أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بشار مرشد - من خراف بانورج إلى دمية لابوبو... غياب الحكمة














المزيد.....

من خراف بانورج إلى دمية لابوبو... غياب الحكمة


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 18:19
المحور: كتابات ساخرة
    


##​المقدمة:
سخرية الكاتب ورسالة الوعي:
​في الماضي، كتب فرانسوا رابليه قصة خراف بانورج بأسلوب ساخر، ليسلط الضوء على خطر الغريزة الجماعية للقطيع في مجتمع غاب عنه الوعي. في هذه الحكاية، قفزت الخراف الواحدة تلو الأخرى إلى البحر، متأثرة بغريزتها الجماعية، بينما كان التاجر دندونو يراقب بحساب دقيق، مستفيدًا من الموقف لتحقيق مكسبه وانتقامه من بانورج.
​لم يكن الغرض من هذه السخرية مجرد تسلية القارئ، بل إيصال رسالة قوية: أن الإنسان بلا وعي نقدي يُقاد بسهولة، وأن الانسياق وراء الآخرين بلا تفكير قد يؤدي إلى نتائج كارثية. ومن أدرك قصد الكاتب وفهم رمزية القصة، بلغ الوعي الحقيقي، مدركًا أن العقل المستقل والمستنير بالمراجعة النقدية هو السبيل لتجنب السقوط في فخ الانسياق الجماعي.

##​لابوبو القطيع الرقمي واستمرار الدرس القديم:
​مع مرور الزمن، لم يختفِ درس خراف بانورج، بل وجد تجسيدًا جديدًا في هذا العصر الرقمي من خلال شخصية لابوبو، دمية القطيع. هذه الدمية، رغم بساطة تكلفتها، تُباع بأسعار باهظة في بعض المناطق، ما يمثل استغلالًا تجاريًا وتسويقيًا يستهدف الجماهير المتأثرة بالترندات والإعلانات بشكل أعمى، لتتحرك وفق المحفزات الاقتصادية والإعلامية أكثر من كونها قرارات عقلانية.
​تمامًا كما دفع التاجر خراف بانورج للغرق بلا وعي، تتحرك دمية لابوبو القطيع الرقمي اليوم وفق أجندات منشئيها، الذين يسعون لاستغلال الانسياق الجماعي لتحقيق مكاسب أو أهداف محددة. وهكذا، يبقى الدرس الرمزي نفسه: سواء في الأدب القديم أو في الواقع الرقمي الحديث، غياب التفكير النقدي والانصياع خلف الآخرين يمكن استغلاله لتحقيق مصالح المستفيد.

##​الفارق بين الماضي والحاضر ونطاق التأثير:
​يكمن الفارق الجوهري بين قصة خراف بانورج ولابوبو القطيع الرقمي اليوم في امتداد نطاق التأثير وانتشاره الإعلامي. ففي القصة القديمة، كانت الخراف تغرق في البحر، لكن الحدث محصور داخل إطار الحكاية. أما اليوم، فالكارثة تكمن في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تنقل المشهد إلى الجميع، فتتحول الجماهير كلها إلى "خراف على السفينة"، تشاهد وتتأثر وربما تنقاد بلا وعي.
​في هذا السياق، تتحول الأحداث الرمزية إلى ترندات وهاشتاغات تنتشر بسرعة، وتصبح الجماهير معرضة للانصياق بلا وعي، كما يحدث مع لابوبو القطيع، ما يضاعف تأثير الانسياق الجماعي ويجعل التحكم فيه أسهل وأكثر خطورة على نطاق واسع.
​تأثير موجه على مختلف المجالات
​لا يقتصر تأثير لابوبو القطيع الرقمي على مجال واحد، بل يمتد ليشمل جميع أبعاد الحياة المعاصرة:
*​الاقتصاد والمجتمع: يقود الانسياق وراء الترندات إلى تبني عادات استهلاكية مبالغ فيها بلا حاجة حقيقية، لمجرد التقليد.
*​السياسة والإعلام: يتبع الناس الإشاعات والموجات الإعلامية دون تحقق، ما يجعلهم أدوات لترويج أجندات شخصية أو جماعية، مؤثرين على الرأي العام بلا وعي.
*​الصحة والطب: يظهر الانسياق وراء عمليات التجميل أو أنظمة التنحيف المضرة أحيانًا كيف يمكن للترند أن يؤثر حتى على القرارات الصحية، مستغلًا رغبة الأفراد في الوصول إلى "المثالية" الزائفة.
*​التعليم والتعلم: يقلد الطلاب زملاءهم أو أساليب تعليمية شائعة دون تقييم عقلاني، مما قد يضعف جودة التعلم ويحد من التفكير النقدي.
*​البيئة والاستدامة: يظهر الانسياق وراء عادات استهلاكية ضارة بالبيئة مدى تأثير القطيع على الموارد الطبيعية والمجتمع ككل.
*​التكنولوجيا والثقافة الرقمية: يتبع الناس التطبيقات أو الترندات الرقمية ويعيدون إنتاجها، ما يعكس استغلال المنصات للجماهير لتحقيق مكاسب مالية أو تعزيز شعبية معينة.
​ومن ذكاء منشئي هذه التوجهات تحديد الجمهور المستهدف بدقة. فبالطبع، دمية لابوبو تستهدف الأطفال وغريزة اللعب لديهم. وهنا يظهر دور الدول، والحكومات، والمؤسسات، والمثقفين، والأسرة في وضع سياسات وبرامج تثقيفية تحمي الفئات الأكثر هشاشة، وتساهم في رفع مستوى الوعي الجماهيري وضبط الغرائز لمنع الانجراف وراء هذه التوجهات غير المدروسة.

