|
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 21:32
المحور:
الادب والفن
(مرجان في سلة خوص) قصائد
كاظم حسن سعيد 2025
1 (عصر الترندات) جلست مع صديقي غروبا نحصي تلك الاحداث التي شغلت الناس جميعا ثم اختفت بلحظات وايام: جرائم مثل شوي خمسة صغار بفرن او شيخ يغتصب رضيعة سرقات بالتنويم المغناطيسي جنرالات لا يحسنون استخدام السلاح اشتراك بكيس تمر في معرض صناعات عالمية. شيخ عشيرة يلعق ذاك ( الشيء) مرتبات ضخمة لرئيس حكم شهرين واختفى ونسي الناس اسمه شحاذة تقود وزارة اغاني تجسد الهبوط، معاهد لتدريب الجرذان على السرقة دورات عجلى لصناعة شيوخ برامج لكسب ثروة باسابيع شهادات عليا لتافهين عمليات تجميل لتحسين شكل الارداف مؤتمرات مكثفة لحل مشكلة العانسات سحرة لتسريع الزواج مدارس تقفيزية لابتكار العاهرات... وصفات عطارين لنشرالغباء مقدسون مبتكرون يدخلونك الجنة ويحققون احلامك 2025 -------------------- * 2
2 (ثعلبية) الفتاة الالماس سبعة عشر عاما الفتاة الالماس تخجل من عكازها حين تخطو رشاقة تهزم خصور جميع النساء بليلة غادرة في غابات النخيل هوت قنبلة على منزلها افقدتها روحها وساقها الفتاة الالماس احذرك تنظر عينيها، فاللؤلؤ الذي يكاد يتكلس في الجفون سيسقيك طعم الحنظل وعمق الحزن في جمال العيون سيفقدك بقايا فرحك الالماس حين تهوي مجهدة في فراشها تخشى ان تحلم فقد يأتي!! وحين يمرر يديه سيكشف ساقها التي دفنت في القمامة. الفتاة الالماس اتت هنا لاستلام حصة غذائية.. المدير الثعلب يقطر انسانية يقطر دناءة يرق لاجلها لكن عيونه مسلطة على اردافها. 2025 ----–---------- * 3 (القاب الشعراء) كلما سمعت بلقب الشاعر الكبير اصاب بعسر الهضم وافكر بالوضوء... ارجوكم لا تقتلوا الشاعر بتجريده من حبله السري لقبه... ارحموه.. لقد استغرق عشرين سنة ليكسب لقبه وخمسين سنة ليثبته بليت قدماه وهو يفتش عن ساحة رائجة يقيمون له فيها تمثاله انفق عمره يحدث زوجته وابناءه عن قيمة مجده ابناؤه فروا وزوجته تصاب بدوار كلما حدثها عن العظمة لانها الاكثر علما بتفاهته خمسون عاما يدير لعبة النفاق يضع تيجانا على حثالات ليصفقوا له ويمجد اقزاما وطغاة ليوسع جمهوره خمسين عاما يتمرن امام المرآة ليكون شاعرا بلغة جسده خمسين عاما هو الزبون الاول لاي مهرجان ومناسبة.. اتقن فن الطرائف ليسلي جلاسه جلب البهار من اليمن ليهديه لرؤساء التحرير فالمجد لا يولد من فراغ انه الكدح المضني ارجوكم ان تكثروا له كؤوس الوهم، لتصيروه سعيدا.. وحين غادر قبره في ضحى بهي باناقته المعهوده لم يجد من يعرفه انمحت مؤلفاته من رفوف المكتبات واسف لان لا تمثال له ولا ايد تصفق حتى هنا لم يتراجع عن عظمته فقال في نفسه ( حتما مر بهم زلزال ونهش ذاكرتهم.). 2025 ----------------- *
4 ( جثة الزقاق) 1 شارع الرقص والطبول والتلاوة والصبايا الجميلات النزقات وكرنفال الصغار اليومي الاسيجة مترية الارتفاع الابواب المشرعة ابدا حتى تناست الاقفال ضفة العشق سهلة العبور يكفي عاشق ان يصفر فتظهر بشعرها المبلل في الباب اجساد انثوية مروضة بالسياط واخرى بالحنان تشم رائحة الخمر ترسلها الشبابيك الخشبية يعلقون سبعة عيون وهم مفلسون ليلهم اعراس وضحاهم شجار ،وعصرهم مهرجان حيث يرشن التراب ويتكورن على البسط للثرثرة وصياغة الكمائن للازواج شجارهم بلا دماء تبادل للشتم والقذف سرعان ما ينسى وكل يسمع عبر الجدران جاره: همسات وصراخا وخططا خمسية ومؤامرات. لو دققت بحدقاتهن صبحا ،لعلمت اسرار الفراش الليلي من ارتواء وسلخ وازدراء ------------------ 2 البيوت تغير بعض ساكنيها يبدأ الانكماش عبر عمليات تقطير بطيئة تتحجم الاصوات تتجول الذئاب ينتصر الصمت الكلي وبحركة جوهرية تتهاوى الاواصر تصبح الدور قنافذ تنتفض رماحها لابسط حركة فتتكور وتكون كتلة اشواك دفاعية تحصن البيوت كقلاع سرية عصية يتعملق صندوق الاسرار تغلق الابواب ابدا تنقرض الحركة يحتضر الزقاق 2025 كاظم حسن سعيد ------++----------
