|
الذين لا يحتفلون نقد
كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 00:14
المحور:
الادب والفن
الذين لا يتفلون. ....نقد طاب مساءكم🌹
هذه القصيدة المؤثرة للشاعر كاظم حسن سعيد تمثل صرخة إنسانية مدوية تعبر عن الجانب المنسي في الحروب ذلك الجانب الإنساني العميق الذي يغيب وسط هتافات النصر ورفع الأعلام.
إنها ترسم لوحة مؤلمة لما تخلفه المعارك من دمار نفسي واجتماعي لا يقل فظاعة عن الدمار المادي. فبينما يحتفل المنتصرون يبقى الضحايا الحقيقيون يعانون وحيدين. القتلى في مقابرهم يشعرون بالندم على ما فقدوه، والأرامل والثكالى تستمر حروبهن الشخصية إلى ما لا نهاية.
الشاعر يسلط الضوء على المأساة الإنسانية الخفية التي تتجاوز الخسائر المادية. إنه يتحدث عن الذكريات المحترقة تحت الركام والعاشقة الوفية التي تحول دموعها إلى جثة رمزية، والطيور التي فقدت أعشاشها فلم تعد تجد ملاذا.
هذه الرؤية تذكرنا بأن الحرب لا تنتهي بإعلان وقف إطلاق النار بل تتحول إلى معاناة يومية تعيشها النفوس التي فقدت أحباءها، والقلوب التي تحمل جراحا لا تندمل.
في سياق حرب غزة تأتي هذه القصيدة كتذكير مرير بالثمن البشري الفادح الذي يدفعه المدنيون. فهؤلاء الذين فقدوا منازلهم وأحباءهم وأحلامهم لن تمنحهم اتفاقيات السلام نصرا يحتفلون به. حربهم ستستمر في ذاكرتهم وجروحهم وأحلامهم المفقودة.
الشاعر في النهاية يطرح سؤالا وجوديا مؤلما: "من يقرأ حزني؟" وهو سؤال يلخص مأساة الإنسان العادي الذي يضيع صوته وسط ضجيج السياسة وخطابات النصر.
إنها دعوة إلى عدم نسيان الضحايا وإلى إدراك أن السلام الحقيقي لا يتحقق بمجرد توقيع الاتفاقيات بل بمعالجة الجروح العميقة وبناء غد أفضل لأولئك الذين دفعوا ثمن الحرب من دمائهم ودموعهم.
تحياتي واحترامي🌺🌸
د. عادل جودة --------------** --------------** ⸻
🕯️ دراسة نقدية تحليلية معمقة
في نص الأديب كاظم حسن سعيد: “الذين لا يحتفلون”
✍️ بقلم: رانية مرجية 2025
⸻
أولًا: مدخل عام — الحرب بوصفها مرآة الإنسان المقهور
في نصّه المكثّف والموجع “الذين لا يحتفلون”، يقدّم الأديب كاظم حسن سعيد رؤية شعرية شديدة الوعي والوجع معًا، تُعيد تعريف مفهوم الانتصار من منظورٍ إنسانيّ يتجاوز ضوضاء المعارك إلى صمت القبور. ليس النص سردًا لحربٍ بعينها، بل هو تجريد إنساني شامل لكل الحروب، فكلّ حربٍ تنتهي لتبدأ أخرى في داخل الإنسان، وفي ذاكرة الأشياء.
الحرب عند كاظم ليست حدثًا سياسيًا، بل جرحٌ وجوديّ مفتوح يفضح هشاشة المعنى في عالمٍ يحتفل بالدم بينما تنزف الأرواح بصمت.
⸻
ثانيًا: الرؤية الفكرية — مفارقة النصر والهزيمة
يستهل الكاتب نصه بعبارة تحمل التناقض الجوهري:
«كلما انتهت معركة رفع المتقاتلون الأعلام وهتفوا بالنصر، تضج الشوارع بالكرنفال.»
تبدو الجمل في ظاهرها احتفالية، لكن سرعان ما تنقلب الصورة، فالمقابل يأتي مفاجئًا وصادمًا:
«وحدهم القتلى ينظرون لبعضهم في المقابر ويشعرون بالندم…»
هنا يكشف الكاتب عن انقسامٍ ميتافيزيقي في وعي الإنسان: فهناك من يعيش النصر في الجسد، وهناك من يرى الهزيمة في الروح. القتلى ــ وهم شهود الحقيقة الغائبة ــ يرون عبثية الدم الذي أُريق باسم النصر، فيشعرون بالندم. إنها إدانة مزدوجة: للحرب من جهة، وللإنسان الذي يختار التصفيق لها من جهة أخرى.
