أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علي ابوحبله - حين سرقوا الوطن















المزيد.....

حين سرقوا الوطن


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 11:57
المحور: قضايا ثقافية
    


رواية رمزية وتحليل أدبي
بقلم: علي أبو حبلة
المقدمة التحليلية الأدبية
في زمنٍ تهاوت فيه القيم، وتحوّل فيه الفساد إلى نظامٍ مؤسسي يلبس ثوب القانون، تأتي رواية “حين سرقوا الوطن” لتعرّي واقعًا تتقاطع فيه الخيانة مع الطهارة، والذنب مع التوبة، في صراعٍ أبديّ بين ضمير الإنسان وسلطة المال.
ليست الرواية حكاية لصٍّ أعاد مالًا وجده صدفة، بل هي مرآة رمزية تُظهر وجه العالم حين يبيع مبادئه ويخون الأمانة التي أقسم على حفظها.
الرواية في بنيتها العميقة ليست مجرد سردٍ عن السرقة، بل تجسيدٌ لثنائية “اللص الصغير” و“اللص الكبير”، أو بتعبيرٍ آخر: صراع الأخلاق مع السلطة.
وفي هذا الصراع، تنكشف رموز الرواية واحدة تلو الأخرى لتصوغ لوحة فلسفية عن حال الأمة والإنسان.
رمز المدينة
المدينة في الرواية ليست مكانًا جغرافيًا، بل كيانٌ روحيّ يمثل الوطن العربي المرهق،
ذلك الوطن الذي "ينام على أنينه" ويعيش في ظلال القهر والفقر والخذلان.
هي مدينةٌ فقدت بوصلتها الأخلاقية، وغرقت في وحل اللامبالاة، حتى صار النور فيها استثناءً والظلمة قاعدة.
المدينة رمزٌ لجماعةٍ فقدت ضميرها الجمعي، فأصبح الفساد فيها “نظام حياة”.
رمز سليم
“سليم” هو البطل التائه بين الجريمة والتوبة، بين الضرورة والضمير.
هو رمز الإنسان العادي الذي لم يفسده الفقر رغم قسوته،
يمثل الفطرة الإنسانية قبل أن تُدنّسها المصالح.
حين يقرر إعادة الحقيبة، فهو لا يُعيد مالًا ماديًا، بل يُعيد “الثقة المفقودة بين الإنسان وربه”،
ويثبت أن الأخلاق ليست حكرًا على الأغنياء أو المتدينين، بل على من بقي له قلبٌ حيّ في زمن الموت البطيء.
رمز الحقيبة
الحقيبة ليست أداة سرقة، بل رمز الأمانة والاختبار.
إنها “وديعة” وضعها القدر في طريق سليم ليكشف جوهره،
ولتمثّل في الوقت ذاته رمز الوطن ذاته —
ذلك الوطن الذي وُضع في أيدي “اللصوص الكبار” فخانوا أمانته بعد أن أقسموا على حفظها.
في عودة الحقيبة عودةٌ رمزية للضمير الإنساني،
وفي ضياعها الأول ضياعُ وطنٍ نسي الله فابتلي بالفساد.
رمز الوزير الهاشمي
الوزير في الرواية ليس شخصية بعينها، بل تجسيدٌ للنخبة الفاسدة في كل عصر.
هو الوجه الآخر للّص الصغير،
لكنه أخطر منه لأنه يسرق باسم الشرعية ويختبئ وراء الدستور والقوانين.
المرآة التي يرى فيها وجوه المظلومين ليست زجاجًا، بل انعكاس لضميره الغائب.
وحين يصرخ “أنا لم أسرق!”،
فإن الرواية تكشف المفارقة: إن أسوأ أنواع السرقة هي سرقة العدالة تحت شعار النظام.
رمز المرآة
المرآة في الرواية ليست جمادًا، بل شاهدٌ صامت على الحقيقة.
إنها تمثل الوعي الغائب الذي يُطارد كل فاسد،
والضمير الجمعي الذي لا يمكن طمسه مهما غُطِّي بستائر السلطة.
حين يرى الوزير وجوه الفقراء في انعكاسها،
فذلك تذكير بأن “العدالة قد تغيب في المحاكم، لكنها لا تغيب عن المرآة الإلهية.”
رمز المطر
المطر في الرواية عنصر تطهيرٍ كونيّ.
يهطل في لحظات التحوّل الأخلاقي، عند ندم “سليم” وعند سقوط الوزير.
إنه يرمز إلى غسل الخطيئة وتطهير الأرض من غبار الخيانة،
كأن السماء تعلن أنها ما زالت قادرة على تجديد الحياة بعد كل انكسار.
الرسالة الفلسفية للرواية
في عمقها، “حين سرقوا الوطن” ليست عن السرقة فقط،