5 (تحول بيلوجي) من اول سوط قادهم لاعتقال خمسين بريئا سلقوه بالتعذيب،حتى لم يعد الحمض النووي يتمكن من تحديد هويته. بعد اشهر من السلق في قدر التعذيب اصبح رجلا صامتا منعزلا متكورا وشبحيا لكنهم اكتشفوا براءتهم وكان عليه ان يقر بذلك ليفرجوا عنهم لكنه من شدة الرعب اصر على ادانتهم على تدميرهم بعد سنة اتوا في منتصف الليل سكارى اطفؤا جمر السجائر بذراعيه لم تظهر منه اية ردة فعل.... اكان ميتا ام مخدرا ام خالطه امر عظيم؟!. سألته في الصباح عن الامر فقال: ( كان عليّ التحمل لكي يتركوني انام !!). فاي تدمير غطس فيه ليتحول من مرتعد باول سوط الى رجل غير مبال باطفاء السجائر في جسده. -----------
6 ( مسمار مشوش الذاكرة) لا اعلم متى وكيف تمت ولادتي ربما في معمل المسامير في نظران بالبصرة او في عملية تدوير لاجدادي في احواض الاسكندرية حيث استعانوا بهم لصنع البوارج التي ستحقق النصر في ذات الصواري. ربما كنت لقيطا ملقى في قارعة الطريق فالتقطني نجار سفن ماهر وانشب مطرقته القاسية على رأسي ،فتحملت حتى انغرزت عميقا في الصاج وخشب الجوز الهندي هكذا تاقلمت في ظلمة اخشاب السفينة فشهدت الجزر التي يأكل قاطنوها لحوم البشر.. والبضائع التي تعبر الامصار هدوء وجنون البحار لذة الوصول الى السواحل الآمنة المعارضين الهاربين تبدل المدن من اكلة القنافذ الى ناطحات السحاب. ربما غرقت سفينتي ومكثت في القاع قرونا ( اعذروا ضعف ذاكرتي) ,تأقلمت ،غائرا في ظلمة خشبتي ،مغطى بالقار المنسي من يفكر بروح مسمار تخبأ باعماق خشبة يصفقون لدور ممثل عظيم ويتناسون مهندس الاضاءة لا ادري من انا القدر وحده حدّد بوصلتي... نثابر والاقدار من تقود اخيرا وجدتني بين تلال اخشاب سفن وزوارق خشبية، خشنة وثقيلة.. توابيت جثمان لارواحنا نتقاطع،نتكور ،نتعانق،نستند على بعض،نقاوم الاعاصير والعواصف والمطر الحجري في بقعة جرداء مسوّرة يستخرجونا بفكوف حديدية قاهرة نقاوم ننحني نئن ،نستسلم. نقلع في حالة رثة ونرمى على التراب لا نلفت نظر احد نحن المقاتلون المتخفون الرحالة المجهولون شاركنا في الحروب ضد الروم ،وخبرنا اضطراب الخلجان. لقد انحنت ظهورنا وتآكلنا من الصدأ نحن المسامير الغرباء الذين لا يشعر بفاجعتنا احد حتى النجارون لا يلقون علينا نظرة شفقة ربما ستكون لنا ادوار اخرى مثل تثبيت حبال الغسيل او لعبة للصغار او مخبأ للعناكب والجرذان وربما نشهد عصر قحط وحصار فيعدل نجار من هيأتنا ويعيد استخدامنا نسينا هدير البحار ولعبة المد والجزر وفواجع الغرقى وتلألؤ النجوم ونحن نجوب جوار الضفاف وسواحل المدن المهيبة والان ونحن مختبئون في تل اخشاب نتذكر همس العشاق على السفن الشراعية وضجة الحروب في البحار كل مسمار يروي لنا حكايته... في انتظار ان ندفن في قمامة منسية. 2025 كاظم حسن سعيد
محمد بسام العمري مسمار مشوّش الذاكرة: قراءة نقدية في تشظّي الوعي وانكسار المعنى» النص «مسمار مشوش الذاكرة» للشاعر كاظم حسن سعيد يقدّم رؤية عميقة تتجاوز ظاهر السرد إلى جوهر الوجود الإنساني، إذ يتحول فيه المسمار من أداة جامدة إلى كائن واعٍ، يعيد سرد التاريخ من موقعه المهمّش، فيعيد تشكيل الذاكرة الإنسانية من زاوية الأشياء التي صمتت طويلاً. إنّ هذه الرؤية تمنح النص طابعاً فلسفياً وإنسانياً في آنٍ واحد، وتجعل منه نموذجاً للنصوص التي يمكن قراءتها من زوايا نقدية متعدّدة تتكامل ولا تتنافى، لما يحمله من طبقات رمزية وتاريخية واجتماعية ووجودية. من المنظور الشكلي والبلاغي، يتّكئ النص على بناء لغوي متين، تتناوب فيه الجمل الطويلة والقصيرة لتصنع إيقاعاً متوتراً ينسجم مع اضطراب الذاكرة في صوت الراوي، فتتجلّى جماليات الإيقاع الداخلي من خلال الانزياح والتكرار وتوظيف المفارقة بين الحركة والسكون، وبين حضور المسمار وغيبته. اللغة هنا ليست مجرّد وسيلة بل كائن موازٍ للرمز، يتكثّف فيه الألم ويتحوّل إلى نغمة سردية