⸻
ثالثًا: البنية الجمالية واللغة الشعرية
1. التكرار كإيقاع جنائزي
يستخدم الشاعر التكرار في «وحدهم»، «وحدها» بطريقة مدروسة لتكريس العزلة:
«وحدهم القتلى… وحدها الثكلى… وحدها المقتنيات… وحدها العاشقة… وحدها الطيور…»
هذا التكرار لا يُنشئ موسيقى فحسب، بل يبني إيقاعًا وجوديًا يشي بوحدة المأساة، ويحوّل النص إلى نشيد رثائي متتابع النبض، كنبض الأرض بعد الانفجار.
2. اللغة بين النثر والشعر
النص يقوم على الشعرية النثرية — لغة مشحونة بالعاطفة، خالية من الوزن لكنها غنية بالإيقاع الداخلي. تتحرك الصور في مستويات متعددة: حسية، رمزية، وروحية. فـ«المقتنيات الأثيرة تئن تحت الركام» لا تُصوّر مشهدًا مادّيًا فحسب، بل تشير إلى انكسار الذاكرة الجمعية، حين يتحوّل البيت والوطن إلى ركام، والذكريات إلى رمادٍ يئنّ.
⸻
رابعًا: الرموز والدلالات العميقة
1. القتلى والندم
الندم الذي يشعر به القتلى ليس ندمًا على موتهم، بل على المعنى المفقود لموتهم. إنهم يكتشفون بعد فوات الأوان أن الحرب لا تمنح الخلاص بل تستنزف المعنى. بهذا المعنى، القتلى أكثر وعيًا من الأحياء، لأنهم خرجوا من دائرة الوهم.
2. الثكالى والأرامل
هنّ رمز للزمن المتجمّد؛ عندهن لا تنتهي الحرب، لأن الفقد لا يعرف هدنة. إنّ الكاتب يجعل من المرأة — الثكلى والعاشقة والأرملة — مجازًا للحياة التي تعيش موتها اليومي.
3. المقتنيات المحترقة
رمزٌ للأشياء التي شهدت الحياة ثم أُبيدت. الأثاث، الصور، الملامح — جميعها تتحوّل إلى كائناتٍ باكية تحت الركام. وهنا تُستعاد أنسنة الجماد بوصفها ذروة الحسّ الإنساني في النص.
4. العاشقة الوفية
الصورة الأجمل والأكثر ألمًا:
«تصنع جثة من الدموع، وقد لمست تابوته قبل أن يغمره الكافور.»
إنها أنثى تتحوّل إلى كاهنةٍ في معبد الحزن، تغسل حبيبها بدموعها، وتعيد له جسده من ماء عينيها. هنا يتجلّى التصوير الصوفي للحب؛ فالحب لا يموت، بل يتجسد من الدموع كمعموديةٍ للحياة بعد الموت.
5. الطيور الحزينة
رمز الطبيعة المقهورة، الوطن الذي عاد منفيًا إلى فراغه. الطيور التي لم تجد أعشاشها هي كلّ روحٍ شرّدتْها الحرب من مأواها.
⸻
خامسًا: التحوّل الدرامي — من الجمع إلى الفرد
ينتقل النص في نهايته من ضمير الجمع إلى ضمير المتكلّم:
«وأنا بعد انتهاء مهزلة الحروب من يقرأ حزني؟»
إنها ذروة الانكشاف الإنساني؛ فبعد أن كان الحديث عن الجميع، يصبح الحزن شخصيًا، حميمًا، متفردًا. يتحوّل الراوي من مراقبٍ للكارثة إلى شاهدٍ عليها، بل إلى أحد ضحاياها.
السؤال الأخير ليس استفهامًا بل صرخة وجودية. «من يقرأ حزني؟» ليست طلبًا للتعاطف، بل اتهامًا للعالم بالصمم.
