أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - بشار مرشد - فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم














المزيد.....

فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 17:15
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


الكفاءات البشرية عماد الأمم
مقدمة:
لم تُبنَ الأمم بالحجارة وحدها، ولا بالثروات وحدها، بل على أكتاف من يصنعون المعرفة والعمل: المعلم الذي يصوغ العقول، المهندس الذي يبني البنية، الطبيب الذي يحفظ الصحة، القاضي الذي يحمي العدالة، الطيّار الذي يضمن السلامة في السماء، رجل الأمن والعسكري الذي يحفظ السلم، والعامل الذي يبذل جهده في كل زاوية من الإنتاج. هؤلاء ليسوا مجرد وظائف عابرة؛ فهم الذاكرة الحيّة للمجتمع وشرط أي نهضة حقيقية. إهمالهم يعني إهدار رأس مال لا يُعوّض.


فلسفة التنكّر والجحود:

التنكّر للكفاءات ليس مجرد خطأ إداري أو تقصير أخلاقي، بل هو فلسفة تعمل كمنطق مؤسساتي في كثير من الأحيان: تجاهل الخبرة، إقصاء المخضرمين، وحرمانهم من أي مكانة أو احترام. النتيجة ليست ظلمًا فرديًا فحسب، بل تآكُل في الثقة بالمؤسسات وهدر للمعرفة المتراكمة.


هندسة داخلية أم تدمير خارجي؟

يمكن لهذه الفلسفة أن تكون إما هندسة داخلية يقودها فاسدون يسعون لتوريث المناصب وجني المال عبر شبكات الولاء والمحسوبية، أو تدخلًا خارجيًا يهدف إلى استنزاف الدولة بتهميش كفاءاتها وإضعاف بنيتها المدنية والعسكرية والاقتصادية. في الحالة الأولى، يخلق الفساد طبقة مترفة تقتسم الغنيمة. وفي الحالة الثانية، تُستخدم سياسات وضغوط خارجية لإبعاد العقول وخلق فراغ معرفي يسهل السيطرة عليه. وفي كلا الحالتين، تفقد الدولة ذاكرتها وقدرتها على الفعل.


التنكّر بدافعين وخطر التقاطع:

يحدث التنكّر للكفاءات بدافعين، وكلاهما خطير:

الدافع الداخلي: شبكة فساد منظمة تعمل على جني المال وتوزيع المناصب على أساس الولاء والقرابة.

الدافع الخارجي: إضعاف المؤسسات عبر إزاحة الخبرات وزرع أشخاص تابعين لأجندات خارجية.


الأخطر هو حين يتقاطع الدافعان، فتتضافر مصالح الفاسدين مع الأجندات الخارجية، فتتحول عملية التنكّر من ظلم فردي إلى استراتيجية تدمير ممنهجة، تضعف الدولة من الداخل وتستنزف قدرتها على المقاومة والبناء.


من الجحود إلى صناعة اليأس:

يتحوّل التنكّر للكفاءات سريعًا إلى آلية منهجية لصناعة اليأس. تُغلق الطرق أمام المتمكنين، وتُستبدل الكفاءة بالولاء، ويصبح الأمل وظيفة قابلة للإلغاء. الفرد الذي أفنى عمره في خدمة عامة يجد نفسه محرومًا من أي منصة للتأثير، فتتآكل ذاته ويتحوّل إلى عامل مهدد لصحة المجتمع النفسية والمهنية.


التحول الطبقي وصناعة المفارقة:

النتيجة الاجتماعية واضحة: ينشأ انقسام حاد. يُهمَّش أصحاب الكفاءة على قارعة الطريق، بينما يتحوّل أصحاب الولاء إلى طبقة مترفة تملك الشركات والمناصب والفرص. تنهار الطبقة الوسطى، ويُستبدل الاقتصاد بالريّع، ويُغلق باب الترقي عبر الجهد والمعرفة. هذا الانقسام ليس ظرفًا عابرًا، بل مصنعًا لعدم الاستقرار.