##​الخاتمة:
الوعي هو الحصن:
​من خراف بانورج إلى دمية لابوبو، تبقى الرسالة واحدة: المجتمع الواعي والعقل المستقل والتفكير النقدي هما الحصن ضد الانجرار وراء الغريزة الجماعية. سواء في الأدب أو في العصر الرقمي، يبقى الوعي الفردي هو ما يميز من يفهم الرمزية ويبلغ الإدراك، عن من ينجرف بلا تفكير وراء أي موجة أو ترند، مسخرًا إياه لتحقيق مصالح الآخرين على حسابه.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطيع الهائم… من اليأس يولد الأمل
- ما بين منهجية التحليل... وضروب التخمين
- السياسة بين الواقع والوهم....حين تكون الأفعال أصدق من الأقوا ...
- تجارب من التاريخ المعاصر... ثبات المبدأ وتكيف الأسلوب
- الحلم من الثريا إلى الوطن.. واحتي بين الفكر والسياسة والإنسا ...
- جائحة الفيتو... وسكسونيا النظام الدولي
- الثريا في صحراء الظلام… الغاية التي لم تُدرك بعد
- الغرق في بحر الشعارات…
- الأفلاطونيون... صدى التفهيق في دهاليز السياسة والحكم
- المناورة في الغابة ... واستراتيجية الدفاع الرباعية
- ما بين الوطن والوطنية… كرامة أم تضحية؟ استبدال العدل بالمساو ...
- المناورة.... واستراتيجية الاحتلال في رباعية الحرب
- حماية المؤسسات: كيف تبني الكفاءة والنزاهة سدًا ضد الفساد وال ...
- الصداقة النادرة .. في زمن المصالح العابرة
- العالم الرقمي.. تواصل وحوار أم تهجّم وصراع؟
- الاستقلال والسيادة الحقيقية... هل تُبنى أم تُعطى؟


المزيد.....




- ‏ الفوهيمية - مذهب في العقل والأحكام
- تم تصويره في صحراء نيوم.. الفيلم السعودي -القيد- يقدم الدرام ...
- بين شاشات العرض والحرف اليدوية.. دور سينما تعيد تعريف تجربة ...
- كيف ننجح في عصر الذكاء الاصطناعي.. سألناه فهكذا أجاب
- كامل كيلاني وحديقة أبي العلاء
- كامل كيلاني وحديقة أبي العلاء
- جمعية البستان سلوان تختتم دورة باللغة الانجليزية لشباب القدس ...
- -كول أوف ديوتي- تتحوّل إلى فيلم حركة من إنتاج -باراماونت-
- ثقافة -419- في نيجيريا.. فن يعكس أزمة اقتصادية واجتماعية
- بريق الدنيا ووعد الآخرة.. قراءة في مفهومي النجاح والفلاح


المزيد.....

- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بشار مرشد - من خراف بانورج إلى دمية لابوبو... غياب الحكمة