أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - قراءة في تشظي الوعي وانكسار المعنى















المزيد.....

قراءة في تشظي الوعي وانكسار المعنى


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 17:44
المحور: الادب والفن
    


اهتم بحيادية القراءة النقدية حين تتجاوز الضغط الاكاديمي طرحا والمصطلحات المقنعة وان يتحول الناقد الى قاريء افكار غير معني بالاهم وهو مستوى الفن ونوعيته، تمكن بسام العمري ان يحقق بعضا من هذا الطموح في قراءته ل ( مسمار مشوش الذاكرة).

(محمد بسام العمري
مسمار مشوّش الذاكرة: قراءة نقدية في تشظّي الوعي وانكسار المعنى»
النص «مسمار مشوش الذاكرة» للشاعر كاظم حسن سعيد يقدّم رؤية عميقة تتجاوز ظاهر السرد إلى جوهر الوجود الإنساني، إذ يتحول فيه المسمار من أداة جامدة إلى كائن واعٍ، يعيد سرد التاريخ من موقعه المهمّش، فيعيد تشكيل الذاكرة الإنسانية من زاوية الأشياء التي صمتت طويلاً. إنّ هذه الرؤية تمنح النص طابعاً فلسفياً وإنسانياً في آنٍ واحد، وتجعل منه نموذجاً للنصوص التي يمكن قراءتها من زوايا نقدية متعدّدة تتكامل ولا تتنافى، لما يحمله من طبقات رمزية وتاريخية واجتماعية ووجودية.
من المنظور الشكلي والبلاغي، يتّكئ النص على بناء لغوي متين، تتناوب فيه الجمل الطويلة والقصيرة لتصنع إيقاعاً متوتراً ينسجم مع اضطراب الذاكرة في صوت الراوي، فتتجلّى جماليات الإيقاع الداخلي من خلال الانزياح والتكرار وتوظيف المفارقة بين الحركة والسكون، وبين حضور المسمار وغيبته. اللغة هنا ليست مجرّد وسيلة بل كائن موازٍ للرمز، يتكثّف فيه الألم ويتحوّل إلى نغمة سردية تمتدّ من أول النص إلى آخره. يبرع الكاتب في تحويل أدوات مادية صامتة إلى علامات تنبض بالوجع والحنين، إذ تتحدث الأخشاب، والبحار، والمسامير، لتصنع عالماً من الأشياء التي تملك ذاكرة تتفوّق على ذاكرة البشر. هذا الأسلوب يمنح النص طاقة جمالية عالية، تجعله أقرب إلى القصيدة السردية التي تتغذّى من الشعر والفلسفة في آنٍ واحد.
ومن منظور ما بعد الاستعمار، يمكن القول إن النص يعيد كتابة التاريخ من موقع «المهمل» لا من موقع «المنتصر». فذكر المدن الساحلية مثل البصرة والإسكندرية والإشارات إلى السفن والبوارج والحروب، ليس استحضاراً عرضياً بل موقفاً نقدياً من تاريخ الاستغلال البحري والتجاري الذي ربط الشرق بالغرب عبر قرون من السيطرة والتحويل. إنّ المسمار الذي جرى تدويره في معامل مختلفة، والمغمور في الخشب أو القار، يرمز إلى الإنسان العربي أو العالم الثالثي الذي ظلّ جزءاً من منظومة إنتاج كبرى دون أن يكون له صوت في التاريخ. هو «الآخر» الذي يُعاد استخدامه ثم يُنسى، تماماً كما تُنسى الأوطان بعد أن تُستنزف مواردها. هذه القراءة تمنح النص بعداً سياسياً واضحاً، إذ يطرح سؤال الذاكرة الجماعية والتاريخ المقموع، ويعيد تمثيل العلاقة بين المركز والهامش في سردٍ رمزيٍّ حادّ الذكاء.
أما من المنظور الماركسي والمادي التاريخي، فإن النص يقدم نقداً لاذعاً لعلاقات الإنتاج والاستهلاك، حيث تتحوّل أدوات العمل إلى بقايا وخردة بمجرد انتهاء دورها الاقتصادي. فالمسامير التي شاركت في بناء السفن وصناعة الحروب، تُستخرج اليوم في حالة رثّة لتُرمى على التراب، أو تُعاد استخدامها في وظائف هامشية لا تليق بتاريخها. هذا التحوّل يعبّر عن مأساة الوعي الطبقي، وعن دورة الاستغلال التي تستهلك العمال والمواد وتتركهم للصدأ والنسيان. المسمار هنا ليس جماداً، بل شاهد على دورة رأس المال التي تبدأ بالتصنيع وتنتهي بالمكبّ. ومن هذا المنظور، يصبح النص بياناً إنسانياً في وجه الاقتصاد الذي يمتصّ القيم ثم يرمي رموزه، تماماً كما يرمي الإنسان بعد أن يستهلك طاقته. هذا المعنى يتداخل مع الوعي الاجتماعي والسياسي الذي يعري آلية نسيان التاريخ العمّالي، ويحوّل الأدب إلى وثيقة مقاومة ضد محو الذاكرة الجماعية.
وفي القراءة النفسية الرمزية، يتجسّد المسمار بوصفه الذات الجريحة التي تبحث عن أصلها الضائع. تساؤله المتكرر «لا أدري من أنا» يختزل صرخة الكائن الذي فُقدت جذوره وتحوّل إلى مجرد وظيفة. هذا الاغتراب الوجودي يعكس صراع الإنسان المعاصر مع هويته في عالمٍ لم يعد يرحم الضعف أو الذاكرة. إنّ الغوص في الخشب والانغراس في القار يتحوّلان إلى استعارة عن الانغلاق النفسي، وعن محاولات التكيف مع العتمة والخوف والعدم. الذاكرة هنا مشوشة لأنها مثقوبة، تعاني من فقدان الأصل والاتجاه، لكنها في الوقت نفسه تحمل بقايا الوعي الجمعي الذي يرفض الاندثار. إنّ المسمار في النهاية ليس سوى ضميرٍ منسيٍّ يحاول أن يتذكّر وسط الضجيج، وحكايته حكاية الإنسان الذي انغرس في صمت المادة ليحمي ذاكرته من الفناء.
أما من زاوية النقد البيئي والأنثروبوسيني، فإن النص يلتقط علاقة الإنسان بالطبيعة من خلال مشهد السفن والبحار والخشب والقار والصدأ، وهي عناصر تعبّر عن التحوّل البيئي الذي رافق تاريخ الصناعة والحرب. إنّ المسمار الغارق في السفن القديمة يشبه بقايا الحضارة التي خلّفت وراءها جبالاً من الخردة، وبحاراً ملوّثة، وذاكرةً كونيةً مثقلةً بالندوب. وهنا يلتقي المادي بالبيئي، حيث تصبح المادة شاهداً على تدهور النظام الطبيعي والثقافي معاً. إنّ دفن المسامير في القمامة المنسية ليس مجرد مصير مادّي، بل هو استعارة للدفن البيئي الذي تمارسه الإنسانية تجاه مواردها وكوكبها. النص بذلك يستبق الرؤية الحديثة التي ترى في المادة «ذاكرة الأرض»، ويعيد إلى الجماد بعده الروحي الذي فقده في زمن التلوث الصناعي.
النص من خلال هذا التداخل بين المدارس النقدية المختلفة، يكشف عن رؤية فلسفية متكاملة، ترى في الوجود سلسلة من التبادلات بين الإنسان والأشياء، بين الذاكرة والنسيان، بين التاريخ والحاضر، وبين الخلق والفناء. الكاتب لا يقدم سرداً عادياً، بل يكتب سيرة جماعية بلغة المفرد، إذ يتحوّل المسمار إلى «نحن»، ويتكلم بضمير الجمع ليشير إلى كل الكائنات المجهولة التي أسهمت في بناء العالم ثم أُقصيت من ذاكرته. إنّ هذا التحول من المفرد إلى الجمع يمنح النص طابعاً وجودياً وإنسانياً عميقاً، ويعبّر عن التماهي بين الذاتي والجماعي، بين الفرد والتاريخ.
القيمة السياسية للنص تتجلى في قدرته على فضح التاريخ الرسمي، وكشف المسكوت عنه من ذاكرة العمّال والأشياء، أما الأهمية الاجتماعية فتتضح في استحضاره لمصير المهمشين والمغمورين الذين يشبهون المسامير في خدمتها الصامتة وغياب الاعتراف. تربوياً، يمكن لهذا النص أن يُدرّس بوصفه درساً في الوعي المادي والبيئي والإنساني، وأن يكون مثالاً على كيف تُكتب الذاكرة من موقع «الشيء» لا من موقع الإنسان. هذا الانقلاب .
محمد بسام العمري.).



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل بصري الى النص الشعري
- مسمار مشوش الذاكرة قصيدة
- جثة السوق قصيدة
- عصر الترندات
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل
- تفاعلات كيميائية قصيدة
- (مذكرات ماسنجر مزيح الاقنعة
- هولاكو قصيدة
- مهمة مزعجة قصيدة
- لدى الطبيبين قصيدة
- ضيف متردد قصيدة
- الذين لا يحتفلون نقد
- الذين لا يحتفلون
- رؤى نقدية لقصيدة الثوري المهمش
- تثبيت الدين بالسيوف
- لعبة الحروب قصيدة
- اضاءة في اعماق السقوط
- سقوط لسقوط قصيدة
- التفريغ لاجل الامتلاء)
- رؤى نقدية حول قصيدة الايام الاولى بالجنة


المزيد.....




- -أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق ...
- إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس ...
- بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب ...
- حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع ...
- الأنثى البريئة
- هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخاً بديلاً عن الإنسان؟
- حلم مؤجل
- المثقف بين الصراع والعزلة.. قراءة نفسية اجتماعية في -متنزه ا ...
- أفلام قد ترفع معدل الذكاء.. كيف تدربك السينما على التفكير بع ...
- باسم خندقجي: كيف نكتب نصا أدبيا كونيا ضد الإستعمار الإسرائيل ...


المزيد.....

- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- پیپی أم الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - قراءة في تشظي الوعي وانكسار المعنى