأنصار يصفقون كأنهم في جنازةٍ وطنيةٍ يحضرونها كل بضع سنوات.
في هذا المسرح العبثي فقدت السياسة معناها الأخلاقي، وتحوّلت إلى حرفةٍ للنفوذ لا وسيلةٍ للتغيير.
لا أحد يخجل بعد الآن من تواطئه، ولا أحد يتظاهر حتى بمحاولة الإصلاح.
تتنافس الأحزاب والحركات نهارًا، وتتقاسم المناصب ليلًا، بينما يبقى الشعب هو الجهة الوحيدة التي لا نصيب لها من تلك القسمة.
أما مؤسساته، فتصبح ديكوراتٍ للتجميل، لكنها في الحقيقة امتيازاتُ محاصصةٍ لمن يثبت نجاحه في التملّق أكثر.
وحين يموت الزعيم، لا يرحل فكره، بل يُورَّث كرسيُّه.
والموت، في النهاية، هو الحدُّ الوحيد الذي لم يستطيعوا التفاهم معه بعد.
لولا أن الموت يقف في طريقهم، لورَّثونا إلى الأبد.
#بشار__مرشد (هاشتاغ)
Bashar_Murshid#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