أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي ابوحبله - تجار المقاصة ومزورو الفواتير الوهمية: جريمة اقتصادية تهدد الأمن المالي الفلسطيني















المزيد.....

تجار المقاصة ومزورو الفواتير الوهمية: جريمة اقتصادية تهدد الأمن المالي الفلسطيني


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 14:08
المحور: القضية الفلسطينية
    


مقدمة
يشكّل نظام المقاصة الضريبية بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل – المنصوص عليه في اتفاق باريس الاقتصادي لعام 1994 – أحد أعمدة التمويل الرئيسية للمالية العامة الفلسطينية، إذ تشكّل إيراداته ما نسبته نحو 65% من مجموع الإيرادات العامة وفق بيانات وزارة المالية الفلسطينية وتقارير البنك الدولي (2024).
لكن هذا النظام الذي أُنشئ لضمان استقرار مالي نسبي، تحوّل عمليًا إلى منفذ للابتزاز الإسرائيلي من جهة، ومنصة للفساد والاحتيال الداخلي من جهة أخرى، نتيجة انتشار ظاهرة تجار المقاصة ومزوري الفواتير الوهمية، التي تنخر في عصب الاقتصاد الوطني وتؤدي إلى نزيف مالي خطير يفوق مئات ملايين الشواقل سنويًا.
أولاً: المقاصة بين نص اتفاق باريس وتغوّل السيطرة الإسرائيلية
نصّ اتفاق باريس الاقتصادي على أن تقوم إسرائيل بجباية الضرائب الجمركية وضريبة القيمة المضافة على السلع المستوردة نيابة عن السلطة الفلسطينية، ثم تحويلها شهريًا إلى الخزينة الفلسطينية بعد اقتطاع عمولة لا تتجاوز 3%.
غير أن إسرائيل استخدمت هذا النظام كورقة ضغط سياسية، تحتجز أو تخصم منه مبالغ ضخمة بذريعة "الديون" أو "رواتب الأسرى والشهداء"، في خرقٍ واضح لبنود الاتفاق ومبدأ السيادة المالية.
هذا الوضع الشاذ أضعف قدرة وزارة المالية الفلسطينية على الرقابة والتحصيل، وخلق بيئة خصبة لظهور شبكات تجارية تستغل الثغرات القانونية والإدارية في نظام المقاصة.
ثانياً: مزورو الفواتير الوهمية – من التحايل إلى الجريمة الاقتصادية
تؤكد تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية (2023–2024) أن مئات القضايا المتعلقة بالفواتير الوهمية تم رصدها خلال السنوات الأخيرة، إذ يُقدّر حجم التلاعب الضريبي الناتج عنها بما يزيد عن 500 مليون شيكل سنويًا.
يُقدِم بعض التجار على تسجيل فواتير مزيفة أو مضخمة لعمليات استيراد لم تتم فعليًا أو بأرقام وهمية، بهدف استرداد ضريبة القيمة المضافة أو تخفيض الالتزامات الضريبية.
وتُنفّذ هذه العمليات غالبًا من خلال وسطاء يُعرفون بـ"تجار المقاصة"، الذين يشترون ويبيعون فواتير عبر وسطاء إسرائيليين مقابل عمولات مالية ضخمة.
من الناحية القانونية، تُصنَّف هذه الممارسات ضمن الجرائم الاقتصادية وفق قانون مكافحة الفساد الفلسطيني رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، وكذلك ضمن قانون العقوبات وقانون مكافحة غسل الأموال رقم (20) لسنة 2015، لما تتضمنه من تزوير مستندات رسمية وإضرار مباشر بالمال العام.
ثالثاً: التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة
تنعكس هذه الجرائم على الاقتصاد الفلسطيني بصورة متعددة الأبعاد، يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. نزيف في الإيرادات العامة: تؤدي الفواتير الوهمية إلى خسارة تتراوح بين 400 إلى 600 مليون شيكل سنويًا بحسب تقديرات البنك الدولي وديوان الرقابة المالية، أي ما يعادل نحو 10% من إجمالي الإيرادات الضريبية.
2. تشويه العدالة الاقتصادية: تُعزّز هذه الممارسات الثراء غير المشروع لفئة محدودة من “تجار المقاصة”، وتُضعف ثقة القطاع الخاص بالنظام الضريبي.
3. إضعاف الاستقرار المالي: تؤدي هذه الظاهرة إلى ارتفاع العجز المزمن في الموازنة العامة، وتُقيد قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والخدمات العامة.
4. تآكل الثقة بالمؤسسات: في ظل غياب مجلس تشريعي فاعل يمارس الرقابة والمساءلة، تتحول الجرائم الاقتصادية إلى ظواهر شبه ممنهجة دون رادع فعلي، مما يُفقد المواطن ثقته بالعدالة المالية.
رابعاً: الثغرات البنيوية في النظام المالي الفلسطيني
تظهر خطورة هذه الظاهرة من خلال مجموعة من الثغرات الجوهرية:
غياب التنسيق الإلكتروني الكامل بين النظام المالي الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي في المعابر.
ضعف آليات التدقيق والتحقق الضريبي في وزارة المالية وهيئة الجمارك.
تعدد المرجعيات الرقابية في ظل غياب المجلس التشريعي، مما يفتح المجال للتجاوزات دون مساءلة مباشرة.
قصور في تطبيق العقوبات القانونية بحق المتورطين في جرائم المقاصة، حيث غالبًا ما تُسوى القضايا ماليًا بدلًا من ملاحقتها قضائيًا.
