أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - نسيج البروق ج2 كتاب كامل















المزيد.....



نسيج البروق ج2 كتاب كامل


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 20:57
المحور: الادب والفن
    


نسيج البروق ج2
ما كتب عن البريكان

كاظم حسن سعيد
2025


مقدمة

لو نظرنا لما قدّمه الاوربيون لكتابهم وفنانيهم لوجدنا عجبا،فهم يحافظون ويهتمون بكل ورقة او قليون تركه او اي فنجان ارتشف منه ذات صباح.
في روسيا عملوا قاموسا خاصا بمفردات بوشكين،نحن هنا نهمش مبدعينا او نتناساهم حتى يرحلوا عندها يتحولون سوقا للتبضع للصحف والمجلات.
سياتي هذا الجيل ويقرأ ديوانه الذي طبع بمجلدين بكل بساطة اما نحن الذي زامناه في اشد ايامه توترا فكنا نخوض المستحيل بحثا عن بيت شعر منه لم ينشره ، فقد توقف عن النشر بعد مرحلة السبعينيات لعشرين عاما.
سبقتها مرحلة مشابهة ففي وسط الستينيات انقطع عن نشر و كتابة الشعر لست سنوات.
وبعد رحيله كنت كمن يبحث عن ابرة في تل قش محاولا العثور على ارثه الادبي الذي ضاع بعد مقتله.
ان رسم لوحة لسيرته مثل اعادة تشكيل قارورة تعرضت للتشظي،فهو قد قرر ان تكون قصائده وحدها الحاضرة فان لم تلق استجابة فالاهم انه كتب بصدق على حد قوله.
وحين يخبر صديقه الاقرب الراحل رشيد ياسين( لست لغزا ولكن فهمي بالغ التكاليف),فستكون بحاجة لاستيعاب الفلسفة العربية والغربية،وتاريخ الاداب والفنون وتفهم القانون وتبحر باللغة والاديان، وتعمق بالموسيقى ،وان يكون فضولك المعرفي بلا حدود،فهو شاعر مفكر.
محمود البريكان( 1931- 2092), ولد في الزبير جنوب العراق من اصول نجدية،نشر مبكرا وهو بعمر 16 عاما في كبريات الصحف العربية كالاديب اللبنانية،اكمل دراسة الحقوق بعد انقطاع واستقر مدرسا للعربية في بغداد، بعدها عاد للبصرة ليزاول التعليم في معهد اعداد المعلمين.
كان له دور فعّال بترسيخ الشعر الحر، مواجها مثل زملائه الشعراء كصديقه السياب، مناقير الكلاسيكية.
نواصل في هذا الجزء الثانب تثبيت الشهادات والمقالات والبحوث حول شعر البريكان بحيادية..رغم ما في بعضها من هفوات او اراء لا نتفق معها.




عبدالله البريكان.. إشارة على هامش نشر قصيدة (الوصية)
[رحل الشاعر الكبير الرائد المُجدّد “محمود البريكان” بطريقة مأساوية وطُويت صفحته كالعادة فلم نشهد خلال السنوات الأخيرة بحثا تحليليا حازما ومخلصا ومستمرا في تراثه الشعري الباهر المميز الذي شكّل علامة فارقة في مسار الشعر العراقي والعربي. تدعو أسرة موقع الناقد العراقي الأحبة النقّاد والشعراء والقرّاء إلى إثرائه بالدراسات والمقالات والصور والوثائق. وسيكون الملف مفتوحا من الناحية الزمنية على عادة الموقع.
على مدى السنوات الثلاثين الماضية حين كان الشعراء في العراق يتسابقون إلى المهرجانات الشعرية في المرابد المعروفة ، وفي غيرها ، وحين كان ضجيجهم وصخبهم يعلو في القاعات الباذخة وتحت الأضواء البرّاقة ، طلباً لمجد كاذب ، أو شهرة عارضة ، كان هو في معتزله في أحد بيوتات البصرة منشغلاً مع نفسه عن تلك الأستعراضات بشيء آخر .. بهدف أسمى وأعز : ابداع أعمال شعرية حقيقية باقية تعيد إلى الشعر العربي الحديث كرامته ، وتأخذه عن جدارة وأصالة إلى العالمية ، وكان يسرُّ إلى خاصته بأن ما يقدم في تلك المهرجانات بأسم الشعر والثقافة لا يمت بصلة إلى الشعر الحقيقي أو الثقافة الحقة . وعبر سنوات من الكد الشعري الصامت الدؤوب ، والولاء النادر لفنه الشعري نجح الشاعر في تحقيق طموحه أيما نجاح . وأنجز في الفترة الممتدة من العام 1969م وحتى العام 2000م أعمالاً شعرية فريدة لا تقدر بثمن .. عشرات القصائد المتميزة التي تذهب بعيداً في مديات الإبداع الشعري غير المسبوق ، والتي ستظل على مدار الزمن حية متوهجة في فردوس الشعر الإنساني . وأعرف بحكم صلتي بالراحل ، وما كنت أدونه عنه في أوراقي الخاصة أن أعمال الفترة المذكورة ضمّها ديوانه ( عوالم متداخلة ) وهو الديوان الأحدث والأكبر للشاعر حيث سجل فيه أخطر وأهم تجاربه الشعرية . والقصيدة التي اخترناها هنا للنشر مستلة من هذا الديوان ، وهي تقدم مثالاً واحداً من عشرات الأمثلة على قدرة الخلق الشعري عند هذا الشاعر الكوني . فهذه القطعة الشعرية الصغيرة ، البالغة الدلالة في بعدها الإنساني ، مثلما هي صالحة للقراءة الآن ، فأنها تصلح كذلك للقراءة بعد ألف عام من زمن كتابتها دون أن تفقد شيئاً من جمالها أو عمقها . كما أنها تتوجه في خطابها إلى الأجيال الشابة الصاعدة في هذا العالم ، والى الأجيال الآتية عبر امتداد المستقبل على حد سواء . وهذا هو سر الإبداع الشعري الذي يبقى مستعصياً على أي تصنيف أو تعريف . ولعل أجمل ما تطالعنا به ( الوصية ) هذا النداء المخلص الذي يطلقه الشاعر بحرارة من أجل أن ننفتح مجدداً على الأمل العريض : معانقة الحياة ، والأيمان بها رغم ما قد يعتريها أحياناً من آلام وخيبات . وهذه الدعوة إلى تعزيز أواصر الصداقة البشرية بين بني الإنسان من أجل أن يتوجه الجميع في هذا الكوكب المضطرب صوب معجزة حلمهم المشترك ( المستقبل ) هذا المستقبل الذي يأمل الشاعر بأن يكون أكثر عدلاً وإشراقاً ، وأوفر أمناً وحرية لعموم بني البشر.]










صفاء ذياب - في ذكراه الثالثة عشرة: الشاعر محمود البريكان… قتيل الصمت والريادة الحقيقية


على الباب نقرٌ خفيفْ
على الباب نقرٌ بصوتٍ خفيض ولكنّ شديد الوضوحْ
يعاود ليلاً، أراقبه
أتوقّعه ليلة بعد ليلهْ
أصيخ إليه بإيقاعه المتماثلِ
يعلو قليلاً قليلا ويخفت
أفتح بابي وليس هناك أحدْ
من الطارق المتخفي؟
تُرى شبح عائدٌ من ظلام المقابرْ
ضحيّة ماضٍ مضى وحياة خلتْ
هل يمكن أن تكون هذه القصيدة رؤية للمستقبل؟ وما الذي فكَّر به حينها الشاعر الرائد محمود البريكان حينما بدأ بكتابتها، وسرد حكايتها حتى آخر دقة باب من الطارق الغريب الذي جاء من الماضي، ومن ظلام المقابر؟
كل ما رواه البريكان في قصيدته «الطارق» حدث بتفاصيله الدقيقة، في إحدى الليالي من عام 2002 سمع طرقاً خفيفاً على الباب الخارجي، ليجد أمامه حينما فتح الباب ابن أخت زوجته يحمل سكيناً لمعت مع المصباح الذي أضاءه البريكان لمعرفة الطارق، لكنه لم يتمكن من رؤية السكين كاملة، فقد غارت في صدره ليقع صريع أطماع لم تعرف ما هي حتى الآن. غير أن هذا الطارق لم يمكث كثيراً في السجن، فقد بقي فيه شهوراً قليلة ليخرج بعدها ويعيش حياته حراً ضمن قرار العفو العام الذي أصدره نظام صدام حسين أواخر عام 2002، بعدما قتل شاعرا يعد من أهم رواد الحداثة الشعرية العراقية والعربية.
محمود البريكان المولود عام 1931 في مدينة الزبير لأبوينْ نجدييْن، أُعجب محمود في صباه، بجدّه لأمّه، واسمه أحمد الخال. كانت له مكتبة بيتية كبيرة تضم بالإضافة إلى المراجع، وطالما استشهد بأقوال جدّه، حسبما يروي الشاعر صلاح نيازي.
ويسرد نيازي حكاية عن القاص الراحل محمود عبد الوهاب الذي كان زميلاً للبريكان في الدراسة المتوسطة، قائلاً: «انتزع المدرّس عن قصدٍ مسبق، دفتراً بغلاف أنيق من بين مجموعة دفاتر الإنشاء التي بين يديه، ونادى: محمود داود البريكان.. نهض من مقعده في الزاوية اليسرى من الصفّ، طالب معتدل القامة، يتدثر بمعطفٍ خفيف. مشى نحو المدرس إزاء السبورة. ناوله المدرّس الدفتر، وطلب منه أن يقرأ الإنشاء الذي كتبه. فجأة أصبح الصفّ مكاناً آخر، وارتعشت في وجوهنا كلماتُ محمود وصورُهُ وجملهُ كأنها تتواثب تحت جلودنا». عاش البريكان معتزلاً في بيته، وعلى مدى حياته الطويلة، غير أنه لم يطبع مجموعة شعرية واحدة، رغم النصوص الكثيرة التي نشرها في الصحف والمجلات المهمة، ما نشره لا يتجاوز بضع عشرات نصوص نسبة لخزينه الكبير الذي سرق قبل رحيله بمدة قصيرة، ولم يعرف حتى هذه اللحظة مصير نصوصه المسروقة.
بعد ثلاثة عشر عاماً من رحيله، ما الذي تبقى من البريكان، شاعراً ورائداً للحداثة الشعرية؟ وكيف يمكن أن نعيد قراءته رغم التغيرات التي طرأت على القصيدة العربية؟
سرقة معلنة
الناقد جميل الشبيبي يقول إن البريكان عاش في عزلة وصمت بعيداً عن الأضواء والنشر، ولكنه لم يكن صامتاً مع ذاته ومع المقربين إليه من الشعراء وأدباء المدينة، كما أنه خلال هذه الفترة الطويلة لم ينشر سوى عدد من القصائد لا يتجاوز خمسا وثمانين قصيدة ولكنه – كما يؤكد بعض أصدقائه – أنجز العديد من القصائد التي لم تر النور، وكان الشاعر متريثاً في نشرها، غير أنها اختفت بعد وفاته، بشكل لافت للنظر، ومنذ ذلك التاريخ لم تعمد أي مؤسسة ثقافية إلى التحري عن هذه القصائد، ولذا ينبغي تفعيل البحث والتحري في هذه المناسبة الأليمة، ولعل ذلك يسهم في إعادتها إلى المشهد الشعري العراقي، لتصبح تجربة الشاعر حاملة لكل مقوماتها ولكي لا يصبح الشاعر المعاصر محمود البريكان (يشبه الشعراء القدامى الذين ضاعت بعض أشعارهم أو أغلبها فأصبح النقاد يرددون القول في أن معرفتهم بهم تستند إلى ما وصل من أشعارهم من جوف الماضي، ونحن نعرف شاعرنا ممّا وصل إلينا من أشعاره من جوف ذاته) كما يقول الناقد حسن ناظم.
لحظات السؤال
حين يتحدث الكاتب لؤي حمزة عباس عن الشاعر البريكان، يطرح أكثر من تساؤل بعد البحث عن حالته الخاصة، ليقدم سؤالاً جوهرياً عن أيهما أقدر على توجيه الآخر، مشاغلته وترويضه: الشعر أم الحياة؟ وهما يعيشان، معاً، زمن سيرورة واتصال، إنها العلاقة مع الوحش والإنصات العميق للهاوية التي ظلت تنادي الشاعر طويلاً، تسحبه إلى عتمتها، فيما تحدّق قصائده في ضرب من إيقاع متماثل صوب عوالم بعيدة متداخلة، مكمّلة مشهد صاحبها وهو يعدّ حياته لموت طالما تصوّره وهو يُطيل النظر، حيث لا يتراءى أحد، لقد كان محمود البريكان يهيئ نفسه بدأب صامت، يتنفس بعمق مع كلِّ قصيدة محدّثاً الإنسان: «أيها الإنسان تنفس بعمق فإنك محاط بالعدم»، ذلك العدم الذي يقرّر أخيراً انتصار الشعر على الحياة وقد تلاشت في غيبوبة الذكرى.
إنها الفكرة التي تعيد دارس شعر البريكان لظلال الميتافيزيقيا وهي تأخذه على الدوام إلى ما وراء قلقه الحياتي، عابراً لحظته الراهنة، مترقّباً اللحظة التي «ينطوي فيها مهرجان الحياة، كما تتلاشى الظلال على شاشة خالية»، فالحياة التي تنطوي هنا، تطفئ أنوارها، تتفتح هناك، في قوّة السؤال الذي يغذّي القصيدة، ينقلها لزمن مقبل لا حياة فيه سوى حياة الشعر، وقد أعدَّ الشاعر منذ زمن بعيد مائدته وهيأ كؤوسه.
الشاعر الذي أخذته لحظات السؤال طويلاً ستمحو صورته لحظة واحدة، لتبقى قصيدته حيّةً، حيث يمتد تيه البياض السحيق، وحيث يسعى الشعر في دوره الأساس إلى مساعدة العقل على اكتشاف الوجود، لا بوصفه درساً مبهماً، بل لأن الوجود حافظ منذ أولى القصائد على سمته الفارقة في أن يكون وجوداً متجدّداً وفي تجدّده تتكامل مقولتا الحياة والموت، تؤازر كلٌ منهما الأخرى، تبنيها وتهدمها في آن. يحلم الشاعر بأن يُنتج معرفته أمام دراما الوجود التي يغدو هو جزءاً منها، أن يُقيم دراماه الخاصة في نوع من معرفة فرحة تمنحها اللغة فرصة للاحتفاء بنفسها وهي تحدّق بعيداً نحو مجرى حياتنا وقد أثقلتها أعباء السنوات.
قصيدة مستقبل
في حين يؤكد الشاعر باسم المرعبي، الذي جمع بعض قصائد البريكان وقدمها في كتابه المهم «متاهة الفراشة»، على أن شعر البريكان ناشب جذوره في المستقبل، انتماءً، وقراءةً (للمستقبل) حتى ليغدو شيئاً منه. ولم يجانب الحقيقة الشاعر حين قال إن قصائدي لن تُفهم إلا بعد عشرين سنة، كما يورد عنه ذلك الأديب إحسان وفيق السامرائي.
مضيفاً: إنه يتحدث عن المستقبل بغضّ النظر عن الرقم الذي اقترحه. وهو شيء جدير بكل فن حقيقي. ليس، بالضرورة باستعصاء فهمه في لحظته، بل بمعنى سريانه في الزمن ومعه. من هنا فإن في استعادة شعر البريكان استعادة للدهشة البكر المزامنة لكل قراءة. وهو شأن كل شعر وفن عظيم يحمل صفة خلوده معه. ولا تكتمل أي قراءة للشاعر البريكان بمعزل عن رياديته، فدور البريكان الريادي أساسي لا يقلّل من أثره وخطورته أن سطحية النقد السائد لم تعره اهتماماً يُذكر، على حد تعبير الشاعر رشيد ياسين. ولذلك مقام آخر أرحب وأخطر!
في أواخر تسعينيات القرن الماضي، أنجز الناقد أسامة الشحماني رسالته في الماجستير عن شعر البريكان، لهذا فقد غاص عميقاً في هذا الشاعر، وعلى الرغم من لقاءاته الكثيرة معه، في محاولة للاستفادة منه لإنجاز رسالته، غير أن البريكان كان صامتاً عن أي تفسير يريده الشحماني.
الشحماني يرى أن هناك عدة تساؤلات حول منجز البريكان، يكمن التساؤل الأول في العزلة الإرادية التي جعل منها البريكان حاضنة لحياته، ماهيِّة أو مسوغات تلك العزلة القصدية التي شكلت بالنسبة له موقفاً وجودياً عميقاً حدد على أساسه مجمل مساراته الحياتية، إذ نأى بنفسه عن تمظهرات الفعل الاستعراضي اليومي، فضلاً عمَّا يدعو للشهرة والشيوع؟ أما التساؤل الثاني فيقع في انعكاس هذا الموقف الوجودي عليه مبدعاً، والعلاقة بين نصه وسيرته الذاتية، حيث حرص على نسج شعريته بتفرد، ثمَّ حكم عليها بالابتعاد عن دوائر الضوء، على الرغم من كونها تجربة مهمة ترك القليل الذي ظهر منها آثاراً واضحة المعالم على خريطة المشهد الشعري العراقي.
أما عن تفسير قوله: «أكتب لقارئ على غراري وأعلم أن الآخرين أحرار» فقد أجابني مرَّة: «أنا لا أكتب بشعرية سائدة أو بشعرية خالية من المغامرة الفنية، وينحصر عندي مفهوم الحداثة بمدى قدرته على استيعاب المواقف الشاملة، الأكثر تعبيراً عن تلك المسؤولية الكونية الواقعة على عاتق الإنسان في هذا العالم، ولذا لا يلبي العديد من نصوصي الكثير من حاجات المتلقي العادي، لأنني لا أكتب للإجابة عن التساؤلات وإنما لطرحها، وقد لا يروق هذا لمن يقرأ لكي يقضي وقت الفراغ». ومن هنا فإن قراءة بعض نصوص البريكان الآن تخلف انطباعاً بأنَّها ذات بنية ونظام لغوي يتقدم كثيراً على ما يكتب الآن تحت عباءة الحداثة.
سطوة إبداعية
ينظر الشاعر هيثم عيسى إلى البريكان من خلال ما رآه الأخير، وما أحس به من ظلم إنساني، غير أنه بخلاف الجميع كان قد فعل شيئاً إزاءه.. الفعل الذي تجسد كسطوة إبداعية على الأجيال. ويضيف عيسى: كان لعزلته نداء يقول «التجديد الشعري أعمق من مجرد إيثار لهذا الضرب أو ذاك من ضروب النظم.. أن تبدع أو لا تبدع، هذه هي المسألة». يوماً بعد آخر يكتسب نص البريكان حيوات جديدة، يخلد ويعبر عن إمكاناته الكامنة، ويراهن على استمراره عبر عملية إعادة التفكير وإعادة القراءة.
ربما في ثلاثة محاور يمكن لنص البريكان أن يظهر ببراعة تأثيره على الشعر العراقي: المحور الأول: يتصف نص البريكان بالانتقائية الصارمة، وهي تكشف عن الأصوات الفردية التي أريد لها أن تنتمي إلى مشروع جماعي.. إنه الأساس الصلب الذي يعلن لنا عن اللغة وهي تمارس دوراً بارزاً في مواجهة الثقافات السائدة. كما يعلن نص «هواجس عيسى بن أزرق في الطريق إلى الأشغال الشاقة».
المحور الثاني: يؤكد نص «إنسان المدينة الحجرية» على نزع المركزية ويعيد من جديد وضع الحدود والمراكز موضع تساؤل وفحص، إذ يدفع بالتناظر الوظيفي للخطاب الشعري إلى المقعد الخلفي، ليضع الشد والجذب والمراوغة في المقعد الأمامي متخذاً من الهامش مركزاً جديداً له.
المحور الثالث: اشتغال نص «أسطورة السائر في نومه» على نمط من المراقبة الحادة والرصد العنيف لفكرة التمزق السياسي والاجتماعي والثقافي، دائمة التحول، والسعي إلى تطويعها على أنها حقيقة شعرية كبرى.