بل عن العلاقة بين الإنسان وربه في زمنٍ يُباع فيه الضمير بأبخس الأثمان.
هي صرخة ضد الخيانة السياسية، وضد تبرير الفساد باسم الضرورة،
وتذكير بأن من يسرق رغيفًا يُدان،
لكن من يسرق وطنًا يُصفّق له الإعلام ويُكرَّم في الاحتفالات الوطنية.
الرواية الرمزية: الفصول الخمسة
الفصل الأول: المدينة التي نامت على أنينها
كانت المدينة ممددة كجسدٍ أصابه الإنهاك، تتنفس الغبار وتستيقظ على صدى الأنين.
الناس يسيرون بلا وجوه، يختبئون خلف أقنعتهم المرهقة، لا يبتسمون إلا بقدر ما يطلب البقاء.
المآذن تتنفس بلا روح، والكنائس أغلقت نوافذها خشية الريح،
والسماء، التي كانت تمطر وعودًا، صارت تمطر نسيانًا.
في أحد الأزقة التي ترفض الضوء، كان “سليم” يعيش على الهامش.
ليس بطلاً ولا مجرمًا، بل وجه منسيّ في رواية الوطن الطويلة.
كان يسرق ليبقى، لا ليغتني،
ويقول في سرّه كلما امتدت يده إلى جيب أحدهم:
> “اللص الحقيقي هو من جعلني لصًّا.”
كان يحمل بين أضلعه بقايا ضميرٍ يقظ،
ضمير لم يفلح الفقر في اغتياله بعد.
الفصل الثاني: الحقيبة التي سقطت من السماء
في ليلةٍ تتنازع فيها الريح والمطر،
عثرت قدماه على حقيبة جلدية مرمية في زاويةٍ منسية من الشارع.
فتحها على عجل، فاندفعت منها رائحة نقودٍ لم يلمسها مثله من قبل.
وفي أعلاها ورقة صغيرة كتب عليها بخطٍّ واثق:
> (اللهم إني أستودعتك مالي فأحفظه من اللصوص والسرقة.)
كانت الكلمات كطلقةٍ في صدره.
جلس على الرصيف، والمطر يغسل وجهه كأنه يغسل ذنوبه.
تساءل بصوتٍ خافت:
> “كيف أسرق رزقًا حماه الدعاء؟ أأكون أجرأ من الله؟”
شعر لأول مرة أنه ليس في معركةٍ مع الجوع،
بل في معركةٍ مع نفسه.
قرر أن يعيد المال، لا لأنه تاب،
بل لأن الورقة أيقظت إنسانًا كان يختنق فيه بصمت.
الفصل الثالث: القصر والمرآة واللعنة
في الجانب الآخر من المدينة، كان الوزير “الهاشمي” يتكئ على كرسيٍّ من العاج،
يوقّع عقودًا بيدٍ ترتجف من النشوة لا من الندم.
كان يؤمن أن “القانون” خُلق ليُطعَن لا ليُطاع.
وفي كل توقيعٍ على ورقة بيعٍ لأرضٍ أو صفقةٍ مشبوهة،
كان يسمع في داخله صوتًا هامسًا:
> “الوطن لم يعد لك... بل أنت له عدوٌّ متنكر بربطة عنق.”
أمام المرآة، رأى وجهه مكللًا بالمجد، لكن الظلال خلفه كانت تتكاثر.
وجوه فقراء، أيتام، جنود ماتوا جوعًا، وأمهاتٍ بكين في صمت.
كلهم ينظرون إليه من زجاج المرآة كأنهم ينتظرون العدالة من صورته.
صرخ في وجهها:
– “أنا لم أسرق!”
لكن المرآة لم تجبه. اكتفت بأن أظهرت له طفلاً عاري القدمين
كان قد رآه مرة في الشارع، يفتش في القمامة.
أدرك أن المرآة ليست من زجاج، بل من ضمير.
الفصل الرابع: اللقاء عند بوابة المسجد
عاد “سليم” بالحقيبة إلى صاحبها — رجلٍ مسن يبيع الكتب القديمة على عتبة مسجدٍ نائم.
حين رآه، تهلل وجهه كمن رُدّ إليه عمره.
قال العجوز وهو يبكي:
> “كنت أجمع هذا المال لتزويج ابنتي، ثم قلت: أستودعه عند الله، ولن يضيع ما استودع عنده.”
أعطاه سليم الحقيبة دون أن ينطق بكلمة.
مدّ العجوز يده إلى رفّه، وأخرج كتابًا مهترئًا وقال له:
> “خذ هذا، إنه كتاب في الأمانة... ستحتاجه أكثر من المال.”
فتح سليم الكتاب على صفحةٍ صفراء، فقرأ:
“حين يسكت الصالحون خوفًا، يتكلم اللصوص باسمهم،
وحين يُجلد الفقير بتهمة الجوع، يكرّم السارق بوسام الوطنية.”
أغلق الكتاب ببطء، وشعر أنه لم يعد ذلك السارق الذي خرج من الزقاق،
بل إنسانٌ اكتشف أن الفقر لا يبرر الخيانة، وأن الأمانة لا تُشترى بالذهب.
الفصل الخامس: السقوط الأخير
