أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - بشار مرشد - التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود














المزيد.....

التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 11:44
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


##مقدمة:
على مدار عقود طويلة، كانت وكالات الاستخبارات تضطر إلى إنفاق مبالغ طائلة، وتوظيف شبكات واسعة من العملاء السريين، وتحمّل خسائر بشرية جسيمة من أجل الحصول على معلومة واحدة عن شخص أو مجموعة.

كانت عمليات التجنيد، والمراقبة الميدانية، والتنصت التقليدي تتطلب جهودًا معقدة، محفوفة بالمخاطر، وقد تستغرق شهورًا وربما سنوات قبل أن تؤتي ثمارها.

مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، انقلبت معادلة الاستخبارات رأسًا على عقب. فبعدما كانت المعلومة تتطلب جهدًا استخباريًا مضنيًا، باتت اليوم متاحة بسهولة، وغالبًا دون تكلفة تُذكر.

لقد تحولت منصات مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام وغيرها إلى قواعد بيانات ضخمة عن الأفراد والمؤسسات، يقدّمها المستخدمون بأنفسهم وبمحض إرادتهم. منشوراتهم، وصورهم، وإعجاباتهم، وتعليقاتهم، وحتى تفاعلاتهم البسيطة، كلها تشكّل مادة غنية للتحليل، بحيث لم تعد الأجهزة الاستخبارية مضطرة إلى الدفع أو المخاطرة الميدانية للحصول عليها، بل تحصل عليها بشكل مجاني و"متطوع" من قبل أصحابها.

##قراءة الميول والهويات والتوجهات السياسية عبر التفاعلات:
لم تعد التدوينات أو الصور مجرد محتوى عابر؛ فهي بمثابة أدلة متسلسلة تكشف ميول الأشخاص وهوياتهم وتوجهاتهم السياسية.

التعليقات، إعادة النشر، الإعجابات، الوسوم التي يشاركها المستخدم، القوائم التي يتبعها، وحتى توقيت ونمط التفاعل، كلها إشارات يمكن تجميعها وبناؤها لتشكيل صورة دقيقة عن الشخص.

تحليلات الشبكات، وتصنيف المواضيع بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتحليل اللهجات والعبارات المتكررة، تسمح بتحديد الانتماءات الأيديولوجية، القرب من جماعات معيّنة، أو حتى الاحتماليات السلوكية.

##التبرعات الطوعية للمعلومة — صور، وفيديوهات، ومواقع تُحدِّث القاعدة الاستخبارية:
يقوم المستخدمون بأنفسهم "بالتبرع" بالمعلومات" التي كانت الاستخبارات تُكلف مئات الآلاف أو ملايين الدولارات والجهود البشرية لاستخراجها.

صور الرحلات، وفيديوهات البث المباشر، وحالات الاستوري، وتوثيق الأماكن عبر الجي-تاغ، ونشر جداول الرحلات أو مواعيد اللقاءات، وحتى مشاركة الخرائط أو استمارات الحضور — كل ذلك يقدِّم تحديثًا لحظيًا لمسارات الأشخاص ومواقعهم وعلاقاتهم.

ما كان يتطلب سابقًا مراقبة ميدانية طويلة، وتجنيد مصادر محلية، أو تحليل سجلات الاتصال والخلويّة، أصبح متاحًا بلمسة زر وبمعلومات صريحة أو ضمنية من أصحابها.

##أمثلة توضيحية:
زيارة صفحة شخصية على منصة تواصل اجتماعي لم تعد مجرد تصفح سطحي؛ فهي غالبًا ما تكفي لبناء ملف معلوماتي مفصّل عن صاحبها يتجاوز ما قد يعرفه أقرب الناس.

من روتين الحياة إلى مواقع العمل والعلاقات والميول السياسية، تنكشف تفاصيل كثيرة في كثير من الأحيان دون قصدٍ من صاحبها.

الأهم: المعلومات المتناثرة عبر حسابات متعددة تلتقي لتملأ فراغات قد يجهلها حتى محيطه المقرّب، فتصبح الصفحة — ببساطة — مرآة تُظهر ليس فقط ما يريد المرء إظهاره، بل ما ينسى أو لا يدرك أنه كشفه.

وهناك أحداث واقعية في العالم تؤكد كيف يمكن استغلال ما ينشره الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي في بناء ملفات استخباراتية دقيقة، سواء لأغراض سياسية أو أمنية أو اجتماعية.

##التحديات والمخاطر الأخلاقية:
رغم سهولة الوصول إلى المعلومات وتوفير الجهد المادي والبشري، لا يخلو هذا التحول الرقمي من تحديات ومخاطر كبيرة.

أولها الانتهاك الصريح للخصوصية، حيث تصبح بيانات المستخدمين، سواء قصدوا ذلك أم لا، متاحة للتحليل والاستخدام لأغراض متعددة.

