أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - مدخل بصري الى النص الشعري















المزيد.....

مدخل بصري الى النص الشعري


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 10:09
المحور: الادب والفن
    


مدخل بصري إلى النص الشعري
في قصيدته "جثة الزقاق"، يقدم الشاعر العراقي كاظم حسن سعيد نصاً شعرياً مكثفاً يمكن قراءته كما يُشاهد فيلم سينمائي. القصيدة ليست مجرد تأمل في تحولات اجتماعية، بل هي سرد بصري درامي يرصد انحدار مجتمع حيّ من ذروة الانفتاح إلى قاع الانطفاء. عبر مشهدين متضادين، يصوغ الشاعر مرثية لزقاق كان ينبض بالحياة، ثم تحول إلى جثة هامدة، مغلقة على نفسها.
 
المشهد الأول: زقاق ينبض بالحياة
يفتتح النص بمشهد بانورامي لزقاق شعبي، يعج بالحركة والضجيج، وكأنه مسرح مفتوح للحياة اليومية. الأبواب مشرعة، لا تعرف الأقفال، والأصوات تتداخل بلا حواجز: رقص، طبول، صراخ، همسات، خطط خماسية، وحتى رائحة الخمر تتسلل من النوافذ الخشبية. العشق فيه سهل، يكفي صفير ليظهر الحبيب، والأنوثة تتجلى بين السياط والحنان.


الزقاق هنا فضاء مكشوف، حي، يتنفس بحرية. حتى الفوضى تُقدَّم كعلامة على حيوية اجتماعية، حيث الشجار بلا دماء، وسرعان ما يُنسى. إنه مجتمع يتداخل فيه الخاص والعام، وتُسمع فيه الأسرار عبر الجدران، دون خوف أو تحفظ.
 
المشهد الثاني: انطفاء تدريجي
ثم، وبقطع سينمائي مفاجئ، ينتقل النص إلى مشهد قاتم. الزقاق ذاته يبدأ بالاحتضار، ليس فجأة، بل عبر "عمليات تقطير بطيئة". الأصوات تتقلص، الذئاب تتجول، والصمت ينتصر. البيوت تتحول إلى "قنافذ"، ترفع "رماحها لأبسط حركة"، ثم تصبح "قلاعاً سرية عصية". الأبواب تُغلق إلى الأبد، والحركة تنقرض، والأواصر تتهاوى.
هنا، تتحول الكاميرا إلى لقطات ضيقة، مظلمة، تبرز النوافذ كأشواك، وتُظهر البيوت ككتل صخرية مغلقة. الصوت يختفي، ويحل محله صمت ثقيل لا يقطعه سوى الريح، ما يخلق إحساساً عميقاً بالاحتضار.
 

مونتاج التضاد: من الضوء إلى الظل
القصيدة تُبنى على مونتاج بصري متضاد:
•           المشهد الأول: لقطة واسعة في ضوء النهار أو ليل دافئ، بكاميرا متحركة تلاحق تفاصيل الحياة، من الأطفال إلى العشاق، ومن النوافذ إلى الشجارات. المونتاج سريع، يؤكد على الفوضى الحميمية والشفافية العاطفية.
•           المشهد الثاني: لقطة ضيقة في ظلام بارد، حيث تتحول البيوت إلى قلاع مغلقة، والنوافذ إلى أشواك. الصوت يختفي، ويحل محله صمت مطبق، يعمّق الإحساس بالانطفاء.

هذا التضاد البصري يعكس التحول النفسي والاجتماعي، ويجعل من القصيدة تجربة سينمائية كاملة، تُشاهد كما تُقرأ.
 

نقد فني: رمزية الصورة وقوة البناء
تكمن قوة القصيدة في بنائها الدرامي ولغتها المكثفة. العنوان نفسه "جثة الزقاق" هو استعارة بليغة لموت المجتمع. من أبرز الصور الرمزية "البيوت القنافذ"، التي تُعد من أروع الاستعارات المعاصرة للتعبير عن الانغلاق والخوف المتبادل. القصيدة ترصد لحظة التحول من العفوية إلى العزلة، وتقدم تشريحاً دقيقاً لانهيار الروابط الاجتماعية، بلغة شعرية مشحونة بطاقة بصرية.
 
عن الشاعر: كاظم حسن سعيد
كاظم حسن سعيد هو شاعر وأديب وصحفي عراقي، يتميز بإنتاج أدبي متنوع يشمل الشعر والسرد والمذكرات، خاصة أدب السجون، كما في كتابه "جحيم المعتقلات في العراق". أسلوبه يجمع بين السرد الوثائقي واللغة الشعرية، ويعكس طاقة نابعة من تجارب الكبت والانغلاق. يرى الكتابة فعلاً مقاوماً وواجباً إنسانياً، لا ترفاً فكرياً، ويولي اهتماماً خاصاً لرصد تحولات العصر وجنونه.