نوزاد حسن - الحلُّ الذي قدَّمه البريكان
ببساطة شديدة يمكنني القول إنَّ البريكان كان أحد محاوري “بورخس” على الرغم من كل الاختلافات الشكليَّة التي خضع لها كلٌ من الشاعرين من حيث اللغة، المكان، طبيعة التجربة، العمى، الوضع السياسي، وغير ذلك. وما أعنيه بالحوار الشعري الإنساني بينهما، هو ذلك الشعور العفوي بحقيقة الحياة أو جوهرها الواضح الذي لا يراه الكثيرون، وكأنهم يتعمدون عدم رؤيته، وتجاهله.
لقد كان البريكان ظاهرة شعريَّة فريدة من نوعها في الأدب العراقي، لأنه عاش بلا تجارب خارجيَّة. وكل الذين كتبوا عنه - وهم قلة – لم يجدوا شيئاً يسردونه عنه. إشارات قليلة جداً عن دراسته في بغداد، وسفره إلى الكويت. لا شيء مهماً في حياته لأنَّ السكون والصمت كانا يلفان وجوده كله.
ومن الممكن القول إنَّ حياته تشبه في عمقها الداخلي حياة “كارل يونغ” عالم النفس الكبير، فحين أراد هذا العالم كتابة سيرته اكتشف أو كان يعرف على الأقل أنَّه بلا حياة خارجيَّة. فماذا قال “عرفت منذ وقت مبكر أنه حين نعجز على العثور على إجابة شافية من داخل المعضلة نفسها، فلن يكون لهذه الإجابة أهميَّة تذكر. فالظروف الخارجيَّة ليست بديلاً عن التجارب الداخليَّة. لهذا كانت حياتي فقيرة بالأحداث الخارجيَّة، ولا يمكنني أنْ أتحدث عنها بسبب ضحالة ما فيها. إذ لا أستطيع فهم نفسي إلا في ضوء الأحداث الداخليَّة، فهي التي تمنح حياتي معناها المتميز، وهي ما أتحدث عنه في سيرتي الذاتيَّة “ذكريات، أحلام وتأملات - كارل غوستاف يونغ- ترجمة ناصرة السعدون، مراجعة د. سلمان الواسطي - الطبعة الأولى، بغداد، 2001 ص17”.
هكذا كانت حياة البريكان، حياة بلا تفاصيل خارجيَّة، وإنما كانت داخليَّة متوترة لم تهدأ أبداً، ولم تنفع كل تبريرات العقل في إسكات نار التوتر التي اشتعلت في داخله. لذا يجوز القول إنَّ تجربته فريدة وغريبة عن منطق تجارب كل الشعراء بلا استثناء. ومن هنا جاءت الصعوبة في الكتابة عنه، وفهم شعره الذي تطور لأسبابٍ غامضة لم يتمكن الكتّابُ والنقادُ من معرفتها.
إنَّ كل ما قيل عنه كان يهتم بتفسير عزلته، وابتعاده عن الحياة الاجتماعيَّة، وعدم اهتمامه بنشر قصائده. ولم تصل تلك الكتابات القليلة إلى البحث عن نوعيَّة تجربته العميقة، لذا ظلَّ شعره غريباً عن تذوقنا، وفهمنا له، في الوقت الذي يقدر به الكثيرون تقديراً كبيراً قلة ما كتبه هذا الشاعر الغريب الأطوار.
لقد كانت حياته لغزاً، لم يستطع أحد اكتشافه أو تحليله، ولا نكاد نعثر له على مثيلٍ بين الشعراء المعاصرين على الإطلاق، فهذا الإصرار على خوض تجربة داخليَّة يمكن أنْ يفسرَ على أنَّه هروبٌ من مواجهة الواقع، أو الميل إلى التشاؤم الذي يلغي حضور العالم بالكامل فيفضل الشاعر الصمت والانزواء. لكنْ هل من السهل أنْ يبتعدَ شاعرٌ معاصرٌ مطالبٌ بالالتزام الفني، والوقوف مع الجماهير باحثاً عن نورٍ حقيقي يريد أنْ يحكي لنا عنه. ترك البريكان كل شيء خلف ظهره لأنه عرف معنى حياته، وأدرك معنى الوهم الذي يعيش فيه الكثيرون ظناً منهم أنهم يقفون في صف الحقيقة. لذا يمكننا القول إنَّ الحوار الذي أجري معه عام 1969 كشف حقائق مهمة قد تفيدنا في فهم شعر البريكان، لكنَّ أسئلة المحاور الشاعر حسين عبد اللطيف كانت هي الأخرى تعكسُ مدى الحيرة في تصنيف هذا الشاعر الذي لا يشبه غيره من شعراء جيله أو من جاؤوا من بعده.
بعبارة واضحة إنَّ قصائد البريكان تثير فينا حيرة غامضة، وتجعلنا نشعر أنَّ هناك معاني وصوراً وإيقاعاً لا نعرف كيف نفسره. في ذلك الحوار الذي يمكن وصفه بأنه أثريٌ جداً خرج الشاعر من صمته ليهاجم بصراحة مهذبة النتاج الشعري في تلك الفترة مستخدماً وصفاً قاسياً هو “فقر التجارب الداخليَّة، واستعارتها من الخارج”. ثم يضيف أنَّ “العبث بالكلمات وهو مرادفٌ لافتقار الفكر، وامتهان الحقيقة. لقد حولت أعظم الأشياء إلى ألفاظٍ مفرغة متداولة في السوق المشتركة. أسوق هذه الإشارات محذراً. لأنَّ بعض الشعراء العراقيين يظنون أنهم بتكرار أساليب معينة يعممون مدرسة للشعر الحديث في العراق أصبحت ذات شأن. في حين أنَّ تقدم الشعر في العراق وغيره يتوقف على مدى نجاح الطاقات الفرديَّة في إيجاد صيغها الخاصة. وهي صيغٌ لا بُدَّ أنْ تكون بالضرورة متباينة. وتقع أكثر محاولات الشباب اليوم في المأزق نفسه، إذ تبدو متشابهة/ (متاهة الفراشة - محمود البريكان، اختيار وتقديم باسم المرعبي، منشورات الجمل، طبعة أولى 2003 - ص210).
هذا النقد لم يتطرق أحد إلى دراسته والتوقف عنده. فالبريكان يتحدث هنا عن تجارب شعريَّة تختلف عن أصالة مزاجه، وتحاول أنْ تجددَ الشعر العراقي والعربي، لكنه في واقع الحال يقف في مواجهة هذا التيار الفني. وعلى الرغم من أنَّه لم يشر، ويسمي الشعراء في نقده إلا أنَّه كان يقصد بصورة رئيسة رواد الشعر الحر من زملائه. ومع أنَّ نقده في الفقرة التي نقلتُها كان قاسياً إلا أنَّه قال ما يشعر به، وما يتفق مع قوة تجربته الداخليَّة. لكنَّ أهم ما يمكن الإشارة إليه هنا أنَّ البريكان يرفض تماماً تلك القصائد التي تتمسكُ بمظاهر مصطنعة شكليَّة يظن كاتبوها أنَّهم من الشعراء. هذه الالتفاتة منه، والتي لم تثر اهتمام أحد، لتلتقي مع نقد بورخس لشعراء كانوا يكتبون في زمنه. فماذا قال بورخس عنهم “هناك ميلٌ لاعتبار أي نوعٍ من الكتابة، خاصة كتابة الشعر – هي لعبة أسلوب. لقد عرفت شعراءً كثيرين هنا كتبوا جيداً – هراءً رائعاً جداً- بأمزجة رقيقة وغيرها، لكنْ حين تتكلم معهم فإنَّ الشيء الذي يخبرونك به، هو مجرد حكايات بذيئة أو يتحدثون في السياسة كما يتحدث أي أمرئ. لذلك تبدو كتاباتهم كأنها نوعٌ من الاستعراض الثانوي. فقد تعلموا الكتابة بطريقة من يتعلم الشطرنج. وعليه فإنَّهم ليسوا شعراءً ولا كتاباً على الإطلاق. إنَّها خدعة ما قد تعلموه، وقد تعلموه بعناية، فإنَّ كل شيء لدى أطراف أصابعهم. (مرآة الحبر، بورخس ص 333).
ليس من الصعب ملاحظة التشابه الكبير بين الرأي الذي قاله البريكان، والرأي الذي أعلن عنه بورخس في حوارٍ أجري معه عام 1966. ولا يعني كلامي هذا أنَّ البريكان تصرف كلصٍ، وعرف كيف يفتح خزانة بورخس ويسطو على أهم أفكاره، ثم يقوم كبهلوان أو ساحر استعراضي خفيف اليد بإقناعنا أنَّه خاض تجربة مميزة، وها هو يشرح لنا عودته من مغامرته الداخليَّة. في الواقع ليس هذا ما أردت قوله أو الإيحاء به لأنَّي أفكر خارج منطقة جاذبيَّة العقل التي تفرض علينا نوعاً محدداً من التفكير. لذلك أحاول فهم هذين الرأيين بطريقة جديدة تشعرني أنَّ الشاعرين كانا يتحاوران عن بعد، ويتبادلان الأفكار ويتضامنان من أجل تغيير القناعات الشكليَّة الخاطئة. ولعلَّ ما يشجعنا على المضي في هذا النوع من التفكير هو تصميم الحياة ونسيجها الحي الذي لا يمكن أنْ يتبدل. لا أحد يتمكن من تغيير خريطة الحياة الإنسانيَّة على هذا الكوكب. فالزمن يمرُّ بقسوة وسرعة، والموت وفناء الأشياء، وقوة حضور الماضي كوجودٍ حي لا ينتهى كما يحاول العقل إقناعنا في أنَّ كل هذه الإشارات هي الحياة نفسها. وإذا شعر إنسانٌ ما، بضغطٍ يومي مباشر تمارسه عليه الحياة، فسيكون قريباً جداً من روح بورخس، مثلاً لماذا كان البريكان يتأمل العالم من خلال تفاصيل صغيرة تشعرنا أنَّ هناك شيئاً غير مريحٍ، ومقلقاً يحدثُ من حولنا، ومع هذا فإنَّ الكثيرين لا ينتبهون له؟
هناك في واقع الحال مشكلة عميقة تتعلق بمصيرنا الشخصي، وعلينا أنْ ننتبه لها، ولا يمكن أنْ نتجاهلها. ولو أننا سألنا مثلاً بورخس عن هذه المشكلة، فسيقول بأنها مشكلة الوجود على هذه الأرض، والعيش ضمن قوانين هذا العالم. إنَّ كل إنسان محكومٌ بموته الذي لا مفرَ منه. ومن هنا عاش البريكان كفردٍ ثائرٍ على تقاليد التجارب الشعريَّة التي كانت تتناول الواقع السياسي، أو الاجتماعي رغبة من الشعراء بإقناع القارئ بأهميَّة الفن الملتزم. في الواقع كتب البريكان في بداياته شعراً يهتمّ بقضايا تتعلق بالسياسة مثلاً، وكتب أيضاً شعراً رومانسياً عامودياً غارقاً بوجدانيَّة منكسرة، وحسٍ فجائعيٍ يشبه ما كتبه أبو القاسم الشابي. لكنَّ قوة الروح عند الشاعر، وطاقته على الاندماج بهذا العالم فجرت عنده موقفه الفكري غير المفهوم. ومع مرور الوقت صارت قصائد الشاعر تتصلب، وتتخذ لغته جديَّة غير محببة. لذا فإنَّ قارئ البريكان سيشعرُ بنوعٍ من الانزعاج إزاء قصائده الجافة التي تفتقر إلى الاستعارات كما كان بورخس يفعل. لذا فإنَّ البريكان كان يكتبُ بطريقة وكأنَّ النص الشعري بكامله استعارة تفسر طبيعة الحياة، كما أننا نشعر بأنَّ المنطق الوحيد الذي يعبر عنه في قصائده هو التقليل من سلطة العقل في فهم العالم. وكما أشرت أكثر من مرة هناك عداءٌ بين الوضوح وبين العقل. لقد مرَّ بورخس بهذه التجربة من قبل. وحاول البريكان أنْ يصورَ لنا كيف يمكن أنْ يكون العقل غائباً ومخدراً، إذا تأملنا الوضوح الذي نراه في كل شيء. وعلى هذا الأساس يمكن أنْ نفهمَ الثقافة العراقيَّة على أنَّها في حقيقة الأمر ثقافتان: الأولى ثقافة تحب الجدل والعقل واللعب المنطقي، والثانية تحب الوضوح والخيال وكل ما يقوي الجانب الفردي في الإنسان. وكان شعر البريكان نموذجاً رائعاً في هذا الاتجاه. لقد سبق الستينيين في ثورته على جمود المنطق، والاستنتاج العقلي الذي ما زال يملأ نصوص الشعر والنثر.
لقد كان البريكان وحيداً في عالمه، وكان إيقاع قصائده الداخلي يميلُ إلى ملء أرواحنا بذلك السكون المحبب الذي تعكسه لغة جديدة تتلاءم مع أصالة الرؤيا التي تشبه تجربة بعض المتصوفة الذين عاشوا تجاربهم بحماسٍ كبير. البريكان مغامرٌ وذو أصالة حين صمت وابتعد عن النشر طيلة حياته إلا في مرات قليلة. لذا فقد انبهر المثقفون جميعاً بهذا القرار الذي لا يجرؤ على اتخاذه إلا شاعرٌ يبحث عن خلودٍ من نوعٍ آخر. ويبدو أنَّ الشاعر بعد رحيله منذ أعوام ما زال لغزاً في نظر المثقفين، وما زال شعره يمثل علامة مهمة وجوهريَّة في الأدب العراقي والعربي. إنَّه شعر تلقائي لا يستخدم أدوات العقل في فهم العالم والحياة، ويفضل أنْ يراقبَ الحياة في أبسط صورها مكتشفاً ذلك النسيج الحيوي للأشياء. ولا يمكن أنْ يصلَ الإنسان إلى هذه الدرجة من المعرفة النورانيَّة من دون إدراك أنَّ العقل الإنساني يقفُ حائلاً من دون الإحساس بالعالم.
العقل إذنْ، هو العقبة الكبيرة التي كان على البريكان تفتيتها ليرى وجه العالم الحقيقي. العقل المحدود البارد الذي أغرى كثيراً من الشعراء بالحداثة الوقتيَّة مثل النقد الاجتماعي والسياسي الذي كتب عن شعراء انتقدهم البريكان نقداً لاذعاً. وفعلاً حقق البريكان خطوته الجوهريَّة حين بدأ يكتشف الصور اللا مرئيَّة خلف هذه الحياة المباشرة. ووصل إلى تكوين منطقٍ خاصٍ بشعره وهويَّة مميزة تعتمد على أبعاد العقل عن القصيدة، ومواجهة الوضوح الذي عذب بورخس من قبل هذا الوضوح الذي تتألف منه الحياة التي نعيشها. وقد كان البريكان منغمساً في حزن هذا الاكتشاف حيث العقل معطل، والخيال يعيد بناء الحياة من جديد.
إنَّ قصائد البريكان إعلانٌ رائعٌ عن ميلاد أو تجربة فرديَّة في الأدب العراقي لا تقل نضجاً عن تجربة لوركا مثلاً، كما أنَّها تجربة تعدُّ حواراً مع بورخس الذي يشكل هو الآخر شاعراً غامضاً بسبب فرديته الناضجة العميقة، لذا علينا البحث عن الخطوات التي حطم بها البريكان عقله، ليرينا كيف صار العالم من دون عقل.













