أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - مجنون يتنبأُ بالغضب العارم!















المزيد.....


مجنون يتنبأُ بالغضب العارم!


جاسم المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 11:13
المحور: الادب والفن
    


إهداء .. الى كل مجنون يحب الوطن وأهله كهذا المجنون*..
هذا المجنون الذي هو اشرف من كل أولئك الذين يتاجرون
بقضية العراق وشعبه ودماء شهدائه, ويسمون انفسهم احزاب
معارضة .. الى شعب العراق.. أطفاله, ورجاله, ونسائه .. الى
ارض العراق ونخله ومائه ..
جاسم محمد علي المعموري
10- 1- 1999نشرت في جريدة عرب تايمز الغراء العدد 298
**********************
(1) رغم شواربك صدام*
* * *
+ اخطب يا مجنون مخيمنا, اخطب فينا, فكل الزعماء سواك مجانينا .. اخطب اخطب فينا
وارقَ التل الأعلى في وادينا.. قل ما شئت, فليس هنالك من اشرف منك.. لا يوجد في الدنيا انسان اعقل منك..
- أيها الناس, ايها الثوار, اسمعوني: ان احزاب المعارضة قد مزقوا العراق,
ولقد كان الطريق واحدا, والغاية واحدة .. اسمعوني .. انني انتخب الخنزير
ليكون رئيسا للعراق لو خيرت بينه وبين صدام, او احد من زعماء المعارضة
الذين انحرفوا عن طريق الله فحاربوه تعالى.. انهم يريدون قتلي كما قتلوا كل
الثوار الشرفاء, وسيقتلونني كما قتلوا الصلحاء , فلن يتورع من قتل الأجنة في
بطون الأمهات.. وسيقتلونني, وسيدفنون حبي وكلماتي وجنوني, وسيتهمونني
بالعشق وبالحق وحسن ظنوني.. الا ترى كيف يوجهون السلاح نحوي
وبالسلاسل يكتفوني, ويقولون لي: أتشتم في الحلم زعيما عربيا؟ انت اذن تحمل فكرا ثوريا!!
وسيلتقطونني.. لا تقل لي بان الدنيا واسعة, فهي أصغر من حبة رمل في أجهزة الكشف
الحديثة.. وسيلتقطونني .. رغم شواربك صدام خدري الجاي على الجولة1
+ اخطب.. اخطب.. اخطب فينا, قل ما شئت, وردد كل اغانينا, وتحدث عن كل ماسينا..
فند كل النظريات الكبرى والصغرى, واعلن نظرياتك علينا, فليس من حرج عليك.. قل
ما شئت.. تحدث عن كل خطايانا, عن كل اراذلنا ورزايانا, انزل.. اصعد.. تل مخيمنا .. اصعد.. انزل..
اضحك.. ابك.. علينا ومنا, فمجنون كل منا, وشريد كل منا, ومهزوم كل منا, والجنون خلاص,
والعقل غير مرغوب فيه في العصر الصهيوني.
- ليس علي حرجٌ ؟! هل بي جنة ٌ ام بي عورٌ او عرج؟! ليس علي حرج ؟! كيف وانا دليكم
لطريق الشمس , ونبيكم بالغضب العارم؟! ,كيف وانا انام على التراب من اجلكم ؟! كيف
وانا لا يغفو قلبي لكي تناموا ؟..
ثورة ثورة ؟! الثورة قنديل بيدي
ثورة ثورة ؟! الثورة شرف في عنقي
اتبعوني .. اركضوا ورائي .. واهتفوا: الله اكبر..
رغم شواربك صدام خدري الجاي على الجولة..
ربعنا لا تخافون تر الكاع مسكونة..
هلله هلله الصدر وينه ضيعوا قبره علينا ..2
+ ان الثورة فيك تعيش, واما في سواك ,فقد ماتت مذ ولدت..
