أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جاسم المعموري - استراليا تطرد سفير ايران .. من المستفيد؟!














المزيد.....

استراليا تطرد سفير ايران .. من المستفيد؟!


جاسم المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 00:43
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في الوقت الذي تختلط فيه الأصوات، ويعلو الضجيج على الصفاء، جاء هذا الحدث لا كزلزال سياسي فحسب، بل كنبأ يحمل معه الكثير من علامات الاستفهام، وكأن العالم لا يتغير إلا حين تهتز أوراق السفارات وتُغلَق الأبواب في وجه السفراء. أستراليا تطرد مبعوث إيران، وتتهم طهران بأنها اليد الخفية وراء هجمات وُصفت بأنها معادية لليهود. وردّت إيران نافية، بصوت لا يرتجف، قائلة إن لا يد لها في الأمر، وإن العداء لليهود لا يسكن قلبها ولا يتسرب إلى سياستها. وكان لزامًا على العقل أن يقف في منتصف الطريق بين ادعاء ورفض، بين طرد واحتجاج، بين من يرى ومن يصرخ: "أين الدليل؟" فعلى المدعي البينة, أليس كذلك؟!
لم يكن مشهد الطرد جديدًا في قاموس الدول، لكنه نادر هنا، شديد الوقع، كصفعة في غرفة من الصمت. طرد سفير ليس مجرد إجراء، بل موقف، إدانة، حُكم غير صادر عن محكمة. والذين قرأوا هذا الحدث كما لو أنه نتيجة طبيعية لتحقيقات سرية، ربما لم يسألوا أنفسهم السؤال الأبسط: لماذا الآن؟ لماذا بهذا الشكل؟ وإن كانت الأدلة واضحة كما يُقال، فلِمَ تُخفى في أدراج الأجهزة، ولا تُلقى في ساحة الرأي العام؟
الذين صنعوا الهجمات قد يكونون معروفين، وقد يكونون مجرد بيادق في لعبة أعقد مما تُظهره العناوين. وربما هم أنفسهم، حين ضاقت عليهم السبل، اتهموا بلدًا بعيدًا، يرفض منذ زمن طويل أن يركع للغرب، كي يخففوا من مصيرهم. وإن صح هذا الاحتمال، أليس من الجنون أن تتحرك دولة بأكملها نحو طرد ممثل أمة، بناءً على اتهام لم يُفصَّل؟ وإذا كانت أجهزة الأمن على يقين، فهل يكفي هذا اليقين وحده ليُبنى عليه قرار بحجم قطع العلاقة؟
هناك من سيقول إن إيران تتخفى خلف شعاراتها، وإن ما يجري خارج حدودها أحيانًا لا يكون في علم قادتها. لكن هذا القول، رغم بساطته، يطرح مأزقًا: هل يُعقل أن تتحرك سفارة دون علم من الدولة التي تمثلها؟ وإن كان الأمر كذلك، ألا يعني ذلك أن الجرم الأكبر يكمن في ضعف دولتها لا في خبث نيتها؟ وإذا كانت تعلم، فلماذا تنفي بهذه الصرامة، وبهذا الهدوء، الذي لا يشبه ارتباك من ضُبط متلبسًا؟
ثمة خلل في الرواية، فرائحة التصعيد تأتي من أكثر من جهة. لعلّ أستراليا وجدت في هذا الاتهام فرصة لإعادة تموضعها في خارطة التحالفات، أو ربما أرادت أن تؤكد قربها من جهة بعينها في لحظة تتغير فيها موازين العاطفة الدولية. وربما أيضًا أرادت أن تُظهر صرامة لا تُرى إلا حين يكون الخصم بعيدًا، ولا يُخشى ردّه. ومن جهة أخرى، تقف إيران منذ قرون دون أن تبادر إلى اي عدوان، كما يشهد تاريخها، مكتفية برفع صوتها حين تُحاصر أو تُهاجَم، فهل من المنطق أن تبدأ فجأة بالعبث داخل حدود دولة أخرى، في قارة لا يجمعها بها سوى خيوط السياسة المتوترة؟
تتشكل الحقيقة أحيانًا من أجزاء غير مكتملة، لكنها لا تُمنح كاملة لمن لا يسأل. ومن يسير خلف الرواية الرسمية دون أن يتوقف، يخشى أن يكون قد سلّم وعيه لاختزال خطير. إن إلقاء التهم دون كشف وجوههاوتفاصيلها، ودون تقديم قرائنها، يجعل من كل قرار فعلاً مُعتمًا، يفتقر إلى ما يمنحه الشرعية وهو النور او ما يصطلح عليه بالشفافية.
قد يكون هذا الصدام مفتعلًا، وقد يكون حقيقيًا، لكن العدل لا يُبنى على الظنون. من يقول إن الهجمات وُجهت بتخطيط خارجي، عليه أن يُظهر لا أن يلوّح. ومن يرى أن إيران مذنبة، فليقدم ادلته الى محكمة، لا بمؤتمر صحفي. ومن يُدافع، عليه أن لا يكتفي بالإنكار، بل أن يطلب المواجهة الصريحة، لا عبر الطرد والشتائم، بل في ساحات حيث الكلمة الأولى للدليل.
فما أكثر اتهامات في هذا العالم، وما أقل ما ثبت منها. ومن يريد أن يعرف الحق، عليه أن لا يكتفي بما يُقال، بل بما يمكن البرهنة عليه. إذ لا العدالة تُبنى على الظن، ولا التاريخ يرحم من يظلم تحت غطاء الدبلوماسية. وفي صمت المشهد، ثمة شعور بأن ما نُسب إلى إيران ليس إلا سردية هشّة، تفتقر إلى ما يدعمها سوى الرغبة في الخصومة.
ومن يراقب مسار الحوادث يرى أن ثمة من يبحث عن كبش فداء. إن اتهام إيران قد لا يكون هدفه العدالة، بل التوازن في مشهد سياسي يميل كل يوم أكثر نحو طرف معين، وإن تم طمس الحقيقة تحت عناوين كبرى. والذين صمتوا حين استُهدفت دول أخرى، هم أنفسهم اليوم يُعلنون أن النار قادمة من طهران، وكأنهم لا يعرفون كيف تُصنع الحرائق بأكاذيب صغيرة.
الزمن لا يحكم فقط على الفعل، بل على دوافعه. وإن سُئلت الأيام عمّا جرى، ربما ستقول إن إيران لم تكن المُدانة، بل الغائب عن المحاكمة. وإن قيل إنها مذنبة، فليس هذا بديلاً عن المحاكمة، ولا الطرد يُقنع من لا يرى دليلاً. أما الذين صدّقوا لأنهم أرادوا التصديق، فهم في العادة أول من يكتشف أن الدخان وحده لا يصنع نارًا، وأن العداوة المعلنة قد تكون ستارًا لضعف في الحكمة أو في الأخلاق.
وهكذا يبقى السؤال، معلّقًا، بلا إجابة واضحة: هل ما حدث عدالة أم تمثيلية؟ وإذا كانت الثانية، فكم من سفراء سيُطردون قبل أن يُسأل السؤال الحقيقي: من المستفيد؟
جاسم محمد علي المعموري