أمثلة من الواقع العربي:

تتكرر الصورة في معظم البلدان العربية: مساعد طيار أجنبي أو خبير مستورد يتقاضى راتبًا ويُعامَل كخبير، أو مساعد مهندس يُمنح صلاحيات وامتيازات تفوق خبرته الفعلية، بينما تُهمَّش شهادات وخبرات خريجي الكليات والمهنيين المحليين. هذه أمثلة يومية لآليات إعادة توزيع القيمة: ليس حسب الكفاءة، بل حسب الشبكة والولاء الاقتصادي والسياسي.


دروس من التاريخ:

التاريخ لا يرحم من يستهين بالخبرة: أمم أفلست حين أهملت خبراءها، وأمم نهضت حين اعتنت ببنائها البشري. الحفاظ على الخبرة وتحويلها إلى مورد مؤسساتي هو الفرق بين الانحدار والنهضة.


البعد الفلسفي: هندسة لصناعة اليأس:

حين يصبح التنكّر سياسة — داخلية كانت أو بفعل ضغوط خارجية — يتحوّل اليأس إلى منظومة: طبقية، مؤسساتية، نفسية. الجحود هنا ليس خطأ عابرًا، بل تقنية حكم: تُضعف المجتمع من الداخل، وتُضعفه أمام الداخل والخارج، وتُحوّل المواهب إلى سلعة أو نفاية. معالجة الظاهرة إذًا ليست إصلاحًا وظيفيًا فحسب، بل ثورة ثقافية ومؤسسية لإعادة الاعتبار للمعرفة والعمل.


الخاتمة:

الاعتراف بالكفاءات وحمايتها ليس رفاهية أخلاقية، بل ضرورة استراتيجية لبقاء الدول. سواء كان التنكّر نتاج فاسدين داخليين أو أدوات خارجية، النتيجة واحدة: هدر للثروة البشرية وصناعة لليأس. عودة الكفاءات إلى موقعها ليست مطلبًا إنسانيًا فقط، بل شرط لاسترجاع القدرة على البناء والوجود السياسي والاقتصادي.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمن الرقمي… يفضح النفاق
- الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف ...
- كلمة حق أُريد بها باطل... قراءة تحليلية
- الأحزاب...من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب
- الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح
- مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه
- ادعاء الحكمة بلا تجربة… كالجعجعة بلا طحن
- الدولة الحاكمة وحاكم الدولة… من يواجه العواصف؟
- رواية الحق والتاريخ... الأمواج تهدم قصور الرمل
- التحيّز المعرفي... قصة خيالية هادفة
- رب ضارة نافعة...الغطرسة بداية التهاوي
- دول الاقليم بين التبعية... واستراتيجية التحالف
- الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة ...
- الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير
- الوعي غربال... بين المجاملة واللباقة والتملق
- حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين
- الصبر بين الفضيلة والانتظار القسري...مأساة الإنسان أمام الظل ...


المزيد.....




- متعة لا تنسى للرجال والنساء.. إليك ما يحدث داخل حمام تركي حق ...
- هل رد حماس على مقترح ترامب، كافٍ لوقف حرب غزة؟ - الإيكونومست ...
- -فضل شاكر بين لبنان والسعودية-: جدل على منصات التواصل حول -ا ...
- إيران تشدد على الحل التفاوضي لملفها النووي.. وتحذف أربعة أصف ...
- استمرار مفاوضات تشكيل الحكومة الفرنسية
- هل ساعد أسطول الصمود صيادي غزة على العودة للبحر؟
- ثلاث مهارات لنجاحك المهني.. كيف تدير فريقا من الذكاء الاصطنا ...
- ما هو أفضل وقت لشجار الأزواج؟ خبراء العلاقات يجيبون
- مجلس الشعب السوري الجديد.. تجربة ديمقراطية على أنقاض الاستبد ...
- النور سليمان.. الصحفي رقم 32 الذي يقتل جراء الحرب بالسودان


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - بشار مرشد - فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم