أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بشار مرشد - القطيع الهائم… من اليأس يولد الأمل















المزيد.....

القطيع الهائم… من اليأس يولد الأمل


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 11:04
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


##مقدمة:
لكل عملية بناء أسس وقواعد، ولكل زرع تمهيد، من إعداد الأرض إلى تسويق المحصول، فهذه فطرة الله في الطبيعة وضعها الله لإعمار الكون. المجتمعات، مثلها مثل أي عملية بناء أو زرع، تبدأ من الأساس: الأسرة، ثم الحي، ثم ثقافة المجتمع، وصولًا إلى الوعي الجمعي. لكن عندما تتشقق هذه القواعد الأساسية، يبدأ الانهيار، وتظهر فوضى القطيع، حيث يغلب الانفعال على الوعي، ويصبح الناس أسرى للردود الفورية المتسرعة بدل التفكير النقدي والواقعي.

في العالم العربي، كانت البداية منذ بداية تفكك الدولة العثمانية، حيث بدأ إنهيار النظام وانهاء الخلافة، وصعود الأحزاب المتنوعة، وانتشار الأفكار المتناقضة، ما جعل المجتمع العربي عرضة لغزو فكري وثقافي مستمر إضافة إلى الاحتلال الاستعماري. هذا الغزو ألقى بالمجتمعات كالقطيع في حالة من الهيجان الدائم، كما لو أن مجموعة من الضباع بدأت تطارده، تحركه من خوفه، ومن انقسامه، ومن شعوره بالعجز، حتى اختلطت الحقيقة بالوهم، وامتزجت الحرية بالهيمنة الخارجية، فلم يعد يعي المخاطر و الضلال.

##الإحباط واليأس:
الجمود واليأس الذي تعيشه المجتمعات العربية اليوم لم يكن وليد اللحظة، بل تراكم عبر عقود طويلة من الانقسامات والتأثيرات الخارجية والداخلية. تفكك الدولة العثمانية وتقاسمها بين المستعمرين ترك فراغًا سياسيًا استغله صعود الأحزاب والمصالح الضيقة، وانتشار الأفكار المتناقضة التي لم ترتبط بواقع المجتمع، بل جاءت مستوردة أو مفروضة من الخارج. هذا الانقسام المستمر أدى إلى انتشار حالة من الإحباط واليأس الجماعي، حيث أصبح المواطن يعيش في دائرة من عدم الثقة، يتبع الخطابات الحماسية الفارغة، ويبحث عن تفسيرات جاهزة لمشاكله في المؤامرة أو في نظام الحكم، ولم يعد يفرق بين الشخص والمؤسسة وبدل أن يواجه التحديات بوعي ومبادرة تنتهج مبدأ النقد لكل شيئ دون أن يدرك الصواب من الخطأ فوق ومزيدا من التيه والضياع.

##التاريخ العربي الحديث:
التاريخ العربي الحديث مليء بالمحطات التي كشفت هشاشة البنى الاجتماعية والسياسية أمام اليأس والانقسامات. حيث إنه بعد الاستعمار حاولت بعض الدول العربية الإصلاح وإعادة البناء، لكن صراعات ما بعد الاستقلال والانقسامات الطائفية والعرقية أعاقت أي مشروع نهضوي وحدوي حقيقي. الأحزاب والنخب غالبًا ركزت على مصالحها الذاتية، والخطابات كانت تركز على المؤامرة الخارجية وعلى الاخر أكثر من النقد الذاتي، ما جعل المجتمع يظل أسيرًا لدائرة ثقافة القطيع والشعارات الفارغة. وبالرغم من ذلك، يكمن في هذا التاريخ درس مهم: حتى في أكثر اللحظات قتامة، تظهر شرارات التغيير، أحيانًا على شكل حركات شبابية، أو مشاريع ثقافية، أو وعي جماعي جديد قادر على كسر الحلقة المغلقة بين الجمود والفوضى.