تمتدّ من أول النص إلى آخره. يبرع الكاتب في تحويل أدوات مادية صامتة إلى علامات تنبض بالوجع والحنين، إذ تتحدث الأخشاب، والبحار، والمسامير، لتصنع عالماً من الأشياء التي تملك ذاكرة تتفوّق على ذاكرة البشر. هذا الأسلوب يمنح النص طاقة جمالية عالية، تجعله أقرب إلى القصيدة السردية التي تتغذّى من الشعر والفلسفة في آنٍ واحد. ومن منظور ما بعد الاستعمار، يمكن القول إن النص يعيد كتابة التاريخ من موقع «المهمل» لا من موقع «المنتصر». فذكر المدن الساحلية مثل البصرة والإسكندرية والإشارات إلى السفن والبوارج والحروب، ليس استحضاراً عرضياً بل موقفاً نقدياً من تاريخ الاستغلال البحري والتجاري الذي ربط الشرق بالغرب عبر قرون من السيطرة والتحويل. إنّ المسمار الذي جرى تدويره في معامل مختلفة، والمغمور في الخشب أو القار، يرمز إلى الإنسان العربي أو العالم الثالثي الذي ظلّ جزءاً من منظومة إنتاج كبرى دون أن يكون له صوت في التاريخ. هو «الآخر» الذي يُعاد استخدامه ثم يُنسى، تماماً كما تُنسى الأوطان بعد أن تُستنزف مواردها. هذه القراءة تمنح النص بعداً سياسياً واضحاً، إذ يطرح سؤال الذاكرة الجماعية والتاريخ المقموع، ويعيد تمثيل العلاقة بين المركز والهامش في سردٍ رمزيٍّ حادّ الذكاء. أما من المنظور الماركسي والمادي التاريخي، فإن النص يقدم نقداً لاذعاً لعلاقات الإنتاج والاستهلاك، حيث تتحوّل أدوات العمل إلى بقايا وخردة بمجرد انتهاء دورها الاقتصادي. فالمسامير التي شاركت في بناء السفن وصناعة الحروب، تُستخرج اليوم في حالة رثّة لتُرمى على التراب، أو تُعاد استخدامها في وظائف هامشية لا تليق بتاريخها. هذا التحوّل يعبّر عن مأساة الوعي الطبقي، وعن دورة الاستغلال التي تستهلك العمال والمواد وتتركهم للصدأ والنسيان. المسمار هنا ليس جماداً، بل شاهد على دورة رأس المال التي تبدأ بالتصنيع وتنتهي بالمكبّ. ومن هذا المنظور، يصبح النص بياناً إنسانياً في وجه الاقتصاد الذي يمتصّ القيم ثم يرمي رموزه، تماماً كما يرمي الإنسان بعد أن يستهلك طاقته. هذا المعنى يتداخل مع الوعي الاجتماعي والسياسي الذي يعري آلية نسيان التاريخ العمّالي، ويحوّل الأدب إلى وثيقة مقاومة ضد محو الذاكرة الجماعية. وفي القراءة النفسية الرمزية، يتجسّد المسمار بوصفه الذات الجريحة التي تبحث عن أصلها الضائع. تساؤله المتكرر «لا أدري من أنا» يختزل صرخة الكائن الذي فُقدت جذوره وتحوّل إلى مجرد وظيفة. هذا الاغتراب الوجودي يعكس صراع الإنسان المعاصر مع هويته في عالمٍ لم يعد يرحم الضعف أو الذاكرة. إنّ الغوص في الخشب والانغراس في القار يتحوّلان إلى استعارة عن الانغلاق النفسي، وعن محاولات التكيف مع العتمة والخوف والعدم. الذاكرة هنا مشوشة لأنها مثقوبة، تعاني من فقدان الأصل والاتجاه، لكنها في الوقت نفسه تحمل بقايا الوعي الجمعي الذي يرفض الاندثار. إنّ المسمار في النهاية ليس سوى ضميرٍ منسيٍّ يحاول أن يتذكّر وسط الضجيج، وحكايته حكاية الإنسان الذي انغرس في صمت المادة ليحمي ذاكرته من الفناء. أما من زاوية النقد البيئي والأنثروبوسيني، فإن النص يلتقط علاقة الإنسان بالطبيعة من خلال مشهد السفن والبحار والخشب والقار والصدأ، وهي عناصر تعبّر عن التحوّل البيئي الذي رافق تاريخ الصناعة والحرب. إنّ المسمار الغارق في السفن القديمة يشبه بقايا الحضارة التي خلّفت وراءها جبالاً من الخردة، وبحاراً ملوّثة، وذاكرةً كونيةً مثقلةً بالندوب. وهنا يلتقي المادي بالبيئي، حيث تصبح المادة شاهداً على تدهور النظام الطبيعي والثقافي معاً. إنّ دفن المسامير في القمامة المنسية ليس مجرد مصير مادّي، بل هو استعارة للدفن البيئي الذي تمارسه الإنسانية تجاه مواردها وكوكبها. النص بذلك يستبق الرؤية الحديثة التي ترى في المادة «ذاكرة الأرض»، ويعيد إلى الجماد بعده الروحي الذي فقده في زمن التلوث الصناعي. النص من خلال هذا التداخل بين المدارس النقدية المختلفة، يكشف