مذ صار الثائر تاجرا في سوق العملة .. يا قائد مجانين مخيمنا,
اخطب فينا ,اصرخ فينا ,دعنا نضحك على انفسنا ,دعنا نبكي علينا,
يامهوساً بثورة انصهرت فيك انصهارا, وسرت في عروقك كدمائك
الحارة, ولما وجدتها انهزمت, ثُرت عليها, وبكيت عليها, وضحكت عليها,
حاولت كثيرا ان تعزلها عنك, لكنك كنت تناطح صخرا كسرت به راسك,
كسرت به عقلك, وحاولت ان تطفيئ فيه شمعة نور, فتوقدت اكثر من شمعة,
فاحترقت جمجمة تحوي شمعا لا مخا, فاستبدلت دماغك بالشمع المتوقد,
لذلك فانت ثائر حقيقي الى درجة اللامعقول عند عقلاء الثورة المهزومين,
فالثورة عندهم ربح وخسارة, والثورة في مقياسهم مكسب سياسي يعتلون
بواسطته منابر الحكم والسلطة, وهي عندك انجاز انساني عظيم تحققه
الشعوب التي تستحق الحياة, هذا التباين جعلك تراهم مجانينا ويرونك مجنونا.
رغم شواربك صدام خدري الجاي على الجولة.. ابد والله ما ننسى حسيناه ..هلله هلله الصدر وينه ضيعوا قبره علينا..

+ إهدأ إهدأ , واخبرني من اين انت وما أمرك ؟
- تقردي تقردي .. تأمركي تأمركي.. قرد أتى, قرد ذهب, بربكم قرد يُسيّر العرب؟
ياحسرتي ياحسرتي, شعبي فقير جائع, وخبزه ذا ينتهب, تخنزري تخنزري
فأنت للنار الحطب, وانت للتاريخ عار سوّد الكتب, تخنثي تخنثي أيا شباب
المهجر, تجبني تجبني, وخافي ان تتحدثي عن قادة الرذيلة في وطن الهزائم..
تقردي تقردي ...
* * * * * * * *
(2) لا تخشى جبروت الصخر
+ يا رجل بالله عليك إهدأ واخبرني من اين انت وما امرك ؟
- من الدنيا.. والدنيا موت, فاختر موتك فيها, والدنيا سِفْر, فاكتب بدماك اغانيها,
انزل في البئر ولا تخشى ظلمة هذا البئر, إصعد أعلى قمة جبل في الدنيا
لا تخشى جبروت الصخر, ابحر في كل بحار الدنيا لا تخشى امواج البحر,
واعشق ما تعشق حتى أجنحة الطير. حلق حلق كالنسرِ, فوق الغيمات الصفر
او السود او الحمرِ, وانظر من فوقَ الى الأرض ستراها كالبقة في حلق النمر..
+ لكنك ستُسجن..!
- سأكون حرا تحت الارض, وكل ما سواي مسترقٌ تحتها ..
+ سيعذبونك..!
- نعم, لأنني ما تعودتُ تذللاً وخضوعا, بل وسيشنقونني لأنني لا اعرف
لسوى الله ركوعا, وسأحمل سجني بين يدي وأحتج هناك, لما يرى الخالقُ
الدماءَ تتكلمُ..
+ من اين انت ؟
من بلد هو سجن تحت الأرض, فوق الأرض, بلدي أسلاك وشراك وانين,
وثكنات تنمو فيها آلات الفتك الوحشي, بلدي ينزل من كل منابره ويمشي,
وراء الخوف حتى مذبحه يمشي, بلدي في ازمة مزمنة, في ثورة مزمنة..
رغم الأنقاض ورغم الفتك, رغم الجوع ورغم الاوبئة المنتشرة, يعلن ثورة,
يعبر نحو الحرية والمجد على جسر من اجساد ودماء تحمل فكرا, لكن
العالم نسف الجسر, عالمنا المتجرد من كل الاخلاق, نسف الجسر بآلته
الديكتاتورية, وهناك حبيبتي قتلت و..
