جاسم المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 21:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد يسال البعض: لماذا اكتب كثيرا عن الحرب الاوربية ضد روسيا الاتحادية منذ بدايتها؟ , انا لا اتفق مع الاخرين في تسميتها ( حرب روسيا على اوكرانيا) كما تسميها قناة الجزيرة , ولا ارغب ان اسميها (الحرب الروسية الاوكرانية), بل هي حرب اوربا على روسيا , وذلك للاسباب التي اتناولها هنا في هذه المقالة الموجزة, ثم انني لم أرَ او اسمع أو اقرأ في التاريخ ان دولة تعرضت للعقوبات الاقتصادية كما تتعرض له روسيا الاتحادية منذ بداية الحرب ,واعتقد ان من حق روسيا الدفاع عن نفسها , فحلف شمال الأطلسي الناتو يريد ان يكون له وجود على حدودها من خلال استغلال غباء الرئيس الاوكراني , وترغيبه بالانضمام الى الاتحاد الاوربي وحلف الناتو, ليس من اجل عينيه أو من أجل مصالح اوكرانيا, وانما لجعل اوكرانيا بالنسبة لروسيا كاسرائيل بالنسبة للشرق الاوسط, كما اعتقد ان العقوبات الاقتصادية لن تحل المشاكل , وهي تؤثر على المعاقَب والمعاقِب وربما اكثر على المعاقِب , وان الحروب لا تحل المشاكل بل تزيدها تعقيدا واتساعا , واعتقد ان محادثات سياسية ودبلوماسية تدوم لعشر سنوات خير من حرب ولو لعشر ثوان, ولطالما كانت الحروب محورية في تشكيل مجرى التاريخ ,إلا ان العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا بعد اندلاع الحرب تشكل سابقة تاريخية غير مسبوقة.. لا يوجد في التاريخ المعاصر دولة تعرضت لضغوط اقتصادية بهذا الحجم, وهذا التوجيه الجماعي لاقتصاد دولة عظيمة وكبيرة كما هو الحال مع روسيا , يعتبر اختبارا لقوة الاقتصاد العالمي ومدى تأثيرها على السياسة الدولية.. عندما نمعن النظر في ما يحدث الآن نجد ان العقوبات الاقتصادية على روسيا التي فُرضت من قبل العديد من الدول الغربية, قد امتدت لتشمل جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الروسية, وجاءت في وقت حساس للغاية حيث تواجه روسيا تحديات حربية مع جارتها أوكرانيا, في سياق معقد تمثل في صراع جيوسياسي وحروب بالوكالة وحملات إعلامية متنوعة, وهناك عقوبات قبل الحرب زادت واتسعت حين بدأت..
من هنا تبرز مجموعة من التساؤلات العميقة حول حق الدولة في الدفاع عن نفسها, وحول تأثير العقوبات الاقتصادية على الأطراف المختلفة في المعادلة الدولية, وحول جدوى الحروب بشكل عام في حل القضايا السياسية.
إن حق الدول في الدفاع عن سيادتها وأراضيها من التدخلات الاجنبية يعد مبدأ راسخا في القانون الدولي, ويعكس إيمانا بقدرة الدول على حماية مصالحها وامنها القومي, ومن هذا المنطلق يمكن فهم الحرب التي تشنها (روسيا على أوكرانيا) في إطار هذا الحق الطبيعي.. بالنسبة لروسيا فإن التصعيد العسكري جاء في سياق شعور بالتهديد الوجودي , وخصوصا من جانب حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يتوسع بشكل تدريجي ليصل إلى حدودها.. في هذا السياق تبرز النظرة التي ترى ان الدفاع عن الحدود والسيادة لا يشمل فقط التهديدات العسكرية المباشرة, بل يمتد ليشمل التهديدات المحتملة من التكتلات العسكرية التي قد تضعف قدرة الدولة على حماية استقلالها السياسي واستقرارها.
