أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في الحكاية














المزيد.....

سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في الحكاية


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 11:40
المحور: سيرة ذاتية
    


في دروب الأدب العراقي، ثمة وجوه لا تصرخ في الضوء لكنها تؤثثه، تصنع من الحروف مأوىً للذاكرة، وتغزل من الحكاية معنىً للنجاة. من بين هذه الوجوه يبرز اسم سلام مهدي القريني، القاص والباحث، الذي توزع على خرائط العراق منذ ولادته وحتى تجاربه الفكرية والنقدية، كأنما أراد للمدن أن تكتب في داخله سيرتها قبل أن يكتب هو سيرة إنسان في القص والرؤية.
من الملاجئ إلى القصيدة: سيرة من الألم والكتابة
وُلد سلام القريني في قضاء سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار عام 1954، لكن مسقط الرأس كان شرفة عابرة لمدن كثيرة؛ فوالده، بحكم انتمائه اليساري، كان كثير التنقل، ينقل من لواء إلى آخر، ومن مدينة إلى قصبة بحجة "المصلحة العامة"، بينما كانت السياسة هي المحرك الخفي.
دخل الطفل سلام مدرسة الزعيم الابتدائية في قضاء المحاويل، ثم تنقل في دراسته بين البصرة والقرنة وأبو الخصيب وكربلاء، حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الأحياء المجهرية من جامعة البصرة عام 1977. لكن هذا التخصص العلمي لم يكن نهاية المطاف، بل بداية لرحلة طويلة مزج فيها بين الدقة الميكروسكوبية والتحليل القصصي، فكانت نصوصه اللاحقة تحمل ذلك التوتر بين العلم والحياة، بين الخلية والمصير.
تجربته في الحرب العراقية الإيرانية، التي قضاها في السواتر والملاجئ لما يقارب العشر سنوات، صنعت في داخله "قنبلة صمت" انفجرت لاحقًا على هيئة قصص ومقالات وأعمال فكرية، فيها من الوجع العراقي ما يجعل القارئ يقرأ وكأنه يحفر قبرًا في أرض رخوة، أو يبحث عن قلب في حفرة قذيفة.
العلم والكتابة: ثنائية الوعي والتحليل
عاد سلام القريني إلى الدراسة عام 1989، فنال شهادة الاستحقاق في علوم المختبرات الطبية من معهد باستور ببغداد. وفي 1991، قُبل في الدراسات العليا، غير أن السياسة - مرة أخرى - تدخلت لتقطع عليه الطريق. عمل في مستشفيات كربلاء مديرًا للمختبر، وأسهم في تأسيس التعليم الطبي في المحافظة، ثم أصبح مديرًا لبرنامج "الإيزو" العالمي حتى عام 2016.
لكن المفارقة أن كل هذا الثراء العلمي لم يصادر الجانب الإبداعي فيه، بل زوّده بعدة بحثية عميقة، وأسلوب تحليلي رصين انعكس في مقالاته النقدية وأعماله القصصية. كان المجهري في المختبر نفسه هو المجهر في الحكاية، وكانت العين الساهرة على العيّنات، هي ذاتها العين الراصدة لتحولات المجتمع، ولمفارقات النفس الإنسانية.
ما بعد 2003: حين تنفّس الحرية فكتب
بسقوط النظام في 2003، تنفّس سلام هواءً جديدًا، وخرج من زمن القمع إلى فضاء المشاركة الثقافية. كان من أوائل المؤسسين للحركة الثقافية في كربلاء، وساهم في تأسيس "نادي الكتاب الكربلائي"، ذلك الكيان الذي تحول إلى منصة فاعلة للحوار الثقافي والفكري. شارك بفاعلية في اتحاد الأدباء والكتاب، وفي النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين، فصار اسمه يحضر في المهرجانات، ويتصدر الندوات، وتُجرى معه اللقاءات.
وقد نشر القريني في عدد من الصحف والمجلات العراقية، وكان له حضور متميز في الإعلام الثقافي، مقدمًا تغطيات وتحقيقات تحفر في الجمر وتستخرج المعنى.
مؤلفاته: أرخبيل من العناوين اللامعة
تنوعت أعمال سلام القريني بين القصة والرواية والمقالة والبحث العلمي، ومن أبرز مؤلفاته:
*"للنساء حكايات" (2007): مجموعة قصصية تمتح من الهامش وتعلي من شأن المرأة بوصفها الكائن الذي ينهض على أكتافه الحلم والتعب.
"*افتراس" (2016)، و**"المفترس"** (2017): قصص تصور لحظات التحول البشري بين التوحش والانكسار، مكتوبة برؤية نقدية شديدة الحساسية.
"*القادم إلى الضوء" (2018): قصة تعبر عن لحظة التحول في الشخصية العراقية بين زمنين.
"*جبل النوبان" (2020): عمل حكائي يستند إلى مرجعيات رمزية.
"*أقدَس – امرأة من جمر" (2022)، و"المحجوز" (2023): روايات قصيرة تتقاطع فيها الأسئلة الوجودية مع وقائع اجتماعية دامغة.
أما في المجال الفكري، فقد صدرت له كتب مثل:
*"التراث وعوامل التطور الحضاري". و"التفاعل الحضاري بين التاريخ والأدب"، وهما جزآن من توثيق أعمال الدكتور حسين قاسم العزيز، وفيهما تظهر قدرة سلام على الجمع بين التأريخ والتحليل الأدبي. وكتابه عن الدكتور هاشم الطعان وهو دراسة مع مجموعة من مقالاته.
آراء النقاد: صوتٌ ينبض بالحكاية والمعنى
تناول عدد من النقاد تجربة سلام القريني بوصفها واحدة من التجارب المغايرة في المشهد العراقي؛ حيث تمثل تقاطعًا حيًّا بين المختبر والسرد، بين المعمل والورقة. وقد أشار البعض إلى أن لغته تنبع من حساسية علمية دقيقة، بينما رأى آخرون أن له قدرة على تحويل القصة إلى مختبر اجتماعي يعرّي العلاقات، ويحللها كما تُحلل العيّنة تحت المجهر.
ويؤكد بعضهم أن القريني يقدم نمطًا من "السرد المعرفي"، حيث تمتزج الحكاية بالمعرفة، وتتحول القصة إلى مفتاح لفهم الظواهر الاجتماعية والنفسية. بينما ذهب آخرون إلى القول بأن القريني "يكتب كأنما يعالج جرحًا بالملقط والمبضع"، فلا شيء يمر دون فحص وتأمل.
الختام: نهر لا ينضب
في زمن تتكاثر فيه الأسماء وتقل الأصوات الأصيلة، يبقى سلام القريني شاهدًا على سردية العراق في نصف قرن. لم يكتب ليرضي، بل كتب ليكشف. لم يهادن في النص، بل واجه. ومثلما قضى سنواته الأولى بين السواتر والخنادق، عاش حياته الثقافية بين الكتب والندوات، باحثًا عن ضوءٍ يستحق أن يُكتب.
هو من أولئك الذين يكتبون لا ليقولوا "أنا هنا"، بل ليهمسوا: "هذا أنتم... وهذه حكاياتكم".



