أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - جاسم المعموري - الذكرى الاولى لرحيل الشجاعة والكلمة والوفاء















المزيد.....

الذكرى الاولى لرحيل الشجاعة والكلمة والوفاء


جاسم المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 09:33
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


حَللتَ في الروحِ في أعماقِها أهْلا
وخصّكَ القلبُ أن تَنزلْ بهِ سَهْلا
جاهدّتَ في اللِه عمرًا يافعًا فذّا
رُمتَ الشهادةَ حتى نِلتها كَهْلا
خُضتَ المنايا صائلًا ومُجلجلاً
وكنت في سوحِها السيّدَ الأعلى
أبكيكَ مازالتِ الأفلاكُ جاريةً
وأرتجي اللهَ زُلفى تُورثُ الوَصلا
يا أنبلَ الناسِ نبتاً شامخاً عَلماً
يا أشرفَ الناسِ من ذريةٍ أصْلا
كم مِن عظيمٍ تَناسَتْهُ الأنامُ وقد
تبلى القرونُ وتبقى أنت لا تبلى

وقفنا وجلين امام رحيل رجل بحجم السيد حسن نصر الله, كما لو أننا نكتشف فجأة أن الجبل الذي كنا نراه كل صباح قد اختفى, وان الأفق الذي لطالما دلّنا على الطريق, لم يعد هناك.. رحيله ليس لحظة زمنية تنقضي, بل هو زلزال في الذاكرة, ذاكرة كل الشعوب الحاضنة للمقاومة, وهوتصدّع شديد في بنية القضية الكبرى، وتجربة روحية لن تعبر دون ان تترك اثرا في وجدان الامة وشعوب العالم اجمع..
لم يكن السيد حسن نصر الله مجرد زعيم سياسي او قائد ميداني أو امين عام لتنظيم ذائع الصيت, بل كان أكثر من ذلك بكثير.. كان صوتا يخرج من قلب المعادلة الصعبة, بين القوة والعقيدة.. بين الأرض والسماء.. بين الميدان والمنبر.. كان رجلا يُجيد الحرب كما يُجيد الكلمة, يعرف كيف يقف على منبر ليخاطب الأمة, كما يعرف كيف يُخطط لصراع تتداخل فيه الخرائط والأقدار.
لقد عرفناه بصوته أولا.. ذلك الصوت الذي يتدفق هادئا كالنهر, لكنه يحمل في عمقه نبرة تشي باليقين المطلق.. لم يكن بحاجة إلى الصراخ, إذ كانت الكلمة منه كافية لتصنع فرقا في الوضع الاقليمي. صوته لم يكن فقط وسيلة للتواصل, بل كان في ذاته حدثا.. توقيتا.. طقسا شعبيا ينتظره الملايين, كان من القلائل الذين تُصغي إليهم الجماهير كما لو انهم يستمعون إلى نبض قلوبهم, ولم يكن يقرأ خطابا ,بل يخلق واقعا.. كل جملة يقولها كانت لبنة في مشروع.. كل وقفة كانت توازنا بين حزن وامل.. بين نكسة ووعد..
وقد عرفه الأعداء كما عرفه المحبّون.. يقول حد الجنرالات الصهاينة المتقاعدين: (لقد كنا نحارب ظله لا جسده, لأنه لم يكن يظهر إلا في الوقت المناسب.. بالكلمات المناسبة، لينسف نصف معادلتنا الإعلامية والعسكرية) ويقول آخر (لم نكن نصدق أن زعيما بهذه القوة لا يملك جيشا تقليديا ولا ميزانية دولة, ومع ذلك يبقينا في الليل نحسب كل حركة على الحدود) بينما كتب معلق عسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت قائلا (نصر الله رجل ذو كاريزما قاتلة لا يمكننا اخفاء اعجابنا بصلابته حتى ونحن نكرهه)
وفي المقابل, حين أعلن نبأاستشهاده عمّ العالم الصمت المشوب بالذهول.. لم يكن الحزن عاديا, بل حزنا كونيا ينساب في ملامح الوجوه, كما لو أن الجميع قد فقد قطعة من ذاته.. خرج الناس في شوارع بيروت.. بغداد.. طهران.. دمشق.. الضاحية.. صنعاء.. كربلاء.. اسطنبول.. كشمير.. بل وحتى في مانشستر وسيدني ومارسيليا.. رُفعت صوره في قلوب المدن لا على جدرانها فقط.. كتب أحد المتظاهرين في لاهور على لافتته كما اتذكر(ذهب رجل, لكن المقاومة ما زالت تنبض باسمه) وقالت امرأة من جنوب لبنان وقد سالت دمعتها بلا خجل (لقد مات الصبر... ماتت اللحظة التي كنا ننتظر فيها أن يظهر ليقول لا تخافوا.. لقد كنا ننتظر وجهه كما ننتظر وجه القمر)