سعد جاسم - اين ارث محمود البريكان ؟


على الرغم من مرور اكثر من اربعة عشر عاماً على واقعة الاغتيال المأساوي لشاعر الصمت والعزلة : الشاعر الكبير محمود البريكان ؛ فمازال نتاجه الابداعي مغيبّا ومختفياً ولم يرَ النور الذي يليق به بوصفه منجزاً ابداعياً وارثاً مهماً لشاعر رائد عاش حياته زاهداً وطاهر الروح وأَبيض القلب ونادر الوجود .
ومن اللافت للانتباه ان الاراء قد تعددت بشأن اختفاء ارث البريكان ؛ حيث ان هناك من يقول : ان نتاجه الشعري قد سُرق قبل رحيله بمدة قصيرة، ولم يعرف حتى هذه اللحظة مصير قصائده وكتاباته المسروقة؛ وهناك من يقول ان ذلك النتاج قد سُرقَ بطريقة غامضة ومتعمدة وجرى اخفاؤه مباشرة بعد حادث اغتياله الفاجع .
صحيح ان البريكان كان يعيش عزلة اختيارية خاصة جداً . وكان بعيداً عن الاضواء ومُقلاً او بالاحرى عازفاً عن النشر بمحض ارادته واختياره ؛ الا انه لم يكن صامتاً او متوقفاً عن كتابة الشعر والنثر والتأملات الفكرية
بل كان- وهذا مايؤكده بعض أصدقائه المقربين والخُلّص ؛ دائم الانهماك والانشغال والتواصل بكتابة قصائده ؛ وكان خلال رحلته الابداعية الهادئة من الخارج والصاخبة من الاعماق قد أنجز الكثير من القصائد التي لم تُنشر على الاطلاق، وذلك لأنه كان متريثاً في عملية نشر خزينه الشعري الكبير.
ان المؤسف في الامر والذي يدعو للدهشة والحيرة والاستغراب انه ومنذ رحيله لم تسع أية مؤسسة ثقافية إلى البحث والتحري عن ارث البريكان الذي نعتقد بأنه ارث هام جداً ؛ لا بل انه ارث واثر ادبي لايقل اهمية عن اي اثر وطني وابداعي آخر ، ولذا فإننا ندعو جميع الجهات ذات العلاقة كوزارة الثقافة والاثار العراقية واتحاد الادباء والكتاب العراقيين بمركزه الرئيس وفرعه في مدينة البصرة والمؤسسات الثقافية الاخرى الى تفعيل عملية البحث والتحري عن ارث البريكان الابداعي الذي اذا ماعثرنا عليه ونشرناه فأننا سننصف شاعراً لم يُنصف في حياته أَبداً؛ وكذلك فاننا سنرفد ونعيد للثقافة العراقية والشعرية العربية منجزاً ابداعياً

لشاعر حقيقي له فرادته وريادته وشعلة خلوده الابدي .


(الحوار المتمدن-العدد: 5379 - 2016 / 12 / 22)













نوزاد حسن - البريكان شاعر ذو نزعة عالمية –


لا ابالغ لو قلت ان البريكان شاعر لم ينل حظه من النقد وذلك بسبب قصور طريقة تفكيرنا وادواتنا النقدية..لذا اجد من الضروري عدم قراءته كشاعر منفرد يمثل حقبة فنية عاش البريكان كل تعقيدها وهواجسها،بل علينا ان نجد تفسيرا لنزعته الفنية الغريبة عن اتجاهات التفكير والكتابة لدينا.لذا سيكون شيئا بلا قيمة ان نكتب عنه باسلوب تبجيلي يعترف بغرابته كانسان وشاعر،وانه سار وحيدا في دنيا الفن مزودا بطاقة عظيمة من نكران الذات الاجتماعية..نعم البريكان اكثر الشعراء كرها للظهور والبهرجة وحضور الامسيات.كان وحيدا وكتب شعرا صعبا للغاية اراد ان يؤسس من خلاله لرؤيا مغايرة عن التجارب التي كان الشعراء الاخرون يسعون وراء الكتابة عنها.ويبدو ان هذه مشكلة جديدة واجهها البريكان بكل طاقته الشعرية،ومن هنا يجوز القول ان البريكان كان يريد ان يصف جوهر الحياة لا ما يظهر منها.وهو يعتقد ان القصيدة تغوص في عالم مختلف عن عالم المادة الذي نراه.لان هناك افاقا اخرى لا بد ان يصلها الشاعر ليتوقف عندها ويتاملها.
لن اقدر في هذه المقالة الا الحديث عن قصيدة صغيرة هادئة رصينة قد تبدو قصيدة ساذجة غير فخمة ولا يكتبها الا شاعر مبتديء.ربما يعتقد البعض ان هذه القصيدة هي حقا علامة برجوازية على شاعر يهرب من الحياة وينسحب كلص لئيم.عنوان هذه القصيدة هو:احتفاء بالاشياء الزائلة.البريكان في هذا النص القصير يجازف لانه يتحدث عن اشياء زائلة غير خالدة في حين ان الوطن يغرق بمشاكل كثيرة جدا.هذا النص بكل بساطته الظاهرية ينافس اكبر القصائد التي كتبت وهي تناقش موضوعات خارجية.نعم ساتمسك بمصطلح الموضوع الخارجي الذي يتناوله الشاعر واضعا اياه في قصيدة.انا اتحدث هنا عن تركيب لقطعتي غيار وهما:الموضوع واللغة.هاتان القطعتان تخضعان لعملية قص وبتر وتلميع وصبغ حتى يصل الشاعر في النهاية الى نصه الشعري الفخم الطويل.ما تقوله لنا قصيدة البريكان هو غير ذلك ولا علاقة لها به.ساظلم الشاعر لو قلت انه يهمس فنظرية الهمس لا تنطبق على هذه القصيدة ولا غيرها.ساقول ان البريكان غامر بفنه حين حاول ان يمشي في طريق ليس مالوفا،ومن الجائز القول ان ذلك الشاعر البصري سعى لترويض اللغة وتركيبها بطاقة خالقة اسميها:طاقة الكون.لو قلت ان قصائد البريكان في مراحله المتاخرة هي مرايا تعكس تجلي طاقة الكون فيها لما اخطأت في قولي هذا.وتعني طاقة الكون لا المعرفة العقلية المباشرة ولكنها تعني الشعور القوي بوجود الانسان محاطا بهذا الكون المليء برموز لا تتوقف عن اعطاء الشاعر القدرة على جعل كل الموضوعات الخارجية تفقد صورها الظاهرية.على سبيل المثال،لو ان قضية سياسية شغلت المجتمع ككل واثارت هذه القضية ردود افعال كثيرة ومختلفة فان هذه القضية ستكون في عين الشاعر المتواصل مع طاقة الكون هي غيرها في عين اصدقائه واهل بلده.القضية السياسية لها رمز او جذر يتصل لا بهذا المكان فحسب ولكن جذر القضية يتصل بالكون الممتد دون حواجز.واذا امن الشاعر – اي شاعر- انه يعيش في مكان محدد ومفصول عن ابعاد العالم والكون فهذه مشكلة اخلاقية وفنية.ان كثيرا من القصائد التي نقراها اليوم نحن هي قصائد ديكورية لاهثة ارادت ان تواجه المواقف المختلفة برد فعل لغوي محدد.يلجا الشاعر في هذه الحالة الى عملية تركيب مصطنعة تهدف الى جعل الشاعر عضوا فاعلا في المجتمع.لم ينخدع البريكان بهذا السلوك الفني الظاهري.وكان عليه ان يصبر على سخافات تدور في العالم من حوله لانه اكتفى باندماجه بطاقة الكون الخالقة.