(3) لا لن ارحل
+ اعاشق انت ؟
- نعم بالتين وبالزيتون, ودم يجري منذ سنين.. بالتمر وباللبن, بالماء وبالشجر,
بالليل وبالنسمات, بالحب وكل الكلمات, بقلب تملكُهُ وكل الأمنيات, ثم قالت
لي: ارحل, علك تعود تحمل سنبلة خضراء تزرعها في الوطن.. علك تعود
تحمل نقطة ضوء تلقيها في ظلمته.. فقلت لها: لا لن ارحل, فالموت بين
ذراعيك اجمل موت.. بين جدائلك أحلى موت.. بين شظايا الوطن المحتل
أبهى موت.. أبهى, أحلى, أجمل.. لا لن ارحل, فمحال ان ارحل, لن استورد
سنبلة للوطن الميت, لن استورد نقطة ضوء للوطن المظلم, فدمي سنبلة
خضراء, ودمي نقطة ضوء باهرة الاشعاع..
* * * * * * * *
(4) والوطن , ماذا عنه؟
- لقد صار رمادا مذ تسلط بالسلطة سلطان زانٍ, وابن زناة.. سليل بني
صهيون.. وريث العارات الكبرى.. ديكتاتور قرارات حمقى.. تجاوز في
إجرامه كل حدود الاجرام.. طاحونة حرب بعد حرب ثم حرب.. طحنت
كل الشعب.. واستهلكت كل دموع الأمهات.. تجاوزت كل التجاوزات.. وحللت
كل المحرمات.. واستباحت كل المقدسات.. لاشيئ في بلدي لم يشمله التدمير..
بشر , نبات , حيوانات ..
يخيم الموت عليه بكل الألوان, وغادرته رائحة الخبز, ودخان التنور, وجف
فراته كي يقتل ضماً, إن لم يقتل ذبحا او جوعا, وابتدأ القصف الجوي عليه
حين قرروا ان الأولية للذبح!
* * * * * * * *
(5) صافرات الإنذار
+ اين كنت حين ابتدأ التنفيذ العملي للتخطيط العالمي لتدمير الوطن الموعود
بقيادة الدنيا, ذلك التخطيط الذي لم ينته بعد؟!
- كنت اراقب صافرات الإنذار, لعلها تنذر الشعب قبل المذبحة بثلاثين عاما,
لكنها لم تفعل الا بعد التنفيذ.. كانت صافرات الإنذار تدق براسي, ترن بقلبي,
توقظني من نوم قلق.. صافرات الانذار تنذرني.. تنذر كل الاحياء.. كل الأشياء
بهلاك شامل.. تصرخ في الانسان.. في الحيطان.. تصرخ في مقبرة الموتى.. في
اقبية السجناء.. في كل شجر.. في كل زهر.. في كل بناء.. لكن بعد القصف..
تصرخ صافرات الانذار في الانسان.. تصرخ بالإنسان.. ويختلط صراخ الاطفال
بها خوفا وهلعا.. أيا ترى, من ذا يريد قتلهم؟! من ذا يحب خوفهم وتخويفهم
ويشتفي بدمائهم؟! من ذا يريد حرقهم ويتقلد اوسمة النصر والشرف؟! من
ذا يريد سلبهم دمياتهم واشياءهم الصغيرة ويرتدي ثوب فارس أبيٍّ ثم
يفتخر بالغنائم ؟!
يا هذا المنتقم من براءتهم, أمهلهم ليموتوا على صدور الحنان.. أمهلهم
لحظة واحدة من هذا الزمن الحقير, ليعانقوا أمهاتهم, ثم اقتلهم.. افعل ما شئت
ودعهم لمراسيم وداع قدسي الطابع, طفولي اللغة, وداع دنيا ما كانت الا دنيا..