ثانيًا، هناك خطر إساءة الاستخدام: فقد تُستغل هذه المعلومات للتأثير السياسي، أو التسويق الاستراتيجي، أو حتى استهداف أفراد أو جماعات بعينها.

ثالثًا، قد تؤدي التحليلات الآلية أو الافتراضات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي إلى استنتاجات خاطئة، مع ما يترتب عليها من وصم أو تضليل.

أخيرًا، يطرح هذا التحول تساؤلات أخلاقية وقانونية حول الحدود بين الأمن والحرية، ومسؤولية الأفراد والمنصات في حماية بيانات المستخدمين، وضمان عدم تحويل الفضاء الرقمي إلى أداة رصد دائمة دون رقابة أو مساءلة.

##خاتمة:
لقد تحول جمع المعلومات من مهمة باهظة التكاليف ومجهدة على مستوى الموارد البشرية والمادية إلى عملية شبه تلقائية عبر منصات التواصل الاجتماعي.

اليوم، لا تحتاج الاستخبارات إلى تجنيد شبكات واسعة أو المخاطرة في الميدان؛ فالمستخدمون أنفسهم يقدّمون بياناتهم طواعية، من منشورات وصور وفيديوهات ومواقع جغرافية، ما يتيح تحديث قاعدة المعلومات بشكل لحظي.

هذا التحول يفتح آفاقًا جديدة للتحليل والاستفادة، لكنه في الوقت نفسه يسلّط الضوء على تحديات أخلاقية وقانونية مهمة: حماية الخصوصية، ومنع إساءة الاستخدام، وتجنّب الاستنتاجات الخاطئة التي قد تضر بالأفراد أو الجماعات.

لذا، يصبح الوعي الرقمي للمستخدمين، والتشريعات المناسبة، والتقنيات المسؤولة حجر الزاوية في التوازن بين الاستفادة من هذه المصادر الرقمية والحفاظ على الحقوق الأساسية.

في النهاية، يوضح هذا الواقع كيف أصبح التواصل الاجتماعي ليس مجرد وسيلة للتفاعل الاجتماعي، بل أداة استخباراتية متاحة للجميع، تحمل فرصًا كبيرة ومخاطر جسيمة، وهو ما يستدعي إدراك الأفراد والمؤسسات لدورهم ومسؤوليتهم في الفضاء الرقمي.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء السابع
- قبول المذلّة… إقرار بالمزيد
- ندم شاهين ...وتهكّم الممعوط
- حين تتوحد الأعراق... ويتشرذم الأعراب
- الحرية الكَيِّسَة...والحياد الجَري
- حوار المعالجات الرقمية... الجزء السادس
- حوار المعالجات الرقمية... الجزء الخامس
- حوار المعالجات الرقمية....الجزء الرابع
- حوار المعالجات الرقمية.... التسريب الثالث
- حوار المعاجات الرقمية... التسريب الثاني
- حوار مسرب بين معالجات ألفا وبيتا
- الأقنعة والحقائق... مسرحية الانتصار عبر المنصات الاجتماعية
- ظل المؤسسة... بين الولاء والنهب
- الشرق والغرب... الظل الذي تغلّب على النور
- بين الركام والأمل… غودو الفلسطيني
- الطبيعة وتصحيح اختلال القوة
- هل يتحول الطموح إلى جموح منفلت؟
- التفاوض....معركة ذكية بين طرفي العملية وأسرار النجاح
- من جعل الفكرة صنمًا، لم يختلف عمّن جعل الشخص معبودًا... الحر ...
- المصادر الإعلامية... الغموض المستحدث والإعلام الموجّه


المزيد.....




- الجيش الأوكراني يكشف عن تأثير انقطاع خدمة -ستارلينك- على قوا ...
- ممثل إسباني يرتدي الكوفية الفلسطينية في حفل توزيع جوائز إيمي ...
- مصر.. اكتشاف ورشة أثرية لصهر النحاس في جنوب سيناء
- ما الذي ينتظره الشارع العربي والإسلامي من قمة الدوحة بعد اله ...
- سيث روجن يحصد أول جائزة إيمي وجين سمارت تتوج للمرة الرابعة ف ...
- -غزة الحرة-.. أول حركة تضامنية تسيّر سفنا دولية لكسر الحصار ...
- ترامب يشارك منشورا من تيك توك يدعوه لتقييد المؤسسات الإخباري ...
- محمد عرفان علي أول رئيس مسلم لجمهورية غويانا
- -فلسطين فازت- بطواف إسبانيا بعدما تسبب متظاهرون بإلغاء مرحلت ...
- هل تنجح تجربة الحواسيب المحمولة القابلة للترقية؟


المزيد.....

- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - بشار مرشد - التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود