أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف الواقعي














المزيد.....

الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف الواقعي


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 11:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المقدمة:

في عالم يمرّ بتقلبات متسارعة وتحديات مستمرة، يصبح الإنسان أمام سؤال جوهري: كيف نحافظ على مبادئنا أو أهدافنا النبيلة حين تتصارع المصالح والأهواء؟ هل نغير مواقفنا وفق ما تفرضه الظروف، أم نضحي بالقيم من أجل المكاسب اللحظية؟ هذا التوتر بين المرونة والانتهازية ليس خاصًا بالفرد فقط، بل يتجاوز الشخص ليشمل المؤسسات والنظم العالمية.

في قلب هذا التوتر يكمن الضمير والأخلاق، بوصلتنا الداخلية وصمام الأمان الذي يحدد ما إذا كانت تغييراتنا تعكس تكيفًا واقعيًا نابعًا من حكمة ووعي، أم تقلبًا انتهازيًا يسعى فقط لخدمة الأنا والمصلحة الضيقة. فالمسافة بين الانتهازية والواقعية ليست مسافة زمنية أو ظرفية، بل مسافة أخلاقية تتعلق بالغاية التي نبتغيها وبالوسائل التي نستخدمها لتحقيقها.



التقلب الانتهازي:

التقلب الانتهازي هو الميل إلى تغيير المواقف والسلوكيات تبعًا للمصلحة الذاتية الفورية، دون مراعاة للقيم أو الهدف النبيل. صاحب هذا النهج قد يظهر ذكاءً أو براعة في التكيف الظاهري، لكنه في الجوهر يسلك طريق الخداع والمراوغة، لأنه لا يملك بوصلة أخلاقية توجهه. هذا النوع من السلوك يولّد عدم ثقة الآخرين ويضعف الروابط الإنسانية والمؤسسية، لأنه قائم على خدمة الأنا فقط.



التكيف الواقعي:

على الجانب الآخر، يظهر التكيف الواقعي حين تكون المرونة نابعة من وعي وحكمة. الشخص أو المؤسسة أو النظام الذي يتكيف واقعيًا لا يُغَيِّرُ جوهر أهدافه أو القيم التي يؤمن بها، بل يَضْبِطُ سلوكه وأساليبه بما يتلاءم مع الظروف المتغيرة. هذا التكيف لا يفسد الثقة، بل يعززها، لأنه يظهر التزامًا بالغاية النبيلة رغم التحديات والمصاعب.



الضمير كصمام أمان:

في هذا السياق، يبرز دور الضمير كصمام أمان. الضمير هو ما يحفظ الهدف من الانزلاق إلى خدمة الأنا وحدها، ويحوّل أي مرونة أو تغيير في المواقف إلى تكيّف واقعي بدلًا من تقلب انتهازي. إنه البوصلة الداخلية التي تحدد: هل هذه الخطوة تصون القيم أم تخونها؟ وهل الهدف الذي نسعى إليه أوسع من مصالحنا الشخصية؟

غياب الضمير يؤدي إلى أن تصبح كل تغييرات المواقف مجرد مراوغات، وقد يتحول الهدف النبيل إلى شعار فارغ يُستغل لتغطية الانتهازية. بينما وجوده يجعل التغيير خيارًا واعيًا ومسؤولًا، يحفظ التوازن بين الواقع والمتطلبات الأخلاقية.



التطبيق على الفرد والمؤسسة والنظام العالمي:

المبدأ نفسه الذي يحكم الفرد ينطبق على المستويات الأعلى:

1. الفرد: حين يغيب الضمير، يصبح كل تغيير في المواقف مجرد مراوغة لمصلحة الذات. أما إذا كان الضمير حاضرًا، فإن المرونة تخدم النمو الشخصي ونفع الآخرين، وتحوّل التحديات إلى فرص للتعلم والعمل القيمي.

2. الشخصية: الهوية أو الصورة العامة للفرد تكشف جذر هذه الديناميكية. الشخصية القائمة على الضمير تظهر اتساقًا داخليًا حتى مع تغيّر الظروف، بينما الشخصية الانتهازية تتلوّن بحسب الجمهور والمصلحة اللحظية.