يا هذا الشبح المدعم بالليزر, وبأحدث أجهزة التصويب, ميز اهدافك بدقة العلم الجديد,
لا تقصف دكتاتورا, لا تقصف صهيونيا جاسوسا, لا تقصف مصنع اسلحة التدمير الشامل,
بل اقصف زهر طفولتهم, احرق حقول الخبز, اقتلهم, اقتل كل عصافير بساتين الارض
السوداء, مزقهم اشلاء, مزق كل ثياب المدرسة, احرقهم ليصيروا رمادا وشظايا,
احرق كل اراجيح العيد, وكل الأشجار اذا اعطت ثمرا..
تصرخ صافرات الانذار, وصراخ الأم الثكلى هلعا يتلاحق بعد القصف الجوي الغائر في الاجرام.. تتناثر اشلاءا.. لحما, عظما, راسا, امعاء الفقراء, تتفجر, دموية اجساد الفقراء..
صافرات الإنذار تؤرق آلامي, تختلط الاصوات.. الاشلاء.. ودماء عربية.. الطابوق, الاسمنت, الاخشاب, واواني المطبخ الفارغة, الممتثلة لقرار المقاطعة الاقتصادية المبرم كي يقتل الشعب لا الدكتاتور..
تحت الانقاض, وفوق الانقاض, اشلاء بشرية, بين الأنقاض أنين, أكف, عيون, ذراع, خصلات شعر, وظلام ليال شتوية.. صافرات الانذار تريد صافرات انذار تنذرها, فلقد قصفوها وماعاد لها صوت يُسمع ..
* * * * * * * *
(6) مطر من دمٍ
+ الى اين ذهبت ؟
- تحت المطر.. يا مطر الدم اغسلني.. طهرني من أوزاري.. يا أرضُ انشقي, وابتلعي كل بلاد النهرين, او فانتحري.
+ ماذا رأيت أيضا ؟
رأيت في عيني, بعيني, في قلب النخلة طيرا يتنقل يقفز مجنونا بين السعف, زقزق.. غرد, يبحث عن تمر, او قطرة ماء بين الاحشاء.. زقزق.. غرد.. زقزق, لكن تلك النخلة جذع مكسور مات حزينا والفلاحون البؤساء.. زَقزِق فعجيب أمرك, اين من القصف تداريت؟!, ومن بطش المجرم صدام اختبأت؟!, فانت لوحدك حي في بلد القتلى, وكل شيء قد بناه الخلق نالته أيدي القاتلين..
فأين من الحرس الجمهوري اختبأت؟! عجبا لطير حر لم يُعدم وهواه الحرية.. عجبا لطير حر لم يُسجن وسماه نقية.. غرِّد, فستُقتل بالجوع ان لم تُقتل بالحرب الامريكية, زقزِق فستُقتل بالجوع تحت غطاء الامم المتحدة ولتحيا الدكتاتورية, زقزِق فستُقتل موبوءا إن تُقتل بايادي صدامية..
* * * * * * * *
(7) يا صرخة شعبان
+ وماذا بعدُ, فخبرني ماذا بعدُ ؟
- قلت لها: يا صرخة شعبان من اين لك هذا العطر الحسيني, فبينك وبين المسك زمن طويل؟! ولماذا ارتديت البردة الخضراء, وتقلدت السيف الجعفري؟ قالت آمنت بالشهداء الذين يُقتلون دونما ناصر, ودونما توديع.. آمنت بالشهداء الذين يُقتلون ولا يدفنهم احد سوى الرمال, وهم يرتدون دماءهم بدل الكفن.. آمنت بالعروة الوثقى, وبالثورة الكبرى, وبالوطن.