بعد عام، سقط الوزير “الهاشمي” في قبضة الفضيحة.
كشفت الصحف صفقاته وفساده،
لكن الشوارع لم تفرح، والناس لم يصدقوا.
فقد اعتادوا أن يروا الفساد يُحاكم نهارًا ويُكافأ ليلًا.
في قاعة المحكمة، جلس “سليم” متخفيًا في المقاعد الخلفية.
نظر إلى الوزير، فابتسم بسخرية وقال في نفسه:
“أنا سرقت رغيفًا لأعيش، وهو سرق الوطن ليخلّد نفسه.”
حين خرج من المحكمة، كان المطر ذاته يهطل كما في تلك الليلة.
رفع رأسه إلى السماء وقال:
“اللهم احفظ الأوطان كما حفظت المال في تلك الحقيبة...
فما أكثر اللصوص الذين أقسموا باسمك ثم خانوا.”
وسار مبتعدًا، يترك خلفه مدينة ما زالت تبحث عن ضميرها في الظلام.
الخاتمة التحريرية
الوطن لا يُسرق من خزائنه فقط،
بل من ضمائر من يحكمه.
اللصوص الحقيقيون ليسوا من يمدّون أيديهم إلى المال،
بل من يمدّونها إلى الأمل ويخونون ثقة الشعوب.
في زمنٍ تُباع فيه الأوطان باسم القانون،
تبقى الأمانة والضمير آخر حصن أمام الخراب.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزّة: لعنة الجغرافيا وذاكرة التاريخ — بين ديمومة الصراع ووحد ...
- نوبل للسلام في اختبار القيم: ماريا ماتشادو وانهيار المعايير ...
- من يحكم غزة بعد الحرب؟ بين الإقصاء الوطني وضرورات الوحدة الا ...
- أنقذوا الأسرى الفلسطينيين من جحيم السجون الإسرائيلية
- بين الماضي والحاضر والمستقبل في ظل انعدام الثقة وقراءة التار ...
- ترامب: لو كان بمقدور إسرائيل سحق حماس لفعلت ذلك
- توني بلير بين كوسوفو وغزة: محاولات إعادة التدوير في مشهد فلس ...
- ميليشيا -أبو شباب- وفلسطنة الصراع: تهديد للوحدة الوطنية الفل ...
- اتفاق شرم الشيخ... سلام بلا أطراف وشرق أوسط بلا فلسطين
- مؤتمر شرم الشيخ: مسرحية سياسية على حساب القضية الفلسطينية
- تجار المقاصة ومزورو الفواتير الوهمية: جريمة اقتصادية تهدد ال ...
- زيارة ترمب للمنطقة: بين شرم الشيخ وتل أبيب — عودة أمريكية لإ ...
- -رسالة إلى القادة المحتفلين باتفاق شرم الشيخ: صوِّبوا بوصلتك ...
- قمة شرم الشيخ: بين تثبيت وقف النار وتثبيت النفوذ... من يكتب ...
- من يوقّع عن الفلسطينيين في شرم الشيخ؟
- التعاونيات رافعة للاقتصاد الوطني الفلسطيني: تقييم واقعٍ واست ...
- اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ: تحليل دقيق لأبعاد سياسية ...
- الحرب على غزة تدخل عامها الثالث: الهولوكوست الفلسطيني وشريعة ...
- نحو مرحلة انتقالية وطنية شاملة: مكافحة الفساد وتفعيل الرقابة ...
- ترامب وغريتا بين نوبل للسلام ودماء غزة: جدلية المعايير الأخل ...


المزيد.....




- خريطة توضّح مدى صواريخ -توماهوك- الأمريكية في حال استخدامها ...
- شاهد كيف رد ترامب على صحفي بشأن حماس واتفاق وقف إطلاق النار ...
- الكويت: الداخلية تعلن ضبط 3 موظفين تلاعبوا في نظام دخول وخرو ...
- غزة يمكنها أن تستلهم من تجربة السلام في كوسوفو - مقال في بلو ...
- إسرائيل تعيد فتح معابرها مع غزة، وتستقبل ويتكوف وكوشنر
- آلاف يشاركون في مسيرة الزومبي السنوية في سانتياغو احتفالاً ب ...
- مدينة كاينان تسجل رقما قياسيا عالميا في تزيين بيوت الزنجبيل ...
- برّاك يهدد بيروت: اذا ما لم تنزع الحكومة سلاح حزب الله إسرائ ...
- ثلاثة أضعاف الواقع: انحياز إعلامي ضد الأجانب في تغطية الجريم ...
- “المقاومة ومهام المستقبل”.


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علي ابوحبله - حين سرقوا الوطن