أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - اضاءة في اعماق السقوط














المزيد.....

اضاءة في اعماق السقوط


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 23:57
المحور: الادب والفن
    


يكتب الأستاذ كاظم حسن سعيد نصّه «سقوط لسقوط» على حافة دقيقة بين الواقعي والرمزي، بين الحكاية العابرة والتأمل الفلسفي العميق.إنه نصّ مشحون بالصور، متقشّف في عباراته، لكنه يفيض بالدلالات التي تتناسل كضوء يخترق الرماد، ليعكس مأساة الإنسان العربي في زمن تتكرّر فيه السقوطات بلا نهاية.
جاء العنوان بين التكرار والانكسار..
«سقوط لسقوط» لا يقدّم حدثا بل يؤسّس لحالة. هو تكرار يحمل في طيّاته معنى الدوران والقدرية، سقوط يولّد سقوطا آخر، حتى يصبح الانهيار نمطا وجوديا لا يمكن الفكاك منه.
يبدو الكاتب منذ البداية واعيا بهذه الدائرية المأساوية، فيجعل من التكرار صيغة إيقاعية ومعنوية توجه القارئ إلى فكرة اللاجدوى، وإلى التاريخ الذي يعيد نفسه على نحو عبثي.
ـ من التفاصيل اليومية إلى الرمز الكوني:
يبدأ النص من تفاصيل صغيرة مألوفة
امرأة تُترك / صندوق صاجي، طير في قفص، دجاج على السطح...
لكن هذه التفاصيل لا تبقى في حدودها الواقعية، بل تتحوّل تحت عين الراوي إلى عناصر رمزية تشي بالاغتراب والملل والتآكل البشري.
فـ"الديك الغيور" ليس مجرد طائر بل صورة للسلطة الغريزية التي تمارس العنف بوصفه غريزة وجود،
و"المرأة المنسية" ترمز إلى الذاكرة أو الفكرة التي أُهملت بعد طول صحبة،أما "الملعقة الفضية" فهي مرآة الوعي تتأرجح بين الضوء والظل، كأنها كائن يتكلّم ويصمت في آن كضمير يطلّ من الرماد.
هكذا يتحوّل اليومي إلى كونيّ، والمشهد البسيط إلى تأمّل في هشاشة العالم الإنساني.
ـ اللغة بين الاقتصاد والوميض
جاءت لغة النص مقتضبة، صادمة، محمّلة بالإيحاء. لا يفرط الكاتب في البلاغة بل يعتمد على ما يمكن تسميته بـ شعرية الكتمان.
فكل جملة تحمل ظلّ ما لم يقل، وكل مشهد يتوارى خلفه مشهد آخر. كلمة «فجأة» التي تتكرر أكثر من مرة، تضخّ في النص نبض المفاجأة، وتحدث انكسارات في الإيقاع، لتجعل القارئ شريكا في توتر اللحظة.
إنها لغة البرق لا السرد، تومض ولا تشرح، تشير ولا تفسّر، وهذا ما يمنح النص جاذبيته وغموضه في آن واحد.
ـ الأسلوب والبناء: يتحرّك النص بأسلوب تجريبي حداثي، يقطع المشاهد على نحوٍ سينمائي، وينتقل فجأة من المطبخ إلى التاريخ، من الملعقة إلى الدولة الأموية، من ضوء رمادي إلى شبحٍ يتكلم ويصمت.
هذا التنقّل غير المنطقي ظاهريا هو جوهر الحداثة في النص، إذ يعكس تيار الوعي المتشظي والذاكرة التي لا تفصل بين الحاضر والماضي.
كما أنّ إدخال حدث تاريخي (سقوط الدولة الأموية) داخل مشهد منزلي يومي ليس عبثا، بل مقصودا. فالتاريخ عند الكاتب يعاد داخل الملعقة ذاتها، في سقوط آخر يعيد إنتاج الأول.

