أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - بشار مرشد - فلسفة الحكم الرشيد... ترسخ العقد الوطني














المزيد.....

فلسفة الحكم الرشيد... ترسخ العقد الوطني


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 11:32
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


المقدمة:

حين تتحوّل فلسفة الحكم من كيانٍ يعبّر عن إرادة الجماعة إلى آلةٍ تخدم ثُلّةً قليلة متسلّطة، يبدأ الانهيار من الداخل، لا من حدودها الجغرافية. فالوطن لا يسقط حين يُحتلّ، بل حين يفقد معناه. وما إن يُكشَف زيف القداسة التي أحاطت بفكرة التضحية من أجل "الوطن"، حتى يدرك الناس أنّ ما سُمّي وطنًا لم يكن سوى واجهةٍ لاحتكارٍ طويلٍ باسم الجماعة، وغطاءٍ أخلاقيٍّ لاستبدادٍ يُدار بلغة الانتماء.

الدولة كآلةٍ لا كعقد:

في لحظةٍ فارقة، تنكشف الدولة كآلةٍ بيروقراطيةٍ تحمي مصالح ثُلّة قليلة أكثر مما تحمي مواطنيها. تُقسّم الأرباح بين المتنفّذين، وتُسند الخسارة إلى العامة. هنا يفقد الوطن صفته الجامعة، ويتحوّل إلى شركةٍ ضخمةٍ بلا روح، تُدار بالعقود والمنافع لا بالمبادئ. فالولاء يصبح وظيفة، والانتماء واجبًا إداريًا لا شعورًا وجدانيًا. عندها تذوب فكرة "المصلحة العامة" في تفاصيل الامتيازات الخاصة، وينكسر التوازن الأخلاقي الذي كان يمنح الدولة مشروعيتها الأولى.

سقوط الرموز وتعرية القداسة:

حين تتهاوى الرموز التي منحت للانتماء قدسيته، تنكشف الشعارات التي طالما رُدّدت كأغلفةٍ لمصالح ضيقة. يتحوّل الوفاء إلى سخرية، والإخلاص إلى عزوف، لأن الدماء لا تُسفك من أجل أوطانٍ مصادرة، بل من أجل أوطانٍ يتقاسمها الجميع. هذه هي لحظة سقوط القناع، حين يكتشف المواطن أنّ الوطن الذي ضحّى من أجله لم يكن عقدًا بينه وبين الدولة، بل صفقة بين ثُلّة متسلطة وذاتها. عندئذٍ ينسحب الشعور الجمعي إلى دائرة الفرد، فيحتمي الإنسان بغريزة النجاة، ويترك ما تبقّى من الرموز تتهاوى في صمتٍ بارد.

ولاء أعمى وضحايا الوهم:

الولاء الأعمى لا يسأل، وسيرته الذاتية خالية من أي شجاعة، والضمير ميت يقبل كل تبرير، ولديه قدرة فائقة على بيع الوهم وتزيين الفشل. الشجعان يموتون، والمجتمع يصاب بالجنون، ويبقى الوطن مليئًا بالمغفلين السعداء.

من انهيار السلطة إلى أزمة المعنى:

الانهيار الحقيقي لا يبدأ بانقلابٍ سياسي، بل بانكسار الإيمان بالمشترك. فحين ينهار العقد الأخلاقي الذي يربط الفرد بالجماعة، تسقط الفكرة من جذورها. لا يبقى الوطن أرضًا تُحكم، بل مسرحًا تُدار عليه السلطة باسم الأمة وهي غائبة. وحين تتحكم ثُلّة قليلة باسم الجميع، يتحوّل الولاء إلى خداع، والمجتمع إلى صدى لصوت من يعيش في عزلة عن واقع الناس.

