بشارة مرشد
الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 12:14
المحور:
الفساد الإداري والمالي
مقدمة:
في قلب أي مؤسسة تسعى للنجاح والازدهار، تكمن تحديات معقدة قد تُهدد بنيانها من الداخل. لعل أبرز هذه التحديات هي ظاهرة الفساد والسلوك التخريبي. هذه الأفعال لا تُشكل مجرد خرق للقواعد، بل تُنخر في قيم المؤسسة وتُعيق تقدمها. السؤال هنا ليس فقط "لماذا يحدث هذا؟" بل "ما هي الدوافع الحقيقية وراء هذا السلوك؟" وهل هي مادية بحتة، أم أن هناك أبعادًا نفسية، اجتماعية، وثقافية أعمق تُساهم في تغذية هذه الظاهرة؟
ان فهم هذه الدوافع يُعدّ الخطوة الأولى والجوهرية نحو بناء بيئات عمل صحية، مُنتجة، ومُحصّنة ضد أي محاولة للفساد أو التخريب.
أن الكفاءة هي أساس البناء و عند غيابها تتجذر المشكلات
والكفاءة تعد الركيزة الأساسية لنجاح أي مؤسسة، فالفرد الكفء يُساهم بفاعلية، ويُطور من ذاته، ويُعزز بيئة الإنجاز. لكن الغريب أن غياب الكفاءة أو الشعور العميق بالنقص فيها يُمكن أن يُصبح بدوره جذراً للمشكلة. وعندما يُدرك شخص ما عجزه عن تحقيق النجاح بالجهد والكفاءة الحقيقية، قد يلجأ إلى طرق ملتوية لتعويض هذا النقص. وهنا يصبح الافساد، والنميمة، ومحاولة الإيقاع بالزملاء الأكفاء وخاصة عندما تكون هناك ظروف قاسية وطارئة تمر بها المؤسسة. أن هذه أدوات يلجأ إليها العاجز والفاشل لترسيخ موقعه، وإزالة المنافسين الذين يُبرزون ضعفه، أو حتى لتحقيق مكاسب لا يستحقها.
إنها دائرة مفرغة حيث يؤدي ضعف الكفاءة إلى سلوكيات هدامة تزيد من تدهور البيئة المؤسسية،لذا فإن تقدير الكفاءات الحقيقية ومحاربة بيئات المحسوبية يُعدّ ضرورة قصوى والثقافة والسلوك الناجم عن التربية الأسرية هي البذرة الأولى التي تُشكل القيم والأخلاقيات التي يكتسبها الفرد في سنواته الأولى داخل الأسرة والمجتمع المحيط، وهي اللبنة الأساسية لشخصيته ومبادئه.
إذا كانت التربية لم تُرسخ قيم النزاهة والأمانة والرضا والمسؤولية، أو إذا شجعت على الحقد، والحسد، أو السعي للمكاسب بأي ثمن، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على سلوك الفرد في بيئة العمل كم ان الحقد والحسد المتجذران في التربية غير السوية يُمكن أن يُترجما إلى رغبة في إيذاء الآخرين أو المؤسسة.
وهنا يبرز الفرق: فالشخص الذي نشأ في بيئة سوية وتعرض للظلم، غالبًا ما يسعى للعدالة أو ينسحب من البيئة الظالمة. أما من تربى في بيئة غير سوية، فقد يميل إلى الانتقام أو حتى تكرار الظلم الذي وقع عليه، ظنًا منه أن هذه هي الطريقة أو الوسيلة لتعويض شعوره بالنقص.كما ان بعض الأمراض النفسية وضعف في الشخصية قد تكون عامل خفي بالإضافة إلى التربية، وتُسهم بعض الاضطرابات النفسية أو نقاط الضعف في الشخصية بشكل خفي في تفشي السلوكيات الهدامة.
ان الأفراد الذين يعانون من اضطرابات في الشخصية (مثل الشخصية النرجسية التي تسعى للسيطرة والإعجاب بأي ثمن، أو الشخصية المعادية للمجتمع التي تفتقر للتعاطف)، قد يكونون أكثر عرضة للانخراط في الفساد والتخريب دون شعور بالذنب.كما أن الشعور المزمن بالنقص، والإحباط المتراكم، والغضب المكبوت، أو غياب الوازع الأخلاقي القوي، يمكن أن يدفع الأفراد إلى أفعال هدامة، كسبيل للتنفيس عن هذه المشاعر أو لتحقيق مكاسب يعتقدون أنهم محرومون منها.
ان هذه العوامل النفسية تُشكل أرضًا خصبة لنمو الفساد داخل المؤسسة.
كما أن السعي وراء المنفعة الشخصية بعيدًا عن مصلحة المؤسسة هي المحرك المباشر.
وعلى الرغم من تعدد الدوافع، يبقى السعي وراء المنفعة الشخصية هو المحرك المباشر لكثير من أفعال الفساد، سواء كانت مكاسب مادية بحتة كالرشوة، الاختلاس، والاحتيال، أو منافع غير مادية كالنفوذ، أو الانتقام. وفي كثير من الأحيان، يتداخل هذا الدافع مع النقاط السابقة فالشخص ذو الكفاءة المنخفضة قد يلجأ للفساد لكسب المال الذي لا يستطيع كسبه بجهده، أو لتسلق السلم الوظيفي الذي لا يملكه بالاستحقاق. وقد يستخدم البعض النميمة والتخريب المعنوي كأداة للمنافسة غير الشريفة بهدف الحصول على ترقيات أو مراكز أعلى، حتى لو كان ذلك على حساب أهداف المؤسسة العليا ومصلحتها العامة.
وبالملخص فإن بناء السد المنيع
يكمن في مكافحة الفساد والسلوك التخريبي في المؤسسات ويتطلب مقاربة شاملة تتجاوز مجرد العقوبات.
إنها تتطلب بناء "سد منيع" أساسه الكفاءة والنزاهة في بيئة عمل سليمة. والكفاءة تُعلي من قيمة الإنجاز الحقيقي، بينما النزاهة تُشكل الدرع الأخلاقي الذي يحمي من الانجراف نحو المكاسب غير المشروعة.
ولتحقيق ذلك، يجب على المؤسسات:
* تعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة: بحيث تكون كل الإجراءات واضحة ومُخضعة للرقابة.
* تقدير الكفاءات الحقيقية: وتقديم مسارات واضحة للترقي تعتمد على الأداء لا على العلاقات.
* غرس القيم الأخلاقية: من خلال التدريب والتأكيد المستمر على أهمية النزاهة والعمل الجماعي وتعزيز الاخلاق
* توفير بيئة داعمة: تُمكن الأفراد من التعبير عن إحباطاتهم ومخاوفهم بشكل بناء، بدلاً من أن تتحول إلى سلوكيات هدامة.
فقط عندما تُصبح الكفاءة والنزاهة هما المعيار السائد، وتُصبح ثقافة المؤسسة سدًا منيعًا ضد أي محاولة للفساد أو التخريب، عندها فقط يُمكن للمؤسسات أن تزدهر وتحقق نموًا مستدامًا، وتُساهم بفاعلية في بناء مجتمعات أفضل.
#بشارة_مرشد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