أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - بشار مرشد - حين يصبح الفاسد قديسًا... جمهورية النزاهة الوهمية














المزيد.....

حين يصبح الفاسد قديسًا... جمهورية النزاهة الوهمية


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 13:30
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


في بلادٍ يتلو فيها الفاسد خُطبًا عن الأخلاق، وتُعلَّق فيها لافتات "النزاهة أولًا" فوق مكاتب مرتشية، لا يعود الفساد جريمة، بل أُسلوب حياة. فالمسؤول هناك لا يسرق سرًّا، بل ينهب علنًا بابتسامة رسمية، ثم يحدّث الناس عن حُبّ الوطن من على منبر مذهَّب، كأنه يوزّع دروسًا في الفضيلة لا تعليماتٍ في النهب.

الفساد هنا ليس حادثًا عارضًا، بل كائن حيّ يعيش بيننا. يتغذّى على ضعف القانون، ويتكاثر في دهاليز البيروقراطية. وحين يضيق عليه الخناق، يتقمّص هيئة "المصلح الشريف"، يغيّر جلده كلما اقتضت المصلحة، لكنه يظل الشيءَ نفسه: طفيليٌّ لا يعيش إلا في العتمة، ويختنق إذا أشرقت عليه شمس الشفافية.

في جمهورية النزاهة الوهمية، تبدأ السرقة بخطأ بسيط: "الجميع يفعلها"، "لن يلاحظ أحد"، ثم تكبر الطموحات: من توقيعٍ بسيط إلى عقدٍ مليوني، ومن رشوةٍ صغيرة إلى مزرعةٍ كاملةٍ من المناصب تُورَّث للأقارب. وحين يتجرأ أحد على السؤال، يكون الردّ جاهزًا: "هذه حملاتُ تشويه"، "نحن حماة الوطن"، و"الولاء أهمّ من الكفاءة".
وهكذا تتحول المؤسسات إلى مزارع خاصة، والمدير إلى إقطاعيٍّ حديثٍ يوزّع الوظائف كما يوزّع الجوائز. أقاربه في المكاتب العليا، وأصدقاؤه في اللجان، والمعترضون في بيوتهم "مُقصَون للصالح العام". الإقصاء هنا ليس عقوبة، بل إعلان فوز الفاسد بالجولة. فالموظف الشريف يُقصى، والفاسد يُكرَّم بشهادة تقدير على "جهوده المتميزة في تطوير الأداء الإداري".

أما الموظف العادي، فهو آخر من يشعر بأي "تطوير". يقف في طابور الراتب المتهالك، بينما يرى المديرين يشترون السيارات من أموال "نفقات الضيافة". يعيش حياةً يدفع فيها الفواتير، بينما الفاسد يعيش حياةً لا يعرف فيها ما معنى فاتورة، فالمال عنده كالهواء: لا يُدفع ثمنه.

المفارقة الكبرى أن أكثر من يتحدثون عن الشفافية هم أكثر من يتهربون منها. الخطاب الأخلاقي في هذه المنظومة يُستخدم كما يُستخدم العطر: لإخفاء الرائحة، لا لإزالتها. يتحدث المسؤول عن النزاهة بينما وراءه شاشةٌ تعرض إنجازاتٍ وهمية، والجمهور يصفّق لأن التصفيق لا يحتاج إلى تصريحٍ مالي.

ومع مرور الزمن، يفقد الناس حسّ الصدمة. يصبح الفساد طبيعيًا مثل الطقس: "اليوم رشاوى خفيفة على بعض الدوائر، وغدًا احتمالية اختلاس بنسبة 80%". لكن الطقس لا يُحاكَم، بينما الفساد — حين يتغوّل — يبدأ في أكل نفسه. فالولاءات التي بُنيت على المصلحة تنهار حين تجفّ الغنيمة. كلُّ واحدٍ يبدأ في نهب ما يستطيع قبل سقوط المزرعة.

في النهاية، لا يسقط الفساد لأن الناس اكتشفت الحقيقة — فالجميع يعرفها — بل لأنه لم يترك شيئًا ليُسرَق. وحين يُعلَن الإفلاس، يقف الفاسد نفسه ليقول بوجهٍ جادٍّ: "نحتاج إلى الإصلاح ومحاسبة المقصّرين"، ثم تُشكَّل لجنةٌ جديدة، ويبدأ العرض من جديد.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم
- الزمن الرقمي… يفضح النفاق
- الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف ...
- كلمة حق أُريد بها باطل... قراءة تحليلية
- الأحزاب...من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب
- الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح
- مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه
- ادعاء الحكمة بلا تجربة… كالجعجعة بلا طحن
- الدولة الحاكمة وحاكم الدولة… من يواجه العواصف؟
- رواية الحق والتاريخ... الأمواج تهدم قصور الرمل
- التحيّز المعرفي... قصة خيالية هادفة
- رب ضارة نافعة...الغطرسة بداية التهاوي
- دول الاقليم بين التبعية... واستراتيجية التحالف
- الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة ...
- الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير
- الوعي غربال... بين المجاملة واللباقة والتملق
- حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين


المزيد.....




- وسطاء من مصر وقطر يلتقون خليل الحية قبل بدء مفاوضات شرم الشي ...
- الجنائية الدولية قد تكون -ساحة المحاكمة القادمة لدونالد ترام ...
- تصعيد إسرائيلي يسبق جلسة الحكومة: قتيلان في استهداف سيارة جن ...
- لا يعرفون سوى الحرب.. عن أطفال غزيين ولدوا يوم 7 أكتوبر 2023 ...
- ألمانيا تتهم روسيا بالوقوف خلف المسيرات والأخيرة تنفي
- تفاقم الأزمة السياسية في فرنسا.. ما الحل؟
- إيران تعلن تبرئة مواطن فرنسي - ألماني موقوف على أراضيها بتهم ...
- دعوات لحل البرلمان واستقالة الرئيس الفرنسي؟
- فرنسا: لوكورنو يقدم استقالته بعد أقل من 24 ساعة على تشكيل حك ...
- ارتفاع قتلى الفيضانات العارمة في الهند ونيبال


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - بشار مرشد - حين يصبح الفاسد قديسًا... جمهورية النزاهة الوهمية