|
قراءة في رواية متاهة الارواح
مزهر جبر الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 14:49
المحور:
الادب والفن
(قراءة في رواية متاهة الارواح للروائي الاسباني كارلوس زافون) الرواية واحدة من اربع روايات. تبدأ برواية ظل الريح ورواية سجين السماء ورواية لعبة الملاك ورواية متاهة الارواح وهي الرواية الأخيرة التي اختتم بها كارلوس زافون هذه السلسلة من الروايات. اخترت القراءة لهذه الرواية من دون بقية الروايات، لأنها تترجم كل ماجاء في الروايات الأخرى السابقة لها؛ فقد سلطت الاضواء على حقبة مهمة وخطيرة من تاريخ اسبانيا، الذي رسم لاحقا كل تاريخها الذي تلا الحرب الاهلية الاسبانية بين الجمهورين من جهة والقوميين او الفاشين من جهة اخرى؛ حسب ما جاءت به الرواية وهي الحقيقة من وجهة نظر كاتب هذه السطور المتواضعة او كاتب هذه القراءة المتواضعة. تنتصر الفاشية بقيادة فرانكوا على جمهورين. الرواية الناجحة هي الرواية التي لاتسرد الاحداث كما جرت على السطح الاشهار والاستظهار عبر الصحافة وبيانات الجهتين، بل انها تغور بعمق وتنبش في كل المولدات لهذه الاحداث من غير الاشارة لها في ثنايا السرد اشارة مباشرة ابدا، وهذا هو ما قام به كارلوس زافون في هذه الرواية وما سبقتها من الروايات الأخرى. ان الاشياء والاحداث جميعها موجودة من الناحية الافعال ومن ناحية وجودها تاريخيا، وخواتيمها التي انتهت بانتصار الفاشية على الجمهوريين في حرب غير متكافئة ابدا، إنما هنا ومن المهم كيف جرت هذه الاحداث وما هو محركها وما هو من رجح كفة الفاشية على الجمهورين في الحرب الاهلية الاسبانية، وماهي اداة الفاشيين البشرية في احكام سيطرتها وتشديد قبضتها على رقاب شعبها. لقد اوضح الراوي والكاتب من وراءه، من خلال السرد الممتع اولا وثانيا السرد غير المباشر تماما، بل انها رواية تقرأ وكأن القاريء يعيش هذه الاحداث معايشة مباشرة اي ان القاريء كأنه مشارك فيها؛ كشاهد عيان في جميع مجرياتها من فواجع وألام وخسارات وفقدانات. الروائي ترك السرد يأخذ مجراه بعمق وشمول وسعة في الذي يجري تحت الارض في الحرب الاهلية الاسبانية الذي مهد طريق الانتصار للفاشية الاسبانية، وحتى بعد انتصارها تواصلت بلا هوادة عمليات الانتقام لكل الذين نجوا من الحرب، من الجمهورين. ماوريسيو فايس وزير الثقافة في حكومة فرانكو، اضافة الى كونه اديب ومؤلف وصاحب دور نشر. كيف وصل الى ما وصل إليه؛ الى هذا الموقع المهم جدا في صناعة الرأي العام الاسباني بعد ان وضعت الحرب اوزارها، وهو لايمتلك اقل قدر من الابداع او القدرة على الابداع والخلق الادبي فقد فشل فشلا ذريعا في جميع محاولاته التي جربها في هذا المجال. يشير السرد من خلال مجريات الاحداث كيف ان فايس وزير الثقافة استغل احد السجناء، ما رتين وهو كاتب وروائي، ادخل السجن بمؤامرة كان راعيها هو وزير الثقافة هذا؛ عندما كان مديرا لسجن القلعة الشهير بما يتعرض له السجناء من عمليات تعذيب وتغييب. اذ، يقوم فايس بنقل مارتين من السجن الذي اودع فيه الى هذا السجن كي يكون تحت امرته او تحت سلطته التي يمارس فيها كل عمليات التعذيب والاجرام التي