قلت مبجلا ومعتذرا: سيدتي, اعذرينا, فالحضارة الجاهلية الخسيسة كانت ماكرة, لكنا امنا بك يا ثورة المقهورين, وصوتك كان صوتنا, ليس لنا صوت سواه, وعمرك هو عمرنا, ليس لنا عمر سواه, لكن العالم كله كان جبانا وخسيسا.. يا سيدتي هل ينفعنا العذر, ام يغمرنا البحر؟ لم نستسلم للأمواج.. لم نستسلم للصحراء, لكن العاصفة النارية الصحراوية هبت لقتلنا, وعصفت بنا.. لكن العربي تخلى عن كرمه, وشجاعته, وحسن ضيافته, والفارس العربي تهاوى من صهوة فرسه, وألقى بالسيف والرمح قهراً واستسلاما.. فلا سيف, ولا خيل, ولا رجال.. ياسيدتي, فبماذا سنغسل عارنا؟ والدم العربي أبي, طاهر, ونقي دافيء, لكن البرد هنا جمد كل الدماء العربية, وغير وجه الوطن, فأحرق بالنفط أخلاق أهله, والبرد القادم من اوربا موجات موجات, ينقض على حرارة هذي الارض, فمن اين لنا بمحمد (ص) من جديد ليبني الامة؟!
(8) الكسف والقصف!
* * * * * * * *
+ اخطب.. اخطب.. اخطب فينا, قل ما شئت وعدد كل ماسينا..
- يا مطر الدم حمراء ارض بلادي, مازالت تبحث عن مغتسل للعار! كان الصوت الهادر يعلو في اعماق المدن الخربة, مدن قاست ويلات حروب بأحدث اسلحة الحقد, مدن تغفو على ظلام السنين, مدن الجنوب.. مدن الشمال, مدن الاكثرية المقهورين في بلد يحكمه دكتاتور يحمل كل صفات الرذيلة, فما كان إلا جاسوسا ساعده الحظ فصار عراقيا, وغابت شمس كانت تشرق كل صباح, وابتدأ الكسف.. كسف نال الناس جميعا, وسواء كل الناس حين ابتدأ القصف, والعتمة قد دخلت في كل عيون المخلوقات, وكذلك اسلحة التدمير الشامل.. ما ذنب صغير حتى الشيطان يرق له ؟! ما ذنب جنين في رحم استُبيحت حرمته؟!.. كنت اساعد امرأة تطلق في الشارع, تصرخ, تطلب عونا, سقطت قنبلة.. كانت مكشوفة تطلب سترا.. أعينوني.. غطوني.. سقطت قنبلة.. كانت بين القتلى والجرحى, وشظايا ودخان, تناسيت الجرح النازف في خاصرتي, لكني لم أنس الجرح الغائر في قلبي.. سقطت قنبلة.. قنبلتان.. لست طبيبا.. صاروخ يسقط في الجهة الأخرى.. لست طبيبا, لكني صرت طبيبا, كان الامر غريبا, كنت عجيبا.. تهتز الارض بصاروخين جديدين.. وضعت مولودها مرعوبة ً.. قنبلة اخرى تسقط في جهة ما.. أخرجت جنينا مغسولا بدماء لزجة.. قطعت الحبل السري وانا لست طبيبا, لكني صرت طبيبا, كان الامر غريبا, كنت عجيبا.. قالت: أشهد.. صاروخ يتشظى فوق رؤوس الخلق.. قلت: بماذا ؟! لكني لم اسمع تمتمة تخرج من بين شفاه الام.. هدأ الجسد الثائر.. برد الجسد الحار.. وعينان دامعتان شاخصتان الى المولود العاري.. سقطت قنبلة.. شهق المولود, وأسبل عينيه ويديه.. وضعتُ المولود المقتول على صدر والدته المقتولة, فأغمضت عينيها.. غطتهما الشظايا والبارود والدخان واللحم المحروق.. أقمار الامريكان والاوربيين تستكشف.. وتصور.. احدث طائرات صنعوها تحلق.. تستطلع .. وتدور.. تستهزء.. تضحك.. ترمي بقناني خمر فارغة.. تكتب بالدخان على سماء غاضبة: يحيى الدكتاتور.. أكمل اكمل.. اعطيناك الضوء الأخضر.. اكمل برنامجنا ولا تخف, فطائراتنا من اجل ان نحميك صنعناها, واقمارنا من اجل ان تبقى سخرناها, والان انهي الموت الدموي, وابدأ خطة موت اخر, جوعهم حتى الموت..
