بشارة مرشد
الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 15:20
المحور:
القضية الفلسطينية
##المقدمة:
في قلب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تتجلّى عبقرية التداخل بين أشكال الحروب: السياسية، الاقتصادية، العسكرية، والاجتماعية، بما يجعلها نموذجًا صارخًا لتأثير الحروب المتكاملة على مجتمعٍ يعيش تحت الضغط المستمر. الاحتلال لا يقتصر على استخدام نوعٍ واحدٍ من الحروب، بل يمارس استراتيجيةً مرنةً تدمج بين هذه الحروب الأربع، مناورا بينها حسب الظروف لتحقيق أقصى تأثيرٍ على الشعب الفلسطيني وعلى الإقليم باسره.
إسرائيل تخوض حربًا سياسيةً على المستوى الإقليمي، تضغط عبر التحالفات والنفوذ الدولي لتقليص قدرة الشعب الفلسطيني على اتخاذ مواقف مستقلة، بينما تمارس حربًا اقتصاديةً في الضفة الغربية من خلال القيود على حركة البضائع والأشخاص، ونظام المقاصة الذي يتحكّم بمصادر الأموال وشل الاقتصاد الفلسطيني ، ما يستنزف القدرة المعيشية للسكان وانهاك القطاع الحكومي وخاصة الموظفين ويزيد من هشاشة الاقتصاد المحلي. وفي غزة، تتجلّى بشاعة الحرب العسكرية بصورتها الأكثر وضوحًا، عبر العمليات البرية والبحرية والجوية، إضافةً إلى التدمير الكلي للبنية التحتية ومقوّمات الحياة الأساسية، واستخدام سلاح التجويع والتهجير. كما تستخدم إسرائيل أحيانًا الضربات القاسية تجاه بعض الدول كوسيلةٍ للردع، ما يوسع دائرة التأثير السياسي والعسكري.
ما يميز هذا السياق هو القدرة على دمج هذه الحروب الأربع في آنٍ واحدٍ، فتتكامل الآثار وتصبح أكثر فتكًا مما يمكن أن تسببه أي حربٍ منفردة.
##إسرائيل والغطرسة والتحالفات الدولية:
تجربة الاحتلال توضح أن إسرائيل تمثّل نموذجًا للغطرسة الدولية والتحالف الأقوى والمؤثر عالميًا. فهي قادرة على دمج استراتيجياتٍ سياسيةٍ، اقتصاديةٍ، وعسكريةٍ، واجتماعيةٍ بشكلٍ متكاملٍ، مستفيدةً من دعم حلفائها الدوليين، أو بمعنى آخر امتدادها الاستعماري ومؤسسيها في قلب المنطقة مما يجعل أي مواجهةٍ فرديةٍ للشعب الفلسطيني أو للدول المجاورة غير متوازنة. هذه القدرة على الاستغلال المتعدد للأدوات الحربية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية تعكس نفوذًا غير متناسبٍ مع حجم الدولة الجغرافي أو السكاني، وتحول أي صراعٍ إلى لعبةٍ استراتيجيةٍ طويلةٍ الأمد، حيث الخطورة لا تكمن في نوع الحرب وحده، بل في التكامل بينها.
##الخطورة النسبية لكل حرب:
أولًا: الحرب السياسية
تأثيرها طويلُ الأمد وخفيٌّ في كثيرٍ من الأحيان، فهي تضعف قدرة الشعب الفلسطيني على اتخاذ قراراتٍ مستقلةٍ، تثير الانقسامات الداخلية، وتستنزف الثقة بالمؤسسات، مما يمهد الأرض لصراعاتٍ أخرى. على المدى القصير، قد تبدو أقل وضوحًا، لكنها على المدى الطويل تشكل تهديدًا مستمرًا لاستقرار المجتمع.
ثانيًا: الحرب الاقتصادية
ملموسةٌ ومباشرةٌ، فهي تؤثر على حياة الناس اليومية، كما في الضفة الغربية عبر القيود على حركة البضائع والأشخاص ونظام المقاصة الذي يتحكّم بمصادر الأموال ، على المدى القصير، وتسبب أزماتٍ معيشيةً واضحةً، بينما على المدى الطويل تضعف البنية الاقتصادية والاجتماعية، وتزيد من معدلات الفقر والبطالة.
