أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - بشار مرشد - الثريا في صحراء الظلام… الغاية التي لم تُدرك بعد














المزيد.....

الثريا في صحراء الظلام… الغاية التي لم تُدرك بعد


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 08:42
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


في قديم الزمان، كانت هناك شعوب تعيش على أرض خصبة عامرة بالخيرات، متحدّة بلسان واحد ولغة فصيحة موحدة، حيث كان كلامهم دقيقًا، وفكرهم منسقًا، ومعارفهم متصلة تُنقَل بين الأجيال بسلاسة. مدنهم كانت منارات للعلم والحضارة، تلمع بالمعرفة والتقدم، وتستقطب العقول الطامحة من كل حدب وصوب، وأرضهم تمنحهم كل يوم خيراتها، وتغني الطبيعة حولهم بالجمال والوفرة، وكانت حياتهم متناغمة كلوحة متقنة تعكس التآلف بين الإنسان والطبيعة والفكر.

لكن هذه الأرض الوفيرة لم تخلُ أبدًا من المطامع، فقد كانت دومًا مطمعًا للقوى الطاغية والطامعة، لكل من يبتغي السيطرة والهيمنة.

وفي زمن غير متوقع، بينما كان الناس منشغلين بحصاد ثمار الأرض، وبناء المعارف، وتنمية مدنهم ومراكز العلم، وإثراء الحضارة التي توارثوها جيلاً بعد جيل، جاءت قبيلة الظلام لتستولي على جزء من أراضيهم عنوة، مدعومة من قوى الظلم والطغيان العالمي. فرضت سيطرتها على الموارد، وكتمت الحرية، وزرعت الخوف في القلوب، لتشق الصف الواحد الذي كان يوحدهم باللسان والفكر والحضارة.

مع مرور الأيام، امتد ظل قبيلة الظلام على الحقول والأنهار والمدن نفسها، وخنق الهواء النقي، وأصبح الخوف مقيمًا في كل مكان. الشعوب، رغم توحدها الثقافي والفكري، شعرت بالعجز أمام القوة المفاجئة، وظهر بين صفوفها المنتفعون الذين باعوا مصالح الجماعة لأجل البقاء أو الربح الشخصي. الانقسامات نخرّت القلوب، وضاع صوت الحكمة وسط صخب الخوف، وأصبح الحزن مقيمًا في كل بيت، وفي وجوه الأطفال والباحثين عن العلم.

لكن وسط هذا الألم، بدأ بعض الناس يدركون حقيقة الوضع: القوة لا تكمن في العاطفة، بل في الفهم والعمل المنظم. راودهم حلم البناء والعمل والتنظيم الصامت، حلم بأن يكون الاتحاد الكامل بين كل الفروع والأفخاذ، واستثمار اللسان والفكر الموحدين، طريقهم لتنسيق الجهد والمعرفة وحماية المجتمع من الظلام والظلم.

هذا الحلم دفعهم إلى السعي في حماية الفئات الضعيفة، وتقليل نفوذ المنتفعين، واستثمار مدنهم منارة للعلم والحضارة في تطوير الصناعات، الاكتفاء الذاتي، ونشر المعرفة بين الجميع. كانت هذه الخطوات تمنحهم قوة خفية وسط الظلام، ولو صغيرة، لكنها كانت أساس الصمود.

مع الوقت، بدأ الظل الذي فرضته قبيلة الظلام يترقق تدريجيًا، فصارت الشعوب قادرة على تحويل أدوات الظلم إلى ضغط مضاد، ومع ذلك، ظل الطريق مرهقًا، مليئًا بالتضحيات، والخسائر النفسية والجسدية كبيرة. المنتفعون ما زالوا يمثلون عقبة، والمراقبون الخارجيون لا يتحركون إلا حين تصبح الكلفة على الظلام عالية، وكل خطوة صمود كانت مكلفة ومرهقة، لكنها أظهرت أن الشعوب لم تعد مجرد ضحايا، بل قوة واعية ومنظمة، مدعومة باللسان الموحد، الفكر الموحد، ومدن الحضارة المنتصرة.

وفي النهاية، بقيت الشعوب تحلم بوحدة كاملة، بلسان واحد، ولغة فصيحة موحدة، ومدن منارة للعلم والحضارة، لكنها لم تستطع أن تحقق كل ذلك على أرض الواقع. ظل الظلام يفرض ثقله، واستمر المنتفعون في عقباتهم، والطريق نحو الحرية كان مليئًا بالتضحيات والألم والخسائر.

الحالم، الذي فهم الطريق وقوة الاتحاد والعقل والعمل، أراد هذه النهاية، أراد أن ترى الشعوب الضوء، والعلم، والكرامة، والاكتفاء الذاتي، لكنه أدرك أن الحلم لا يتحقق بسهولة، وأن الواقع يفرض قيودًا أقسى من أي ظلام خارجي.

وهكذا بقيت الرؤية رمزًا للأمل الممكن، لصمود العقل والعمل والاتحاد، وللحرية التي لم تتحقق بعد، كأنها نجمة بعيدة في الليل، تذكّر الشعوب بما يمكن أن يكون، لكنها ما زالت خارج متناول اليد.
وعسى أن يهتدي بتلك النجمة أحدًا في قادم الأيام، ليصل إلى هدفه، ويخرج من متاهة تلك الصحراء التي أوشكت على فنائه، عطشًا للظما، غارقًا في الفرقة والتخلف.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغرق في بحر الشعارات…
- الأفلاطونيون... صدى التفهيق في دهاليز السياسة والحكم
- المناورة في الغابة ... واستراتيجية الدفاع الرباعية
- ما بين الوطن والوطنية… كرامة أم تضحية؟ استبدال العدل بالمساو ...
- المناورة.... واستراتيجية الاحتلال في رباعية الحرب
- حماية المؤسسات: كيف تبني الكفاءة والنزاهة سدًا ضد الفساد وال ...
- الصداقة النادرة .. في زمن المصالح العابرة
- العالم الرقمي.. تواصل وحوار أم تهجّم وصراع؟
- الاستقلال والسيادة الحقيقية... هل تُبنى أم تُعطى؟


المزيد.....




- قمة الصين الأمنية: هل تشهد ولادة تحالف جديد ضد النفوذ الأمري ...
- خارجية بريطانيا تتحدث عن إغلاق مؤقت لمبنى سفارتها في مصر
- في الضفة.. كيف -تعاقب- إسرائيل الدول التي ستعترف بفلسطين؟
- الولايات المتحدة تعلق تأشيرات حاملي جوازات السفر الفلسطينية ...
- فيديو.. انفجار كبير بمخزن أسلحة في مدينة مصراتة الليبية
- القضاء الأميركي يعاند ترامب في -أزمة الـ600 طفل-
- زلزال يهز أفغانستان وباكستان.. ومخاوف من احتمال وفاة المئات ...
- بعد أبو عبيدة.. إسرائيل تتوعد قادة حماس في الخارج
- بعشرات الآلاف.. خطط أوروبية لإرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا ...
- بري يطرح الحوار تحت سقف استراتيجية الامن الوطنية


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - بشار مرشد - الثريا في صحراء الظلام… الغاية التي لم تُدرك بعد