سامية عرموش
مندوبة حيفا24نت
 ---------------
رانية مرجية
جثة الزقاق
قراءة معمّقة في قصيدة “جثة الزقاق،،
العنوان: من الجسد إلى الذاكرة



العنوان وحده يحمل صدمة معرفية وشعرية في آنٍ واحد.

“جثة الزقاق” — كأنّ المكان الذي كان حيًّا، يضحك، يتنفس، يلهو، أصبح الآن جثةً تُسجّى فوق ذاكرة الشاعر.

الزقاق هنا ليس مساحة جغرافية، بل كائن حيٌّ مات اجتماعيًا.

إنه رمز لمجتمعٍ فقد إنسانيته، لزمنٍ لم يعد يسمح بالبساطة أو بالانكشاف،

ولذلك فالجثة ليست مادية، بل ميتافيزيقية؛ إنها تمثّل موت الروح الجمعية، موت الضحكة، موت الجيرة، وموت الحميمية.

الجزء الأول: الزقاق الحيّ — الفوضى التي كانت حياة



يبدأ الشاعر لوحته الأولى بتصوير حيٍّ شعبيٍّ صاخبٍ، تتشابك فيه الأصوات، الروائح، الرغبات، والطقوس اليومية:



“شارع الرقص والطبول والتلاوة…”


هذه المفارقة البديعة — أن يجتمع الرقص مع التلاوة — ليست عبثًا، بل اختزالٌ عبقريٌّ لروح الإنسان الشعبي،

ذلك الإنسان الذي يعيش التناقضات دون أن يراها تناقضًا،

فهو يرقص ويبكي، يشرب ويدعو، يحب ويغضب، في انسجامٍ مع فطرته الأولى.



الزقاق عند كاظم حسن سعيد في هذا المقطع ليس مسرحًا خارجيًا، بل مجاز للإنسان العربي ذاته:

إنسانٌ مثقلٌ بالرغبات، بالقيود، بالموروث، بالذنب، وبالحاجة إلى الفرح ولو من فتات.



حين يقول:



“يكفي عاشق أن يصفر فتظهر بشعرها المبلل في الباب…”


فهو لا يصف امرأةً عابرة، بل حالة التوق الإنساني العارية من الخوف.

ذلك الزمن الذي كانت فيه الرغبة ممكنة، واللقاء محتملًا، والأنوثة لا تُخاف منها بل تُحتفى بها.



لكنّ هذا الربيع الشعبي يطفو فوق أرضٍ رخوة من الخرافة والفقر:



“يعلقون سبعة عيون وهم مفلسون…”


هنا يلمح الشاعر بذكاءٍ إلى ازدواجية الوعي الجمعي:

فقرٌ مادي، وإيمانٌ هشّ، واعتقادٌ بالخرافة بدلًا من مواجهة الواقع.



الزقاق إذًا في هذا المقطع كائنٌ نابض بالحياة، لكنه مهدد منذ البداية؛

فكلّ ضحكةٍ فيه تُخفي وجعًا، وكلّ رقصٍ فيه ظلّ خوفٍ طويل.

الجزء الثاني: الزقاق الميت — التحوّل إلى القوقعة



“البيوت تغيّر بعض ساكنيها…”


هنا يدخل النص مرحلة التحلل.

لم يمت الزقاق فجأة، بل عبر عملية “تقطير بطيئة” كما يقول الشاعر — وهذه العبارة في غاية الدقة الشعرية والرمزية.

الانكماش بدأ تدريجيًا، تمامًا كما يذبل الجسد ببطء.



“تتحجم الأصوات، تتجول الذئاب، ينتصر الصمت الكلي…”


في هذا المشهد، يتحول الضجيج إلى صمت، والحياة إلى ترقب، والبيوت إلى قلاعٍ دفاعية.

يُعلن الشاعر عن نهاية العلنية، وبداية “الخفاء”.

كأن المجتمع الذي كان يحتفي بالحياة، صار يخاف منها.



الذئاب ليست كائناتٍ مفترسة بالمعنى الحيواني، بل رمزًا للتحول الاجتماعي الخطير:

انقراض التضامن، حلول الأنانية، واستبدال الجيرة القديمة بالريبة والانعزال.



“تصبح الدور قنافذ تنتفض رماحها لأبسط حركة…”
صورة مذهلة في الاقتصاد والدقة.
البيت لم يعد مأوى، بل كائن خائف متأهب للدفاع.
فقد الجيران صوتهم المشترك، وصارت الجدران لا تقي من العزلة بل تؤكدها.


