أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بشار مرشد - التفاوض....معركة ذكية بين طرفي العملية وأسرار النجاح















المزيد.....

التفاوض....معركة ذكية بين طرفي العملية وأسرار النجاح


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 14:35
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


* التعريف بالطرفين
التفاوض، في جوهره، معركة ذهنية وإدارة دقيقة لميدان غير مرئي. يدخل كل طرف هذه المعركة مسلحًا بمعلوماته، وأهدافه، وقدرته على قراءة الآخر.
المفاوض المحترف يدرك أن النصر لا يتحقق بالصوت المرتفع أو الإصرار الأعمى، بل بامتلاك كافة المعلومات الحقيقية عن الخصم: نقاط قوته، مواطن ضعفه، أولوياته، وحتى حدوده النفسية.
في أي مواجهة تفاوضية، هناك قسمان من الأهداف:
الأهداف الاستراتيجية: وهي الغاية الكبرى التي يسعى إليها الطرف، وتبقى عادة مخفية عن أعين الخصم، تمامًا كخطط المعركة التي لا تُكشف قبل أوانها.
الأهداف التكتيكية: وهي خطوات أو مكاسب فرعية، قد تُطرح علنًا لتشتيت الخصم أو لتمهيد الطريق نحو الهدف الأكبر.
لكن المعركة لا تُخاض في فراغ؛ فالمفاوض الناجح يضع في اعتباره التوازنات والتحالفات المحيطة بالخصم، ويقرأ بدقة الواقع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي الذي يجري فيه التفاوض. إضافة إلى ذلك، يتنبّه إلى المتغيرات المفاجئة التي قد تحدث أثناء العملية — سواء كانت تصريحًا غير محسوب، أو تبدلًا في موقف طرف ثالث، أو أزمة طارئة — ويملك خططًا بديلة للتعامل معها.
إن القدرة على الموازنة بين الاستراتيجية والتكتيك، مع إدارة شبكة العوامل الخارجية، هي ما يحوّل التفاوض من مجرد حوار إلى فوز حاسم في ساحة معركة العقول.
* التصاعد والتهاوي
في ساحة التفاوض، لا تسير الأمور بخط مستقيم. فمع تقدم المعركة، قد تجد أن مطالب أحد الطرفين تتصاعد خطوة بعد أخرى، بينما مطالب الطرف الآخر تبدأ بالتهاوي أو التآكل شيئًا فشيئًا.
هذا التباين لا يحدث صدفة؛ بل هو نتيجة إدارة الإيقاع داخل التفاوض. المفاوض المتمكن يعرف متى يرفع سقف مطالبه ليُربك الخصم، ومتى يُبطئ وتيرة التنازلات ليُرهقه نفسيًا. وفي المقابل، من يفتقر إلى الخطة المحكمة أو يستهلك ذخيرته من الحجج سريعًا، يجد نفسه في موقع الدفاع، مضطرًا للتنازل أكثر مما كان يتصور في البداية.
هنا تبرز أهمية حسن توقيت الهجوم وتوقيت التراجع التكتيكي. فالتصعيد المبكر قد يكشف أوراقك قبل أن تُحكم سيطرتك على الميدان، بينما التنازل المبكر يفتح شهية الخصم للمزيد من المكاسب.
إن فهم هذه الموجات من التصاعد والتهاوي، والسيطرة عليها بدل أن تكون ضحيتها، هو ما يجعل المفاوض قادرًا على إعادة رسم حدود المعركة لصالحه، حتى وإن بدت الكفة في البداية راجحة للطرف الآخر.
* العوامل المؤثرة في ميل الكفة
ساحة التفاوض، كأي ميدان معركة، لا يحكمها طرفاها فقط، بل تتأثر بعوامل خارجية وداخلية يمكن أن ترجّح الكفة فجأة أو تقلبها رأسًا على عقب. وأهم هذه العوامل:
