أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح














المزيد.....

الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 10:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المقدمة:
النقد هو أداة معرفية أساسية تهدف إلى تحليل الأفكار والسلوكيات والنهج والأسلوب بهدف تصويبها وتطويرها. إنه ليس مجرد إبداء رأي أو التعبير عن الاستياء، بل عملية منهجية تتطلب تمييزًا دقيقًا بين الفكرة والشخص، بين السلوك والهوية. ما يميّز النقد البنّاء عن التجريح الشخصي هو شعرة دقيقة فاصلة لكنها جوهرية: القدرة على الفصل بين الشخص ذاته، بصفته إنسانًا، وبين شخصيته الاعتبارية التي تمثل أفكاره وأفعاله ونهجه وأسلوبه في العمل.

عندما يُوجَّه النقد إلى النهج أو الفكرة أو السلوك، فإنه لا يتجاوز حدود العقل والمنطق، ويخدم الغرض من التحليل والتصويب، ويتيح للفرد والمجتمع فرصة التعلم والبناء. أما إذا انزلق النقد إلى استهداف الشخص ذاته، إلى كرامته أو نواياه، فإنه يتحول إلى تجريح وهجوم، يفقد مصداقيته ويصبح أداة انفعال لا تصويب.

ببساطة، الفرق بين النقد والتجريح ليس في قسوة الكلام أو صرامته، بل في الاتجاه الذي يصوبه الكلام، نحو البناء والفكرة، أم نحو الشخص وكرامته. ومن هذا المنظور، يصبح النقد فعلًا معرفيًا ووسيلة للنمو والازدهار، بينما التجريح انحراف عن الهدف الأساسي للتحليل والتصويب.



عوامل انجراف النقد نحو التجريح الشخصي:
رغم أن النقد البنّاء يلتزم بالموضوعية والعقل، إلا أن العديد من المنتقدين في بعض المجتمعات ينجرفون نحو التجريح الشخصي لأسباب مترابطة، يمكن تلخيصها فيما يلي:

1. غياب التخصص والخبرة: كثير من المنتقدين يفتقرون إلى معرفة دقيقة بالموضوع، فينتقل النقد من الأداء أو الفكرة إلى الشخص ذاته. مثال: رياضي ينتقد رساما أو تاجر ينتقد مزارعًا.

2. الانفعال الشخصي وإثبات الذات: يُنظر أحيانًا إلى النقد كمعركة شخصية، فيستخدم الناقد لغة عاطفية وانفعالات قوية، معتقدًا أن كثرة الشتائم دليل على قوة حجته أو تفوقه.

3. السعي للشهرة من خلال الخلاف: بعض المنتقدين يبحثون عن الانتباه والشهرة، فيصبح إثارة الجدل أو الصدام هدفًا بحد ذاته، ويغلب على خطابهم التجريح الشخصي.

4. مجاراة الجمهور والتوجه العام: خوف المنتقد من السخرية أو رفض الجمهور إذا لم يتبع الشكل المألوف للنقد، يدفعه للانزلاق نحو التجريح لضمان القبول الاجتماعي.

5. غياب القدرة على الفصل بين الشخص والنهج: في بعض السياقات، يميل المنتقدون إلى ربط الفرد بفكرته أو موقعه، فلا يرون إمكانية نقد الفكرة دون المساس بالشخص.

6. الجو العام المشحون والمكبوت: عدم الاعتراف بأن المسؤولية جماعية وأن الخيار يعود للجمهور، يجعل النقد يتحول إلى تفريغ للغضب على الشخص بدل التعامل مع المشكلة بموضوعية.

7. ضعف التربية النقدية والتعليم على التفكير المنطقي: غياب التدريب على النقد الموضوعي والتحليل المنهجي منذ المراحل التعليمية المبكرة يسهم في انزلاق الأفراد نحو التهجم الشخصي، إذ يفتقدون أدوات التفريق بين الفكرة وصاحبها.


الثغرة التي تكشف براعة الناقد:
يمكن القول إن الثغرة البسيطة التي تكشف مدى براعة وصدق الناقد تتجلى في قدرته على التركيز على الفكرة أو النهج مع الحفاظ على احترام الشخص كإنسان. الناقد الماهر لا ينجرف نحو الشخصنة، ولا يبحث في السجل العائلي أو الصحي أو العلاقات الخاصة للفرد لتقوية موقفه، بل يبقى النقد ضمن حدود العمل أو الفكرة فقط. هذه القدرة على الترميز الدقيق للفكرة والنهج مع الابتعاد عن المساس بالشخص نفسه هي ما يميز النقد البنّاء عن التجريح، وتكشف عن نية صادقة في الإصلاح والبناء لا الانفعال أو الصراع الشخصي.



الخاتمة:
خلاصة القول، النقد البنّاء يظل أداة معرفية قيمة إذا التزم بالموضوعية والفصل بين الشخص والفكرة، إذ يتيح تصويب الأخطاء وبناء الفهم دون المساس بالكرامة الإنسانية. الانزلاق نحو التجريح الشخصي يحوّل النقاش إلى ساحة صراع شخصية، ويضعف قيمة النقد كوسيلة للتعلم والبناء. لذلك، إدراك الشعرة الدقيقة بين نقد الفكرة ونهج الشخص من جهة، واستهداف الشخص ذاته من جهة أخرى، يعد المفتاح لتطوير ثقافة نقدية صحية، تعزز القدرة على التعلم والتقدم الفردي والجماعي.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه
- ادعاء الحكمة بلا تجربة… كالجعجعة بلا طحن
- الدولة الحاكمة وحاكم الدولة… من يواجه العواصف؟
- رواية الحق والتاريخ... الأمواج تهدم قصور الرمل
- التحيّز المعرفي... قصة خيالية هادفة
- رب ضارة نافعة...الغطرسة بداية التهاوي
- دول الاقليم بين التبعية... واستراتيجية التحالف
- الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة ...
- الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير
- الوعي غربال... بين المجاملة واللباقة والتملق
- حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين
- الصبر بين الفضيلة والانتظار القسري...مأساة الإنسان أمام الظل ...
- الانتهازية والغطرسة والنفاق... قراءة عبر العصور
- التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء السابع
- قبول المذلّة… إقرار بالمزيد
- ندم شاهين ...وتهكّم الممعوط


المزيد.....




- شاهد.. راكب دراجة يفر من حرس الحدود وهو يصرخ: -أنا لست مواطن ...
- الإغلاق الحكومي يبدأ رسميا في أمريكا بعد فشل مشروع القانون ا ...
- اليوم 726 للحرب: غارات لا تهدأ وأسطول الصمود يقترب من مياه غ ...
- إغلاق وشلل حكومي في الولايات المتحدة
- ترامب يحذر حماس: -في حال رفض خطة السلام، ستكون النتيجة وخيمة ...
- الدانمارك تستضيف قمة أوروبية وسط تعزيزات أمنية مشددة
- الصيادلة محاصرون بالمرضى القلقين بعد تصريحات ترامب بشأن بارا ...
- 60 قتيلا و147 جريحا بزلزال الفلبين
- لعنة القذافي تصيب ساركوزي بعد مطاردة لعقد من الزمان
- البنتاغون: نقلص قواتنا في العراق مع تراجع تهديد تنظيم الدولة ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح