أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - تراتيلُ الرحيل.. رحيلُ الأحبة















المزيد.....

تراتيلُ الرحيل.. رحيلُ الأحبة


جاسم المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 01:28
المحور: الادب والفن
    


رحل الأحبّة...
لا دموعَ ولا شموع
ولا مَراسيمَ وداعٍ
أو تراتيلَ خشوع
لاشيءَ.. لا شيءَ..
سوى الدماء.
لا وقتَ عندي للبكاء..
قُتِلوا..
لا وقتَ عندي للعزاء,
الأرضُ تصرخُ من دمي,
والغيمُ يزحفُ نحو بابي,
كأنّني
مُنفيُّ موتٍ,
يَحرُثُ الأشباحَ في جسدي,
ويُسقِطُ الشمسَ من السماء..
* * * * * *
من يحملُ البابَ الثقيلَ على الجدار؟
من يسمعُ الكلماتِ من فمِ الدعاء؟
كُلُّ الذي كانوا هُنا...
صاروا رمادًا في الشتات,
ويدي تُلوّح للغبار,
وتحضنُ المعنى المُبعثر في المساء.
* * * * * *
رحلوا..
وفي صدري مقابرُ من رجاء.
أنا لستُ وحدي,
بل أنا الزمنُ المُهانُ,
أنا القصيدةُ حين يُغتالُ النداء..
* * * * * *
رَحَلَ الأَحِبَّة -
لا هواء,
ولا عِناق..
رَحَلوا -
فانكمشَ الضوءُ في ازقة المدينة,
وبكى الأذانُ في حنجرةِ المساء..
لا سماءَ تجود بالغيث,
لا سماء,
لا عَطاءَ سوى الحطام,
لا عطاء,
ولا أصواتَ إلا
صدى أقدامِ الغائبين
في دهاليز الذاكرة.
* * * * * *
رحل الأحبّة...
لا وقت عندي للبكاء,
قُتِلوا-
لا وقت عندي للعزاء.
الساعةُ مصلوبةٌ في دمي,
والنهارُ يتقوّسُ فوق رأسي,
يبحث عن سهمٍ مكسورٍ يشبهني.
* * * * * *
يا موتُ,
أما كفاكَ اتكاءً على كتفِ القصيدة؟
أما سئمتَ من الحبرِ والدمِ,
ومن طُرقٍ تقودُنا إلى لا أحد؟
يا موتُ,
اقتربْ -
لكن بخُطى الشعراء,
لا كجنديٍّ أعمى.
* * * * * *
أنا آخر مَنْ تبقّى من قافلةِ المدى,
أحملُ في يدي حجرًا,
وفي فمي نشيدًا,
وفي صدري خريطةً مُحترقة.
* * * * * *
أُسائلُ التراب:
أيّ وجهٍ دفنتَ فيه صديقي؟
أيّ جُرحٍ غطّيتَهُ بالسماء؟
أُسائلُ الصمت:
كم من النداءاتِ التهمتَ؟
كم من الأسماءِ نسيتَ أن تردّدها؟
وحدي أنا,
أحملُ الذاكرةَ على ظهري
كعجوزٍ يعبرُ الهاوية,
يتذكّرُ أسماء الموتى,
وينسى اسمه.
* * * * * *
كانت لهم أصوات,
وكانت للشوارعِ أقدامٌ تنبض,
كان للقهوةِ نُكهتها,
وكان للمساءِ ظلٌّ لا يشبهُ المقابر.
اليومَ,
كلُّ الأبوابِ مغلقةٌ,
والمرايا.. تتثاءبُ من الفراغ.
* * * * * *
أيّها الغيمُ...
لا تمطر,
فلا أحد يخرج ليرقص تحتك.
أيّتها الريح...
اهدئي,
فلا رايةَ في القلبِ تُرفع.
أيّتها الأرضُ ..
لا تلدينا,
فقد تعبنا من كوننا فريسة الولادة والموت،
عاشقين دائمين لشيءٍ لا يبقى.
* * * * * *
رحل الأحبة,
وأنا أعدُّ خطاهم خلفي
كمن يعدّ الجثث في حلمه..
رحلوا..
لكنني كلّما مشيتُ,
دهستُ وجوههم في ذاكرة الرصيف.
* * * * * *
من سيُطفئ شموع الغياب؟
من سيزرع ظلّاً
في أرضٍ هجرتها الأشجار؟
من سيقول لي:
لا تبكِ... نحن هنا
وأنا أراهم -
حفنةً من نجومٍ في عينِ الليل
تغرقُ... بلا صوت.
* * * * * *
قُتِلوا...
لكن لا ضريحَ لهم في النشيد.
لا تمثالَ,
لا زهرةَ على الرخام.
قُتِلوا بصمتٍ أنيق,
كما يُقتلُ المعنى
حينَ يصيرُ الشعرُ نشرةَ أخبار.
* * * * * *
يا أيها الموتُ,
خذني على مهلٍ,
فأنا آخرُ السلالةِ
التي كانت تؤمنُ أنّ القصيدةَ
قد تُنقذُ من الرصاص.
* * * * * *
رحلَ الأحبّة ُ-
لا وقتَ عندي للبكاء.
قُتِلوا -
لا وقتَ عندي للعزاء.
الدمُ ما زالَ دافئًا على الأصابع,
والسماءُ
تتدلّى من عنقها كجثّةِ نبوءةٍ خائبة.
* * * * * *
كأنني أسمعهم...
أسمعُ الصمتَ يتنفس بين قميصين,
أشمّ رائحةَ الأصوات,
تنبثقُ من ثقوب الحجارة تحت انقاضٍ كئيبة
لكنني لا أبكي -
أنا أكتب!
أجرّ الحروفَ كما تُجرّ الجثث من تحت الأنقاض,
وأُفتّت المعنى على مائدة الطين,
لأُطعم إلى الجوعى الحنين.
* * * * * *
من قال إنّ الذي يغيبُ يموت ؟
من قال ان الذي يموتُ يغيب؟
الموتُ قافيةُ القصيدة,
هو هذا الركضُ في رأسي,
وهذا الصراخُ المُحنّط في فمي,
وهذه العيونُ التي
تحدّقُ في سقف السماء
وتَضحك!
* * * * * *
رحلوا -
وكانوا النوافذ.
رحلوا -
وانكمشَ الضوءُ على نفسه
كجُرحٍ في قصيدة.
* * * * * *
أين أذهبُ الآن؟
المدنُ تلبسُ أقنعتها,
والأوطانُ تُغني للقتلة.
حتى التراب,
الذي يسجدُ على جبهتي,
صارَ يُصنّف الموتى:
هذا فقيرٌ..وهذا غريبٌ..
وهذا فائضٌ عن الحاجة..
* * * * * *
لم يتركوا شيئًا لي,
إلا فراغًا بشكل أعينهم,
ونبوءاتٍ مبتورة
على أطراف اللسان.
أشربُ صورهم من كأس الصحو,
وأتقيّأ الصباح.
* * * * * *
أيها الزمن:
هل أنت حفّارُ قبور,
أم شاعرٌ فاشلٌ
نسيَ أن يموتَ قبل أن يُنهي مطلع قصيدة؟
أين كنْتَ حينما رحلوا
حين انفجرت القصيدةُ في وجه الرضيع؟
أكنتَ تصغي لتراتيلنا
أم تحصي عدد الطلقات في صدورنا؟
* * * * * *
رحل الأحبة —
تركوا جراحهم معي ,
تمشي معي,
تنام في فراشي,
تأكل من صمتي,
وتضحك حين أُغلقُ النافذة,
خشية أن تهربَ أصواتهم من الذاكرة.
* * * * * *
رحلوا...
وأنا آخرُ من تبقّى في الحكاية ,
أحملُ الكلمات كقنابلَ موقوتة,
أزرعُها في نصوصكم,
وأهربُ
أهربُ..
دون أن ألتفتَ للدمار.
* * * * * *
رَحَلَ الأَحِبَّةُ للسّماء-
رحلوا دون ان يلتفتوا..
الى النجوم يتسابقون..
رَحَلوا..
فامتطِ صهوةَ الكرامة,
كي لا تزول,
أو قاتِلْ -
قاتِل الأعداء,
وأعداءَ الطفولة والحنين,
حين تُصلَبُ على أبوابِ المدن.
** * * *
أنا البركان في نومه,
الصوتُ الذي لم يُولد,
الشعرالذي يطعن خاصرة السكين
لا أنتمي للهدوء,
بل للُّغة التي تصرخُ بلا حنجرة,
وتزرعُ العواصفَ في الرمال النائمة..
* * * * * *
لا شيء لهم يُغنّي..
لا نشيدَ.. لا تمثال..
لا أغنية تُعادل ظلّهم.
قاتل,
ولو بصوتك.
قاتل,
ولو برمادك.
قاتل,
فهذا العالم لا يُحب المسالمين,
يبتلعهم كما تُبتلعُ القصيدة
في فمِ مذيع
* * * * * *
أنا لستُ حزيناً,
أنا البركانُ في سكونه,
أنا الصرخةُ التي لم تُولد بعد.
أَراهم في الشضايا,
في القنابل،
في أصواتِ أمهاتٍ يرضعنَ الغياب.
* * * * * *
رَحَلوا —
لكن لا ورود وُضِعت فوق توابيتهم,
لا صلاةَ تشبهُ وجوههم,
لا نشيدَ يليقُ
بقلوبٍ كانت تنبضُ أكثر من أوطان.
** * * *
لنا الأرض التي منها خرجنا,
نحن لحمها,
نحن ملح صراخها الأول..
والسماء لنا,
صعدناها على سلالم الدم,
وغرسنا على نجومها أسماء موتانا,
نجمةً بعد نجمة..
والانبياءُ منّا ,
كتاباً بعد كتابٍ
ورسالةً بعد رسالة.
* * * * * *
لنا البحرُ,
لنا مِلحُهُ,
وغرقاه,
وعيون أمهات لم تُغلق بعد..
لنا هذه القبور,
قبورُ أجدادنا -
لم تُبنَ ليموتوا
بنيت لتبقى الشجرةُ شاهدةً
ليبقى الثأرلا يُمحى.
* * * * * *
من هذه الأرض خرجنا,
لا من أرحام النساء خرجنا,
من شقوق الحجارة خرجنا,
من فم اللغة حين يُصبح الوطن قصيدة,
من أصابع الأطفال
حين يرسمون الشمس على جدارٍ منهدم..
وفيها-
فيها دُفِنّا,
لكننا لم نمت..
نحن في الشهيق,
في قمح الأطفال,
في الحجارة التي رُجِمَ بها الصمت.
كل ما فينا يعود إليها..
الأمل.. الهتاف..
والدموع التي لا تجد مناديل
إلا جراحنا..
مِنها خرجنا -
وفيها سنبقى لن نغادر..
نحن الحفنة التي,
كلما ذرّوها في الهواء,
عادت شجرة...
أو ثورة.
* * * * * *
الموت ليس ختاماً,
بل ممرٌّ إلى شكلٍ آخر من القصيدة
لا موتى هنا -
بل أرواحٌ تنتظرُالابيات الازلية الابدية الاولى.
* * * * * *
رَحَلوا, نعم,
لكننا الباقون في الاحتراق,
في الارض,
في المنافي,
في السجون,
في الحرف,
في جنون الطين الذي
لا يُقلع من جذره.
* * *
الموت ليس ختاماً -
بل هو الصفحة الأولى
في كتابٍ لا ينتهي.
جاسم محمد علي المعموري
سانت لويس
16 -10- 2024



#جاسم_محمد_علي_المعموري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكرى الاولى لرحيل الشجاعة والكلمة والوفاء
- غياب الصدرغياب عن الديمقراطية وخطرأمني شديد!
- اساطيل الصمود محملة بالقنابل النووية!
- نسيان حرب السودان -عمدا- جريمة اكبر
- العدوان الصدامي على ايران وأثره على القضية الفلسطينية
- لماذا الجنوب؟!
- يحيى السماوي- شعره واخلاقه- لا ادري والله أيهما اعذب
- الارهاب والمكافآت الكبرى!
- ربع قرن من الكذب.. 11 ايلول وقرائن المؤامرة
- للتاريخ.. أكتب اسألتي.. ولدوحة قطر أُعلن تضامني
- النجف الاشرف نافذة المبدعين على الغيب والروح والمعنى
- حرق القران من بوابات السياسة ودهاليز المخابرات
- استراليا تطرد سفير ايران .. من المستفيد؟!
- مجنون يتنبأُ بالغضب العارم!
- غزة المجوعة بين صرخات الجياع ومسرحيات مجلس الامن!
- جرائم الحرب في غزة ومسؤولية المحتلين
- رسالة هامة الى حكومة لبنان والمقاومة .. السلاح كوسيلة للمقاو ...
- وجهان لواقع واحد .. بوتن وترامب في عالم مضطرب.. رؤية شاملة
- بين الأمل في السلام ومخاطر التصعيد النووي .. ترامب وبوتين يل ...
- نداء عاجل للتحرك الدولي الفوري.. قتل الصحفيين جريمة كبرى


المزيد.....




- في مهرجان سياسي لنجم سينمائي.. تدافع في الهند يخلف عشرات الض ...
- ماكي صال يُحيّي ذكرى بن عيسى -رجل الدولة- و-خادم الثقافة بل ...
- الأمير بندر بن سلطان عن بن عيسى: كان خير العضيد ونعم الرفيق ...
- -للقصة بقية- يحقق أول ترشّح لقناة الجزيرة الإخبارية في جوائز ...
- الكاتبة السورية الكردية مها حسن تعيد -آن فرانك- إلى الحياة
- إصفهان، رائعة الفن والثقافة الزاخرة
- سينمائيون إسبان يوقعون بيانًا لدعم فلسطين ويتظاهرون تنديدا ب ...
- وفاة الفنانة التركية غُللو بعد سقوطها من شرفة منزلها
- ديمة قندلفت تتألق بالقفطان الجزائري في مهرجان عنابة السينمائ ...
- خطيب جمعة طهران: مستوى التمثيل الإيراني العالمي يتحسن


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - تراتيلُ الرحيل.. رحيلُ الأحبة