وفي النهاية:



“يحتضر الزقاق…”
ليصبح المكان نفسه ضحية صامتة لتحولات المجتمع الحديث.
القصيدة بُنيت على حركة جدلية بين قطبين:



من الفوضى إلى الصمت: التحوّل الرمزي في النص

المحور

الدلالة الأولى

الدلالة الثانية

الزقاق

الحياة المشتركة

الموت الرمزي

الجسد الجمعي

الانفتاح، الجيرة، اللحم الحيّ

الانغلاق، الفردية، الصمت

الصوت

حيوية، ثرثرة، حضور

غياب، خوف، رقابة

المرأة

رمز العفوية والرغبة

ضحية العزلة والقمع

الذئب



الحيوان الخارجي

الإنسان الذي تحوّل إلى فريسة

ذاته

بهذا التناقض البنائي، يكتب كاظم حسن سعيد مرثيةً حضارية بقدر ما هي مرثية مكانية.

إنه لا يرثي زقاقًا، بل زمنًا، وذاكرةً جماعيةً كانت تربط الناس ببعضهم بلحم الهمّ والفرح، قبل أن يذيبها “التقوقع” و”الخوف من الآخر”.

البنية الفنية: سردية شعرية بلغةٍ عارية



القصيدة تمزج بين الأسلوب السردي واللغة الشعرية المكثفة.

البيت عند كاظم ليس وحدة إيقاعية، بل مشهد بصريّ.

تتحرك اللغة مثل الكاميرا: من اللقطة العامة إلى التفاصيل الدقيقة،

من ضجيج النهار إلى سكون الليل، من الجسد الجماعي إلى جثة المكان.



الإيقاع الداخلي يعتمد على التكرار الواعي للأفعال (تتحجم، تنتفض، تنقرض…)

وهو ما يخلق إحساسًا تدريجيًا بالانكماش — كأن النص نفسه يختنق مع المكان.



كذلك، يوازن الشاعر بين التقريرية والتحليق المجازي:

فهو يسمي الأشياء بأسمائها، لكنه يحمّلها أكثر مما تحتمل من دلالات،

فيغدو الزقاق مسرحًا وجوديًا لا شعبيًا فحسب.

المعنى الفلسفي: موت الجماعة وولادة العزلة



القصيدة، في عمقها، تتحدث عن تحوّل الإنسان العربي من كائنٍ جماعيٍّ إلى كائنٍ فرديٍّ مذعور.

حين ماتت الساحات، أغلقت النوافذ، وأصبحت الجدران أسمك من الروابط.

لم يعد الزقاق يشهد الرقص والتلاوة، بل الصمت والترقب.

لقد تحوّل المجتمع إلى قنفذ: يحمي نفسه من كل شيء، حتى من الحب.



وهذا هو لبّ القصيدة:

أنّ الموت الحقيقي لا يكون حين تنطفئ الحياة، بل حين تُغلق الأرواح نوافذها خوفًا من الضوء.

خاتمة: من الزقاق إلى الإنسان



في النهاية، لا يتحدث كاظم حسن سعيد عن “جثة الزقاق” فقط،

بل عن جثة الإنسان الذي فقد صوته، ومات وهو حيّ.

قصيدته وثيقة فنية عن زمنٍ ما بعد الفرح،

عن مجتمعاتٍ أصبحت “تتحرك بدافع الحذر لا بدافع الحب”،

وعن ذاكرةٍ تئنّ من فقدان دفئها القديم.



إنها ليست قصيدة في الحنين، بل في الوعي الموجع؛

وعيٌ بأنّنا خسرنا المكان، وخسرنا أنفسنا معه،

وأنّ الزقاق الذي مات في النص هو صورةٌ رمزية للعالم الذي نعيش فيه اليوم:

مليءٌ بالبيوت، خالٍ من الجيرة، يعجّ بالناس، خالٍ من الإنسان.
---------



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسمار مشوش الذاكرة قصيدة
- جثة السوق قصيدة
- عصر الترندات
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل
- تفاعلات كيميائية قصيدة
- (مذكرات ماسنجر مزيح الاقنعة
- هولاكو قصيدة
- مهمة مزعجة قصيدة
- لدى الطبيبين قصيدة
- ضيف متردد قصيدة
- الذين لا يحتفلون نقد
- الذين لا يحتفلون
- رؤى نقدية لقصيدة الثوري المهمش
- تثبيت الدين بالسيوف
- لعبة الحروب قصيدة
- اضاءة في اعماق السقوط
- سقوط لسقوط قصيدة
- التفريغ لاجل الامتلاء)
- رؤى نقدية حول قصيدة الايام الاولى بالجنة
- الايام الاولى بالجنة


المزيد.....




- -أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق ...
- إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس ...
- بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب ...
- حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع ...
- الأنثى البريئة
- هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخاً بديلاً عن الإنسان؟
- حلم مؤجل
- المثقف بين الصراع والعزلة.. قراءة نفسية اجتماعية في -متنزه ا ...
- أفلام قد ترفع معدل الذكاء.. كيف تدربك السينما على التفكير بع ...
- باسم خندقجي: كيف نكتب نصا أدبيا كونيا ضد الإستعمار الإسرائيل ...


المزيد.....

- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- پیپی أم الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - مدخل بصري الى النص الشعري