نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 13:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" في حواره مع ملاذ الزعبي، يرسم شعبو صورة عن سوريا اليوم، مع اقتراب الذكرى الأولى لسقوط نظام بشّار الأسد. "
لنقرأ ما جاء في مستهلّ الحوار حول طبيعة المشهد السياسي السوري الراهن، قبل تقديم بعض الملاحظات النقدية، واستخلاص الرسالة."
أوّلا،
في جوابه على سؤال :
" كيف تقرأ المشهد؟ "
يوضّح الدكتور طبيعة مأزق السلطة الجديدة:
" عقدة الوضع السوري اليوم تكمن في أن ما يسند غصن السلطة الحالية، هو نفسه ما يقطع غصن الوطنية السورية ويزعزع البلاد. بكلام آخر، لم تفشل السلطة الحالية فقط في أن تكون سلطة عمومية، بل هي تستجرّ قوّتها في الداخل من هذا الفشل بالذات، وهذه هي العقدة السورية. أقصد أن السلطة الحالية اختارت أن تستند إلى رضى سنّي غالب يقوم على الشعور باستعادة الدولة، وذلك بعد تكوّن وبروز مظلومية سنّية، والمظلوميات تربة منشئة للتطرّف المضادّ للوطنية، وهذا يصحّ أكثر حين تكون في وسط الأكثرية، كما هو حالنا في سوريا.
في الواقع توفّر للسلطة الجديدة رضى وطني واسع في أيّامها الأولى، ولكنّها اختارت المسار الفئوي بدلاً من المسار الوطني، ولا يبدو أنها في وارد إعادة النظر في مسارها المدمّر هذا، يُغريها السند الخارجي الذي أثبت مراراً، منذ آذار/ مارس 2011، أنه لا يكترث لمصلحة السوريين.
أخطر ما في سوريا اليوم هو بروز شعور طائفي في الوسط السنّي، لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد، ليس مصدره وجود رئيس علوي لمدّة تزيد عن نصف قرن، فقد كان السوريون يعرفون في 1970 أن حافظ الأسد علوي، ومع ذلك رحّبوا به. مصدر الشعور الطائفي لدى السنّة، هو السلوك الطائفي الذي بدأ الأسد الأب بتكريسه واستثماره، من خلال حقن أجهزة القوّة في الدولة بعصبية طائفية علوية، وتعامله غير المسؤول وغير الوطني حيال كلّ ما هدّد سلطته. "
ثانيا ،
ملاحظات نقدية .
١تقتصرقراءة الدكتور راتب، كما هو واضح في مقدّمة الحوار، على رؤية وعرض التمظهرات الطائفية للصراع السياسي على سوريا، فتبرز مفردات و مفاهيم طائفية، تم تسويقها في توصيف سلطة الأسد الساقطة، ولسان حال خطابه يقول:
كما كانت سلطة الأسد "علويّة"، وتستند على دعم الطائفة العلوية ( والأقليات) وتجيّر "مظلومية علوية"، فإن السلطة الجديدة "سنيّة"، وتستند على دعم جمهوري سنّي "طائفي"، وتستغلّ سياسيا ما وقع على "السنة" من مظالم . لنتابع :
لم "تفشل السلطة الحالية فقط في أن تكون سلطة عمومية"، بل هي "تستند إلى رضى سنّي غالب يقوم على الشعور باستعادة الدولة". وعلى غرار تفسير طبيعة العصبية الطائفية لسلطة الأسد، باستنادها على "مظلومية علوية"، تعمل السلطة الجديدة على استخدام "المظلومية السنية". ".... السلطة الحالية اختارت أن تستند إلى رضى سنّي غالب"، وعلى " تكوّن و بروز مظلومية سنّية".
٢ اقتصار قراءته على تمظهرات الصراع الطائفية اقتضت بضرورات المنهج تجاهل الاستناد على عوامل السياق التاريخية لتفسير طبيعة المتغيّرات، وطبيعة الصراع، وهي أهمّ متطلبات القراءة السياسية الواقعية. لقد تجاهلت حيثيات الحوار وأفكاره أوّلا طبيعة عوامل سياق حدث إسقاط سلطة الأسد في الثامن من ديسمبر(١)، وغيّبت تأثيرها على رسم المشهد السوري.
تجاهُل خطاب الدكتور راتب لطبيعة الصراع الداخلي على سوريا الجديدة، خاصة طبيعة القوى المتصارعة وطبيعة دوافعها ووسائلها التي دفعت الصراع على مسارات "العنف والتحريض والتخندقات الطائفية"، مكّنه من تقديم قراءة وحيدة الاتجاه، وتحميل المسؤولية لطرف واحد!! (٢).
فوق كلّ ذلك، في تقييمها لطابع أحداث الصراع وما تخلله من مجازر طائفية، و تحديد المسؤولية، خاصة على مستوى جرائم القتل والخطف والاغتصاب، تتجاهل قراءة الدكتور راتب طبيعتها السياسة في معارك صراع السيطرة على الساحل، وضرورات البحث عن هوية المستفيد في هذه المرحلة الأكثر سخونة من الصراع السياسي على سوريا!
ثالثا، في الاستنتاجات :
إذ لا يمكن لقراءة تبتغي الموضوعية أن تتجاهل مسؤولية ومصلحة السلطة في شدّ العصب الطائفي والاستناد عليه لمواجهة مخاطر هجوم السيطرة على الساحل الذي شنّته في السادس من آذار مجموعات مسلّحة من بقايا شبيحة الاسد بدعم من قوى مشروع التقسيم، فكيف لها أن تتجاهل مسؤوليات المجموعات الإرهابية التي هاجمت أو القوى التي تقف خلفها ، وقد ساهم الجميع في دفع الصراع على مسارات طائفية، ويتحمّل مسؤولية مشتركة عن ما حصل خلال المواجهات من مجازر طائفية، كانت السلطة الخاسر الرئيسي في عواقبها؟
إذا انطلقنا من النتيجة الواقعية لهذا القراءة الطائفية، التي تعمل على تغييب مسؤوليات سلطة قسد وبقايا شبيحة الأسد عن معارك الصراع على الساحل السوري والسويداء ،وما تخللها من مجازر طائفية، وتحميل السلطة الجديدة المسؤولية الحصرية عن تحوّل الصراع السياسي والعسكري إلى صراع طائفي، يضعها في خانة "اللاوطنية"، أليس من الموضوعية أنّ نستنتج انّ قراءة الدكتور تصب في تعزيز رؤية وجهود سلطة قسد المنافسة وقوى التقسيم في الساحل التي بادرت بهجوم السادس من آذار، و أنّها بالتالي تفتقد إلى الموضوعية وتبتغي لأسباب ودوافع خاصة بالكاتب شيطنة سلطة دمشق والتأكيد على عدم مشروعيتها الوطنية، وتسويغ مشروع سياسي بديل، لايمكن أن يكون في هذه الشروط السورية المحددة من الصراع سوى مشروع التقسيم الذي تقوده قسد تحت يافطات اللامركزية السياسية و حقوق. "المكوّنات"؟ فهل هذا البديل هو الخيَار الوطني، المناقض لطبيعة وسلوك السلطة "اللاوطني"!؟
ألا يؤكّد موضوعية هذا الاستنتاج تطابق قراءة الدكتور راتب الشخصية لطبيعة السلطة، وموجّبات "إسقاطها"، مع منظور القوى والشخصيات والتيارات اليسارية المرتبطة بمشروع مسد، أو الطائفية، التي تعوّل عليه، لدعم و شرعنة "حق تقرير المصير"، كما يدلل على واقعيته مشاركة الدكتور راتب شخصيا في جهود مسد لبناء "جسم ديمقراطي سوري"!(٣)
على أيّة حال، التساؤلات التي تطرح نفسها، برسم خطاب الدكتور راتب و نخب وجمهور اليسار الديمقراطية عموما ، التي أظهر خطابها السياسي نفس رؤية الدكتور، وغلب عليه طابع الرؤية الأحادية وثقافة التحريض والتجييش السياسي ضد السلطة الجديدة وقواعدها الشعبية، متجاهلة وجود أحد اقطاب الصراع وطبيعة مشروعه السياسي:
إذا كان من حق النخب السياسية والثقافية الوطنية ومن واجبها نقد وتصويب سلوك السلطة الإقصائي و ممارسات جمهورها الطائفية، والتعاطف مع ضحايا العنف السياسي بجميع أشكاله، فهل يحق لهم أن يتجاهلوا وقائع وحقائق أن البديل الواقعي هو مشروع التقسيم، الساعية قواه السورية وداعميه الإقليميين لتثبيت مرتكزات كيان قسد وخلق كيانات انفصالية موازية في الساحل والسويداء؟ هل ثمّة بديل "ديمقراطي" آخر؟ لماذا؛ ولمصلحة مَن، يتمّ تجاهل طبيعية الصراع، والبديل الواقعي الوحيد؟
(١)- في أبرز عوامل افتقاد خطاب الدكتور للموضوعية، يأتي تجاهله لأبرز عوامل سياق إسقاط سلطة الأسد، فتغيب عن قراءاته للمشهد التالي تأثيرها على أجندات قوى الصراع و مفاعليها على صناعة مآلاته، وهو بذلك يمثّل خطابا سياسيا نخبويا يساريا رائجا.
كيف لخطاب يتوخّى الموضوعية أن يتجاهل عوامل سياق صناعة الحدث السوري في الثامن من ديسمبر، وقد صنعت حالة سياسية نوعية في مسارات الصراع السياسي على سوريا، غير مسبوقة طيلة عقود ما بعد الاستقلال؟
على الصعيد السوري، العامل الرئيسي
الذي أسقط الأسد هو قوّة عسكرية جيدة التدريب والتنظيم وعلى درجة عالية من الإيمان بعدالة القضية التي يقاتلون من أجلها (بعكس الميلشيات التي تدافع عن سلطة الأسد)، وقد راكمت خبرات قتالية فعّالة طيلة أكثر من عشر سنوات ودفعت أثمانها غاليا، ويقودها شخصية فريدة، تسعى للعب دور متميز في صناعة حاضر و مستقبل سوريا الجديدة.
السياق العام الإقليمي والدولي المتوافق مع جهود غرفة عمليات رد العدوان، يرتبط أوّلا بإطلاق إدارة ترامب لصيرورة استراتيجية سيطرة إقليمية أمريكية جديدة، تتناقض أهدافها وأدوات تحقيقها مع استراتيجية السيطرة السابقة التي وفّرت مظلة نجاح مشروع تقسيم سوريا بين ٢٠١٥ ٢٠٢٤، وتتوافق مع مصالح وسياسات أكبر قوتين إقليميتين، و أكثرهما تأثيرا على مآلات الصراعات الإقليمية على سوريا-تركيا والمملكة السعودية. أبرز النتائج على مآلات الصراعات الداخلية هو ما تحوذه السلطة الجديدة من دعم شعبي واسع، كان يمكن أن يكون شاملا خارج سياقات الصراع مع قوى مشروع التقسيم، ومن خَيارات عالمية مفتوحة، في سعيها لبناء علاقات مصالح مشتركة و متوازنة، تُعزز و تعكس مصالح وحاجة القوى الفاعلة لقيام حالة استقرار وتنمية على الصعيد السوري والإقليمي، وقدّ شكّلت عناوين مشروعها الرئيسي، بغض النظر عن درجات الإخفاق أو النجاح على صعيد بناء مؤسسات الدولة السورية الجديدة، التي برزت في سياقات الصراع، وهي مسائل نسبية ومتغيّرة، ولن تؤدّي، كما يعتقد أصحاب القراءة التشاؤمية والخطاب التحريضي إلى "إسقاطها" لصالح مشروع الكيانات "اللامركزية"!
(٢)- في طبيعة الصراع على سوريا":
كيف لقراءة موضوعية، تتوخّى المصداقية أن تتجاهل طبيعة الصراع على سوريا التي حددتها عوامل سياق إنجاز الثامن من ديسمبر؟ في أبرز عواقب إسقاط سلطة الأسد على يد فصائل غرفة العمليات العسكرية دون مشاركة سلطة قسد، وفي مواجهة سعيها لتوسيع تخوم مناطق سيطرتها القائمة منذ نهاية ٢٠١٩، تبلورت صيرورتان سياسيتان متناقضتان لحاضر ومستقبل سوريا، ويتفجّر الصراع في أسبابه الرئيسة المباشرة على أرضية النزاع على الشرعية السورية .