نوزاد حسن - في معنى الخيال البريكان.. ورد الفعل الشعري


بالنسبة لقارئ لا يفهم المعنى الحقيقي لكلمة الخيال ستكون قصائد البريكان المتأخرة عبارة عن قصائد ساذجة جدا.وقد تكون القصائد الاولى اكثر جمالا عند ذلك القارئ بسبب طبيعة ذلك الشعر الذي كان يتطور بطريقة داخلية تصعد بالنص الشعري الى مرحلته النهائية التي لا اجد وصفا دقيقا لها الا قولي ان البريكان كتب بروح رد الفعل الشعري لا الفيزيائي.
لكن كيف يمكن ان نحدد الفعل الذي اجبر البريكان على الكتابة بتلك الروح اعني روح رد الفعل الشعري..؟والى أي مدى تشبه تجربته تجارب غيره من الشعراء ام ان نصوصه المتاخرة بكل قسوتها وخشونتها الموسيقية كانت ردود فعل داخلية تكونت عبر صراع انساني ملحمي فضح زيف هذا العالم الكبير وتفاهته التي لا حدود لها..؟ان دراستنا النقدية لقصائده المتاخرة وهي قصائد ساذجة بالنسبة لقاريء تعود على صخب موسيقي معين لن تحدد او لن تصف البريكان ورد فعله الشعري اذا لم نقم بتعريف معنى كلمة التخيل واعطائها حدا خاصا لا يختلط بحد العقل ابدا.وقبل أي تعريف للخيال استطيع القول بكل ثقة ان وحهة نظري الخاصة عن هذا الموضوع ستكون على نقيض وجهة نظر ذلك القارئ الكسول الذي ملا المقاهي والنوادي والصحف بمباديء عامة مكررة فقدت قدرتها على التاثير الجمالي. اؤكد لذلك القاريء ولغيره ودون ان اكون غامضا ان التخيل هو في حقيقته طريقة في النظر الى العالم او بمعنى ادق ان التخيل في اساسه هو قدرة الذات على ادراك ان اشياء العالم كلها ليست اشياء متنوعة كما تبدو لنا.ونحن نخدع انفسنا اذا عشنا باسلوب من يعتقد ان اشياء العالم من حولنا متنوعة.هذه حقيقة كاذبة او هي وهم حقيقي نقنع به انفسنا.اذن انطلاقا من هذه الحقيقة ماذا سنفعل في الخطوة التالية..؟سنركز في حقيقة ما حولنا من اشياء.فماذا سنرى..؟سنرى ان العالم بكل اشيائه وبهرجه هو في حقيقته ليس الا عالما زائلا.ان لكل شيء مهما صغر او كبر مهما غلا او قل ثمنه حقيقة واحدة تلتصق به وهي انه زائل.هذه الطريقة في النظر الى العالم هي جوهر القصيدة او جوهر رد الفعل الشعري الذي نراه جيدا في قصائد الشاعر المتاخرة.لذا سيكون الخيال اداة الشاعر الاهم في التعبير عن ماساة هذا العالم الذي التصق كل شيء فيه بموته او بزواله.لن يفيدنا العقل المغرور ابدا في كشف الطابع الدراماتيكي الماساوي لهذا الوجود.لان للعقل وظيفة واحدة هي اكتشاف العالم بعد فصل عنصر الموت او الزوال منه.وهذا الفعل العقلي او رد الفعل الفيزيائي لن يقرب لنا نصا شعريا مبنيا من طينة الوجود ذاتها لا طينة الوجود المنفصلة عن حقيقتها الوحيدة.لدينا اذن طريقتان لمواجهة العالم هما:العالم بكل اشيائه الزائلة ثم العالم باشيائه المتنوعة التي صارت مجالا للعقل الذي يبحث فيها عن قوانينه.العالم الاول هو عالم البريكان واسلوبه هو رد الفعل الشعري اما العالم الاخر فهو عالم العقل عالم نيوتن وديكارت واسلوبهما هو رد الفعل الفيزيائي.ولا مجال ان يلتقي البريكان باحد من هذين العالمين الفيلسوفين ابدا؛لان عالم شاعرنا هو غير عالم الرجلين اللذين يريدان ان يفصلا حقيقة الشيء عن حقيقته وهذا تدمير لاساس الكون وجوهره.اما البريكان فقد كشف عن بنية هذا العالم حين جعل من شعره المتاخر قصيدة واحدة غرضها هو تاكيد هذا العنصر الدرامي للكون والقائم على فكرة الشيء وموته او زواله.
لكن اسلوب البريكان الفني يكشف عن خواء تراثنا المفتقر الى خيال ينافس العقل على مستوى المعرفة وعلى مستوى الوظيفة النفسية.نحن الشعب الوحيد الذي يعشق العقل بجنون حتى انه يثبت به وجود الله.ومن هنا بدات قصة الفقر الثقافي لدينا.اعتقدنا وعلى مدى قرون ان العقل رتب العالم ومنح الله حق وجوده.ولم نكن كالغرب نتوقف قليلا لوضع حد لملكة العقل الباردة كما فعل الفيلسوف الالماني كانت.كما لم نثر كالرومانسيين على تلك اللعنة المسماة عقلا ونواجهه بالخيال لنمسك جانبا اخر من جوانب الواقع.وبسبب هذه الطريقة المجانية في العيش التي صنعها العقل قمنا بقراءة نماذج من الشعر والفن دون ان نميز بين وظيفة العقل ووظيفة التخيل.وكنا نعود الى تعريفات الفلاسفة والنقاد الغربيين في الحديث عن الخيال.وهنا وقع حادث فضيع اسميه اقصاء الخيال او فرض رقابة عقلية عليه،والاعتماد على العقل والحجج المنطقية في الكتابة.لكن العقل في نهاية المطاف اصطدم بجدار البريكان في رد فعله الشعري.وقفنا حائرين كيف نفهم قصائده التي بدت لنا ساذجة جدا.ولاننا لا نملك تعريفا عميقا للتخيل كان البريكان شاعرا بالغ في استخدام تقنيات فنية ساعدته على تكثيف نصوصه ومنحها طابعا مختلفا عما نقراه من شعر.وانا اعتقد ان هذه المشكلة الفنية- أي مشكلة البريكان- ما كانت لتقع لو ان البريكان كتب بلغة اجنبية كالانكليزية او الفرنسية او الالمانية،ذلك لان الناقد الغربي لديه فهم عميق لعملية الخلق الفني اولا ولطبيعة العقل والتخيل ودور كل واحد منهما ثانيا.فلا يجوز ان نتعدى على حقوق التخيل باسم الحفاظ على حقيقة العقل المفروغ منها.كما لا يمكن ان نعتقد ان التخيل تابع لملكة العقل وان الاخير اعم منه واشمل.علينا اذا اردنا ان نقترب من نبع البريكان ان نعتمد على حقيقة مؤكدة وهي:كيف شكل البريكان نصه باسلوبه ذاك.وعلينا ان نبحث في قصائده المتاخرة عن ملامح خيال اصيل قلما نعثر على نوعيته في كثير مما نقرا من شعر.وربما اكشف في مقالي القادم عن مشكلة العيش او اسلوب البريكان في رد فعله الشعري في قراءة نقدية تطبيقية لبعض نماذج من شعره.
نوزاد حسن
اربيل