ثالثًا: الحرب العسكرية
الأكثر وضوحًا وفورًا، وتشمل العمليات البرية والبحرية والجوية، إضافةً إلى التدمير الكلي للبنية التحتية ومقوّمات الحياة الأساسية، مثل المياه والكهرباء والمرافق الصحية، كما يحدث في غزة مع استخدام سلاح التجويع والتهجير. تأثيرها يظهر بسرعةٍ من حيث الخسائر البشرية والمادية، لكنها أيضًا تترك إرثًا نفسيًا واجتماعيًا طويل الأمد.
رابعًا: الحرب الاجتماعية
تستهدف الروابط المجتمعية والنسيج الاجتماعي، عبر تفكيك الثقة بين المواطنين والمؤسسات، التأثير على التعليم والخدمات الاجتماعية، وزيادة الانقسامات الداخلية، مما يعمّق هشاشة المجتمع ويجعل تأثير الحروب الأخرى أكثر فتكًا.
الدرس المهم هو أن الخطورة الحقيقية تكمن في تكامل هذه الحروب الأربع، كما يفعل الاحتلال، حيث يضاعف الدمج بين الحرب السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية التأثير على المجتمع، ويحوّل أي صراعٍ إلى استراتيجيةٍ طويلةٍ الأمد تتجاوز نتائج أي حربٍ منفردة.
##استراتيجية الدفاع والتصدي (توصيات عملية):
بينما يعتمد الاحتلال على المناورة ورباعية الحرب، على الشعب الفلسطيني والنخب الوطنية والقيادة السعي لتطوير استراتيجياتٍ دفاعٍ متعددةٍ الأبعاد للتخفيف من الأثر المباشر لهذه الحروب. تشمل هذه الاستراتيجيات:
1. الدفاع السياسي: دور النخب في تعزيز الوحدة الوطنية والتنسيق الداخلي، وبناء التحالفات الدولية الداعمة، وإظهار القدرة على مواجهة الضغوط الدبلوماسية.
2. الدفاع الاقتصادي: وضع السياسات والآليات لدعم الإنتاج المحلي، تشجيع الاقتصاد الموازي والمجتمعي، والحفاظ على استقرار الرواتب والمصادر المالية الحيوية رغم القيود.
3. مناورة المقاومة: استحداث طرق و أساليب مقاومةٍ مدروسةٍ على كل الصعد الممكنة والمتاحة، تشمل التكيف مع طبيعة النزاعات والتهديدات، استخدام الحلول الإبداعية والتقنية والاجتماعية، بهدف تقليل الفتك وتحقيق الاستدامة في الصمود.
4. الدفاع الاجتماعي: العمل على تعزيز النسيج الاجتماعي، الحفاظ على التعليم والخدمات الأساسية، دعم التضامن المجتمعي، والعمل على صيانة الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
توضح هذه الاستراتيجية أن المرونة والإبداع في المقاومة أصبحا عنصرين أساسيين للصمود أمام رباعية الحرب، وأن دور النخب في التخطيط والتنظيم ضروري لضمان فعالية هذه الاستراتيجيات على كل الصعد.
##الخاتمة:
في النهاية، يظهر أن الخطر الحقيقي لا يكمن في نوع الحرب بحد ذاته، بل في الاستراتيجية الشاملة لتكامل الحروب الأربع. في السياق الفلسطيني، تبرهن التجربة على أن الدمج بين الضغوط السياسية، والسيطرة الاقتصادية، والاستخدام المكثف للقوة العسكرية والاجتماعية يؤدي إلى تأثيرٍ مضاعفٍ على المجتمع يفوق ما يمكن لأي حربٍ منفردةٍ أن تحدثه.
هذه الاستراتيجية توضح أن فهم الحرب الحديثة يجب أن يكون متعدد الأبعاد، حيث يتم استهداف المجتمعات ليس فقط عبر الأسلحة، بل عبر السياسة والاقتصاد والاجتماع كجزء من منظومة ضغطٍ متكاملة. كما تظهر التوصيات العملية أن دور الشعب والنخب في الإبداع والمناورة هو السبيل لضمان الصمود وتحقيق استدامة المقاومة.
#بشارة_مرشد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