إلا أن هذا الحق في الدفاع عن النفس لا يزال يُساء فهمه في السياق الدولي, فالعديد من الدول الغربية تعتبر الهجوم الروسي على أوكرانيا انتهاكا للقانون الدولي وحقوق الإنسان, ولكنها لا تعتبر الشيء نفسه في مناطق اخرى وحروب شتى كالتي خاضتها اسرائيل ضد دول الشرق الاوسط ,بينما ترى روسيا نفسها في موقف دفاعي, حيث تسعى لحماية أمنها القومي, مستندة إلى رؤيتها التاريخية للعلاقات مع أوكرانيا واعتبارها جزءا من مجالها الجيوسياسي الحيوي وبالتالي تكمن الإشكالية في كيفية تحديد حدود هذا (الحق في الدفاع) و ما إذا كان يبرر التدخل العسكري في دول ذات سيادة.
منذ بداية الحرب في أوكرانيا, شهدت روسيا فرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية القاسية التي استهدفت شتى القطاعات الحيوية, من الطاقة إلى المالية, مروراً بالتكنولوجيا والتجارة,بل وحتى الرياضة.. إن العقوبات الاقتصادية هي أداة من أدوات الضغط السياسي التي تعتمدها الدول الكبرى لإجبار الدولة المستهدفة على تغيير سلوكها, لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل حقاً ان العقوبات هي الحل لأي نزاع دولي؟ وهل هي وسيلة فعالة لإنهاء الحرب أو لتحقيق التسوية السياسية؟
يتساءل الكثيرون عن تأثير العقوبات على الأفراد والمجتمعات أكثر من تأثيرها على الأنظمة الحاكمة.. ففي كثير من الحالات نجد أن العقوبات الاقتصادية تؤثر على الطبقات الفقيرة والمتوسطة في الدولة المعاقَبة أكثر من تأثيرها على النخب الحاكمة.. فتدني مستوى المعيشة وارتفاع الأسعار يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية الداخلية, مما يعمق حالة الاستياء الشعبي, دون أن يسهم ذلك بالضرورة في تغيير السياسات الحكومية.. من جهة أخرى فإن العقوبات الاقتصادية تؤثر أيضا على الدول المعاقِبة نفسها. على سبيل المثال, فرض العقوبات على روسيا أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا ,وأزمة اقتصادية في العديد من البلدان الغربية.. هذا التفاعل بين الأطراف يفتح بابا واسعاً للتفكير في جدوى هذه العقوبات.. هل من المنطقي ان تؤذي العقوبات الاقتصادية الجميع من أجل فرض سياسة معينة؟ أم ان هناك حلولاً أخرى أكثر فعالية لتحقيق السلام والاستقرار؟
الحروب كما هو معروف, هي أداة شديدة القسوة تستخدم لحل النزاعات بين الدول.. إلا ان النظرة السياسية تُشير إلى ان الحروب غالباً ما تخلق مشكلات جديدة بدلاً من حل المشكلات القائمة.. فإن نشوب أي صراع عسكري يؤدي إلى تدمير البنية التحتية , وقتل الأبرياء وتدمير الاقتصاد, وأهم من ذلك كله تؤدي الحروب إلى غياب الثقة بين الدول, مما يعقد أي محاولة لإيجاد حل طويل الأمد.
الفكرة الاساسية في هذه النقطة هي أن الحروب غالباً ما تؤدي إلى نتائج غير متوقعة وغير محسوبة.. فحتى إذا كان أحد الاطراف يعتقد أنه يمكن تحقيق (نصر سريع) او (انتصار حاسم) غالبا ما يحدث العكس.. فالحروب ليست سوى نتيجة لفشل السياسة في حل القضايا المعقدة بين الدول, وبدلاً من ان تكون وسيلة لتحقيق السلام, فإنها تصبح عاملا في تعميق الصراعات وإطالة أمدها.
بينما تزداد الحروب تعقيدا, تصبح الدبلوماسية سبيلاً اكثر عقلانية للوصول إلى حلول سياسية.. ان النظرة العقلانية تؤكد على ان التفاوض هو أساس الحلول المستدامة, حيث أن الحوار العميق والمناقشات الصادقة قد تؤدي إلى حلول تصب في صالح جميع الأطراف.