شكيب كاظم البريكان الصامت الازلي.. شاعر رائد نفى نفسه طواعية بالصمت


لقد قرأنا الكثير عن الشاعر العراقي المبدع محمود البريكان العازف عن الشهرة والنشر والمتوحد مع شعره وموسيقاه ودنياه الخاصة التي انشاها لذاته بعيدا عن دنيا الناس وهمومهم وما تعارفوا عليه من طرق العيش واللهو والمقتول غليةً وغدرا ليل الخميس الثامن والعشرين من شباط فبراير 2002 ولعل الكثيرين من الذين تناولوا حياة البريكان بل كلهم وقفوا عند ناحية محددة من حياته الادبية هي عزوفه عن النشر . ولقد عزا الكثيرون منهم هذا العزوف الى ان كان يربأ بنفسه عن ان يجعلها في خدمة الممدوح لكن هذا الامر لايكاد يقف على قدميه ازاء حقائق الحياة الخاصة للشاعر والعامة وحقائق الحركة الشعرية والثقافية في العراق فالرجل صامت ازلي ساكت لايكاد يبوح الا بقليل هو عازف عن النشر ولعله عازف عن الكتابة وكدت اقول بل هو عازف عن الكتابة مسقطاً هذه الــ (لعل) والا اين شعره الذي كبه في حياته واين هذا الذي خلفه بعد رحيله المأساوي الصامت؟ اذ قتله القاتلون وحيداً متفرداً في داره طمعا بشىء من مال ، ومن اين للبريكان المتوحد الصامت المتمرس بصمته ازاء الحياة مالاً ؟ هو عازف عن الكتابة والنشر ابتداءً ، هو صامت ايدا ولو لم يكن هكذا لما حاول السياب منذ زمن بعيد اخراجه عن صمته اذ نشر مقالة في الملحق الادبي لجريدة (الشعب) لصاحبها يحيى قاسم عام 1957 وليقف القراء ملياً امام تاريخ (1957) ذكر فيها ان (( ساحاول بذل كل جهد لاخراجه من صمه ليتبوأ المكانة اللائقة به....)) .
هو ساكت ازلي لولا بعض محاولات لكسر الطوق حول نفسه وهكذا شأنه ولم يكن ساكتا لانه لايريد مدح فلان او فلان ومرت على العراق عهود وعهود منذ ذلك التاريخ عام (1957) والرجل ساكت لايكاد يبارح سكوته واصبح السكوت هو القاعدة والكتابة هي الاسثناء وخرق القواعد اذ لم ينشر على مدى اكثر من نصف قرن من الزمان الذي يشكل عمره الابداعي في دنيا الكتابة ومحرابها غير خمس وثمانين قصيدة والمعدل يقل عن قصيدتين سنويا .
اننا مهما حاولنا ايجاد التسويغات والاعذار لعزوف الشاعر عن الكتابة والنشر من كره للشهرة وصد عن اللقاءات العامة او زهد في الذيوع او الانتشار او بعد عن اجواء الممدوحين او ...او... فلن نجد له عذرا في وأد موهبته وقتل قرحيته وروح الشعر فيه تحت سياط الصمت اللاذع وجلد ذاته بمنعها عن البوح الشعري والتغريد في افنان الشعر وايكة البواسق وما ارقة من دنيا الابداع هو الذي يصف منطقة الابداع الشعري بمنطقة الذات العميقة التي لا يستطيع الوصول الى اعماقها الا المبدعون الاصلاء .
وقديما نسب العرب الشعراء الى وادي عقر فمنه ينهلون واذا عجزوا عن تفسير ظاهرة الابداع الشعري لدى الشعراء وكلوا بكل واحد منهم جاناً يكون ملهمه ومسعفه وفاكاً لمغالق الشعر ودنياه عنده فالشعر كما يقول البريكان (( هو ابن النزوع الانساني وموضعه الاساس تجربة الوجود بكل شمولها وهي تمثل خاص لواقع التغير في الزمن وقلق المصير والتارجح بين الراهن والمنشود(1) وان شاعرا هذا شانه وهذا فهمه للشعر ماكان له ان يصمت هذا الصمت الازلي الماساوي ليجعل حياته وتراثه الشعري القليل نهبا لتفسيرات المفسرين والى حياته ونصوصه بالشكل الذي يرغبون وما كان احرى بـ ( حارس الفنار) (2) ان يكون حارساً لارثه الابداعي وتوجهاته في الحياة والادب بعيداً عن رأي الاخر وتدخلاته وتفسيراته. لقد مارس الشاعر الراحل محمود البريكان ماسوشية فاجعة معذبة ازاء ذاته طوق منطقة ابداعها الشعري منطقة ذاته العميقة بسلاسل الكبح وقمعها عن ان تكون طائرا غردا وقمحا من ان ترى حصيلة بذرات غرسه فالانسان عامة والمبدع خاصة والشاعر على وجه اخص يريد ان سرى ثمرة جهده وتعبه ان يراه مشخصا ومؤثرا في ذاكرة القراء والمتلقين والاتبقى صرخته في واد ولو اطلق البريكان صرخته لكنا وجدنا لها صدى او بعض صدى لكنه كتم صرخته وقمع ذاته ومنعها من ان نرى لذة هذا البوح وثمرة هذا الغراس فكان جنى على نفسه بأن عاش في الظل طيلة حياته الثقافية ولم يؤسس لذاته منهجا او تيارا وهو لقادر على ذلك ولم يظهر له ديوان شعري يحفظ بعض هذه القصائد القليلات التي نشرها ولو لم يتناد العديد من اصدقائه وتلاميذه ومديريه ، واهل البصرة طيبون ذوو شفافية ونبل ، لنشر ملفات تتناول حياته وشعره لعاش في الظل الظليل والفيء السميك مضيعا فرصا كثيرة فالدنيا لا تقف عند من يعزب عنها ويطوي كشحه عنها لكن هي بعض سعادات الحياة ان يهيأ للشاعر المغمور الظالم نفسه محمود البريكان بعض اصدقائه فينشر ابداعاته القليلة وهذا الناقد الحافظ للصداقة والود الاستاذ حسين عبد اللطيف عكف على اكثر من ملف عن البريكان احدهما المنشور في مجلة (الاقلام) بعد رحيله الماساوي العدد الثالث لعام 2002 وكانت مجلة الاقلام الرائعة قد نشرت عام 1993 ملفا عنه والناقد حسين عبد اللطيف شغوف باعداد ملفاته عن البصرة الجميلة وفي الذاكرة ملفة المنشور في مجلة الاقلام عام 2002 عن المبدع محمود عبد الوهاب صمته المطبق هذا دفع بالناقد حسين عبد اللطيف الى ان يلاحظ (( الخليق بالملاحظة في مسألة محمود البريكان ان السور الذي ضربه حول نفسه او متراسه امام شعره انهار بكل بساطة واصبح عرضة لكل يد او مزايدة او ادعاء كاذب او معرفة ناقصة واصبح نفسه مشجبا او اسطورة بعد السياب ذلك ما تحدثنا به مرارا وحذرناه منه على حياته لكن الاستجابة كانت ضعيفة مترردة متريثة ومؤجلة دائما مع الاقرار الضمني من قبله بقوتها وصحتها وسلامة دوافعها (3) .
لقد عانى الكثيرون من المبدعين فترات صمت وسكوت لكن هذا الصمت الى حين والى تغير الحال فلقد صمت المبدع الكبير عبد الملك نوري صمتا طويلا يوم اختلف مع القائمين على الامر مع انه كتب الكثير من القصص والكثير من النقد واذا استغرقته الوظيفة ولهو الحياة هو الشاب العازب المحب للحياة فانه غادر دنيا الكتابة في مقالة كتبتها عنوانها (ادباء هجروا الكتابة) (4) . لكن ان تصمت كل الحياة وكل عمرك الثقافي وانت من انت ابداعا واصالة وريادة فهذا هو المرض النفسي وهذه هي الماسوشية المدمرة للذات وللاخر لو تخلى شيئا عن ماهو فيه من تقوقع وصدفية لقدم لنا قصائد خوالد في الضمير الشعري العراقي وشاهدي هذا الذي قرأته من شعره وخاصة قصائد المخطوطة الي قام بدراستها نقديا ونشرها الناقد العراقي رياض عبد الواحد بكابه (( البذرة والفأس . قراءات حرة في شعر محمود البريكان قصائد ( عوالم متداخلة) انموذجا ) ، هو يكره الاسراف والترهل في القصيدة هو ينحو فيها منحى التكثيف انه يسخن قصيدته في دورق حتى اذا استحالت الى بخار متطاير في دورقه عاد الى تبريدها تبريد انبيقها والحصول على قطرات ماء صاف مركز ومنذ سنوات بعيدات ( السبعينيات) نصح استاذنا في مادة النقد الادبي في كلية الاداب الدكتور كمال نشأت نصح الشعراء منا بضرورة التكثيف الذي ألزم نفسه به ووجدته في قصائد الشعراء ادونيس والراحل رشدي العامل و سامي مهدي ، ومحمود البريكان لم يكن يطالب بالتكثيف في الشعر بل كان يريده كذلك في القصة فها هو يبدي ملاحظاته للقاص العراقي المبدع محمود عبد الوهاب يوم قرأ قصته الرائعة ( طيور بنغالية) والمعروف لدى الدارسين والقراء النابهين اللغة الدورقية المكثفة التي يكتب بها قصصه ومنها روايته ( رغوة السحاب ) الطبعة الاولى / بغداد 2001 او كتابه النقدي ثريا النص مدخل لدراسة العنوان القصصي ) الطبعة الاولى بغداد 1995 ، واذ يساله محمود عبد الوهاب رأيه في ما قرأ ؟ قال:
انك مختلف
كيف ؟
راقب لغتك ولا تأذن لها بان تكون مسرفة.
شكرته ، انا اعرف حرصه الشديد على لغته واتذكر ما قاله في حوار له (( ان كل كلمة لا يعنيها الشاعر تعني تفككاً في الكيان وان عبارة لا تستقطب شيئأ هي خيانة )) واعرف كيف كان يترصد الكلمات الفائضة ويوجه اليها ما سورة بندقيته كلما اطلت برؤوسها في بساتين نصوصه .. ياللقناص النبيل (5).
هو شاعر كبير من طراز بدر شاكر السياب ورائد من رواد قصيدته التفعيلة مثل المبدعة الكبيرة نازك الملائكة لكن ما الذي خلفه لنا محمود البريكان من ناج ٍ يقرأ يجعله مذكوراً ؟ ما الذي تركه اذا ما قيس بما تركه مجايلوه ؟ لا شك انه قليل واقل من القليل فجنى جنايتين جناية على ذاته اذ حرمها متعة الابداع ونشوة الكتابة وفرصة معرفة الاثر الذي تركه في النفوس وجنى علينا نحن محبيه وعارفي قدره ومقدرته ومنزلته في دنيا الابداع ...
انا تخليت امام الضباع
والوحش عن سهمي
لا مجد للمجد فخذ للضياع
حقيقتي واسمي
الهوامش :
- تراجع مقالة الناقد ياسين النصير ( محمود البريكان الشاعر القتيل) جريدة الصباح السبت 6/ اذار/ 2004
-اسم لاحدى قصائده المشهورات
-يراجع الملف الذي اعده حسين عبد اللطيف عن البريكان جريدة الزمان السبت 28/ فبراير/2004
-راجع جريدة العراق عددها الصادر يوم السبت 20/كانون الاول / ديسمبر /1986
-ملف جريدة الزمان المذكور انفا مقالة بقلم محمود عبد الوهاب عنوانها ( القناص ).
-من قصيدة ( في الرياح التاريخية).
**************
(2)
محمود البريكان في سطور، من اعداد : الموروث
"محمود البريكان (1931-2002) شاعر عراقي كبير، ولكنه لم يعرف في العراق كما عرف أبناء جيله من الشعراء، وظل على صعيد الوطن العربي مجهولا أو شبه مجهول، وذلك بسبب انغلاقه على محيطه المحدود وقلة ما نشره من شعره وتباعد أوقات نشره.وعادة ما يصنف النقاد البريكان بأنه من رواد الشعر الحديث في العراق، فهو من مجايلي بدر شاكر السياب (1962-1964) ونازك الملائكة (1923) وعبد الوهاب البياتي(1962-1998)، ولكنه دون هؤلاء شهرة حتى في العراق.وبالرغم من ذلك شاع اتفاق عام (غير نقدي) على أهمية هذا الشاعر وتفرده، وقيلت فيه شهادات تعبر عما يحظى به من تقدير كبير بين مجايليه.فقد قال السياب مرة: ان "محمود البريكان شاعر عظيم، ولكنه مغمور بسبب عزوفه عن النشر" (1)
"ولد محمود داود البريكان (أو البريجان بلهجة أهل الزبير) عام 1929 في قضاء الزبير من أسرة عريقة تمتد جذورها الى نجد والتي يطلق عليها إسم (شيوخ الأصل) في الزبير، أبوه الشيخ داود البريكان من الذين عملوا وكافحوا على فتح مدرسة البنات في الزبير وكان أن أعتدي عليه في مقهى المدينة من قبل جماعة من المتعصبين، ويذكر البريكان عن طفولته (ما رواه صديق طفولته الأديب عبد الغفور النعمة) إنه كان جالسا في ديوان والده (المضيف) والناس يتكلمون وأبوه يتكلم وحينما تكلم هو، أعجب الحاضرون بمنطقه وقال أحدهم لأبيه (إبنك من يكبر يصير شي)، ويذكر النعمة إن البريكان ومنذ صغره كان متوانيا منغلقا على نفسه ويتذكر إنه حينما كان في الصف الثالث الإبتدائي يخرج للعب في ساحة المدرسة (أثناء الفرصة) بينما يقف البريكان في باب الصف يلبس نظارته وكثيرا ما كان الطلبة يستاؤون منه و (يضوجون) لطبعه هذا. في الصف الثاني المتوسط يذكر زميل دراسته القاص محمود عبد الوهاب كيف نادى مدرس اللغة العربية وهو يحمل دفتره بغلاف أنيق من بين مجموعة دفاتر الإنشاء بإسم محمود داود البريكان.نهض من مقعده في الزاوية اليسرى من الصف، طالب معتدل القامة يتستر بمعطف خفيف، مشى نحو المدرس إزاء السبورة، ناوله المدرس الدفتر وطلب منه أن يقرأ الإنشاء، الذي كتبه وبدأ محمود يقرأ، فجأة أصبح الصف مكانا اخر، وارتعشت وجوهنا كلمات وصورة وجملة كإنها تتواثب تحت جلودنا، وفي بهو المدرسة المعتم وخارج الصف دنوت منه، فإبتسم أحدنا للآخر ثم سرنا معا صامتين كما لو كنا نسير في نفق طويل.
إمتهن البريكان التعليم الإبتدائي في مدرسة النجاة الأهلية في الزبير بما يقارب السنوات الثلاث ثم سافر الى الكويت عام 1953 وعمره 23 سنة وظل فيها ما يربو على الخمس سنوات ونصف قضاها في التعليم بمدرسة قتيبة وفي عام 1959 إنتقل الى بغداد حيث أتم المرحلتين الباقيتين من دراسته للحقوق التي كان قد قطعها عام 1949 لظروف خاصة، وبعد نيله الشهادة عام 1961 بقي في بغداد حتى أواخر عام 1967 يزاول التدريس إذ إنه لم يمارس المحاماة ثم عاد بعدها الى البصرة ليستقر به المطاف مدرسا للغة العربية في معهد إعداد المعلمين. تزوج من إبنة عمه وكانت عاقرا وعاش فترة من الجفاف العاطفي، وشخصية البريكان لا يمكن أن تثير أية إمرأة لأنه رجل من عالم خاص من الشعر والموسيقى، حينها ظهرت بحياته الزوجة الثانية (الشاعرة عدالة العيداني التي كثيرا ما كانت تؤكد إنها قررت أن تتزوج البريكان وكان لها ما أرادت) حين تزوجها وعمره 55 سنة أنجبت له ولدين هما (ماجد -تولد عام 1984) و (خالد - تولد 1985) وبسبب مشاكل عائلية إنفصل عنها.
قتل البريكان الساعة العاشرة من مساء يوم الخميس المصادف 28 شباط من عام 2002 في داره الواقعة في حي الجزائر في العشار ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير بعد يومين من قتله وسكن مع السياب في المقبرة التي دفن فيها"(2)
المصادر:
(1) محمود البريكان الوعد الذي لم ينجز ـ مجلة نزوى ـ سامي مهدي
(2) محمود البريكان وطرقات الحياة والموت ـ مجلة الشبكة العراقية.


شكيب كاظم – كاتب عراقي – بغداد




رجب بركات - محمود البريكان .. حين كان يسمى «برقا»