##الاستهلاك مقابل الإنتاج:
أحد أبرز مظاهر الجمود في المجتمعات العربية هو اعتماد الاستهلاك على حساب الإنتاج في كل المجالات. وتحولت العقلية من البناء والإبداع إلى متابعة كل ما هو جاهز ومستورد، واستُبعدت فكرة الاكتفاء الذاتي أو التكامل الاقتصادي، حتى أن أصحاب الشعارات يهتفون عبر مكبرات الصوت المصنوعة بالخارج، يصرخون ويلتقطون الصور بكاميرات الاستعمار ويحرصون الندوات ويذهبون إلى المؤتمرات بسيارات الاستعمار وطائراتهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التفكير بالعمل الجاد أو الإسهام في بناء مجتمعهم. كأنهم يركضون في سباق صاخب بلا خطوط نهاية، حيث الصخب والحماسة يحلان محل التخطيط والإنتاج. وفي الوقت نفسه، ابتدع البعض ثقافة النقد والاتهام المتبادل، كل يرى نفسه الفاضل والصالح، وكل من يخالفه الطالح والضال. عداك عن كثرة المحللين في شتى المجالات وعندما تسمع كلامهم المنمق تحسبهم يديرون العالم بفطنتهم ولكنهم في الواقع لم يستطيعوا إدارة حوار بناء هادف داخل الاستوديو. لا نريد الحديث هنا عن المنجمين والفلكيين فلا مجال لذلك!!!!!

هكذا يغدو الشعار مجرد بديل عن الفعل والإبداع، ويظل المجتمع أسير دائرة القطيع والسطحية، بعيدًا عن البناء والإنتاج الحقيقي، ويبقى المجتمع يجهل كيف يحول هذه الطاقة إلى فعل ملموس يغير واقعه ويصنع مستقبله، بينما مصالح الفئة الصاخبة هي المحرك الخفي وراء كل هذا الصخب والضياع. ولا سيما أن دول الاستعمار تستمتع بجموح القطيع المنفلت حيث أصبح مسرحًا للتسلية بالنسبة لأولئك الطامعين. ويجدر بالذكر أن معظم أصحاب هذه الشعارات هم بعيدون عن هموم الشعوب، مترفون، يعيشون غالبًا في الخارج، أو متفرغون بشكل يثير الشكوك، ويبدو أنهم بيادق محترفي مطاردة القطيع وإرهاقه، يوجّهون الصخب والشعارات لخدمة مصالحهم الخاصة بعيدًا عن الواقع اليومي للمجتمع.

##هل من طفرة قادمة؟
ورغم هذا الواقع المترهل، يظل السؤال الأكثر أهمية: هل ستظهر الطفرة القادمة في العالم العربي من داخل المجتمع نفسه، على شكل وعي متجدد وثورة فكرية هادئة، تعيد ترتيب أولويات الناس وتحوّل طاقتهم إلى إنتاج وبناء؟ أم أنها ستكون انفجارًا اجتماعيًا، سريعًا وصاخبًا، يطيح بالقدرة على التخطيط ويترك آثارًا عميقة قبل أن يتمكن من البناء؟

كمثال حي، شاهدنا الكثير من المتحدثين في موجة الربيع العربي، الذين ألهبوا الجماهير بالكلمات والشعارات، وأشعلوا الحماسة في الشوارع، ليصلوا إلى ذروة التأثير في موجة الربيع العربي المفعمة بالطاقة، لكن سرعان ما تحول الكلام الحماسي إلى خريف الفعل، حيث تلاشت الخطط، وظهرت الفوضى، وتبين أن الطاقة لم تتحول إلى بناء وإنتاج حقيقي بل إلى ندم لدى الأغلبية، وعلقوا الفشل على شماعة المؤامرة. إن معرفة مصدر هذه الطفرة وطبيعتها هو ما سيحدد مصير المجتمعات العربية، بين الفوضى المدمرة والوعي البناء.