الصحف الأجنبية كتبت تأبينات تختلف لهجتها حسب موقعها السياسي، لكن جميعها التقت في حقيقة واحدةهي ان الرجل كان له اثر لا يمكن انكاره.. كتبت صحيفة (لو موند الفرنسية ..لقد كان شخصية لا تنتمي فقط إلى لبنان، بل إلى الظاهرة المقاومة في الشرق كله) أما (نيويورك تايمز فقالت (مع موته، يخسر الشرق الاوسط احد أبرع المتحدثين باسم التيار المناهض للهيمنة الغربية) في حين كتبت (الغارديان, السيد حسن نصر الله لم يكن فقط زعيما, بل كان سردية بأكملها... رجل لا يشبه زمنه, بل يسبق الزمن)..
في شوارع طهران ووسط أجواء غارقة بالحزن رُفعت صور السيد إلى جانب صور الامام الخميني (قدس سره)وقائد فيلق القدس الشهيد السعيد قاسم سليماني.. لم يكن ذلك عبثا رمزيا, بل كان ترجمة لما كان يمثله نصر الله في العقل الشيعي المعاصر., لقد كان تجسيدا عمليا لعقيدة الانتظار, ومشروعا ميدانيا للثأر الالهي, وبوصلة توازن بين المذهبية والوطنية.. أما في النجف وقم فقد نعاه العديد من العلماء بعبارات تفيض بالحزن والتقدير.
ان الخسارة في استشهاد رجل كهذا لا تُقاس فقط بالميدان السياسي او العسكري, بل في السقف الاخلاقي الذي كان يمثله, لم يكن نصر الله يوزع الكراهية, بل يوزع التسامح.. كان قادرا على أن يخاطب جمهوره دون ان يكرّس الانقسام الطائفي, وكان يعرف ان العدو ليس من يختلف معه في الدين, بل من يحتل الارض وينهب الكرامة ,لذلك كان كثير من خصومه السياسيين في لبنان يعترفون ان الخلاف معه سياسي, لكنه رجل صادق لا يناور بالكذب ولا يتهرّب من المسؤوليّة.
لقد كان الرجل بسيطا في مظهره, كبيرا في حضوره.. لم نشاهده في قصور، ولم يتزين في موائد الامراء, بل كانت ملابسه بسيطة لكنها لم تكن قادرة على اخفاء النور الذي تحتها, وكانت كلماته متّزنة خالية من الاستعراض, عميقة رغم بساطتها.. هذا التوازن بين التواضع الشخصي والعظمة الرمزية, هو ما جعله يشبه الأنبياء في وجدان وضمير احرار الامة ورجال وقادة ميادين الكرامة, ويجعل موته يبدو وكأنه اختفاء لصوت العدل من عالم ضاج بالفجور.
حين كان يتحدث لم يكن يخاطب العقول فحسب, بل كان يخاطب القلوب ويزرع كلماته في ذاكرة الامة, كان يوقظ فيك أشياء ظننت انك فقدتها كالأمل والغضب النقي والصبر وحتى الحلم.
هل رحل السيد؟ نعم, رحل الجسد, ووارته الارض التي أحبها, لكن هل مات الصوت؟ هل مات المشروع؟ هل ماتت البوصلة؟ لا, فالرجل كان يُحسن بناء العقيدة التي لا تموت ,يبني الوعي والمبدأ, لذلك فإن موته لا يجب ان يبكينا فقط, بل يجب أن يحفزنا على ان لا نكون تابعين لصوته, بل لرسالته.. لقد كان يُهيئ الجيل الآتي كي لا ينتظر صوتا ليقرر, بل يحمل المشعل ويستكمل الطريق.
وفي ذروة هذا الغياب يسأل الناس أنفسهم, من سيملأ هذا الفراغ؟ من سيقف في وجه العاصفة ويقول اطمئنوا؟ من سيملك تلك الكاريزما الصامتة الفريدة التي توازي في أثرها ضجيج الجيوش؟ الجواب صعب وربما قاس لكن جزءا من اجابة السيد نفسه كان في تكراره قولا شهيرا (المقاومة ليست فردا, بل شعب.. ليست رجلا, بل مسار) ربما ارادنا ان نفهم منذ البداية ان علينا ان نكون كلنا نصر الله, لا ان ننتظر نصر الله.
وهكذا حين نبكيه لا نبكيه فقط حبا, بل مسؤولية.. نبكيه لأننا نعلم انه ترك وراءه فراغا لا يُسدّ بسهولة.. وترك ارثا ثقيلا علينا ان نحمله, لا ان نتركه خلفنا على الرفوف.. موته لم يُنهِ المشروع, بل اسس لمرحلة جديدة.. مرحلة بلا صوته, لكن بصورته في عيون الاوطان المقاومة والشعوب الحرة, بكلماته في وعي المقاومين في كل العالم, وبظله في طريق طويل لا يزال مفتوحا.. لقد رحل رجل عاش ليحيا في الذاكرة.. رجل لم يكن من هذا الزمان, بل من زمان آخر.. زمان الصدق والموقف والوقوف المستقيم في زمن الانحناءات.. لقد رحل رجل لم يكن يتبع الريح اينما مالت يميل, بل يواجهها.. واليوم إذ نودعه مرة اخرى في ذكراه الاولى, نوقن انه لم يمت تماما, من يشعل في الناس فكرة لا يموت.. من يبني وعيا لا ينهار, من يجعل من دمه جسرا للكرامة لا يُهزم..
نم أيها السيد كما ينام الأنبياء بعد تبليغ رسالاتهم.. فقد بلّغت الرسالة ,وأديت الأمانة, وأقمت الحجة ,وفتحت الطريق..
جاسم محمد علي المعموري