* عامل الوقت: الوقت سلاح ذو حدين؛ من يملك رفاهية الانتظار يفرض إيقاعه، بينما من تضغطه المواعيد النهائية يضطر إلى التنازل. إطالة أمد المفاوضات قد تستنزف الخصم، لكن قد تنقلب ضدك إذا طال الوقت أكثر من قدرتك على الصمود.
* الحاجة: الحاجة الملحة هي نقطة ضعف مكشوفة. الطرف الأكثر احتياجًا لإنجاز الاتفاق سريعًا يضع نفسه في موقع أضعف، بينما من يستطيع تأجيل أو تعطيل الصفقة يكتسب قوة تفاوضية إضافية.
* الضغط النفسي: التفاوض ليس أرقامًا وحججًا فقط، بل لعبة أعصاب. الحدة في النبرة، أو الإصرار الهادئ، أو حتى الصمت المدروس، قد يزعزع ثقة الخصم ويدفعه لاتخاذ قرارات متسرعة.
* المعلومات المتاحة: المعلومة الدقيقة قد تعادل جيشًا كاملًا. من يعرف أكثر عن خصمه، وعن البيئة المحيطة بالمفاوضات، يملك القدرة على المناورة وفرض الشروط. أما العمل في الظلام، فيجعل المفاوض يتخذ قرارات عمياء.
* العوامل الخارجية والتحالفات: موقف طرف ثالث، تغير سياسي، أزمة اقتصادية، أو حتى تصريح إعلامي مفاجئ… كلها قد تغيّر المعادلة. المفاوض الذكي لا يكتفي بإدارة الحوار مع خصمه، بل يرصد أيضًا حركة الأطراف المؤثرة في الخلفية.
إتقان قراءة هذه العوامل والتكيف معها هو ما يحدد إن كان المفاوض سيبقى ممسكًا بزمام المبادرة، أو يتحول إلى مجرد ردّ فعل أمام ضغط الأحداث.
* الأساس في التفاوض
يكمن الأساس الحقيقي لأي عملية تفاوض في قابلية تحقيق الهدف الاستراتيجي بوضوح، ومدى امتلاك الطرف لأوراق قوة تدعم موقفه، بالإضافة إلى توفر مجال واسع للمراوغة والتكتيك.
إذا لم تتوفر هذه العوامل، فالأفضل عدم الدخول في الحدث الذي قد يفضي إلى التفاوض من الأساس، لأن ذلك قد يؤدي إلى خسائر محققة.
هذا المبدأ يؤكد أن التفاوض الناجح لا يُبنى على التسرع أو الاندفاع، بل على تقييم دقيق لقدرة الطرف على تحقيق أهدافه والاحتفاظ بمرونة تكتيكية تسمح له بالتكيف مع متغيرات الميدان.
* دور الوسيط في التفاوض
في الكثير من الحالات، يصبح التفاوض بين طرفين متصارعين أشبه بمعركة محتدمة يصعب على أي منهما تحقيق انتصار كامل بمفرده. هنا يأتي دور الوسيط المحايد، وهو جهة تتدخل لتنظيم الحوار، وتخفيف التوتر، وتسوية الخلافات بما يضمن استمرار العملية التفاوضية.
الوسيط المحايد:
* يملك مهارات عالية في التواصل والاستماع.
* يفهم مصالح الطرفين وأهدافهم.
* يستطيع اقتراح حلول وسط تحقق نوعًا من الرضا.
* يحافظ على حيادية صارمة تبني الثقة بين الأطراف.
وجود الوسيط المحايد لا يعني بالضرورة أن أحد الأطراف خاسر، بل هو أداة لتمكين التفاوض من الاستمرار والوصول إلى نتائج قابلة للتطبيق، خاصة في المواقف التي تعجز فيها الأطراف عن التقدم بمفردها.
* إشارة التوقف في التفاوض
في سير المعركة التفاوضية، هناك لحظة حاسمة تُعرف بـ"إشارة التوقف"، وهي النقطة التي يجب عندها أن يتوقف المفاوض عن التنازل أو الاستمرار في الصراع، حفاظًا على ما تبقى من قوة ومكاسب.
قد تظهر هذه الإشارة بوضوح عندما يبدأ المفاوض في ملاحظة تهاوي المطالب وتراجع الموقف بشكل مستمر، مما يعني أن الاستمرار قد يؤدي إلى خسارة كل شيء. في هذه الحالة، يكون من الحكمة التوقف فورًا، وتسليم الأوراق ونقاط القوة المتبقية إلى طرف آخر قريب، يملك القدرة والخبرة على المفاوضة بشكل أفضل أو تحمل المزيد من المخاطر، بدلاً من أن يخسر الطرف الأول كل مكاسبه.