عن رؤية فلسفية متكاملة، ترى في الوجود سلسلة من التبادلات بين الإنسان والأشياء، بين الذاكرة والنسيان، بين التاريخ والحاضر، وبين الخلق والفناء. الكاتب لا يقدم سرداً عادياً، بل يكتب سيرة جماعية بلغة المفرد، إذ يتحوّل المسمار إلى «نحن»، ويتكلم بضمير الجمع ليشير إلى كل الكائنات المجهولة التي أسهمت في بناء العالم ثم أُقصيت من ذاكرته. إنّ هذا التحول من المفرد إلى الجمع يمنح النص طابعاً وجودياً وإنسانياً عميقاً، ويعبّر عن التماهي بين الذاتي والجماعي، بين الفرد والتاريخ. القيمة السياسية للنص تتجلى في قدرته على فضح التاريخ الرسمي، وكشف المسكوت عنه من ذاكرة العمّال والأشياء، أما الأهمية الاجتماعية فتتضح في استحضاره لمصير المهمشين والمغمورين الذين يشبهون المسامير في خدمتها الصامتة وغياب الاعتراف. تربوياً، يمكن لهذا النص أن يُدرّس بوصفه درساً في الوعي المادي والبيئي والإنساني، وأن يكون مثالاً على كيف تُكتب الذاكرة من موقع «الشيء» لا من موقع الإنسان. هذا الانقلاب
محمد بسام العمري ( جثة زقاق).
( دراسة نقدية تأويلية–وجودية في قصة «جثّة الزقاق» لكاظم حسن سعيد تقوم المدرسة التأويلية الوجودية، التي تمثّل تمازجًا بين فلسفة مارتن هايدغر في الوجود، ونظرية بول ريكور في التأويل، على فكرةٍ جوهرية مؤداها أنّ النص الأدبي ليس حكاية تُروى، بل كائنٌ يعيش ويُفكَّك. النص عند هذه المدرسة لا يُقرأ من الخارج، بل يُسكن من الداخل؛ إنه تجربة وجودية تنفتح على تأويلٍ غير منتهٍ. وعليه، فإن القصة ليست وثيقة اجتماعية، بل تجلٍّ للكينونة الإنسانية في لحظة أزمتها. من هذا المنظور، تأتي قراءة «جثّة الزقاق» لا بوصفها قصة عن مكانٍ شعبيّ، بل عن كائنٍ جماعيٍّ يحتضر، عن الجسد الجمعيّ الذي فقد دفء الحياة وبات يجرّ نفسه نحو الفناء ببطءٍ كيميائيٍّ داخليّ. إنّ الزقاق في هذه القصة ليس مسرحًا، بل بطلًا. يتنفس، يعشق، يمرض، وينكمش حتى يصير جثّةً رمزية. وفي هذا المسار من الحركة إلى السكون، ومن الصخب إلى الصمت، تنكشف ملامح أزمة الوجود الإنساني المعاصر. في المقطع الافتتاحي، يرسم الكاتب بانوراما حيوية لشارعٍ يتناوب فيه الرقص والصلوات، الخمر والبخور، النزق والبراءة، في مزيجٍ يشبه ما أسماه باشلار بـ"الشعرية المادية للمكان"، حيث يصبح المكان وعاءً للحلم وللجسد معًا. إنه مشهد يُعيد للأذهان فضاء «زقاق المدق» لنجيب محفوظ، لكنّ كاظم لا يكتفي بالتوصيف الواقعي؛ فهو يمنح المكان بعدًا روحانيًا غامضًا، كأن الزقاق كائنٌ يتنفس من أفواه الناس وينزف من نوافذهم. حين يقول: «ضفة العشق سهلة العبور، يكفي عاشق أن يصفر فتظهر بشعرها المبلل في الباب» فهو لا يسرد حكاية عشقٍ عابرة، بل يكشف طبيعة الوجود في العالم (Dasein) كما عرّفها هايدغر: الإنسان المنفتح على النداء، المستجيب لصوت الوجود دون تكلّف. الصفير هنا ليس نداء الجسد فحسب، بل نداء الحياة نفسها، النداء الذي بدأ يخفت في الإنسان الحديث. الزقاق في هذا المشهد يتكلّم بلغة الحياة الأولى، تلك التي لم تُدنّس بعدُ بالخرس الحضري. إنه عالمٌ حيّ، فيه تناقضات تشبه الإنسان، بين رقصٍ على التراب وتلاوةٍ نحو السماء، بين جوعٍ وغناء، وخطيئةٍ تُمارس كصلاة. بهذا المعنى، يكتب كاظم مشهدًا يشبه لوحات غابرييل غارسيا ماركيز في «وقائع موت معلن»، حيث يختلط الفرح بالمأساة في طقسٍ يوميٍّ من العبث الجميل. يأتي القسم الثاني ليقلب المعادلة. من زقاقٍ يعجّ بالهمس والضحك والموسيقى، إلى فضاءٍ يتقوقع فيه الصوت ويكبر فيه الصمت. يبدأ التلاشي بـ«عمليات تقطير بطيئة» — استعارة تُحيل إلى تحللٍ داخليّ، لا إلى حدثٍ فجائيّ. وهذا التحول الهادئ من الحيوية إلى التحجّر يجعل النص أقرب إلى فلسفة العبث الكاموي في «الطاعون»، حيث تفقد الجماعة حسَّها بالمشترك وتغدو الحياة مجرد انتظارٍ باردٍ للموت. يقول الكاتب: «يتعملق صندوق الأسرار، تغلق الأبواب أبداً، تنقرض الحركة، يحتضر