#جاسم_محمد_علي_المعموري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غياب الصدرغياب عن الديمقراطية وخطرأمني شديد!
- اساطيل الصمود محملة بالقنابل النووية!
- نسيان حرب السودان -عمدا- جريمة اكبر
- العدوان الصدامي على ايران وأثره على القضية الفلسطينية
- لماذا الجنوب؟!
- يحيى السماوي- شعره واخلاقه- لا ادري والله أيهما اعذب
- الارهاب والمكافآت الكبرى!
- ربع قرن من الكذب.. 11 ايلول وقرائن المؤامرة
- للتاريخ.. أكتب اسألتي.. ولدوحة قطر أُعلن تضامني
- النجف الاشرف نافذة المبدعين على الغيب والروح والمعنى
- حرق القران من بوابات السياسة ودهاليز المخابرات
- استراليا تطرد سفير ايران .. من المستفيد؟!
- مجنون يتنبأُ بالغضب العارم!
- غزة المجوعة بين صرخات الجياع ومسرحيات مجلس الامن!
- جرائم الحرب في غزة ومسؤولية المحتلين
- رسالة هامة الى حكومة لبنان والمقاومة .. السلاح كوسيلة للمقاو ...
- وجهان لواقع واحد .. بوتن وترامب في عالم مضطرب.. رؤية شاملة
- بين الأمل في السلام ومخاطر التصعيد النووي .. ترامب وبوتين يل ...
- نداء عاجل للتحرك الدولي الفوري.. قتل الصحفيين جريمة كبرى
- ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تسبيح الملائكة


المزيد.....




- واجهتها بمركبة مدرعة.. شاهد مطاردة الشرطة الأمريكية لشاحنة م ...
- فوضى أثناء إطلاق نار داخل مركز إدارة الهجرة والجمارك.. وفيدي ...
- قطر.. القبض على مطلوب لكندا بموجب -نشرة حمراء- من الإنتربول ...
- بعد تفعيل آلية الزناد الممهّد للعقوبات.. إيران تستدعي سفراءه ...
- غزو الجرذان: لماذا تجتاح القوارض مدننا؟
- حزب الله بعد عام على مقتل نصر الله: أزمة الهيبة وغياب الردع ...
- الكتابة على الهوامش: معيار للتركيز أم دليل على سهو القارئ؟
- الدانمارك: رصد مسيّرتين مجهولتين فوق أكبر قاعدة عسكرية
- الاعتراف بدولة فلسطين -انتحار- لإسرائيل حسب نتانياهو
- هل وُلدت خطة ترامب بخصوص غزة ميتة؟


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - جاسم المعموري - الذكرى الاولى لرحيل الشجاعة والكلمة والوفاء