ـ التاريخ مرآة الواقع
حين يتحدث الراوي عن "أبي مسلم الخراساني" و"النهر" و"الدولة الأموية"، لا يروي حدثا تاريخيا بل يجري مقابلة رمزية بين سقوط الدول وسقوط الإنسان.
العبارة: «بلد لا يتحمل الاحتلال» تنفلت من التاريخ لتصير صرخة ضد الحاضر، كأن الكاتب يقول إننا نعيش في دوامة سقوط لا تتوقف، وأن كل سقوط سياسيّ ليس إلا وجها آخر لسقوطنا الإنساني الداخلي.
ـ الشخصيات والأشياء بوصفها أصواتا رمزية:
في هذا النص لا نجد شخصيات بالمعنى الكلاسيكي، بل كائنات رمزية تؤدي أدوارا فلسفية
المرأة: ذاكرة متعبة أو فكرة فقدت بريقها.
الديك: نزعة التسلّط والغيرة والعدوان.
الطير في القفص: الحلم المحبوس.
الملعقة الفضية: مرآة الذات أو وعي الراوي.
الشبح: ظلّ التاريخ أو الضمير الجمعي المتكلم بالصمت.
بهذا البناء الرمزي، ينجح الكاتب في تحويل الأشياء الجامدة إلى كائنات تنطق عن الإنسان نفسه.
ـ الإيقاع والبرود السردي:
إحدى سمات النص اللافتة هي البرود السردي المقصود.الكاتب يصف دون انفعال، يراقب بلا تعليق وكأن السقوط لم يعد يستفزّ فيه شيئا. هذا الأسلوب البارد يضاعف من الأثر الدرامي، لأنه يكشف اللامبالاة الوجودية التي تسيطر على إنسان رأى أكثر مما يحتمل، فصار يشاهد الانهيار كما يشاهد برنامجا قديما يعاد بثّه كل يوم.
ـ الشعرية داخل النثر
على الرغم من أن النص يقدم كقصة قصيرة أو مشهد سردي، إلا أنه يختزن شعرية داخلية قوية، تتجلّى في التوازن الإيقاعي والتصوير البصري:
«بقعتان رماديتان يخترقهما الضوء، فيظهر شبح كأنه يتكلم ويصمت…»
هذه الصورة وحدها تكفي لتختصر فلسفة النص: النور والرماد، الحضور والغياب، الكلام والصمت ثنائيات تتناسل بلا حسم.

نهاية النص : سقوط المعنى
«ستين عامًا صحبتها حتى أصبت بالملل.»
بهذه الجملة ينهي الكاتب نصه، فيسحب من القارئ آخر خيط للتأويل.
الملل هنا ليس من امرأة أو من ملعقة، بل من فكرة السقوط نفسها، من التاريخ الذي لا يتغير، من الإنسان الذي يعيد أخطاءه جيلا بعد جيل.
إنها خاتمة سوداوية ساخرة في الوقت نفسه، تعلن انطفاء الشغف، وامّحاء الدهشة، وتحوّل الإنسان إلى كائن مراقبٍ بلا حيل
«سقوط لسقوط» نصّ فكري جمالي متكامل، يزاوج بين الرمزية الواقعية والحداثة التأملية.
يكتب الأستاذ كاظم حسن سعيد العالم كما يرى في المرايا المكسورة: لقطات مبعثرة تعكس وجوهنا نحن، نحن الذين نسقط في التاريخ وفي التفاصيل، في الحب وفي الفكرة، ثم نواصل الحياة بملل لائق.إنه نصّ يتجاوز الحكاية إلى الفلسفة، ويتجاوز اللغة إلى الصمت، ويؤكد أن الكتابة ليست وصفا لما يحدث، بل محاولة لفهم لماذا يحدث ولماذا يتكرر السقوط كل مرة من جديد.

رؤية نادية الابراهيمي
+----------



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقوط لسقوط قصيدة
- التفريغ لاجل الامتلاء)
- رؤى نقدية حول قصيدة الايام الاولى بالجنة
- الايام الاولى بالجنة
- بلاغة الاختفاء كتاب يهتم بادب البريكان
- نسيج البروق ج2 كتاب كامل
- محاولة لاستعادة الانوثة قصيدة
- نسيج البلبروق ج1 كتاب كامل
- مقدمة كتابي نسيج البروق ج 1
- شعرية الذات العميقة.
- كربلاء هي لا وليست طقوسا
- رقصات عابرة
- نظرة للامام مذكرات ج2 كتاب كامل
- قراءة في شهوانية رجل سبعيني
- كتاب تسجيل لحكايا برقية
- نظرة للامام مذكرات. ..الرملة
- منتدى افق البيان
- مذكرات ليست مهمة..فلفل بارد
- ظاهرة الالقاب
- كتاب حدائق الصمت نادية الابراهيمي


المزيد.....




- لازلو كراسناهوركاي.. الكاتب الذي عبر من الأدب إلى السينما وص ...
- صورة المعلم في الرواية العربية: دراسة نقدية منهجية تطبيقية ت ...
- أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو
- الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل للأدب
- تامر حسني يعيد رموز المسرح بالذكاء الاصطناعي
- رئيس منظمة الاعلام الاسلامي: الحرب اليوم هي معركة الروايات و ...
- الدكتور حسن وجيه: قراءة العقول بين الأساطير والمخاطر الحقيقي ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...
- صدور كتاب تكريمي لمحمد بن عيسى -رجل الدولة وأيقونة الثقافة- ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - اضاءة في اعماق السقوط