إن المفاوضات الدبلوماسية, على الرغم من أنها قد تكون بطيئة ومعقدة, إلا انها تقدم بديلاً يمكن أن يحقق نتائج مستقرة.. بدلاً من ان نغرق في دوامة من الحروب التي لا نهاية لها, يمكننا تصور عالم يسعى فيه القادة إلى التوصل إلى حلول سلمية من خلال الحوار والتفاهم المتبادل.
محادثات السلام التي قد تستغرق سنوات هي غالباً أفضل من حرب قد تستمر دقائق معدودة.. في الواقع يمكن للحنكة السياسية أن تلقي الضوء على حقيقة ان النزاعات بين الدول لا تُحل عبر قوة السلاح فقط, بل من خلال العقل والمنطق.. إذا كانت دبلوماسية الحرب العالمية الثانية قد أنقذت اوروبا من حرب كونية جديدة, فالأمل قائم في ان تكون المفاوضات والحوار سبيلاً لتهدئة الأزمات الحالية.
إن العقوبات الاقتصادية, رغم كثرة الحديث عنها لا تمثل دائما الحل الأمثل لأي نزاع دولي.. فالضرر الذي تلحقه بالعالم بأسره لا يقتصر على الدولة المعاقَبة فحسب, بل يمتد ليشمل الدول المعاقِبةايضا, ويؤدي إلى نتائج غير متوقعة.. أما الحروب فغالبا ما تخلق المزيد من التعقيدات بدلاً من أن تكون وسيلة لحل المشكلات.. في النهاية, يبقى الحل الأمثل في المفاوضات السياسية والدبلوماسية, التي وإن استغرقت وقتا طويلا، إلا أنها تبقى الطريق الأكثر أملا لتحقيق الاستقرار والسلام بين الأمم.
إن السؤال حول ما إذا كانت الحرب في أوكرانيا ستنتهي قريبا من خلال اجتماع مرتقب بين الولايات المتحدة وروسيا في المجر هو سؤال مفتوح ومعقد للغاية, ويعتمد على مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية التي لا يمكن التنبؤ بها بدقة.. ولكن يمكننا التفكير في هذا الموضوع من خلال عدة زوايا فلسفية واستراتيجية لنحاول فهم الاحتمالات المتاحة.
أحد العوامل الكبرى التي تعيق التوصل إلى نهاية سريعة لهذه الحرب هو التناقض الواضح في المصالح بين الأطراف المتورطة.. فمن جهة نجد أن روسيا تتمسك بمواقفها الجيوسياسية العميقة, وتعتبر أن السيطرة على أوكرانيا أو على الأقل ضمان حيادها هو مسألة حياة أو موت بالنسبة لأمنها القومي.. في المقابل تدعم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون أوكرانيا ليس فقط من منطلق الدفاع عن سيادتها, بل أيضاً من منطلق استراتيجيتها لتقويض نفوذ روسيا في أوروبا ومنطقة البحر الأسود.
قد يكون من الصعب جداً على الدولتين العظمتين الولايات المتحدة وروسيا, ان يتنازلتا في هذه القضايا الجوهرية من خلال اجتماع واحد, وذلك لأن تلبية شروط كل طرف قد تعني بالنسبة للطرف الآخر التنازل عن وجوده او أمنه القومي.
على الرغم من الصعوبات فإن الدبلوماسية تظل أداة حاسمة في تحريك الأمور نحو التسوية.. التاريخ يعلمنا أن العديد من النزاعات الدولية التي كانت تبدو مستعصية على الحل قد شهدت تحولات جذرية من خلال محادثات دبلوماسية طويلة ومعقدة, فحتى في أشد الفترات صعوبة, مثل الحرب الباردة أو حتى الحرب العالمية الثانية, كانت هناك دائماً فرصة للجلوس على الطاولة والتفاوض.. إذا كانت هناك إرادة سياسية من جانب كل من روسيا والولايات المتحدة, وإذا توفرت الضغوط الدولية الكافية على اوكرانيا واوربا ، فإن لقاء دبلوماسي، مثل الاجتماع المرتقب في المجر, قد يساهم في التخفيف من التوترات. لكن لا ينبغي أن نتوقع حلاً سريعًا؛ ربما تكون هذه المحادثات خطوة أولى نحو وضع خارطة طريق للسلام, ولكن تحقيق ذلك قد يستغرق سنوات.