لا حدود لها. يجبره بكتابة رواية بقلمه لكنها سوف تكون او يريد لها ان تكون من اعمال مدير السجن. لكن الكاتب الذي كان قد فقد رشده جزئيا، يلعب عليه بالوقت. هذه وغيرها من عمليات القتل والتشريد والتعذيب والتغييب التي يقوم بها ليس مدير السجن فقط، بل هناك اخرون يشكلون طاقم الاجرام والعنف لحكومة فرانكو الفاشية. نكتشف او ان القاريء يكتشف كل هذا لاحقا في جسد الرواية. عندما يتم اختطاف وزير الثقافة فايس في ظروف غامضة، وليجري في الايام الاولى التكتم على خبر الاختطاف. في هذه العملية، عملية الاختطاف يتم العودة الى ابطال سجين السماء ولعبة الملاك وظل الريح؛ خلال عملية البحث عن جهة الاختطاف ومكان وجود الوزير المختطف. السرد في هذه الرواية يتولاه الراوي كلي العلم. خوليان حفيد اسرة سيمبيري، هو الكاتب لهذه الرواية الذي يختفي خلف السارد العليم؛ يفضح بروي الاحداث من دون ادنى اشارة لها؛ خفايا واجرام الدكتاتوريات، (وأنا اقرأ، وتاليا وأنا اقدم هذه القراءة؛ تجسد امامي في عصر انتهى؛ دكتاتوريات الانظمة العربية؛ من ممارسات اجرامية بحق الشعب العربي في الوطن العربي)؛ من حرمان الناس حتى من ابسط الحقوق ومنها الحرية ولا اقصد هنا هي حرية الرأي، بل الحرية في التنقل والسكن وممارسة كل ما تريد وتطمح له النفس البشرية؛ حين يتم وضع الناس وراء قضبان السجون من غير جريمة او مخالفة، الجريمة الوحيدة هنا هي جريمة الرأي المستقل او الحرية في قول كلمة الحق كما يراد من جميع البشر السوي ان يمارسها حتى يشعر بإدميته، لكن هذه الانظمة الدكتاتورية،ومنها دكتاتورية فرانكو. تسلب منه هذه الحرية بوضعه في السجون وما يتعرض له الانسان من عذاب وألم وتعذيب واخيرا يتم تغييبه في ظروف غامضة تماما وقسرية. يكلف ليانرو، راعي وعراب المحققة ليثيا غريس في متابعة وكشف ظروف اختطاف وزير الثقافة، فايس والكشف عن مكان اختطاف قبل ان ينتشر الخبر. يقول لها اريد منك ان تقومي بعملك مع محقق اخر،بارغاس؛ بأسرع وقت قبل ان يتم تحويل قضية البحث عن الوزير الى جهة تحقيقية أخرى. لكنها حين تبدأ عملها تكتشف كم هائل من الخيوط المتشابكة والمتداخلة والتي كان محورها وزير الثقافة المختطف. لتقف على تراكم واسع وشامل من الجرائم التي قام بها الوزير، ليس هو فقط بل هناك عدد من الضباط رفيعي المستوى مشتركون في جميع هذه الجرائم التي لم يسمع بها احد من الناس في اسبانيا فرانكو سواء اثناء الحرب الاهلية او بعدها، من امثال فوميرو الذي كان واحد من ضحاياه فيرمين الذي يعاند الموت بإرادة حياة صلبة؛ فينجو. تفاجأ بان عرابها ما هو الا واحد من هؤلاء المجرمين بحق الناس وبحق كل من له رأي مخالف لحكومة فرانكو عندما تقف على حقيقة عرابها ورعاته من ارفع المستويات واولهم، وزير الداخلية، أخيل دي بارتيرا. تباشر في تفكيك خيوط هذه اللعبة الدموية، خصوصا وانها كانت واحدة من ضحايا الحرب الاهلية الاسبانية. عندما كانت طفلة لم تتجاوز من عمرها سبع سنوات؛ عندما تتعرض البناية الذي تضمها هي وفيرمين الهارب من السجن توا. يحمل رسالة الى امها من زوجها الذي ينتظر في الايام القليلة المقبلة حفلة اعدامه هو