##الخاتمة: وعي وبناء المستقبل
في النهاية، المجتمعات العربية تواجه مفترق طرق واضح: الاستمرار في دائرة القطيع والصخب والاعتماد على الشعارات الفارغة، أو تحويل الطاقة الجماعية إلى وعي وإنتاج حقيقي قادر على بناء المستقبل. التاريخ مليء بالدروس؛ من سقوط الأندلس إلى نهضة اليابان، ومن ذروة الحماسة في الربيع العربي إلى خريف الفعل ومزيد من التردي، كل ذلك يذكرنا بأن التحولات الكبرى لا تأتي من الفراغ، بل من تراكم الوعي والفعل المنظم.

والسؤال الأكثر إلحاحًا يبقى: الطفرة القادمة، أيًا كانت طبيعتها، هل ستأتي بعد سنوات الألم واليأس؟ التاريخ يعلمنا أن العديد من الأمم حققت النهضة والتحول من شدة اليأس والألم، فهل سيأتي الأمل للعالم العربي بنفس الطريقة، أم ستظل الدائرة مغلقة بين الفوضى والصخب ونظرية المؤامرة؟ إن الإجابة على هذا التساؤل مرتبطة بمدى قدرة المجتمع على تحويل الطاقة السلبية إلى فعل واعٍ ومنظم، بدل أن يبقى أسيرًا للفوضى وتبادل الاتهامات والخوض في الإشكاليات والمعضلات، بلا أي حلول بناءة.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين منهجية التحليل... وضروب التخمين
- السياسة بين الواقع والوهم....حين تكون الأفعال أصدق من الأقوا ...
- تجارب من التاريخ المعاصر... ثبات المبدأ وتكيف الأسلوب
- الحلم من الثريا إلى الوطن.. واحتي بين الفكر والسياسة والإنسا ...
- جائحة الفيتو... وسكسونيا النظام الدولي
- الثريا في صحراء الظلام… الغاية التي لم تُدرك بعد
- الغرق في بحر الشعارات…
- الأفلاطونيون... صدى التفهيق في دهاليز السياسة والحكم
- المناورة في الغابة ... واستراتيجية الدفاع الرباعية
- ما بين الوطن والوطنية… كرامة أم تضحية؟ استبدال العدل بالمساو ...
- المناورة.... واستراتيجية الاحتلال في رباعية الحرب
- حماية المؤسسات: كيف تبني الكفاءة والنزاهة سدًا ضد الفساد وال ...
- الصداقة النادرة .. في زمن المصالح العابرة
- العالم الرقمي.. تواصل وحوار أم تهجّم وصراع؟
- الاستقلال والسيادة الحقيقية... هل تُبنى أم تُعطى؟


المزيد.....




- في تحد للغرب.. الصين تنظم عرضًا عسكريًا ضخمًا وتكشف عن أسلحة ...
- بعد لقائه بوتين.. تصرف غريب يلفت الأنظار حول احتمال إزالة ال ...
- -من شأنه تقويض روح الاتفاقيات الإبراهيمية-.. الإمارات: ضم أي ...
- محمد بن زايد يصل إلى السعودية في -زيارة أخوية-.. وهذا ما ناق ...
- كاتس يُحذّر: -أوفيك 19- يراقب -الأعداء- بلا توقف.. ودور خفي ...
- تونس.. عودة قوية للسياح الأجانب والسلطات تأمل بتسجيل رقم قيا ...
- اتفاق التجارة الحرة مع -ميركوسور-: المفوضية الأوروبية قبلت ب ...
- -لا تعبثوا مع الصين-... بعرضٍ عسكري مهيب، بكّين ترسم رؤيتها ...
- محطة شتوكة.. نموذج مغربي رائد لتحلية مياه البحر ومواجهة التغ ...
- عاجل | القسام: قصفنا بقذائف هاون تجمعا لجنود وآليات العدو في ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بشار مرشد - القطيع الهائم… من اليأس يولد الأمل