قوة الحكم في المشاركة لا العزلة:

قوة الدولة واستمرارها لا يُقاسان بالسطوة، ولا بطول الخطب، ولا بالتجاهل أو التفرد، بل بعمق المشاركة المجتمعية التي تمنحها شرعيتها وديمومتها. فالحاكم الذي لا يُصغي إلى صوت قاعدته الشعبية، ولا يشاركهم ضيقهم وفرحهم، يفقد ببطء صلته بالواقع.

لا تُبنى المؤسسات في القصور المعزولة، بل في الساحات التي تتلاقى فيها الآراء والمطالب. وحين يُستبدل الحوار بجوقة المصفّقين، يتحوّل الوطن إلى مسرحٍ من الأكاذيب الجميلة، تتقاسم فيه ثُلّة قليلة "ميراثًا مسروقًا" من شعبٍ ميتٍ سريريًّا. إن الحكم الذي يعيش في قوقعة العزلة يفقد بوصلة أخلاقه، ويُحوّل المجتمع إلى صدى لصوته، لا شريكًا في مصيره.

الخاتمة: نحو وطنٍ يستعيد معناه:

الوطن لا يُستعاد بالخطابات ولا بالدماء، بل باستعادة العدالة التي تمنحه شرعيته. فحين يعود العقد الأخلاقي بين الحاكم والمحكوم إلى نصابه، ويُعاد بناء الثقة على قاعدة الكفاءة وليس الولاء أو صلة القرابة أو الرُشى، يستعيد الوطن معناه الحقيقي: بيتًا يتسع للجميع لا آلةً تُدار باسمهم.

حينها فقط، يمكن للدماء أن تكتسب معناها من جديد، لا بوصفها قرابين لسلطة، بل ضمانةً لحريةٍ تُصان بها الكرامة الإنسانية.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الفلسفة والصفات والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر
- قراءة في رحلة البحث عن الحقيقة
- الإعلام الرقمي… من منبرٍ للمعرفة إلى ساحةٍ للفوضى
- التعسف الوظيفي: كيف يحوّل المؤسسات من إنتاجية إلى ضغط؟
- حين يصبح الفاسد قديسًا... جمهورية النزاهة الوهمية
- فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم
- الزمن الرقمي… يفضح النفاق
- الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف ...
- كلمة حق أُريد بها باطل... قراءة تحليلية
- الأحزاب...من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب
- الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح
- مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه
- ادعاء الحكمة بلا تجربة… كالجعجعة بلا طحن
- الدولة الحاكمة وحاكم الدولة… من يواجه العواصف؟
- رواية الحق والتاريخ... الأمواج تهدم قصور الرمل
- التحيّز المعرفي... قصة خيالية هادفة
- رب ضارة نافعة...الغطرسة بداية التهاوي
- دول الاقليم بين التبعية... واستراتيجية التحالف
- الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة ...
- الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير


المزيد.....




- طرق الشحن وبيانات الرحلات الجوية.. CNN تحقق في رصد طائرات در ...
- اندلاع العنف في مظاهرة مؤيدة لفلسطين في برشلونة
- محمد وخليل يعودان إلى والدتهما في غزة بعد أن ظنت أنهما قد قُ ...
- عدوى الرغبة: ما هي الفلسفة التي تفسر هوس لابوبو و-وجه إنستغر ...
- سوريا: خمسة قتلى وعشرات الإصابات في تفجير عبوة ناسفة استهدف ...
- اندلاع احتجاجات في بيرو مطالبة باستقالة الرئيس
- مشروع عملاق بجوار الحرم .. -بوابة الملك سلمان- تتسع لنحو ملي ...
- العولمة منذ كريستوف كولمبس، فاسكو دي غاما و فيرديناند دو ماج ...
- خبراء روس يقيّمون للجزيرة نت زيارة الشرع الأولى إلى موسكو
- ترحيب أممي بوقف إطلاق النار بين أفغانستان وباكستان


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - بشار مرشد - فلسفة الحكم الرشيد... ترسخ العقد الوطني