(9) تبا تبا للأوطان!
* * * * * * * *
غادرت الى جهة اخرى من هذا الكون, فليس بمقدوري ان ابقى دون عمل ما.. ليس بمقدوري ان أُعيد الى الأطفال مبتوري الاطراف اطرافهم المبتورة.. ليس بمقدوري ان أعيد اليك ذراعك ايها الطفل فلا تصرخ, الموت يريحك من عوق في هذي الدنيا.. دنيانا مبتورة, عمياء عرجاء, فانجو من عوق الدنيا.. ليس بمقدوري ان ألفّ جراحك بخرقة, فكل ثيابي مزقتها لألفّ بها جراح أطفال غيرك كثيرين, وها انا ذا عار كما ترى.. اغمض عينيك, فجراحك اكبر من هذا الوطن الأسوَد, وجراحك اعمق من كل جراح.. ان الاوطان تحب ابناءها كما يحبونها, والاوطان كالامهات, تبكي على ابناءها كما يبكون عليها.. فلا تبك على وطن لا يبكي عليك, فهذا علي عليه السلام , الامام الذي ما كان يوما يقاتل عن وطن, وانما عن مبدأ وعقيدة مقدسة يقول: "ليس بلد احق بك من بلد, خير البلاد ما حملك". فلا تبك.. لا تصرخ.. فجراحك عار على جبين الدنيا.. وجراحك يبكي الله عليها.. اغمض عينيك ونم قبل مجيء الجرافات المعتادة على عملية الدفن الجماعي, والتي لا تعرف فرقا بين القتلى والجرحى.. اغمض عينيك, فتحت ارض هذا الوطن الكئيب ملايين الجراح العميقة, تئن أنينا ممتزجا بأنين.. اغمض عينيك, فوالداك ينتظران تحت ارض الوطن المحروق حرقا.. تبا, تبا, تبا, لم يكره احد وطنه الا اهل هذا الوطن, لم يحب احد وطنه كأهل هذا الوطن.. تبا.. تبا.. تبا للأوطان اذا قتلت ابنائها.. تبا للإنسان ان يقتل اخاه الانسان.. تبا للرصاص, للمشانق, للسجون.. وطن تبنى في المعتقلات اكثر من المدارس والمستشفيات, اي وطن هذا.. وطن قتلاه اكثر من عدد السكان من كل الاجناس, من كل الألوان..
حتى الكلاب والقطط الاليفة تبحث عن ملاذ فيه من القتل فلا تجد, فتراها ترتعش, وتفر في كل اتجاه, لا تدري اين تموت ومتى ولماذا, ومن عادتها لعق جراحها, لكنها –هنا- لايشغلها هذا الامر بقدر ما يربكها الخوف والرعب, وتدهشها الانفجارات..
(10) الطائر الجريح*
وأخيرا اتفق الباقون من الاحياء, بشر وحيوانات ان يهجروا هذا الوطن المر..
كان يرافقني طائر يشكو من نزف في جناحه الأيمن, حاورته قبل ان يستسلم للموت, قلت: لا تمت, واصمد, فسنعبر كل حدود الآثام, كل حدود الآلام.. قال: لاتبك يا صديقي, فلقد جاء الموت.. والموت - كما تعلم - سلطان لا يُقهر, واعجب مافي الامر انك تبكي, فيما اشعر انا بالراحة والسعادة.. صدقني يا صديقي العزيز, انها اسعد لحظات حياتي, فانا لم اشعر بالسعادة - كما تعرف - منذ كسرت غلاف البيضة, ووجدت عشا تحتله العقارب.. قتلتني عقارب وطني.. قتلتني ظلمة وطني.. ولكن اوصيك ان تدفنني في وطني.. في هذه الصحراء, فإن لي تحت هذي الارض احبة واصدقاء, قتلتهم عقارب وطني.. قتلتهم ظلمة وطني.. ونحن نموت في الظلام كما تعلم..