الشاعر القتيل حل محل شاعر آخر في جريدة «الاستقلال» في الأربعينات
تحل اليوم الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشاعر العراقي محمود البريكان، الذي اغتيل في ظروف غامضة في بيته بمدينة البصرة.
أحد الذين زاملوه منذ 1947، يكتب هنا عن فترة غير معروفة في حياة الشاعر، وهي علاقته بحزب الاستقلال، وكتابته قصائده باسم «برق» في جريدة الحزب.
كتب إحسان السامرائي في مجلة «الأقلام» العراقية بعددها الثالث لسنة 2002، مقالا بعنوان «قداس القتلى»، سجل فيه ما قاله له الشاعر المغدور محمود البريكان عني وعن الشاعر مقبل الرماح، كما يلي:
«كانت لي علاقة قوية مع السيد رجب بركات منذ عام 1947، وقد سلمته قصيدة عمودية (من وحي الكفاح) ألقاها بالنيابة عني الشاعر مقبل الرماح في احتفالية لحزب الاستقلال ونشرت في جريدة «اليقظة» باسم «برق»، وفي جريدة «لواء الاستقلال» و«الناس» البصرية، إلا أنني لم أنتم إلى أي تنظيم سياسي، لأنني كنت أخاف من الحكومة ومن أبي!»، واضاف احسان، ما قلته، في تلك المذكرات التي كتبها «ان الشاعر مقبل الرماح قدم قصيدة البريكان بقوله هاكم من البرق فيض من النور.. لقد أطلقنا على البريكان اسم (برق) كما كنا نطلق اسم (صقر) على الشاعر عبد الحسن زلزلة.. وأول قصائده تجاوزت 49 بيتاً من الشعر عام 1947، وكانت قصائده تحمل أسماء من (وحي الكفاح) و(الطوفان) نشرت في ملف (ثورة العشرين) و(نداء الكفاح) و(حكمة الكوخ)..
وفي حديث للدكتور صلاح نيازي، عن محمود البريكان ، ذكر «ان الشاعر الذي لا يمتلك الفضول المتميز تعوزه الموهبة الحقيقية، ما الفرق بين شاعر وجاهل يعيشان في براغ ولندن غير الفضول المبدع وشهوة المعرفة والكشف.. اننا بحاجة إلى إعادة تقييم واقعنا الثقافي.. ان سبب بروز أسماء ورموز في ثقافتنا هو تبني مؤسسات حزبية وإعلامية وثقافية لها..».
ولكي لا ننسى الشاعر محمود البريكان ، استذكر موقفا أملته (الموهبة الحقيقية) للشاعر الذي تجاهلته الحركة عندما وضع طاقاته المتميزة كشاعر ليحل بدلا من شاعر، في حزب الاستقلال العراقي، الذي تطارده السلطة.. و(تتبنى) المؤسسة الحزبية البديل وهو لم يزل في عقده الثاني من العمر أو يزيد قليلا!، لقد وقف بجدارة كشاعر وبكل ثقة في جريدة الحزب «اليقظة»، التي صدرت بعد تعطيل جريدة «لواء الاستقلال» وملاحقة الشاعر (صقر) عبد الحسن زلزلة، لنشر تلك المقطوعة الشعرية (تمثال)، التي اعتبرت قذفاً بالذات الملكية.
ان مسارعة محمود البريكان ليحل محل الشاعر زلزلة، كان موقفاً يدخل ضمن المفهوم الذي حدده صلاح نيازي باعتباره (الفضول المتميز) المتمثل بتلك المسارعة، كشاعر على صفحات جريدة الحزب ويطل منها على جماهيره.
كان ذلك في مطلع عام 1948، ومحمود البريكان طالب في السنة الأولى من دراسته بدار المعلمين العالية، حينما عطلت (جريدة لواء الاستقلال)، لسان حال حزب الاستقلال.. من قبل الإدارة العرفية المعلنة آنذاك، بإيعاز من مديرية الدعاية العامة في وزارة الداخلية، لنشرها المقطوعة التي أشرنا إليها للشاعر صقر.
وسارعت بدورها إلى تعطيل جريدة الحزب وإلقاء القبض على مديرها المسؤول المحامي قاسم حمودي (المرحوم) وتوقيفه في مركز شرطة السراي، وإحالته إلى محكمة جزاء بغداد لكنه وفقا لمرسوم المطبوعات النافذ، لعدم معرفة هوية الشاعر (صقر). وبعد إحالة الموضوع من قبل المحكمة على لجنة من الخبراء لتفسير تلك المقطوعة، بالنحو الذي تريده وزارة الداخلية، باعتبارها قذفاً بتلك الذات، خلافاً لما ورد فيها، ان المقطوعة التي أثيرت حولها الضجة لم تعن ما عنته تلك الجهات، إذ من فحواها نجد الشاعر يشير إلى:
تمثال..
* لمن التمثال في الكرخ تباهى وتبختر ـ وازدرى بالشعب لما أن تعالى وتكبّر
* لمن قاد جيوش العرب للنصر المظفر ـ ويلهم.. إن تنادى الشعب الله أكبر.
(صقر).
وتحسباً من أن تطول إجراءات المحاكمة ويستمر ذلك التعطيل والتوقف للجريدة، تقرر إصدار جريدة بديلة عن الجريدة المعطلة، صدرت «اليقظة» باعتبار صاحبها سلمان السفواني عضواً في الحزب وفي اللجنة العليا.. اتصلت به مستفسراً لمعرفة ما إذا كان سيستمر (صقر) بنشر مقطوعاته، فأخبرني ان القرار هو (الاستمرار بنشر مقطوعات شعرية، على غرارها، لشاعر غير صقر، تحسبا من ألا تعرف هويته، ويلقى القبض عليه، ومن المستحسن ألا يكون من أعضاء الحزب في بغداد كي لا تسهل معرفته)، فطرحت، لهذا الاعتبار، أن يكون الشاعر من البصرة ومن شبابنا القومي في حزب الاستقلال، ومن طلاب دار المعلمين العالية هو الشاعر محمود البريكان، وقد لاقت الفكرة قبولا حسنا من قبل الصفواني، وعندها اجرى اتصالا مع أمين السر العام للحزب فائق السامرائي المحامي (المرحوم)، وكذلك مع محمد صديق شنشل المحامي (المرحوم) رئيس لجنة الدعاية وعضو اللجنة العليا وجاء ردهما بالموافقة والمباشرة بالنشر.. وباستعجال عدت من إدارة الجريدة الى دار المعلمين العالية للاتصال بمحمود البريكان لإبلاغه بما تقرر ولنعود منها معا الى ادارة جريدة «اليقظة»، ليتحمل مسؤوليات ما كلف به، أصبح الشاعر محمود البريكان يعرف باسم (برق) بعد أن حددنا الاسم الذي يطلق عليه.
ألغي قرار التعطيل لجريدة الحزب وأغلقت القضية الجزائية وصدر قرار الخبراء عمن تعنيه تلك الأبيات خلافا لما أرادته وزارة الداخلية، مؤكدين ان المعني بها هو تمثال (مود) الجنرال البريطاني الذي احتل بغداد في الحرب العالمية الأولى، وقد شيد له تمثال بجانب الكرخ مقابل دار الاعتماد البريطانية وفي ميدان محلة (الشواكة)، وليس هناك في المقطوعة اشارة الى تمثال المغفور له صاحب الجلالة فيصل الأول المنتصب في جانب الكرخ بمدخل جسر الشهداء، وكان يعرف آنذاك بجسر مود.
تعاون محمود البريكان بكل جهده للنشر بجرائد الحزب في البصرة، قبل تخرجه في دار المعلمين العالية وقد خص جريدة «نداء الناس»، وهي لسان الحزب لصاحبها المحامي الراحل حمد موسى الفارس، البديلة عن «جريدة الناس» لسان حال الحزب التي كان يصدرها عبد القادر السياب معتمد الحزب. شارك محمود البريكان، بافتتاح فرع الحزب في البصرة بقصيدة عمودية، وبتوقيع (برق)، لكي لا تنكشف هويته كشاعر بديل في جرائد الحزب، وقد ألقاها نيابة عنه الشاعر مقبل يوسف الرماح (المرحوم)، ونشرت في «صوت الناس» قدمها مرحبا بالحزب ورئيسه الشيخ محمد مهدي كبة ورفاقه الذين حضروا الافتتاح وجاء بهذه المقدمة: (بين يدي خريدة من أفاضل الشعراء، انه برق.. وهاكم من البرق فيض من النور). وكأن الأمر رسم أن يكون البديل للشاعر (صقر) في افتتاح الحزب المقر العام الشاعر الراحل عدنان الراوي، وفي البصرة كان البديل للشاعر (برق) الشاعر مقبل الرماح.


الشرق الأوسط 1 مارس 2003







د. لؤي حمزة عباس محمود البريكان : تمجيد النثر



يظل فهم منجز محمود البريكان (1931ـ 2002)، وتحديد موقعه في الشعرية العراقية غير مكتمل إذا لم يُنظر له بوصفه حالة شعرية، لها من الخصوصية ما يوطد صلتها بجوهر تجربة الإنجاز الشعري، مثلما يتعدى بدوره حدود الزمان والمكان منتقلاً بها إلى الأقاصي المضيئة للتجربة الإنسانية حيث سؤال الحرية يجدد الوجود ويمجد الإنسان.
كما سيظل فهم حالة محمود البريكان قاصراً إذا ما نُظر لمنجزه الشعري بوصفه مادة أولى وأخيرة في التعبير عن رؤيا الشاعر وإدراك موقفه بمواجهة رياح العالم، ووعي نزوعه إلى شيء أبعد من الراهن وأكبر من الموجود. للنثر في حالة محمود البريكان موقع حاسم يُغني الشعر ويغتني به، فليس النثر، بجملة البريكان، "نقيض الشعر. نقيضه الحق هو النظم الرديء"، وبقدر ما تعالج هذه المسكوكة قضية الثنائية المتضادة بين الشعر الجيد والشعر الرديء، تخلّص النثر من شبهة التقابل الضدي مع الشعر، وتُسقط فكرة التعارض والانفصال بينهما، فتقرّب مسافات وتمحو حدوداً، وذلك ما عمل البريكان على تمثله في تجربته الكتابية وقد حرص على النثر حرصه على الشعر في عالم تشكّله اللغة، لا يكون الشعر فيه " تظاهرة لفظية" بقدر ما يكون تجسيدا حياً لنزوع الإنسان بما يتجاوز حدود اللعب ليُعدّ " تجربة فريدة تتجسد عبر اللغة".
عمل البريكان عبر نصوص نثرية قليلة ـ أحكام الكم والمعيارية الشعرية تظل سارية في حالته على النثرـ على تلمّس فرادة هذه التجربة والوقوف على حدودها القصية، ليصح على إرثه النثري ما صح على إرثه الشعري، ومما يُدخله في حكمه توفره على أدوات الشعر التي يكتمل جماعها حال "اكتمال العقل الذي به تتميز الأضداد" كما ينصُّ صاحب عيار الشعر.
وإذا كان منجز محمود البريكان الشعري قد حقق حضوره ضمن حركية الحداثة العربية التي تجلت أول إرهاصاتها في أربعينيات القرن العشرين فإنه ظل لعقود طويلة محكوماً باشتراطاته الخاصة التي منحته فهماً شخصياً للشعر لم يتنازل عنه حتى نهاية حياته، مثلما ظل النثر محكوماً بهذه المعيارية التي لم تكن تتحدد، كما يبدو، بالشعر وحده إنما كانت تُضاء به جوهراً للإبداع الإنساني، لتسري الندرة على منجزه النثري سريانها على شعره.
إن فكرة (ليس ثمة نثر) التي تحدّث عنها أوكتافيو باث، تجد تحققها في منجز البريكان الذي لم يضع حداً بين نوعين كتابيين، كما لم ينظر لهما نظرة تراتبية تمنح الشعر درجة عالية في سلّم الإبداع فيما يأتي النثر تالياً في درجة أدنى. إن النثر الخاضع عادة إلى توجيه العقل ينزع كما ينصُّ باث " إلى إعطاء كل كلام، وكل جملة، دلالة واحدة. وبما أن الدلالة الواحدة مثال متعذر، وغير قابل للتحقيق، فليس هناك نثر في الواقع". إن النثر، بهذا التصوّر، نوع من صياغة شعرية قوامها تعدد الدلالات. صياغة لا ينجزها المجاز وحده، ولا تسمو في جناح من خيال. إن ثراءً دلالياً يُحرّك النثر باتجاه الشعر، يقرّبه إليه في صياغة تتعدى الراهن بقدر ما تتصدى له، تغور في أعماقه كي تنظر إليه، وهو ما تحقق في حالة محمود البريكان الذي أنتج مقولات نثرية تخضع لتوجيه العقل وتعمل على ترجمته ترجمة شعرية حددت قيمتها وأكدت فاعليتها في ضوء ما أحرزته من موقع في تجربته الإبداعية.
في الذكرى السادسة لرحيل بدر شاكر السياب في العام 1971، قدم محمود البريكان ورقة بعنوان (خواطر حول محنة الشعراء) حيث يطلّ الشعر، مع العنوان، محنة لا منحة، يستقطر الشاعر فيها حكمة الأجيال، ويسبر أغوار الحزن والفرح نازلاً إلى أعماق الشعور الإنساني، إلى جوهره الناصع، من أجل أن"يطلق جناحيه في أبعاد الكون". إن اللحظة العسيرة في محنة الشعراء، بتصور البريكان، هي اللحظة التي تتجسد " في أحلك الأزمنة، حينما يزحف الظلام على العالم، حيث تبقى لامعة عيون الأطفال، وأصوات الشعراء".
يتأمل البريكان غربة الشعراء أمام المنابر، التيه الذي يشعرونه بمواجهة الأضواء البرّاقة، حزنهم أمام التماثيل، مضيئاً المناسبة التي شُيّد فيها تمثال السياب في البصرة، موحداً بين حنين الشعراء وأحلامهم:
" إلام يحنُّ الشعراء؟ وفيم يحلمون؟
وهل لحلم الشاعر نسخة أخرى؟"
إنه يعبّر عن فهمه للشعر والشعراء، عن دور كل منهما في حركة العصور ودورة الزمان، فالشاعر الذي مثّل في تصوّره بشارة التاريخ، يظل بالنسبة له "شاهد العصور، ترجمان الطموح الأعمق في قلب الأرض"، وهو التصوّر الذي عبّر عنه البريكان قبل سنوات من كلمته تلك، فقد كتب في افتتاحية العدد الثاني من مجلة (الفكر الحي) البصرية التي شغل رئاسة تحريرها مع الدكتور محمد جواد الموسوي إن حب الحقيقة "يبلغ أن يكون نوعاً من الاستشهاد. هنا، لا في الضجيج الفاني، يكمن أمجد أمجاد الإنسان". تلك الكلمة التي استعار لها أمثولة نبوية بعد أن عدّ المفكرين ملح الأرض، مستعيداً سؤال السيد المسيح "إن فسد الملح فبماذا يُملّح؟"













سامي مهدي - في ذكرى محمود البريكان


أسعدتم صباحاً ..