الزقاق» بهذه الجمل القصيرة المكثفة، يتحول الفضاء من كائنٍ مفتوح إلى قوقعةٍ خانقة. إنه تحوّل أنطولوجي من الوجود المنبسط إلى الوجود الملتفّ على ذاته. تغدو البيوت كائناتٍ دفاعية «تتحصن كقلاع سرية عصية»، وكأنها استعارة للإنسان الحديث الذي فقد الثقة بالعالم، فاستبدل الحوار بالاشتباه، والوصال بالتحصّن. وهنا يتجلّى التناص مع ساراماغو في «العمى»، حيث تصبح العزلة وباءً جماعيًا. لكنّ كاظم أعمق تأملاً؛ فهو لا يصف الكارثة كفعلٍ خارجيّ، بل كتحوّلٍ بطيءٍ في البنية الداخلية للوجود. الزقاق لا يُدمَّر من الخارج، بل ينكمش من ذاته، كما ينكمش الإنسان حين يشيخ خوفًا. لغة القصة مزيجٌ من النثر المتوتر والشعر الغامض، تتنقّل بين الماديّ والرمزيّ في توازنٍ لافت. هي ليست أداة وصف، بل كائن لغويّ يتطور مع المعنى. فحين يقول الكاتب: «تتحجم الأصوات، تتجول الذئاب، ينتصر الصمت الكلي» نلمس اللغة وقد تماهت مع الفناء نفسه؛ إذ تتحول الجمل إلى نبضاتٍ متقطعة كأنها أنفاس الزقاق الأخير. في هذا السياق، يمكن قراءة اللغة وفق رؤية بول ريكور التي ترى أن الاستعارة ليست زينة بل أداة تأويل للوجود. الزقاق القنفذ، والبيوت التي تتكور، ليست صورًا بل لحظات وعيٍ مأزومة. اللغة هنا تعمل على مستويين: تصف وتؤوّل، تحكي وتكشف. إنها لغةٌ تستبطن أيضًا أثر لوركا في شعره المأساوي، إذ تتجاور فيها الحياة والموت في جملةٍ واحدة، ويصبح الإيقاع ذاته شكلًا من أشكال الاحتضار الجمالي. يُلاحظ في القصة غياب البطل الفرديّ؛ فلا نجد وجهًا محددًا يتجسد فيه هذا الموت الرمزي. لكنّ هذا الغياب ليس ضعفًا بنيويًا، بل اختيار جمالي وفلسفي. فالكاتب يتبنّى منظورًا وجوديًا جمعيًا، يرى في الزقاق نفسه كينونةً شاملة، تختزل مئات الحيوات الصغيرة في جسدٍ واحد. إنها ميتافيزيقا الجماعة، حيث يذوب الفرد في المجموع حتى لا يبقى إلا صدى الحياة. ومع ذلك، يمكن أن يُقال إنّ النصّ يخسر بعض حرارته الإنسانية نتيجة لهذا التعميم، إذ يبقى القارئ بعيدًا عن التجربة الفردية التي تمنح السرد عمقًا وجدانيًا، كما نجد عند محفوظ في شخصية "حميدة"، أو عند جون بول سارتر في "غارسين" في مسرحية «الأبواب المغلقة». لكنّ هذا الفقد ذاته يعمّق البعد الوجودي للنص: إذ لا خلاص للفرد، لأن المأساة جماعية، شاملة، لا مهرب منها. إنّ «جثّة الزقاق» لا تتحدث عن موت شارعٍ محدد، بل عن فقدان القدرة على الحياة المشتركة. في المنظور التأويلي، الجثة ليست رمزًا للفناء فحسب، بل للمعنى المؤجل كما يسميه ريكور — ذاك الذي يتوارى كلما حاولنا القبض عليه. إنها استعارة الوجود الإنساني الذي يتبدد كلّما حاول أن يُعرِّف نفسه. فالاحتضار الذي يصفه كاظم ليس زمنيًا، بل وجوديّ: الصمت الذي «ينتصر» ليس سكوتًا بل غيابًا للمعنى، والبيوت التي تغلق أبوابها ليست حذرًا بل انفصالًا عن العالم. هنا تبرز ملامح الفكر الهايدغري مجددًا، حيث يصبح السؤال عن المكان سؤالًا عن الوجود ذاته: من نحن حين نصمت جميعًا؟ ومن يتبقى حين يموت الصوت؟ في نهاية المطاف، تُقدّم قصة «جثّة الزقاق» مرثيةً كونيةً لا لحيٍّ شعبيٍّ فقط، بل لروح الإنسان الحديث. إنها تشبه نشيدًا وجوديًا ينعى الحميمية الأولى، )
مسمار مشوش الذاكرة: دراسة في الاغتراب والهوية الممحوة
بقلم: رانية مرجية
⸻
🔹 المقدمة: من صوت الحديد إلى أنين الذاكرة
ينتمي نص «مسمار مشوش الذاكرة» إلى جنس النصوص الوجودية الرمزية، التي تتخذ من الجماد قناعًا للكشف عن جوهر الإنسان. يحوّل الشاعر كاظم حسن سعيد في هذا العمل المدهش قطعة الحديد الصغيرة — المسمار — إلى كائن واعٍ يتأمل ذاته والعالم، ويسترجع تاريخًا من العمل، الفقد، والتكرار اللامتناهي. منذ السطر الأول، يتأسس النص على ثنائية الوجود والنسيان، حيث يعلن المسمار:
«لا أعلم متى وكيف تمت ولادتي» وهي عبارة تشبه الصيحة الوجودية عند كيركغارد وسارتر، حيث يبدأ الإنسان إدراكه للحياة من الوعي بالتيه.