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...
- الدكتور عامر عبد زيد بين التاريخ والحداثة، في رحاب الفلسفة و ...
- طه التميمي.. شاعر الضمير الشعبي وصوت الطبقة الكادحة
- رائد النافعي السارد الذي اختزن بابل في قلبه وحررها على الورق
- سعد الحداد حضور أدبي وعطاء إنساني
- الناقد سامر جلاب صانع المرايا في دروب الشعر والنقد
- حواريّة الموت-.. مرثية عراقية موجعة
- حيدر العميدي الناقد الذي قرأ المسرح بجسد الروح
- شريف هاشم الزميلي شاعرٌ بنكهة الأسطورة وناثرُ حلمٍ لا يشيخ
- صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب
- طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة ال ...
- شاكر نصيف الشاعر الشهيد الذي اشتعل بالشعر وانطفأ برصاص الطغا ...
- سعد الشريفي شاعر الغربة والجمرات
- جبر داكي شاعر غنّى للحياة حتى رحيله


المزيد.....




- متحدثة البيت الأبيض تفسر لـCNN قرار ترامب بإلغاء قمته مع بوت ...
- كوريا الشمالية تختبر صواريخ تفوق سرعة الصوت لتعزيز ترسانتها ...
- عودة الكهرباء الخارجية لمحطة زابوريجيا النووية بعد شهر من ال ...
- ما خلفيات المواجهات بين القوات السورية والجهاديين الفرنسيين ...
- لقاء بين حماس وفتح في القاهرة يبحث مستقبل غزة وترتيبات ما بع ...
- أوكرانيا: هل غير ترامب استراتيجيته مع بوتين؟
- قضية هانيبال القذافي في لبنان: جدل بشأن كفالة الـ11 مليون دو ...
- رويترز: خطة أميركية بديلة -لمؤسسة غزة الإنسانية- تشمل تسليم ...
- إسلام آباد تحظر حزب -لبيك باكستان- الإسلامي
- مقتل عشرات المسلحين بهجمات شرق نيجيريا


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في الحكاية