مرت يوم أمس ذكرى وفاة الشاعر الكبير محمود البريكان ، لم تكن لي به علاقة وطيدة ، فقد كان حذراَ مني ، ربما لأسباب سياسية ، ولكنه كان واثقاً من حسن نواياي . وهذا بعض ما كان لي معه .
عرفت محمود البريكان من شعره ، وأول ما قرأت له قصائد عمودية في أعداد قديمة من مجلة الأديب اللبنانية ، فلم أكترث له . ولكنه لفت نظري بقصيدتين نشرهما في مجلة ( المثقف ) هما قصيدتاه ( أسطورة السائر في نومه ) (1959) و ( رحلة الدقائق الخمس ) ( 1961) . فهما قصيدتان مختلفتان عن الدارج مما كان ينشر في تلك الحقبة . وحدثني الناقد طراد الكبيسي في أواسط الستينات فأخبرني بأن هاتين القصيدتين لم تعجبا الوسط الآيديولوجي في حينه ، ولكن بعض الشعراء الشباب كانوا معجبين بهما ومنهم صلاح نيازي وحنظل حسين وطراد نفسه . وكانت هاتان القصيدتان بداية شهرته على ما أظن .
غير أن البريكان توقف عن النشر بعد هاتين القصيدتين ، واستمر على ذلك حتى أواخر عام 1968 . فنشر بعض قصائده في مجلة ( الفكر الحي ) التي صدرت في حينه عن مديرية التربية في محافظة البصرة وأنيطت به رئاسة تحريرها .
وعندما أصدرنا مجلة ( شعر 69) حاولنا الإتصال به ، وجهنا إليه رسالة دعوناه فيها لنشر بعض قصائده في هذه المجلة ، ولكننا لم نتلق منه أي رد . ثم قام الشاعر عبد الرحمن طهمازي بالسفر إلى البصرة ، والتقى به هناك ، وحصل منه على بعض قصائده غير المنشورة ، وكتب دراسة عن شعره ، فنشرت الدراسة ، مع قصيدتين غير منشورتين ، في العدد الثالث من المجلة .
وفي العدد الرابع من هذه المجلة كتبت ، أنا ، كلمة بعنوان ( البريكان .. الصموت ) . ومما قلته في هذه الكلمة ( إن ما يهمنا هنا ليس سلوك البريكان وموقفه من النشر – الغريب على أية حال – بل يهمنا الصوت الذي كان يجب أن يكونه في حركة الشعر العراقي . فقد كان مقدراً لمحمود ان يلعب دوراً إيجابياً مؤثراً في هذه الحركة ومسارها ( ... ) وإذا كان تاريخ الأدب سيذكر البريكان يوماً ويعطيه مكانة لائقة بين شعراء جيله ، فإن ذلك سيكون بعد أن يفقد صوته قدرته على التأثير ) . وأحسب أن توقعي هذا كان في محله ، فهو ما حدث على صعيد الواقع .
لا أدري كيف استقبل البريكان كلمتي هذه ، ولكنه لم يرتح لما كتب طهمازي عنه في دراسته ، فجاءني إلى وزارة الإعلام وطلب مني نشر رد على ما كتبه . كانت مجلة ( شعر 69 ) قد أغلقت يومئذ ، وكنت قد كلفت برئاسة تحرير مجلة ( المثقف العربي ) التي تصدرها الوزارة ، وكان هذا أول لقاء لنا فرحبت به أحسن ترحيب ، ونشرت الرد في هذه المجلة ، ثم نشرت للشاعر الراحل حسين عبد اللطيف لقاء أجراه معه ، أو مقالاً كتبه عنه ( لا أتذكر ) فانعقدت بيني وبين البريكان علاقة تعارف إيجابية ، وصار يرسل إلي قصائده الجديدة ، نشرت له ثلاث مرات في ثلاثة أعداد متقاربة من عام 1970 . وشجعه هذا على النشر في مجلة الأقلام ، وبذلك صار له حضور ملموس على الصعيد الثقافي ، وصار الصحفيون يقصدونه ، وصارت الصحف تعيد نشر بعض قصائده ، بمناسبة أو بلا مناسبة .
في تموز عام 1980 عينت مديراً عاماً للثقافة في وزارة الإعلام بعد عودتي من فرنسا . وكان من أوائل ما قمت به توجيه دعوات مكتوبة ( كتب رسمية ) إلى عدد من أدبائنا وباحثينا الكبار لنشر ما لديهم من أعمال مخطوطة ، وكان البريكان في مقدمة من وجهت إليهم الدعوة ، ولكننا لم نتلق منه أي رد . ثم كررنا دعوته بعد شهرين فلم يرد . وكنت أحث صديقه الشاعر حسين عبد اللطيف على الإتصال به وحثه ولكن بلا جدوى ، وكان حسين يبتسم ابتسامته الوديعة ويقول : ألم أقل لك ؟ محمود عاد إلى القوقعة !
ولكن محمود عاد إلى النشر بعد ذلك مرتين ، مرة عام 1993 – 1994 ومرة عام 1998 ، وكان في كل مرة ينشر مجموعة من القصائد دفعة واحدة . وأحسب أنه كان يعاود النشر حين يلحظ أن شعراء آخرين قد سبقوه إلى موضوعات تناولها في شعره المكنوز . وكان في كل مرة ينشر تحذيراً لمنع الآخرين ، وخاصة طهمازي ، من إعادة نشر شعره دون إذن منه . وكأنه لا يريد أن يرحم شعره ولا يدع الآخرين يرحمونه .
آخر حكاية لي مع البريكان رواها قبلي الصديق الشاعر عبد الزهرة زكي ، فقد كان طرفاً أساسياً فيها ، وسأنقلها هنا عنه كما رواها . يقول عبد الزهرة :
( المرة الوحيدة، ربّما، التي طلب فيها البريكان الظهور كانت برسالة قصيرة كتبها لي وحملها منه الي الصديق الشاعر علي الإمارة، ابن مدينته البصرة .. كان علي قد عرض عليه النشر في بعض المجلات العربية ( ذكرها لي في الرسالة ) وكانت الرسالة تشير لهذا العرض لتستفسر مني عن مدى ضرورة النشر في هذه المجلات ، وعما إذا كان يناسبه ، غير أن الأهم في الرسالة هو تصريح البريكان عن رغبته في نشر أعماله عراقياً وفي كتاب يتضمن كامل أعمال الشعر يصدر في بغداد وعن مدى امكانية خروج الكتاب بما يطمئنه ويريحه، وكان ينتظر إجابةً مني . كان للرسالة التي بعث بها قبل وفاته بأشهر وقع خاص في نفسي، فليس من السهل أن تحظى بثقة رجل وشاعر مثل البريكان، من جانب، وليس من السهل أن أقنع نفسي من جانب ثانٍ بمدى جدية البريكان الذي أعرفه في الإقدام، وبهذا اليسر، على أمر كهذا. عدم الوثوق من جدية البريكان لا يعفي المرء من جدية التعامل مع الرسالة، وهذا ما فعلت.
اصطحبت الصديق علي الإمارة مباشرةً ، وزرنا الشاعر سامي مهدي في مكتبه في جريدة الثورة . وحتى إذا ما عرضت عليه أمر الرسالة رحب الرجل كثيراً بالفكرة ( وشاركني الشك أيضاً بمدى جدية البريكان في نشر أعماله كاملةً، برغم أني لم أبح له بشكوكي ) وقال ما معناه إن الكتاب يظهر خلال أسبوع وبأفضل ما يتمناه محمود. فطلبت منه كتابة ذلك في رسالة إلى البريكان ، ففعل الشاعر سامي مهدي بكرم أخلاق ، برغم ان رسالة البريكان لم تكن موجهة إليه .
هذه هي المرة الوحيدة التي طلب فيها البريكان الظهور. لم يكن زمنها بعيداً عن زمن مصرعه ، وهي مرة لم يكن جاداً فيها كما أحسب ، قدر ما كانت محاولة للابتعاد عن موضوع نشر الشعر في المجلات العربية وذلك باختلاق موضوع الكتاب، هكذا فكرت حيث كانت المدة بين إجابته على رسالته ويوم مصرعه كافية لانجاز كل شيء. لم أتابع خلال هذه المدة ولم الحح عليه ، كنت أحترم حريته في تقرير ذلك من دون ضغوطات عاطفية . ) ( انتهى ) .
مشكلة البريكان أنه كان قليل الثقة بالآخرين ، بل هو لم يكن يثق بأحد ، كما يبدو ، وخاصة الشعراء ، وقد ألحق هذا به وبمكانته الشعرية ضرراً كبيراً . فقد عزل نفسه عن الوسط الأدبي ، وعزل شعره عن التفاعل مع حركة الشعر العراقي في الوقت المناسب ، حتى أدت هذه العزلة إلى ضياع الكثير من شعره . وقد حاولت تحليل مشكلته هذه في دراسة لي عنوانها ( محمود البريكان : الوعد الذي لم ينجز ) وهذه الدراسة منشورة في كتابي ( في الطريق إلى الحداثة ) الصادر عام 2013 .
والبريكان هو محمود بن داود بن سليمان البريكان . كان أبوه تاجر قماش . درس الحقوق ، وعمل مدرساً للغة العربية في ثانويات محافظة البصرة . ولد في مدينة الزبير عام 1931 ، وقتل في بيته عام 2002 ، قتله لصوص استفردوه في بيته في ليلة شباطية ، فضاع شعره مع الضائعات .








ماجد صالح السامرائي - لماذا أحجَمَ البريكان عن نشر شعره في زمن السيّاب؟



في العام 1984 كَتَب الشاعر العراقيّ محمود البريكان (مواليد البصرة في العام 1931) قصيدة بعنوان: "الطارق"، يهجس فيها بارتياب أقرب ما يكون إلى الكابوس: "على الباب نقرٌ خفيفْ/ على الباب نقرٌ بصوتٍ خفيفٍ ولكنْ شديد الوضوحْ/ يُعاودُ ليلاً، أراقبهُ، أتوقّعهُ ليلةً بعدَ ليلةٍ/ أصيخُ إليه بإيقاعه المتماثلِ/ يعلو قليلاً قليلا/ ويخفتُ/ أفتحُ بابي/ وليس هناك أحدْ/ مَن الطارقُ المتخفّي؟ تُرى؟/ شبحٌ عائدٌ من ظلام المقابر؟/ ضحيّةُ ماضٍ مضى وحياةٍ خلتْ/ أتت تطلبُ الثأرَ؟/ روحٌ على الأفق هائمةٌ أرهقتها جريمتها/ أقبلت تنشدُ الصفحَ والمغفرة؟/ رسولٌ من الغيب يحمل لي دعوةً غامضة/ ومَهراً لأجل الرحيل". لم يكُن البريكان يتوقّع أنّ ذلك "الطارق المجهول" سيأتيه يوم 28/2/2002 حاملاً إليه الموت في هذه المرّة.. فيغتاله وقد اقتحم باب بيته عليه. وبموت الشاعر محمود البريكان بعملية الاغتيال هذه، اختفت مع اختفاء القاتل، ثروة شعرية تحوي "نِتاجاً يمتدّ لعقود عديدة"، كما أكّد في ذات حديث، ضمّها ذلك "الصندوق الأسطوري" الذي كان يُلقي إليه بكلّ ما يكتب، والتي كانت تبدو له " وكأنّها أجيال وأزمنة تتجاور وتتحاور في ما بينها لتشكِّل موقفي من هذا العالَم".. وهو، كما قال، يشعر "بالاطمئنان لها بمقدار أكثر بكثير من اطمئناني إلى الحياة الواقعية والمعيشة"، لأنّه كان يجد نفسه، كما يقول،"طارئاً على كلّ ما يحيط بي من أشياء ويوميّات، وكأنّني كائنٌ منخطف من أكوان بعيدة، يبحث ويتساءل كلّ لحظة عن أسباب ومسوّغات تبرِّر وجوده هنا"، وفي أحايين كان يشعر "بشِراك هذه الأشياء واليوميّات تشدّني إليها فآنس لكلّ ما تحويه من تفصيلات، حتّى تلك التافهة منها، التي ربّما لا تعني شيئاً على الاطلاق". وإذا كان ذلك "الصندوق الأسطوريّ" قد اختفى بما فيه مع مرتكب الجريمة، الذي ظلّ "مجهول الهويّة" حتّى اليوم، فإنّ "عمليّات سطوٍ" أخرى طاولت نِتاجه الشعريّ المنشور، فقد ظهر، من بعد وفاته، أكثر من "كِتاب" يضمّ المنشور من شعره في صورة "مختارات"، وما فيها كان من مصدرَين وثالث لهما، من دون إشارة الى أيّ منها: القصائد التي تمثّل مرحلته الأولى، والتي ضمّها كِتاب الشاعر عبد الرحمن طهمازي: "محمود البريكان، دراسة ومختارات"، الصادر عن "دار الآداب- بيروت 1989"، وما حصلتُ عليه منه شخصياً من قصائد تجاوزت العشرين من مرحلته الأخيرة، وقد خصّني بها، بطلب شخصيّ منّي، يوم كنتُ رئيساً لتحرير مجلّة "الأقلام"، فأفردتُ لها ملفّاً خاصّاً صدّرته بمقدّمة. وأمّا المصدر الثالث فهو مجلّة "آفاق عربيّة" التي نَشَر فيها قصائد متفرّقة في حقبة التسعينيّات ذاتها. مرّ البريكان الإنسان، بأحوالٍ كانت، كما حياته الشعرية، قد شهدت تغيّرات كان الطابع الأبرز لها، حياته في واقع لم يكُن يبدو على ألفة معه، ولا هو بالمُندمِج بفعله، حتّى الشعريّ منه، حتّى وُصفَ بـ"المعتزل"،مع أنّه كان يرفض أن يوصف بمثل ذلك.. بل كان ينعت نفسه بـ"المتأنّي"، مؤكّداً أنّ علاقته "مع فعل الكتابة ذات صلة مباشرة بوجودي إنساناً يُفكّر أو يتأمّل بغضّ النظر عن إشراك الآخر في هذه التأمّلات"،بل سيذهب مؤكِّداً أنّه يعيش "فعل الكتابة". أمّا الشعر فهو عنده "طقسٌ إنسانيّ لا بدّ له من الاشتراك مع ما له من التحام بغيره لخلق صيرورة وجوده". وفي هذا لم يخرج من كيانه الشخصي، إذ كان ذلك الكيان يتحرّك بـ"ذات صلبة" جعلت منه شاعراً متنبّهاً الى نفسه في ما يكتب، وقد كان يُمكن أن يكون له دَور أكبر في تحوّلات القصيدة الجديدة. فهو كما لم يكُن يكتب ما يكتبه "بشعريّة سائدة"، أو "بشعريّة خالية من المغامرة الفنّية"، فإنّ مفهوم الحداثة يتعيّن عنده "بمدى قدرته على استيعاب المواقف الشاملة، الأكثر تعبيراً عن تلك المسؤولية الكَونية الواقعة على عاتق الإنسان في هذا العالَم". فهو، كما يؤكّد، شاعر يُثير التساؤلات في ما يكتب، ولا يقدّم أجوبة. وإذا كان من بعد وفاة صديقه ومجايله بدر شاكر السيّاب (العام 1964)، بل وقبل ذلك بأعوام، لم ينشر شيئاً من شعره، فإنّ الأمر، على ما يبدو، كان محسوباً من قِبله، إذ أضحى السيّاب في تلك الحقبة، وما بعدها، الشاعر الأكثف حضوراً في الحياة الشعرية، لا في العراق وحده، وإنّما في عموم الوطن العربي والأوساط التي تقرأ العربية.. فجاء احتجابه عن النشر خشية منه أن يضيع صوته تحت ضغط هدير الصوت السيّابي ـ وإن كان هذا لم يحل بينه وبين أن يقف في حفل إزاحة الستار عن تمثاله في البصرة، بكلمة منه تميّزت بفصاحة اللّغة و"إبهام المقصد" وتشتّته بُعداً ومعنى!. وعلى هذا، فإنّه يُوضَع، شعريّاً، من ضمن مرحلتَين: الأولى تنتهي مع نهاية ستّينيات القرن العشرين، وقد بدأت ببداياته الناضجة أوائل الخمسينيّات، وتميّزت بالمنحى السرديّ والروح الملحميّ. أمّا الثانية، وبحسب ما نشر من قصائد، فتبدأ من السبعينيّات وتمتدّ إلى ما قبل رحيله، وقد امتازت قصائده فيها بنزوعٍ تأمّلي، وتركيز على ما يسري مسرى الأفكار والرؤى، مقترباً فيها من المزج بين الواقع والحلم، وإن على نحوٍ مُغاير لما كانت عليه قصيدته في مرحلته الأولى.. (مع أنّه لم ينشر شيئاً في هذه الحقبة، وإنّما سينشره من بعد...) أمّا حين عاد الى النشر، أقلّه في التسعينيّات، فربّما لأنّه وجد الحقبة "حقبة فراغ شعري"، إذ لم يتبقَّ من الأسماء الكبيرة، من جيله بالذات، إلّا أسماء لم يَعُد لها حضورٌ شعري مؤثِّر، أو تشدّ "الانتباه النقدي" الى ما تقول. فعاد، ونَشَر، إلّا أنّ ما نشره لم يكُن في مستوى ذلك "الحضور الأسطوري" الذي نُسج حوله في فترة غيابه! فإن جاءت "قصائد عودته" تبدو لقارئها وكأنّها ليست على شيء كبير من حيويّته الشعرية الأولى، وهي أكثر ميلاً الى التأمّل، فإنّها، بلا شكّ، تمثّل وعياً شعرياً آخر هو غير سالف ما عهدنا منه.. فهو فيها منقطع عن رؤاه القديمة، وكأنّه لا يرغب في "تقليد نفسه" في ما كان له من "بدايات تأسيسيّة"، وهو الذي يحسب نفسه شاعراً امتلَك تجربةً ذات جوهر شعري خاصّ في حركة الشعر الجديد، من دون أن يكون بعيداً، في شيء، عمّا يُعزِّز ذاته الشعرية، متّخذاً مثاله الشخصي في ما يكتب... شعراً. كان الشاعر فيه يتعاطى مع نفسه بتمهّل. وهذا ما يبدو من قصائده الأولى التي امتازت بنبرة سردية خاصّة، لم يكُن فيها يُشبه أحداً، ولم يستطع أحد أن يُشبهه. فقصيدته بقدر ما تبدو سلسة وبلغة قريبة من لغة الحياة اليومية، فقد جاءت في الوقت نفسه مرتفعة بهذه اللّغة إلى مستوى ابداعي متفرّد. وقد ساعدَ على هذا، العصرُ الذي ظهر فيه (أعني حقبة الخمسينيّات، وإن كان قد بدأ الكتابة قبلها)، فقد كان عصر الإيمان بالشعر فنّاً إبداعيّاً متفوِّقاً على الفنون الأخرى. ومع أنّه يُعَدّ من بين الشعراء الروّاد الذين طوّروا القصيدة الحديثة في العراق، فإنّه لم يَظهر بالتأثيرات التي ظهر بها شاعر كالسيّاب. وكما يبدو، فإن كان ليس من الميسور نقديّاً الكتابة عن "شاعر مختلف" من قبيله، لأنّه يتطلّب لغة على صلة بالحداثة، التي لم تكُن سائدة، مفهوماً ومصطلحاً، في نقد تلك السنوات، مع أنّ ذلك العصر قرأه بعين الاهتمام، وتوقّف عنده متأمّلاً في "مختلِف القول الشعري" منه. من هنا جاءت مقدّمة عبد الرحمن طهمازي لمختارات من شعره قراءةً بقدر ما بدا فيها منظوره النقدي/ الحداثي واضحاً، فإنّه استغور فيها عالَم الشاعر الذي وجده يكتب بمعزل عن المألوف والسائد.. يُعيد "إنشاء الشخصيّات" على نحو يجمع بين رؤى الحلم وتجسيدات الواقع بصورةٍ بارعة، كما يجعل من "اليومي" و"العابر" حالات أقرب الى "الطقوسية الشعرية"، جاعلاً لكلّ ما يراه أو يستشفّه، دلالات تتحرّك بالحلم على أرض الواقع، وترتفع بما على أرض الواقع الى مصاف الحلم.. منجذباً، بوجه خاصّ، إلى "الغريب" حالة وأطواراً (كما في "أسطورة السائر في نومه")، والمتوحّد مع نفسه، يُهامسها أو تهامسه، متّخذاً من "الآخر رمزاً"... أمّا "الذات" منه فتتحرّك "حركة استجابة" لهذا "الآخر المختار" بحساسيّة الشاعر، وليس من خارجها.
*كاتب وناقد من العراق