⸻
🔹 أولاً: الاغتراب كجوهر فلسفي
الاغتراب هو المفهوم المحوري في النص. فالمسمار يعيش تجربة مزدوجة: الاغتراب عن الأصل والاغتراب عن الوظيفة. هو كائن مصنوع — أي مخلوق صناعي — لا يمتلك ذاكرة بيولوجية، لكنه يحمل ذاكرة جمعية مشوَّشة، مثل ذاكرة الإنسان المعاصر المنفصل عن جذوره.
في قوله:
«ربما كنت لقيطًا ملقى في قارعة الطريق، فالتقطني نجار سفن ماهر…» نقرأ صورة رمزية للإنسان الذي يُنتزع من سياقه الطبيعي ليوضع في منظومة العمل، فيتحول من كائن حر إلى أداة، ومن ذات إلى وظيفة.
هذا المشهد يعيد إلى الأذهان رؤية الفيلسوف الألماني ماركس حول الاغتراب العمالي، حيث يُختزل الإنسان في دوره الإنتاجي حتى يفقد ذاته. المسمار ليس سوى عاملٍ بلا اسم، يكدّ في صمت، ثم يُلقى على التراب بعد انتهاء الحاجة إليه.
⸻
🔹 ثانياً: الهوية الممحوة والذاكرة الجمعية
يتحدث المسمار بصيغة «نحن» في أكثر من موضع:
«نحن المقاتلون المتخفون الرحالة المجهولون…» «كل مسمار يروي لنا حكايته…»
وهنا يتحول الصوت الفردي إلى وعي جمعي. إنه ليس صوت مسمار واحد، بل صوت الطبقة المنسية، أو ما يمكن تسميته بـ وعي الهامش. تتحول «الذاكرة المشوشة» إلى ذاكرة أمة، أو طبقة، أو حضارة نُسيت مساهماتها في بناء العالم.
الكاتب يستخدم النسيان كأداة نقدية: فالمسمار لا يعاني فقط من النسيان الشخصي، بل من النسيان الاجتماعي — نسيان من صنعوه ومن استخدموه ومن رموه. إنها هوية تُمحى لأنها لا تملك سلطة الكلام، لذلك يأتي النص بوصفه استعادة للحق في الكلام.
⸻
🔹 ثالثاً: الرموز السيميائية وتعدد الطبقات الدلالية
النص قائم على شبكة من الرموز المادية ذات البعد الميتافيزيقي الرمز الدلالة الأولى الدلالة العميقة المسمار أداة تثبيت الإنسان المهمّش، الجندي المجهول النجار الصانع النظام/السلطة/القدر الخشب حاضن المسمار الجسد أو الواقع المادي البحر والسفينة بيئة الحركة الحياة والقدر والتاريخ الصدأ اهتراء الزمن الشيخوخة، التآكل الداخلي، النسيان التدوير إعادة الاستخدام إعادة إنتاج المعاناة الإنساني رانية بهذا التداخل الرمزي، يخلق الشاعر نظامًا لغويًا متشابكًا، حيث لا توجد مفردة محايدة. كل كلمة محمّلة بتاريخها المادي والروحي، كما لو أن اللغة نفسها قد صدئت بفعل الزمن، مثل المسمار الذي يتحدث بها.
⸻
🔹 رابعاً: فلسفة التكرار والتدوير
النص لا يقدم الذاكرة كمكان زمني بل كـ حركة دورانية، أشبه بما يسميه نيتشه بـ «العود الأبدي». فالمسمار يُولد ويُستخدم ويُنسى ويُعاد تدويره، في دورة عبثية تكرّر ذاتها دون غاية واضحة. هذه الحركة تكشف عن وعي عبثي أقرب إلى روح ألبير كامو، حيث يعيش الكائن بين مطرقة الواقع وسندان المعنى المفقود، لكنه يستمر في المقاومة.
«نقاوم، ننحني، نئن، نستسلم… ثم نُقلع في حالة رثة ونُرمى على التراب.»
المسمار هنا هو الإنسان السيسيفوسي، الذي يحمل صخرته الحديدية جيلاً بعد جيل، دون توقف.
