أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - توضأتُ بالشك!














المزيد.....

توضأتُ بالشك!


جاسم المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 22:51
المحور: الادب والفن
    


لم يبقَ في عينيَّ دمعٌ لأبكي..
ولا في صدريَ متّسعٌ لآهاتي,
كأنني آخرُ الناجينَ من سفنِ الرماد,
كأنني أوَّلُ الراحلينَ بلا جهةٍ,
وبلا ظلٍّ..
ولا ضوءٍ
ولا امرأةٍ تلوّح من الشرفةِ المطفأة.

أمشي على وترِ الذكرى,
أراني حجرًا قديمًا
حَفِظَ صدى المطرِ في شقوقه ,
وكلّما أغمضتُ قلبي,
سمعتُ الغيابَ
يُصفِّقُ كجناحِ طيرٍ جريح
في مهبِّ القصيدة.

يا أرضَ الأنبياء،
يا يَبابًا يشبه اسمي حين أناديهِ
ولا يُجيب ,
كم مرّةً سلختِ جلدي لأكونَ شهيدًا
في صحيفةِ المساء؟
كم مرّةً قلتِ لي:
"كن نبيًّا أو لا تكن!"
لكنني لستُ نبيّا
ولا قاتل ,
أنا مجرّدُ غيمةٍ
ضَيَّعتْ مائها في حناجرِ الجرحى.

أيا موتًا على البابِ,
هات يدكَ..
لأصافحَ نهايتي بتهذيبِ شاعرٍ تَعِب,
أو لأكتبَ على صدركَ:
"هنا
توقّفَ القلبُ عن حبِّ الذينَ لا يأتون."

فلا تسأليني عن الأمس,
ولا تطلبي منِّي نشيدًا ,
فأنا صوتٌ مكسور,
أنا ناقوسُ كنيسةٍ
لم يجدْ مؤمنًا كي يُقيمَ له قدّاس الغفران.

لم يبقَ في عينيَّ دمعٌ لأبكي,
ولا في صدري متّسعٌ لآهاتي-
خذوا هذا الفراغ ,
وانقشوا عليه خارطةَ البكاءْ,
فأنا البلادُ إذا انطفأتْ مصابيحُها,
وأنا القصيدةُ حين يأكلها القَحْطُ,
وتبكي على أطلالها المفردات.

سافرتُ في جلدي,
كان الوطنُ ندبةً,
والأمُّ خيمةَ لجوءٍ على كتفِ الوقت ,
كأنني ابنُ الغيابْ
لا يعرف اسماً, ولا قمحاً, ولا رايةً
تحتضنُ انكساره.

أيُّ نبيٍّ يجيء بعدَ الطوفان؟
من سيكتب سِفرَ الرماد,
ويُحصي شهداءَ القصائد
حين لا يبقى من اللغةِ
غيرُ نداءٍ معطوبٍ
يصدر من حنجرةٍ مذبوحة؟

يا موتُ،
أيّها الظلُّ الذي يربّت على كتفي
كأخٍ نسيَ اسمي,
تعال,
لنُطفئَ هذا الحريقَ معًا,
فلربما كان في احتراقِ الجسدِ
نورٌ جديد.

لم أُولدْ كي أكون نجمًا في بلاغةِ الخراب,
ولا قُتلتُ كفايةً كي أُصبح أيقونة,
أنا مجرّدُ سطرٍ
سقط من فمِ الشاعر
حين خانهُ الوزنُ
فصارَ المعنى أكثرَ صدقًا.

أيتها المدنُ المُطفأة,
أنا ابنُكِ الضالُّ,
أعرفُ شوارعكِ
كما يعرفُ العطشُ مجرى النهر,
وكلما فتحتُ النافذة
صفعني وجهُ الغياب,
وقال لي:
"لن يجيء الذين تنتظرهم,

يا وطنًا،
يُشيِّعُ أبناءَه كلَّ صباحٍ
ويعودُ ليصلي على اسمه,
يا رغيفًا ,يا حلم الجائعين,
يا نعشَ المعنى,
وجُحرَ العار,
يا..
كلَّ ما لا يُقال.

ها أنا ذا,
منطفئٌ كنجمةٍ عتيقة,
توضأتُ بالشكّ,
وصليتُ بكتابٍ مُمزّقٍ من فمِ النبوّة.
في داخلي نارٌ لا تهدأ,
ولا تنطفيء,
لكنها ترقص -
كأنها آخرُ رقصةٍ للمعنى
قبل أن يُسْحَبَ من لسانِ الشعراء.

أيتها اللغة,
كم نبيًّا قتلتِ
حين خانَهُ الوزنُ,
وكم من حالمٍ
علّقَ قلبه على جملةٍ ناقصة,
فانكسر.

تحت المطر,
يأتي وجهٌ غريبٌ من الضباب,
وفي عينيه بصيرةُ الطين,
يقول:
"لا أحد يعودُ من البحرِ كما كان,
ولا أحد يُشفى من الوطن."
ثم يبكي.

وفي جهةٍ أخرى,
يمدُّ إصبعَه إلى الفراغ ويهمس:
"هنا... تبدأ القصيدة,
حين لا يعود فيها شاعر,
ولا جمهور,
بل ضوءٌ يسافرُ وحده,
فوق مقبرة المعاني."

وأنا بين هذين الوجهين,
لا نبيٌّ,
ولا حطام نبوءة,
أنا لسانُ الماء,
حين يسقط في فمِ التراب
ويصير صمتًا.
يا جوعَ غزّة,
يا آخرةَ العالم,
خُذْ ما تبقّى دمي,
خُذ حنجرتي,
إن كان في الصوت خلاصٌ
لطفلٍ لا يعرف شكلَ الرغيف.
جاسم محمد علي المعموري



#جاسم_محمد_علي_المعموري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتهت مهمة حماس وسيتم تسريحها
- تخويف اليهود ظلم واضح وارهاب خبيث
- رسالة الى غريتا ثونبرغ .. احبك يا غريتا!
- تجاهل خطة السلام للحقائق والحقوق
- تراتيلُ الرحيل.. رحيلُ الأحبة
- الذكرى الاولى لرحيل الشجاعة والكلمة والوفاء
- غياب الصدرغياب عن الديمقراطية وخطرأمني شديد!
- اساطيل الصمود محملة بالقنابل النووية!
- نسيان حرب السودان -عمدا- جريمة اكبر
- العدوان الصدامي على ايران وأثره على القضية الفلسطينية
- لماذا الجنوب؟!
- يحيى السماوي- شعره واخلاقه- لا ادري والله أيهما اعذب
- الارهاب والمكافآت الكبرى!
- ربع قرن من الكذب.. 11 ايلول وقرائن المؤامرة
- للتاريخ.. أكتب اسألتي.. ولدوحة قطر أُعلن تضامني
- النجف الاشرف نافذة المبدعين على الغيب والروح والمعنى
- حرق القران من بوابات السياسة ودهاليز المخابرات
- استراليا تطرد سفير ايران .. من المستفيد؟!
- مجنون يتنبأُ بالغضب العارم!
- غزة المجوعة بين صرخات الجياع ومسرحيات مجلس الامن!


المزيد.....




- فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
- دموع هند رجب تُضيء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46
- توقيع الكتاب تسوّل فاضح!
- فيثاغورس… حين يصغي العقل إلى الموسيقى السرّية للكون
- العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد ا ...
- -رواية الإمام- بين المرجعي والتخييلي وأنسنة الفلسطيني
- المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
- -إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا ...
- مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال ...
- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - توضأتُ بالشك!