أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (45)















المزيد.....

عن الطوفان وأشياء أخرى (45)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 02:48
المحور: القضية الفلسطينية
    


التعرض التدريجي
كشف السابع من تشرين هشاشة المشروع القائم على فكرة "الفلسطيني الجديد"، إذ أثبت أن المقاومة، وليس الاندماج في منظومة الاحتلال، لا تزال خياراً حاضراً لدى جزء كبير من الفلسطينيين. رغم المحاولات المتسارعة لإعادة ضبط إيقاع المشهد بعد الطوفان (وعملياً، بعد أي عمل فدائي في الضفة الغربية المحتلة). ومن تداعيات الطوفان، إسهامه في خلق تحولات عميقة في الضمير العالمي وفي البيئة المقاومة والوعي الرافض للاحتلال وممارساته.
إن مأثرة الطوفان نكمن في إسقاطه أوهاماً كانت سائدة عن جدوى الاستعداد "النظري" لحرب شاملة، وأظهر واقعاً مختلفاً عند اختبار هذه الاستعدادات على الأرض.
يتجلى أحد أخطر مخرجات هذه المرحلة في ما يمكن وصفه بـ"تطبيع الإبادة"، حيث يُعاد إنتاج صور العنف والدمار ضمن خطاب سياسي وإعلامي يسعى إلى تقويض ردود الفعل الشعبية والحدّ من إمكانية تحويل الصدمة إلى دافع لإعادة إحياء المشروع الوطني. وتتجلى هذه الظاهرة في تراجع المواقف السياسية الرسمية إزاء جرائم الحرب، وفي انخراط بعض الأطراف الفلسطينية والعربية في سرديات تبريرية تعيد تعريف الصراع خارج سياقه الاستعماري، ما يسهم في إضعاف منظومة الخطاب التحرري.
بدعى هذا في علم النفس بـ "التعرض التدريجي"، وهو أسلوب يستخدم لتعويد الأفراد على مواقف أو مشاعر معينة من خلال التعرض لها بشكل متدرج ومتعمد. الهدف من هذه التقنية هو تقليل ردود الفعل السلبية أو الخوف من شيء معين عبر التعرض المستمر له بشكل تدريجي، بحيث يبدأ الشخص بتقبل أو التكيف مع هذه المواقف أو المشاعر مع مرور الوقت.
استخدمت إسرائيل هذا الأسلوب لتمرير فكرة الإبادة والتقليل من شعور الناس بالصدمة أو الاستنكار. عبر تكرار المشاهد الدموية والأحداث العنيفة على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح المتلقي العربي والفلسطيني معتاداً على هذه الصور والأخبار، مما قلل من أثرها النفسي. ونتيجة لذلك، بدأت هذه الأفعال تُقبل بشكل تدريجي، حتى أصبح الوضع كأنه أمر طبيعي أو لا يمكن تجنبه. بذلك، يصبح الشخص أكثر قدرة على التعايش مع الواقع البشع أو القاسي بسبب تعرضه المستمر له، ويقل تأثير الصدمة أو الاستجابة العاطفية القوية في البداية.
غالباً ما يرتبط التعرض التدريجي بمعالجة القلق والخوف في علم النفس. يُستخدم بشكل أساسي كأداة لتقليل ردود الفعل العاطفية الشديدة أو الفزع الذي قد يسببه الشخص تجاه مواقف أو أشياء معينة تثير لديه قلقاً أو خوفاً. والفكرة الرئيسة وراء هذا الأسلوب هي أن التعرض المتكرر الخاضع للمراقبة للأشياء أو المواقف المثيرة للقلق بشكل تدريجي يساعد الشخص على التكيف معها، مما يؤدي إلى تخفيف التوتر بمرور الوقت. بمعنى آخر، الشخص يصبح أقل تأثراً بالأشياء التي يخاف منها أو يتهرب منها، حيث يتم تقليص استجاباته النفسية السلبية تدريجياً. لكن لا يقتصر استخدام التعرض التدريجي على القلق والخوف فقط؛ في بعض الحالات، قد يُستخدم للتعامل مع الذكريات المؤلمة أو حتى لتقبل التغيرات الكبيرة في الحياة. على الرغم من ذلك، يظل الأسلوب الأكثر شيوعاً في علاج الفوبيا والاضطرابات المرتبطة بالخوف. على سبيل المثال، الشعوب الواقعة تحت الاحتلال تواجه تحديات نفسية وعاطفية ضخمة، والتعرض التدريجي في مثل هذه الحالات يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات متعددة ومعقدة. حينما يتم تكرار مشاهد العنف أو المعاناة في الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن ذلك لا يعمل فقط على تقبل الواقع من قبل الأفراد بل يمكن أن يؤدي أيضاًَ إلى "التطبيع النفسي" لهذا الواقع، وهو ما يعني تقبّل العنف أو الإبادة تدريجياً على أنه أمرٌ طبيعي أو غير قابل للتغيير.
ومن هذا المنطلق يمكن القول أن إسرائيل قد نجحت بشكل كبير في تطبيع الإبادة من خلال التعرض التدريجي، خاصة في سياق القمع المستمر والعنف الممنهج ضد الفلسطينيين. فعلى مر السنين، أصبح القتل الجماعي والاغتيالات والتفجيرات والمجازر والتدمير... ما إلى ذلك جزءً من المشهد اليومي المتكرر في الإعلام، مما ساعد في تقليل استجابة الناس العاطفية لهذه الأحداث وتغيير تصوراتهم تجاهها.
بعد عامين من الطوفان وحملة الإبادة الجماعية، لم يعد يقتصر الأمر على نقاش لفظي حول تسمية الفعل بوصفه "إبادة" أم "جرائم حرب؛ فنحن، في واقع الأمر، أمام تحول عملي في ميزان القوى المدنية-القانونية على المستويين الإقليمي والدولي، يفرض علينا إعادة قراءة الحدث بذهن أكثر تفتحاً وبعقل بارد وقلب حار كما يقال.
فقد نتج – أو ربما سوف ينتح- عن خطة ترمب مسارات متداخلة عيرت من معادلة المساءلة. أول هذه المسارات هو الحقائق والبيانات الميدانية التي بدأت تتكشف مع "وقف إطلاق النار" ثم هنا مسار القضاء الدولي، وأخسراً تبدل الأدوار في ردة فعل الفاعلين الدوليين والانعطافات الإقليمية بسبب توسع رقعة العنف.
فشهادات الغزيين وارتفاع أعداد الضحايا وخرائط الدمار، ليست مجرد قضية انتهاكات "أخلاقية"، وإنما هي ملف ميداني موثق، و شهادات منظَّمة عن "سجلّ واقعي" سوف يسهِم في إعادة تعريف الخطاب القانوني والسياسي حول طبيعة الفعل الإبادي الإسرائيلي. وعلى هذا المسار التناغم مع المسار الدولي من خلال زيادة الضغوطات على بعض المؤسسات مثل المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من محاكم التحقيق الأممية، وإن كانت هذه المؤسسات تواجه عوائق سياسية وتشويشاً دبلوماسياً من إسرائيل وحلفائها وأعوانها. وحتى ضمن سياق "ليبرالي: غربي يتذرع بصعوبة إثبات "النية الخاصة" بمقياس إبادة جماعية، فهذا لا عيني غياب مساءلة إسرائيل عن مجمل جرائمها (ليس في غزة وحدها، بل في المنطقة باسرها) ؛ وهذا يعني أيضاً تفعيل مساحات قضائية متعددة الأدوات: تحقيقات ميدانية محكمة، دعاوى جنائية على مستوى القيادة، وإجراءات دولية مدعومة بضغط سياسي وشعبي، لجعل إسرائيل لا تفلت من العقاب
نغم سيكون من الصعوبة بمكان الوقوف في وجه الانعطافة الإقليمية الحادة التي ترمي إلى "إنهاء" الصراع مع إسرائيل (ولو على حساب قبر القضية الفلسطينية) إلا أن طبيعة إسرائيل "التوسعية العدوانية" ستؤكد أن "التفجر الموضعي" لن يتوقف عند بلد بعينه أو منظمة أو حزب أو "ميليشيا" بل أن خطورة هذا الأمر وتحوله إلى نمط إقليمي سيترتب عليه آثار مديدة الأجل تشمل سكان واقتصاد شعوب شرق المتوسط وخليج العرب وشمال افريقيا ويزيد من احتمالات التمدد "الإسرائيلي" الجغرافي مما يفاقم عمليات التهجير والدمار واستعمال القوة الغاشمة والواسعة في إعادة تركيب السكان والموارد