خامساً: نحو إصلاح شامل واستعادة السيادة المالية
لمعالجة هذه الظاهرة المتفاقمة، بات من الضروري تبنّي خطة إصلاح شاملة تشمل الجوانب القانونية والإدارية والسياسية، وتستند إلى ما يلي:
1. إعادة النظر في اتفاق باريس الاقتصادي من خلال مراجعة بنوده المتعلقة بالتحصيل الضريبي والمقاصة، لضمان الشفافية والسيادة المالية.
2. إنشاء هيئة رقابة مالية مستقلة ترتبط مباشرة بالقضاء أو برئيس الدولة، تُكلّف بتدقيق ملفات المقاصة والفواتير.
3. تفعيل النصوص العقابية في قوانين مكافحة الفساد وغسل الأموال لتصنيف الفواتير الوهمية كـ"جريمة اقتصادية جسيمة" يعاقب عليها بالسجن والغرامة ومصادرة الأموال غير المشروعة.
4. اعتماد نظام محوسب موحّد للفواتير الإلكترونية بإشراف ديوان الرقابة المالية والبنك الدولي، يربط بين الجمارك والضرائب والبنوك.
5. نشر تقارير دورية للشفافية المالية لتمكين الرأي العام من متابعة سير الأموال العامة والمقاصة.
خاتمة
إن ظاهرة مزوري المقاصة وتجار الفواتير الوهمية لا تمثل مجرد مخالفات إدارية، بل هي جرائم اقتصادية منظمة تهدد الأمن المالي والوطني الفلسطيني. فهي تُضعف قدرة الدولة على إدارة مواردها، وتعمّق التبعية لإسرائيل، وتُقوّض ركائز الثقة بالمنظومة الاقتصادية برمتها.
ولا يمكن مواجهة هذه الظاهرة إلا من خلال إصلاح قانوني مؤسسي شامل يُعيد الاعتبار لمبدأ الرقابة والمساءلة، ويفرض سيادة القانون على الجميع دون استثناء.
فالاقتصاد الفلسطيني، الذي يُكابد أصلاً تحت وطأة الاحتلال، لا يحتمل أن يُنهشه الفساد من الداخل كما ينهشه الحصار من الخارج.
الهوامش والمراجع
1. ديوان الرقابة المالية والإدارية الفلسطيني، التقرير السنوي 2023.
2. البنك الدولي، "تقرير الأداء الاقتصادي الفلسطيني"، نيسان/أبريل 2024.
3. اتفاق باريس الاقتصادي، المُلحق الاقتصادي لاتفاق أوسلو، 29 نيسان/أبريل 1994.
4. قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته.
5. قانون مكافحة غسل الأموال رقم (20) لسنة 2015.
6. قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 وتعديلاته في التشريع الفلسطيني.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيارة ترمب للمنطقة: بين شرم الشيخ وتل أبيب — عودة أمريكية لإ ...
- -رسالة إلى القادة المحتفلين باتفاق شرم الشيخ: صوِّبوا بوصلتك ...
- قمة شرم الشيخ: بين تثبيت وقف النار وتثبيت النفوذ... من يكتب ...
- من يوقّع عن الفلسطينيين في شرم الشيخ؟
- التعاونيات رافعة للاقتصاد الوطني الفلسطيني: تقييم واقعٍ واست ...
- اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ: تحليل دقيق لأبعاد سياسية ...
- الحرب على غزة تدخل عامها الثالث: الهولوكوست الفلسطيني وشريعة ...
- نحو مرحلة انتقالية وطنية شاملة: مكافحة الفساد وتفعيل الرقابة ...
- ترامب وغريتا بين نوبل للسلام ودماء غزة: جدلية المعايير الأخل ...
- الفساد بين الحواضن والحسابات الخارجية: نحو لجنة وطنية لاستعا ...
- التحول السياسي في رؤية الرئيس محمود عباس: نحو إعادة بناء دول ...
- رواية الفساد والفاسدين
- ازدواجية الجنسية في المناصب الوزارية: خرق محتمل للقانون الأس ...
- أسطول الصمود العالمي: حين كُسر الحصار إعلاميًا قبل أن يُكسر ...
- بيان الرئاسة الفلسطينية: خارطة طريق لترسيخ مؤسسات الدولة في ...
- الحمير على السطح
- -خطة ترمب المعدّلة: بين فخّ التسوية واستحقاق الوحدة الوطنية-
- خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة تتناقض مع مخرجات مؤتمر نيويورك ...
- رواية كفر مالك تحت النار: أسطورة الثبات والصمود في وجه الدخل ...
- مبادرة ترمب لوقف الحرب في غزة: هيمنة أميركية على حساب الشرعي ...


المزيد.....




- أعداد القطط تفوق السكان..هذه الجزيرة الإسبانية الصغيرة تحتفظ ...
- لقاءٌ مرتقب بين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض يوم الجمعة
- تونس: كيف يرى التونسيون مستوى الحريات في بلدهم؟
- ملك الأردن عبدالله الثاني في مقابلة خاصة مع بي بي سي
- الجانب المظلم لكريستوفر كولومبوس و-عالمه الجديد-
- في غياب صاحب نوبل للأدب.. انطلاق معرض فرانكفورت للكتاب 2025 ...
- سجناء فلسطينيون أطلقت إسرائيل سراحهم مقابل الرهائن في غزة
- لوكورنو يلقي خطابا أمام النواب الفرنسيين لكسب التأييد وتفادي ...
- أكثر من 65 قتيلا وعشرات المفقودين بسبب فيضانات ضربت المكسيك ...
- مدغشقر: الرئيس راجولينا يحل البرلمان بعد أسابيع من احتجاجات ...


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي ابوحبله - تجار المقاصة ومزورو الفواتير الوهمية: جريمة اقتصادية تهدد الأمن المالي الفلسطيني