نفذت وصية صديقي الطائر الجريح, وواصلت طريقي دون بكاء, دون صديق, ودون عقل, فعيوني جفت, وصديقي مات, وعقلي ضاع.
جاسم محمد علي المعموري
• اصيب احمد بالجنون اثناء اعتقاله من قبل اجهزة الامن الصدامية سيئة الصيت, وتم تحريره من السجن ابان الانتفاضة الشعبية الشعبانية في العراق سنة 1991م, ووصل مع اخوته الى مخيم رفحاء للاجئين العراقيين في المملكة العربية السعودية بنفس العام .. عاهدت نفسي ان اكتب عنه شيئا بعد لقائي به وحديثي معه , وقيل عنه انه كان طالبا جامعيا .. عاد الى العراق مع اخوته قبل سقوط النظام , ولا ادري ما تعرض له من العذاب والاذى بعد ذلك .. كان احمد يركض بين بوابتي المخيم وهو يهتف باعلى صوته : "رغم شواربك صدام خدري الشاي على الجولة".. رحمه الله حيا وميتا , واتمنى لو اعرف عن مصيره شيئا .
• , هذا ماكان يهتف به احمد وهو يركض هنا وهناك, وبالطبع هذا لم يكن من اهازيج الانتفاضة على الاطلاق , وهو كل ماقاله ولم اسمع منه شيئا اخر, وعندما سألته عنه , اكتفى بنظرة وابتسامة!
• الطائر الجريح
(1) من شعارات واهازيج الانتفاضة
(2) من اهازيج الانتفاضة
انتهيت من الكتابة – تعبيرا عن معاناتي في تلك الاحداث لتعكس معاناة الاخرين ممن عاصروها – وذلك سنة 1996 ونشرت في 10- 1- 1999جريدة عرب تايمز الغراء العدد 298



#جاسم_محمد_علي_المعموري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة المجوعة بين صرخات الجياع ومسرحيات مجلس الامن!
- جرائم الحرب في غزة ومسؤولية المحتلين
- رسالة هامة الى حكومة لبنان والمقاومة .. السلاح كوسيلة للمقاو ...
- وجهان لواقع واحد .. بوتن وترامب في عالم مضطرب.. رؤية شاملة
- بين الأمل في السلام ومخاطر التصعيد النووي .. ترامب وبوتين يل ...
- نداء عاجل للتحرك الدولي الفوري.. قتل الصحفيين جريمة كبرى
- ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تسبيح الملائكة
- مفاهيم قوى التحرر في العالم ونظرتها الى الحرية
- ضرورة صناعة طبقة وسطى من حيث الدخل في العراق
- بطاقة سكن في جهنم
- اللقب ومعضلة وزير الداخلية
- قبلَ أن ينشقّ القمر
- سوء الادارة في المؤسسات الحوزوية
- ال سعود والانقلاب العسكري التركي الفاشل
- ياداعشي أين المفرْ
- من مذكراتي عن اهل الفلوجة الكرام .. *
- ستورقُ في الرمال لنا نمورُ
- نداء الى جميع الاحرار والمثقفين في العالم لشجب واستنكار اعدا ...
- مشتاق لك – شعر شعبي عراقي
- لو كشف لي الغطاء ما ازددت وطنية


المزيد.....




- الذكاء الاصطناعي بين وهم الإبداع ومحاكاة الأدب.. قراءة في أط ...
- مخيم -حارة المغاربة- بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب
- بصمة الأدب العربيّ: الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة)
- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - مجنون يتنبأُ بالغضب العارم!