⸻
سادسًا: الرؤية الفلسفية — عبث الانتصار واغتراب الإنسان
ينتمي النص إلى المدرسة الوجودية الإنسانية الحديثة، حيث يصبح الفعل الإنساني بلا معنى في غياب الوعي الأخلاقي. الكاتب يدين فكرة “الانتصار” حين تُبنى على فناء الآخرين. فالذين يحتفلون بالنصر هم في الحقيقة الخاسرون أخلاقيًا، لأنهم فقدوا قدرتهم على الحزن، بينما الذين لا يحتفلون هم وحدهم الأحياء الحقيقيون، لأنهم ما زالوا يشعرون.
بهذا، يتحوّل النص إلى مانيفستو ضد الحرب وضد تصفيق الجموع، وإلى دفاعٍ عن إنسانية الإنسان في زمنٍ يبيعها على موائد السياسة.
⸻
سابعًا: البنية الفنية والبصرية
من الناحية التركيبية، يعتمد النص على: • التوازي الإيقاعي: عبر تكرار “وحدهم/وحدها”. • القطع الزمني المفاجئ: من “كلما انتهت معركة” إلى “أنا بعد انتهاء مهزلة الحروب”، ما يمنح النص طابعًا سرديًا متسلسلاً رغم قصره. • الإيجاز الدلالي: لا جملة زائدة، ولا وصف عبثي؛ كل كلمة تؤدي وظيفة عاطفية وفكرية.
إنّ التكثيف في هذا النص يعادل رواية كاملة في بضعة أسطر، لأن الكاتب يكتب من حافة التجربة الإنسانية، لا من سطحها.
⸻
ثامنًا: التقييم الفني والإنساني
يتميّز النص بما يلي: • الصدق الوجداني العميق: لا شعارات ولا خطابة. • المفارقة الجمالية: بين الاحتفال والمأتم، بين النصر والندم. • الشحنة العاطفية المركّبة: بين الحب، الموت، والذاكرة. • الجرأة الفلسفية: في مساءلة المعنى ذاته للانتصار.
إنه نص يرقى إلى مستوى التأملات الكبرى في الأدب العالمي، إذ يجاور في روحه نصوصًا مثل «موت بائع متجول» لأرثر ميلر و«جدارية» لمحمود درويش، في كونه شهادة على خيبة الإنسان أمام عبث العالم.
⸻
تاسعًا: الخاتمة — من يحتفل فعلًا؟
بعد كل حرب، تُقام المهرجانات وتُرفع الأعلام، لكنّ الحزن يظل هو الحقيقة الوحيدة التي لا تُذاع في نشرات الأخبار.
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذين لا يحتفلون
-
رؤى نقدية لقصيدة الثوري المهمش
-
تثبيت الدين بالسيوف
-
لعبة الحروب قصيدة
-
اضاءة في اعماق السقوط
-
سقوط لسقوط قصيدة
-
التفريغ لاجل الامتلاء)
-
رؤى نقدية حول قصيدة الايام الاولى بالجنة
-
الايام الاولى بالجنة
-
بلاغة الاختفاء كتاب يهتم بادب البريكان
-
نسيج البروق ج2 كتاب كامل
-
محاولة لاستعادة الانوثة قصيدة
-
نسيج البلبروق ج1 كتاب كامل
-
مقدمة كتابي نسيج البروق ج 1
-
شعرية الذات العميقة.
-
كربلاء هي لا وليست طقوسا
-
رقصات عابرة
-
نظرة للامام مذكرات ج2 كتاب كامل
-
قراءة في شهوانية رجل سبعيني
-
كتاب تسجيل لحكايا برقية
المزيد.....
-
القُرْنة… مدينة الأموات وبلد السحر والغموض والخبايا والأسرار
...
-
ندوة في اصيلة تسائل علاقة الفن المعاصر بالمؤسسة الفنية
-
كلاكيت: معنى أن يوثق المخرج سيرته الذاتية
-
استبدال بوستر مهرجان -القاهرة السينمائي-.. ما علاقة قمة شرم
...
-
سماع الأطفال الخدج أصوات أمهاتهم يسهم في تعزيز تطور المسارات
...
-
-الريشة السوداء- لمحمد فتح الله.. عن فيليس ويتلي القصيدة الت
...
-
العراق يستعيد 185 لوحا أثريا من بريطانيا
-
ملتقى السرد العربي في الكويت يناقش تحديات القصة القصيرة
-
الخلافات تهدد -شمس الزناتي 2-.. سلامة يلوّح بالقضاء وطاقم ال
...
-
لماذا قد لا تشاهدون نسخة حية من فيلم -صائدو شياطين الكيبوب-
...
المزيد.....
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|