إلى جانب العوامل الخارجية التي تحكم هذا الصراع, هناك ايضا الأوضاع الداخلية في كل من روسيا والولايات المتحدة, وكذلك اوكرانيا. . في روسيا قد تؤثر العقوبات الاقتصادية والشعور بالضغط العسكري في تغيير المواقف, ولكن في ذات الوقت قد يكون هناك قوى سياسية داخلية قوية تدفع باتجاه تصعيد الصراع بدلاً من التفاوض.. أما في الولايات المتحدة، فالموقف السياسي الداخلي يمكن ان يكون معقدا, حيث تتباين وجهات النظر بين الادارة الحالية والمعارضة بشأن كيفية التعامل مع روسيا فالبعض في أمريكا يعتبر ان الضغط العسكري والاقتصادي على روسيا يجب ان يستمر حتى تحقيق (النصر) بينما يرى آخرون ضرورة الانخراط في مفاوضات تهدف إلى تجنب التصعيد أكثر.
إن التوصل إلى حل دبلوماسي عبر الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا قد يؤدي إلى وقف القتال, لكنه لن يعني بالضرورة انتهاء الصراع بشكل نهائي.. الحلول الدبلوماسية عادة ما تكون مؤقتة في مثل هذه الحالات, إذ يمكن ان يكون هناك اتفاقات لوقف اطلاق النار او تبادل للأسرى أو ضمانات لعدم التوسع العسكري, ولكن تحقيق سلام دائم يتطلب التوصل إلى تسوية شاملة تتناول القضايا الامنية والسياسية في المنطقة.
من جهة اخرى, قد يشهد العالم مزيدا من الضغوط في حال فشل المفاوضات, سواء من خلال تصاعد العنف في أوكرانيا او من خلال تمدد الصراع إلى مناطق اخرى, مثل نزاعات جديدة في أوروبا الشرقية او تهديدات امنية من حلف الناتو.
إذا نظرنا إلى ما يحدث الآن يمكن القول ان بوادر امل قد تكون بعيدة.. رغم ان هناك إشارات على رغبة كلا الطرفين في تخفيف حدة التصعيد, إلا ان المواقف المتعارضة بينهما ما زالت قوية, وليس من السهل التوصل الى توافق حقيقي في ظل هذه الظروف المعقدة.
ومع ذلك, قد يحمل الاجتماع المرتقب في المجر فرصة لإنعاش آمال الدبلوماسية, ولكن لا ينبغي لنا ان نبالغ في التفاؤل.. يمكن لهذا الاجتماع أن يسهم في إنشاء بيئة من التفاهم او حتى وقف مؤقت لإطلاق النار, لكن الوصول إلى حل دائم قد يتطلب خطوات إضافية طويلة الأمد تتجاوز هذا اللقاء.
إذن يمكن القول إن الاجتماع المرتقب بين الولايات المتحدة وروسيا في المجر يحمل في طياته فرصة للتوصل إلى بداية جديدة لمسار دبلوماسي قد يساهم في تخفيف حدة الصراع, ولكنه لا يضمن بشكل قاطع نهاية الحرب في المستقبل القريب. ينبغي أن نكون واقعيين في توقعاتنا, فالدبلوماسية لا تحل المشاكل بين ليلة وضحاها, ولا سيما في صراع معقد كالذي تشهده أوكرانيا الآن. والبحث عن حل حقيقي يتطلب من الأطراف المعنية ان تتحلى بالصبر والحكمة, وان تسعى لإيجاد أرضية مشتركة تضمن مصالح الجميع دون إغفال للمبادئ الأساسية للعدالة والحرية والسيادة.
جاسم محمد علي المعموري
#جاسم_محمد_علي_المعموري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