يلعب الوسيط دورًا مهمًا في هذه المرحلة، لكن لا بد من التنبه إلى أن الوسيط قد يكون محايدًا أو متحيزًا، مما يستدعي من المفاوض أن يكون يقظًا ويعدّل استراتيجيته بناءً على ذلك.
القدرة على قراءة هذه الإشارات والتصرف بحكمة عندها تحول التفاوض من احتمال خسارة كاملة إلى فرصة للحفاظ على المكاسب وإعادة ترتيب الصفوف لاستكمال المعركة في ظروف أفضل.
* الخلاصة
التفاوض ليس مجرد حوار عابر، بل هو معركة ذهنية تُكسب بالتحليل الدقيق للموقف، والمعرفة العميقة بالخصم، والمرونة الاستراتيجية، والقدرة على قراءة إشارات التوقف في الوقت المناسب. إنه فن يتطلب التقييم المستمر، والعلم الذي يُبنى على التخطيط المحكم، وهو ما يجعله أداة لا غنى عنها لتحقيق الأهداف في مختلف الميادين.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من جعل الفكرة صنمًا، لم يختلف عمّن جعل الشخص معبودًا... الحر ...
- المصادر الإعلامية... الغموض المستحدث والإعلام الموجّه
- سفينة العودة... لن يتهاوى الحلم
- من خراف بانورج إلى دمية لابوبو... غياب الحكمة
- القطيع الهائم… من اليأس يولد الأمل
- ما بين منهجية التحليل... وضروب التخمين
- السياسة بين الواقع والوهم....حين تكون الأفعال أصدق من الأقوا ...
- تجارب من التاريخ المعاصر... ثبات المبدأ وتكيف الأسلوب
- الحلم من الثريا إلى الوطن.. واحتي بين الفكر والسياسة والإنسا ...
- جائحة الفيتو... وسكسونيا النظام الدولي
- الثريا في صحراء الظلام… الغاية التي لم تُدرك بعد
- الغرق في بحر الشعارات…
- الأفلاطونيون... صدى التفهيق في دهاليز السياسة والحكم
- المناورة في الغابة ... واستراتيجية الدفاع الرباعية
- ما بين الوطن والوطنية… كرامة أم تضحية؟ استبدال العدل بالمساو ...
- المناورة.... واستراتيجية الاحتلال في رباعية الحرب
- حماية المؤسسات: كيف تبني الكفاءة والنزاهة سدًا ضد الفساد وال ...
- الصداقة النادرة .. في زمن المصالح العابرة
- العالم الرقمي.. تواصل وحوار أم تهجّم وصراع؟
- الاستقلال والسيادة الحقيقية... هل تُبنى أم تُعطى؟


المزيد.....




- الشرطة البرازيلية تحرر رهينتين وتقتل ثمانية مشتبه بهم خلال م ...
- مخاوف من أزمة جديدة بين موريتانيا ومالي بسبب التجار والرعاة ...
- لن يسلم حزب الله سلاحه.. لأن المطلوب رأسه
- أصوات من غزة.. شهادات فلسطينيين بعد 700 يوم من الحرب
- ترامب يوقع أمرا بتغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب
- ترامب يكشف عن آخر تطورات مفاوضات إدارته مع -حماس-: -تطلب بعض ...
- خوذة الأشعة فوق الصوتية.. أمل جديد لعلاج الباركنسون دون جراح ...
- أثناء -ملاحقة متشددين-.. قتلى وجرحى عسكريين في جنوب اليمن
- أي تداعيات للمواجهات الأخيرة بين مهاجرين أفارقة في عدة أحياء ...
- في أوج أزمة حول الميزانية، ستارمر يُظطر إلى تعديل حكومته


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بشار مرشد - التفاوض....معركة ذكية بين طرفي العملية وأسرار النجاح