3. المؤسسة: الشركات، الأحزاب، والمنظمات. إذا قامت على قيم واضحة، فإن تغييراتها الاستراتيجية تُقرأ كتكيف واقعي مدروس. أما إذا غابت القيم، فإن كل مرونة تصبح انتهازية، وتضيع ثقة الناس بها.

4. النظام العالمي: هنا يظهر التأثير الأكبر. دول أو تحالفات ترفع شعارات حقوق الإنسان أو العدالة، لكنها تتخلى عنها حين تتعارض مع مصالحها، فتتحول الانتهازية إلى قاعدة سلوكية. أما من يحاول الحفاظ على التوازن بين المصالح والقيم، يظهر كيانًا أكثر اتزانًا واستقرارًا.


بهذا يمكن أن نرى أن الضمير والأخلاق ليسا مجرد قواعد فردية، بل آلية تنظيمية للحفاظ على الاتزان والسلوك المسؤول على كل المستويات.



الخاتمة:

يتضح من خلال ما سبق أن التمييز بين التقلب الانتهازي والتكيف الواقعي ليس مجرد مسألة سلوك أو تكتيك، بل قضية أخلاقية جوهرية تحدد مصير الفرد والمؤسسة والنظام على حد سواء. عندما يكون الدافع الأنا والمصلحة الضيقة، يصبح أي تغيير في المواقف انتهازية، تقوّض الثقة وتفسد العلاقات. أما حين يكون الهدف أوسع من الذات، مدعومًا بالضمير والأخلاق، فإن المرونة تتحول إلى تكيف واقعي حكيم، يحفظ التوازن ويعزز العدالة والمصداقية.

يمكن اختصار هذه المعادلة الأخلاقية ببساطة:

الأنا + المصلحة الضيقة = تقلب انتهازي

الهدف النبيل + الضمير = تكيف واقعي


إن الضمير والأخلاق هنا ليسا رفاهية فكرية، بل صمام أمان يحفظ القيم ويصون الهدف النبيل في مواجهة ضغوط الواقع. وفي زمن تتبدل فيه الموازين وتتصارع فيه المصالح، يصبح إدراك هذا الفصل أساسًا لأي حركة ذكية ومسؤولة، على الصعيد الفردي والجماعي والعالمي.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة حق أُريد بها باطل... قراءة تحليلية
- الأحزاب...من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب
- الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح
- مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه
- ادعاء الحكمة بلا تجربة… كالجعجعة بلا طحن
- الدولة الحاكمة وحاكم الدولة… من يواجه العواصف؟
- رواية الحق والتاريخ... الأمواج تهدم قصور الرمل
- التحيّز المعرفي... قصة خيالية هادفة
- رب ضارة نافعة...الغطرسة بداية التهاوي
- دول الاقليم بين التبعية... واستراتيجية التحالف
- الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة ...
- الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير
- الوعي غربال... بين المجاملة واللباقة والتملق
- حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين
- الصبر بين الفضيلة والانتظار القسري...مأساة الإنسان أمام الظل ...
- الانتهازية والغطرسة والنفاق... قراءة عبر العصور
- التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود


المزيد.....




- أسفر عن 4 قتلى.. لحظة قصف الجيش الأمريكي قاربًا في البحر قرب ...
- -قبل انتهاء مهلته-.. تفاصيل موافقة حماس وإسرائيل على خطة ترا ...
- -الخيبة والفشل الذريع لأعدائها-.. ضاحي خلفان يعلق على الاحتج ...
- السعودية.. فيديو لسقوط مركبة أمنية من جسر في الرياض والمرور ...
- مصدر إسرائيلي: ترامب فاجأ نتنياهو مرتين بعد رد حماس .. ما هم ...
- إيران تعدم 6 أشخاص بتهمة الانتماء لـ-جماعة إرهابية انفصالية- ...
- لليلة الثانية... رصد طائرات مسيرة يشل الحركة في مطار ميونخ
- ترامب يدعو إسرائيل لوقف الهجوم على غزة بعد موافقة حماس على ص ...
- آلة الحرب الإسرائيلية تواصل قصف قطاع غزة
- فيضانات مياه النيل الأزرق تسببت في إتلاف محاصيل رئيسية في ال ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف الواقعي