⸻
🔹 خامساً: الشكل الفني واللغة
من الناحية الجمالية، النص يقوم على توازن بين السرد والنثر الشعري. فهو ليس قصيدة نثر خالصة ولا قصة رمزية تقليدية، بل بناء هجين يعتمد على التيار التأملي الداخلي. • الجمل متقطعة كنبضات ذاكرة. • الإيقاع غير منتظم لكنه محسوب، يعكس اضطراب الوعي. • اللغة كثيفة بالصور، مثل: «هدوء وجنون البحار»، «المطر الحجري»، «توابيت جثمان لأرواحنا» — حيث يتقاطع الحسي بالميتافيزيقي، والجمالي بالجنائزي.
هذه الصور تُبرز قدرة الشاعر على إعادة تخليق اللغة وجعلها مادة بصرية وفكرية في آن واحد.
⸻
🔹 سادساً: الرؤية الختامية – الإنسان كذاكرة منسية
ينتهي النص بجملة موجعة:
«في انتظار أن نُدفن في قمامة منسية.»
ليست النهاية انطفاءً بل كشفًا للمصير البشري. المسمار، وهو رمز الإنسان، يواجه مصيره الأخير دون بطولة، دون مقاومة خارقة، بل بوعي هادئ بالعبث. لكنه رغم ذلك يحتفظ بالذاكرة، فحتى في القمامة، يحمل تاريخ السفن التي خدمها، والمدن التي عبرها، والعشاق الذين سمع همسهم.
إنها ذاكرة الأشياء، التي توازي ذاكرة البشر، وتتفوق عليها في الصدق؛ لأن الحديد لا يكذب، لكنه يصدأ.
⸻
🔹 الخاتمة: من سرد الآلة إلى أنسنة الجماد
«مسمار مشوش الذاكرة» هو نص يتجاوز حدوده المادية ليصبح مانيفستو للمنسيين. إنه دفاع عن الأشياء الصامتة التي صنعت مجد الإنسان، ثم طواها النسيان. فيه نلمح رؤية شاعر يكتب من تحت الرماد، من زاوية المسامير لا الملوك، من هامش الخشب لا عرش السفينة.
بهذا المعنى، يلتقي كاظم حسن سعيد مع تقاليد أدب الوعي بالهامش، من برتولت بريشت إلى محمود درويش، ومن خوسيه ساراماغو إلى ناظم حكمت، ليقول بصوت المسمار الواحد:
“نحن الذين لم نُذكر في كتب التاريخ، لكننا ثبّتنا ألواحه.”
ما ألقاب الشعراء
قراءة تأملية بقلم: رانية مرجية
⸻
1. بين اللقب والهاوية
كلما سمع الشاعر كاظم حسن سعيد بلقب “الشاعر الكبير”، يُصاب — كما يقول — بعسر الهضم ويفكر بالوضوء. هنا لا يبدأ النص بوصفٍ عاديّ، بل بسخريةٍ روحيةٍ جارحة. الوضوء في النص ليس طقسًا دينيًا فحسب، بل محاولة لتطهير الوعي من قذارة الزيف الثقافي. اللقب، الذي يُفترض أن يكون تكريمًا، صار تهمة أخلاقية، وصار الكِبرُ في الشعر يُقاس لا بالوجدان، بل بالمديح المتبادل بين الشعراء والمهرجانات.
⸻
2. الشاعر الذي يدفن نفسه تحت التاج
أرجوكم لا تقتلوا الشاعر بتجريده من حبله السري لقبه…
يا لها من استعارة مذهلة. اللقب هنا هو الحبل السري الذي يتغذى منه الشاعر، هو بديلُ المعنى حين يُصاب الشعر بالعقم. من دونه يموت، لا لأنه فقد موهبته، بل لأنه فقد الوهم الذي يمنحه مبرر البقاء.
الشاعر الذي يتحدث عنه النصّ هو صورة ساخرة للأناني الثقافي، الذي يخلط بين الشعر كفنٍّ روحيٍّ، وبين الشهرة كإدمانٍ مزمن. لقد أمضى “عشرين سنة ليكسب لقبه، وخمسين سنة ليثبته”، أي سبعين سنة في مطاردة السراب، ليكتشف أن المجد الأدبي في مجتمعه لا يقوم على النصّ، بل على طقوس المجاملة والظهور.
⸻
3. المسرح الصغير للنفاق
خمسون عامًا يدير لعبة النفاق يضع تيجانًا على حثالات ليصفقوا له ويمجد أقزامًا وطغاة ليوسّع جمهوره
في هذا المقطع يكشف الشاعر آلية اقتصاد المجد الثقافي: المديح مقابل التصفيق، والتمجيد مقابل الحضور. إنه سوق رمزيّ تُباع فيه الكلمة كما تُباع البضائع المقلّدة. الشاعر هنا ليس ناقدًا خارجيًا، بل يكتب من داخل الجريمة. هو أحد المتورطين في اللعبة، يعرف كيف تُدار المهرجانات وكيف يُصنع “الكبير”، لذلك تأتي لغته كاعترافٍ مُرٍّ وسيرةٍ ذاتيةٍ لجيلٍ كاملٍ من المتعبين بالادّعاء.
⸻
4. سقوط التمثال: مأساة ما بعد الموت
وحين غادر قبره في ضحى بهيّ بأناقته المعهودة لم يجد من يعرفه انمحت مؤلفاته من رفوف المكتبات وأسِف لأن لا تمثال له ولا أيدٍ تصفق…
هنا يتحوّل النص من السخرية إلى المرثية الفلسفية. اللقب الذي عاش لأجله الشاعر لم يُنقذه من النسيان، بل تحوّل إلى عبءٍ فوق قبره. لقد مات مرتين: مرة حين باع قصيدته ليشتري التصفيق، ومرة حين نساه الذين صفقوا له.