إذ تتشكّل الصيرورة الأول الرئيسية في مسارات العملية السياسية الانتقالية التي أطلقتها القيادة العسكرية في أعقاب مؤتمر النصر، والساعية الى إعادة توحيد الجغرافيا والسلطة وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات دولة مركزية موحّدة، تواجه تحدّيات مشروع مضاد، تسعى في معاركه المتعددة المستويات قيادات سلطة "إقليم شمال وشرق سوريا" - قسد ومسد والإدارة الذاتية- لتفشيل جهود إعادة توحيد الجغرافيا والسلطة وحصر امتلاك السلاح، ودعم قيام صيرورة مضادة، تتضمّن بناء كيانات انفصالية في الساحل والسويداء تحت يافطات اللامركزية السياسية، تشكّل كما يأملون مظلّة الشرعية السورية للحفاظ على مصالحها الحيوية في ديمومة مرتكزات الإقليم-جيش قسد، العمود الفقري لمشروع الكيان، و حكومته الذاتية ودستورها الخاص، وامتيازات احتكار السلاح والسلطة والموارد الاقتصادية والبشرية .
تبيّن أحداث صراع السيطرة على الساحل السوري والسويداء أنّ معارك الصراع على سوريا تُخاض على مستويين، تتواجه في مساراتها مصالح وجهود و علاقات القوى المتصارعة، وتتفاعل جدليّا:
المستوى الأول:
صراع على شكل السلطة بين رؤى وقوى تيّارات إسلامية، تتبلور مواقفها في مسارات العملية السياسية وتطوّرات معارك الصراع الميداني:
أ- الإسلام السياسي الوسطي، الذي تتوافق مصالح قواه ورؤيتها السياسية مع مسارات بناء مؤسسات دولة سورية مركزية موحّدة، وآمال توفير شروط بناء مشروع وطني سوري متكامل، ويعبّر عن خطّه السياسي الوطني رئيس المرحلة الانتقالية، وباتت تمثّله حكومة التكنوقراط، وتدعمه بشكل رئيسي إقليميّا السعودية وقطر وتركيا، والولايات المتّحدة، على الصعيد الدولي...
ب- الإسلام السياسي الجهادي، في قواعد وجمهور الهيئة والجيش الوطني... إذ تخشى قواه ورموزه من فقدان ما حققته من مكاسب وامتيازات خلال مراحل الصراع السابقة في تقدّم مسارات وصيرورة العملية السياسية الانتقالية، تحاول استغلال ما تواجهه السلطة الجديدة من تحدّيات الصراع مع قسد وأدواتها من بقايا شبيحة الأسد، من أجل تثبيت وجودها و شرعنة مصالحها...
ت- تيارات سياسة وشخصيات "ديمقراطية"، في الداخل والخارج، ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بأجندات مشروع قسد/ مسد السياسية، وتساهم في ترويج خطابها السياسي تحت يافطات الديمقراطية والدفاع عن حقوق ضحايا العنف السياسي.
المستوى الثاني:
الصراع حول مصير الكيان الجيوسياسي السوري، الذي لا يواجه فقط مخاطر تثبيت أبرز وقائع مشروع التقسيم التي باتت تتجسّد في "إقليم شمال وشرق سوريا" في أعقاب إسقاط سلطة الأسد وتحوّل حكومة الهيئة إلى سلطة سورية، بل وظهور نزعات انفصالية في الساحل والسويداء، تتقاطع أهداف و جهود العاملين عليها مع جهود قسد الساعية لتعميم نموذجها "اللامركزي" وفقا لرؤيتها لمستقبل سوريا.
(٣)- قد لايعرف الرأي العام النخبوي وقائع أنّه في خلفيات استراتيجية قسد التاريخية تجاه قضايا الصراع على سوريا، سعت مسد على صناعة أداتها السياسية، وعملت على بنائها منذ مطلع ٢٠١٦ وأنتجت في سياق جهود ومؤتمرات متواصلة، وفي مخرجات مؤتمر بروكسل ٢٠٢٤ ما عُرف ب"المؤتمر السوري الديموقراطي"، وقد كان للدكتور راتب شعبو مشاركة فاعلة في بعض مؤتمرات مسد "الاوربيّة" لبناء جسدها، "الديمقراطي".
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