#جاسم_محمد_علي_المعموري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجنون يتنبأُ بالغضب العارم!
- غزة المجوعة بين صرخات الجياع ومسرحيات مجلس الامن!
- جرائم الحرب في غزة ومسؤولية المحتلين
- رسالة هامة الى حكومة لبنان والمقاومة .. السلاح كوسيلة للمقاو ...
- وجهان لواقع واحد .. بوتن وترامب في عالم مضطرب.. رؤية شاملة
- بين الأمل في السلام ومخاطر التصعيد النووي .. ترامب وبوتين يل ...
- نداء عاجل للتحرك الدولي الفوري.. قتل الصحفيين جريمة كبرى
- ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تسبيح الملائكة
- مفاهيم قوى التحرر في العالم ونظرتها الى الحرية
- ضرورة صناعة طبقة وسطى من حيث الدخل في العراق
- بطاقة سكن في جهنم
- اللقب ومعضلة وزير الداخلية
- قبلَ أن ينشقّ القمر
- سوء الادارة في المؤسسات الحوزوية
- ال سعود والانقلاب العسكري التركي الفاشل
- ياداعشي أين المفرْ
- من مذكراتي عن اهل الفلوجة الكرام .. *
- ستورقُ في الرمال لنا نمورُ
- نداء الى جميع الاحرار والمثقفين في العالم لشجب واستنكار اعدا ...
- مشتاق لك – شعر شعبي عراقي


المزيد.....




- ترامب يعلق على إعلان تايلور سويفت -المعارضة له- خطبتها لتراف ...
- ماذا نعرف عن -جبل البابا- حيث قد تتلاشى فكرة إقامة الدولة ال ...
- ويتكوف: ترامب يعقد اجتماعا موسعا بشأن غزة الأربعاء
- قصف إسرائيلي يقتل 7 سوريين منهم 6 جنود في الجيش
- حكومة إسرائيل المصغرة تتجاهل مناقشة عرض الوسطاء لوقف حرب غزة ...
- نتنياهو بعد اجتماع أمني: الأمر بدأ في غزة وسينتهي في غزة
- فرنسا تعلن تقليص عدد طلبات التأشيرة بسفارتها في الجزائر
- بث حي.. -ستارشيب- ينطلق في رحلة تجريبية ويسقط بالمحيط الهندي ...
- -هراء-.. أستراليا تعلق على تلميحات إسرائيلية بشأن إيران
- كولومبيا.. حركة متمردة تحتجز 34 جنديا -رهائن-


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جاسم المعموري - استراليا تطرد سفير ايران .. من المستفيد؟!