حتى بعد موته، ظلّ متمسكًا بالوهم ذاته — فحين لم يجد من يتذكره، لم يعترف بزيف مجده، بل برّر الغياب بـ“زلزالٍ محا ذاكرتهم”. وهذه الجملة العبقرية تختصر ذروة السخرية الوجودية في القصيدة: الغرور الذي لا يموت حتى بعد الموت.
⸻
5. من الشاعر إلى الكائن الثقافي
«ما ألقاب الشعراء» ليست هجاءً فرديًا، بل تشريحٌ لجسد المؤسسة الثقافية العربية التي تحوّل الشعراء إلى نجومٍ، والنصوص إلى شعاراتٍ، والقصيدة إلى بطاقة عبورٍ للمنصات. كاظم حسن سعيد لا يكتب ضد الشعراء، بل ضد المنظومة التي جعلت اللقب بديلاً عن القصيدة، وضد الشاعر الذي فقد صلته الأولى بالكلمة — حبله السري الحقيقي.
إنه يرسم بمرارةٍ صورة المثقف الذي عاش أسير ذاته، يبيع إعجابه لمن يشتري، ويمجّد الطغاة ليضمن مساحةً في الضوء. في نهاية المطاف، يبقى وحده، بأناقةٍ محفوظةٍ من مهرجاناتٍ قديمة، يتفقد تمثاله في الذاكرة — فلا يجده.
⸻
6. البعد الإنساني والفلسفي
ما يبدو هجاءً لاذعًا في الظاهر، هو في العمق تأملٌ في هشاشة المجد الإنساني. فالموت هنا ليس نهاية الجسد فقط، بل نهاية المعنى. القصيدة تفضح كيف يمكن للإنسان أن يقضي عمره في مطاردة وهمٍ يُلغيه، وكيف يتحول الشعر، إذا فقد صدقه، إلى مهنةٍ بلا روح.
اللقب، الذي يراه الناس تاجًا، هو في عين الشاعر قيدٌ ذهبيّ، يُثقل الرأس حتى لا يقدر صاحبه على الانحناء أو السجود. ولعلّ أجمل ما في النصّ أنّه يُضحكنا ونحن نبكي، ويجعلنا نرى في “الشاعر الكبير” كلّ مَن صدّق كذبته الطويلة على نفسه.
⸻
7. كاظم حسن سعيد – شاعر السخرية الفلسفية
كاظم حسن سعيد، كما تكشف قصائده الأخيرة، لا يكتب النكتة الشعرية من أجل الضحك، بل ليُخضعنا لتجربة وعيٍ لاذعة. هو شاعر يُضحكنا حتى نختنق، ويُعرّينا ونحن نبتسم. في نصّه هذا، يذيب الحدود بين الكوميديا والمأساة، ليقول إنّ السخرية هي آخر ما تبقّى من العقل في زمن الألقاب.
⸻
خاتمة: اللقب ككفنٍ من حرير
في النهاية، لا يُهاجم كاظم الألقاب لأنّها مجرّد كلمات، بل لأنّها تسلب الشعراء براءتهم الأولى. الشاعر الحقيقي لا يحتاج إلى لقبٍ يعرّفه، بل إلى قصيدةٍ تبرّر وجوده. أما أولئك الذين يصنعون مجدهم من الوهم، فلا يتركهم التاريخ سوى في هوامشه، بجملةٍ عابرة:
“كان يظنّ نفسه كبيرًا.”
⸻
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاب الشعراء رؤية نقدية
-
قراءة في تشظي الوعي وانكسار المعنى
-
مدخل بصري الى النص الشعري
-
مسمار مشوش الذاكرة قصيدة
-
جثة السوق قصيدة
-
عصر الترندات
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
-
تفاعلات كيميائية قصيدة
-
(مذكرات ماسنجر مزيح الاقنعة
-
هولاكو قصيدة
-
مهمة مزعجة قصيدة
-
لدى الطبيبين قصيدة
-
ضيف متردد قصيدة
-
الذين لا يحتفلون نقد
-
الذين لا يحتفلون
-
رؤى نقدية لقصيدة الثوري المهمش
-
تثبيت الدين بالسيوف
-
لعبة الحروب قصيدة
-
اضاءة في اعماق السقوط
-
سقوط لسقوط قصيدة
المزيد.....
-
في سويسرا متعددة اللغات... التعليم ثنائي اللغة ليس القاعدة
...
-
كيت بلانشيت تتذكر انطلاقتها من مصر في فيلم -كابوريا- من بطول
...
-
تظاهرة بانوراما سينما الثورة في الجلفة بطبعتها الثانية
-
-بطلة الإنسانية-.. -الجونة السينمائي- يحتفي بالنجمة كيت بلان
...
-
اللورد فايزي: السعودية تُعلّم الغرب فنون الابتكار
-
يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قيا
...
-
-لا تقدر بثمن-.. سرقة مجوهرات ملكية من متحف اللوفر في باريس
...
-
رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت
...
-
عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
-
كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
المزيد.....
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|