كاظم حسن سعيد البريكان :مجهر على الاسرار وجذور الريادة )ج2



كيف ومتى تعرف البريكان على السياب ؟ افي مقاهي البصرة ام في بغداد ؟..لقد ضمت دار المعلمين العالية في زمن متقارب شعراء سيكون لهم شان مهم في الشعر العربي اغلبهم شبه مفلسين ..عبد الرزاق عبد الواحد بدر السياب عبد الوهاب البياتي ..فيما كان اكرم الوتري والبريكان هناك في كلية الحقوق .في منطقة الحيدرخانة وتحديدا في مقهى حسن عجمي ستنطلق شرارة الشعر الحديث..اي حرب سيخوضها هؤلاء الشبان الواعدون امام قرش المتزمتين. ( هرم من السماورات اللماعة ، تمتد قاعدته على جانبي الموقد ، ثم يصعد متسلقاً حتى يكاد السماور الذي في قمته أن يلامس سقف المقهى . وأمام قاعدة هرم السماورات يمتد صفّ طويل من الأراجيل بألوانها المختلفة . وعلى مساحة مائة متر مربع تقريباً ، التي هي مساحة المقهى كلها ، تمتد التخوت بخطوط متوازية متقابلة ، وبينها يتحرك { شفتالو } صانع المقهى القزم في حركته الدائبة التي لا تنقطع.
ثمن الجلوس في مقاهي الحيدرخانة عشرون فلساً ، يقدم لك مقابلها شاي عراقي صميم ، باستكان مذهّب ! . بينما ثمن الدخول في البرازيلية خمسون فلساً .. تتناول مقابلها فنجاناً من القهوة التركية،او شاياً بالكوب على الطريقة الأوربية..مقهى حسن عجمي الذي فرشت ارضيته وقنفاته بالسجاد الكاشان وانتشرت حتى على الجدران.. كان يرتادها الغالبية العظمى من الشعراء : رشيد ياسين ، بدر السياب ، محمود البريكان ، أكرم الوتري ، وحسين مردان..ثم الجيل اللاحق من الشعراء : سعدي يوسف ، كاظم جواد ، محمد النقدي ، موسى النقدي ، رشدي العامل ، راضي مهدي السعيد ، زهير أحمد ، كاظم نعمة التميمي ، البرازيليتان يرتادهما بلند الحيدري ، وعبدالوهاب البياتي ، والقاص عبدالملك نوري ، والروائي المعروف فؤاد التكرلي ، والأديب نهاد التكرلي . الوحيد الذي كان يتأرجح بين الجهتين هو بلند الحيدري الذي كان غالباً ما يُرى فيهما معا في اليوم نفسه ).
تخيل خلافاتهم ..صراعهم مع رافضي التجديد في جو سياسي مشتعل وظروف نقمة جماهيرية تهدأ وتنفجر ...في فضاء عربي ظهر فيه نخبة مميزة من المفكرين والادباء والشعراء فيما كانت الصحافة المصرية واللبنانية الادبية ترفد القراء باهم النتاجات العالمية ..(لقد تمكنت الصحافة اللبنانية من تشذيب اللغة وتجديدها م ).. وكانت اعاصير الحرب العالمية الثانية تجمّر الذكريات..في هذا الجو كان البريكان صديقا للجميع..يتحاشى الصدامات..بعيدا عن السياسة ..وهو الراصد الحيوي لمجرياتها
.
.كان البريكان يتعايش بسلام معهم جميعا , بعيدا عن الاحتدامات.. محصنا نفسه بدرع لا يخترق..(في معهد المعلمين كنت احضر المآتم ولا اقصد الاعراس..لكني كنت اساهم بمبلغ تحاشيا للتقولات .. م)... وقد رايته يحتمل من بعض الاصدقاء ما لا يحتمل ..فقد كان القاص يزورنا كل جمعة تقريبا قبيل الغداء بقليل وبعدما نتاول الطعام ونرتشف الشاي يغط بالنوم جالسا على اريكة الهول... لا انسى في مرة نظرة البريكان الجزعة اليه كان في عمر متقدم ويحتاج لغفوة في الظهيرة كنت احس بارهاقه وهو ينتظر الرجل ان يحس فيغادر ..
( كان بلند الحيدري ياتي الى المقهى وينادى نحن لسنا انبياء لننوء باكثر مما نستطيع م )..لكنه ان رد يكون قاسيا ..فقد احتج بعض الادباء على مفردة<الناس > في احدى قصائده باعتبارها جمعا رغم ان البيت مشهور للبيد(وسؤال هذا الناس كيف لبيد)..فارسل من يوصل جوابه : (انا استطيع ان ابعث لهم قاموس المنجد ليتأكدوا)..وكنت حاضرا وقت قصده وفد من الادباء يدعونه لحضور مهرجان في بغداد فاعتذر وتكررت زيارتهم مرات فلم ينجحوا باقناعه ..فحاول احدهم ان يلمح بنبرة تهديد قائلا (وماذا نقول لعدي صدام حسين ان لم تحضر ) فاجابهم بجرأة معهودة (اخبروه باني مريض)..فعادوا ادراجهم ..
<اعترف ان التعامل معي صعب ..فانا بسيط الا بقلمي فهو عصي الا بارادتي م) .(قلت لصديقي يوما <لست لغزا لكن فهمي بالغ التكاليف < )..(كان والدي يصر على ان ادخل كلية الحقوق. فدخلتها مكرها وكان طموحي يتجه للاداب..انه الخيار الذي اثر على حياتي ..لولا اصراره لحصدت الدكتوراه في الادب وتجاوزت المعرقلات ..كنت ادرس في مدرسة واواصل دراستي في الوقت نفسه في الكلية ..فكرة ابي ان التحصيل الدراسي يجعلك تمارس وظيفتك تحت رحمة مروحة ..كنت اتحرج اطلب منه حتى الضروريات..بعد عامين انقطعت عن الدراسة لامارس التعليم تحت ضغط الظروف لقد مر والدي بخسارة في العمل التجاري ..وقلت لاخي ساكمل الجامعة لا حقا فاجابني :(لا يمكن )..سافرت الى الكويت وهناك عشت في غرفة تضم سبعة اشخاص و مارست التعليم في مدرسة قتيبة..تحملت الظروف القاسية ..والتحق بنا رجل هندي يلح بالسؤال (<كجن ..اكو كجن >< مطبخ >..كان يعاني من جوع مزمن ..هناك في الكويت رايت الكادحين وعرقهم و تشربت بمعاناتهم ,تاملت قسوة حياتهم ..وكانت الفئة المتنفذة تضع براميل على مساحات شاسعة لتتحول ملكا لهم.بعد سنوات وصلت دمشق.. ودخلت الحقوق الا ان احداث ثورة 1957 عجلت بعودتي الى العراق.. (كان الجو متوترا في سوريا والانسان عرضة للتساؤل )..فقدمت طلبي الى العميد في البصرة , كان مشغولا باوراق على الطبلة امامه واهملني فخاطبته (استاذ انه مصير انسان )..فقبلت واكملت دراستي..لكني لم امارس المحاماة التحقت في التعليم الابتدائي ثم المتوسطة..












الفهرست

الكتاب
مقدمة
عبد الله البريكان
صفاء ذياب
نوزارد حسن
سعد جاسم
نوزارد حسن
نوزارد حسن
رجب بركات
د.لؤي حمزة عباس
سامي مهدي
ماجد صالح السامرائي



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة لاستعادة الانوثة قصيدة
- نسيج البلبروق ج1 كتاب كامل
- مقدمة كتابي نسيج البروق ج 1
- شعرية الذات العميقة.
- كربلاء هي لا وليست طقوسا
- رقصات عابرة
- نظرة للامام مذكرات ج2 كتاب كامل
- قراءة في شهوانية رجل سبعيني
- كتاب تسجيل لحكايا برقية
- نظرة للامام مذكرات. ..الرملة
- منتدى افق البيان
- مذكرات ليست مهمة..فلفل بارد
- ظاهرة الالقاب
- كتاب حدائق الصمت نادية الابراهيمي
- كتاب مشاعر هشة نادية الابراهيمي
- اقنعة النقد
- مشاعر لم تشرق عليها شمس البوح يوما
- كتابات حول مشاعر هشة
- جسد الطوائف رواية تجسد العنف باسم الدين
- رانية مرجية تصدر روايتها الأولى الرملة ٤٠٠ ...


المزيد.....




- عودة الثنائيات.. هل تبحث السينما المصرية عن وصفة للنجاح المض ...
- اختفاء لوحة أثرية عمرها 4 آلاف عام من مقبرة في سقارة بالقاهر ...
- جاكلين سلام في كتابها الجديد -دليل الهجرة...خطوات إمرأة بين ...
- سوريا بين الاستثناء الديمقراطي والتمثيل المفقود
- عامان على حرب الإبادة الثقافية في قطاع غزة: تدمير الذاكرة وا ...
- من آثار مصر إلى الثقافة العالمية .. العناني أول مدير عربي لل ...
- اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان
- الوزير المغربي السابق سعد العلمي يوقع -الحلم في بطن الحوت- ف ...
- انتخاب وزير الثقافة والآثار السابق المصري خالد العناني مديرا ...
- بعد الفيلم المُرتقب.. الإعلان عن موسمين جديدين من مسلسل -Pea ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - نسيج البروق ج2 كتاب كامل