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى (44)
- The Company You Keep حلم ثورة لم تأتِ
- عن الطوفان وأشياء أخرى (43)
- ثمة مدزرة هنا :الصورة التي نزفت معناها
- عن الطوفان وأشياء أخرى(42)
- -الفلسطينزم- والسؤال الأساس للمثقف
- تاجر البندقية: The Merchant of Venice أو سرديات الغنيمة
- ما بعد إيران... أم ما بعد الخطاب؟
- عن الطوفان وأشياء أخرى (41)
- عنتريات السيادة في العصر الإسرائيلي: لبنان المقاطعجي نموذجاً
- عن الطوفان وأشياء أخرى 40
- عن الطوفان وأشياء أخرى (38)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (39)
- قراءة في كتاب -المملكة الكتابية المنسية-: حين يغمس إسرائيل ف ...
- عن الطوفان واشياء اخرى (37)
- عن الطوفان واشياء أخرى (35)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (35)
- عن الطوفان واشياء أخرى (34)
- الطوق والأسورة: من الرواية إلى السينما... ميلودراما عجزت عن ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (33)


المزيد.....




- كريستين بيل تشعل فتيل جدلٍ حاد بسبب تهنئتها لزوجها في عيد زو ...
- ترامب: إسرائيل ستخسر كل دعم أمريكا في هذه الحالة.. وسأزور غز ...
- ما هو مرض الدفتيريا الذي ظهر في الجزائر بعد اختفائه بعقود؟
- رياح شديدة تضرب نيوزيلندا للمرة 2 خلال أسبوع
- أندية قتال فاشية في مرمى الاستخبارات.. تقرير يرصد تمدّد حركة ...
- إيران محذّرة من الهجوم على منشآتها: تكرار التجربة لن يؤدي إل ...
- أول صلاة مشتركة تجمع ملكًا إنجليزيًا وبابا كاثوليكيًا منذ خم ...
- جدل بعد تصريحات فانس حول تصويت الكنيست لضم إسرائيل للضفة الغ ...
- الانتخابات الرئاسية بساحل العاج: أحياء العاصمة أبيدجان بين د ...
- رغم سريان وقف إطلاق النار.. إسرائيل تشن غارات على البقاع وال ...


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (45)