واخرون. من المفارقات ان فيرمين كان قد اغرم بها لكنها لم تختاره بل اختارت صديقه الذي يحمل إليها رسالة زوجها. تقرأ الرسالة وتبكي هي وامها في هذه الاثناء تقوم الطائرات الايطالية بقصف برشلونة معقل الجمهوريين الأخير، التي لم تسقط بعد. نرى هنا كيف تتعاون وتتحالف الفاشية الايطالية مع فاشية فرانكو. تتحول اجساد الام وابنتها،زوجة صديقة؛ الى اشلاء وتنجو الطفلة وفيرمين. لكن هذا الامر لم يكن هو النهاية في الخلاص والنجاة بل انها تنتظر الموت من خلال قصف الطائرات الايطالية مرة أخرى وفي يوم أخر، انهما فيرمين وليثيا غريس الطفلة ينجوان من القصف بأعجوبة هذه ايضا. إنما الطفلة لم تعلم انه قد نجا وفيرمين لم يعلم انها قد نجت. تدخل ملجأ للأيتام لكنها تطرد منه حين تبلغ السابعة عشر من عمرها. تتحول الى سارقة وتجوب الشوارع. هنا تبدأ رحلتها مع عرابها الذي يخلصها من السجن الذي كان في انتظارها، يتبناها ويحولها بعد تدريبها الى محققة سرية في الجهاز الذي يشرف عليه؛ يقول لها انك شابة استثنائية. في هذه العملية التي كلفت بها من قبل عرابها وابوها الروحي، وحاميها؛ تقف على حقائق دموية، حقائق فيها ظلم لا حدود له. عدد لا حصر له من ضحايا عرابها واخرون غيره. الضحايا مارتين الكاتب والروائي الذي في نهاية المطاف يفقد عقله جزئيا، لكنه يظل يعرف ما يدور حوله يدركه ويعيه بالكامل. مدير السجن يستخدم عدد من الاذرع البشرية من التي قبلت ان تكون اداة تنفيذ لأجرامه. يتخلص من السجناء بقتلهم بطريقة بشعة وذلك بان يقوم اعوانه بدفنهم في حفر او في وادي سحيق حيث لا يعثر عليهم احد، ومنهم مارتين. لكن مارتين، في ضربة حظ؛ لم يمت رغم الرصاص الذي انهال عليه. القتلة يغادرون ظنا منهم ان الجميع قد مات بفعل الرصاص والسقوط في قعر الوادي. مارتين زحفا يصعد الى السطح وتكتب له الحياة. فيرمين هو الأخر يتخلص من الموت بطريقة مختلفة؛ يهرب بمساعدة مارتين وصديق أخر لهما من نزلاء سجن القلعة. اثناء بحثها، المحققة السرية، ليثيا في الاوراق التي تركها الوزير فايس، في ليلة اختطافه، مع كتاب، رواية للكاتب مارتين.. التي قام بدفنها في مكان سري في درج مكتبه؛ وهي عبارة عن رسائل تهديد له كان قد احتفظ بها. كان الوزير يظن ان رسائل التهديد هذه كانت تأتي من مارتين الذي ربما يكون لايزال حيا. الرسائل عندما تتمعن فيها، ليثيا؛ تقودها الى حلقات متداخلة واحدة تفضي الى الأخرى، هكذا وعلى هذا الطريق؛ تظهر لها الحقيقة جلية تماما؛ انتحار مارتين، قتل صديقته، نوريا مونفورت، من قبل ازلام فايس، ابنة اسحاق القيم على مقبرة الكتب السرية، ماتا كيس صديق مارتين، يُقتِلَ هو الأخر، وتٌقتِل أزابيلا ،عشيقة مارتين، وزوجة والد دانيال الروحي. دانيال يأتي الى الحياة نتيجة ليلة واحدة كانت قد قضتها امه مع عشيقها مارتين الذي تربطه علاقة قوية ومتينة جدا مع عائلة سيمبيري ومكتبة سيمبيري. يضع مارتين خطة ليتم زواج سيمبيري الابن بأزابيلا بعد ايام قليلة من تلك الليلة. جميع هؤلاء؛ تم قتلهم من قبل فايس بايد رجال مأجورين يعملون لصالحه وهم في الوقت نفسه؛عناصر من الشرطة والامن. تنجوا من هذه المذبحة عائلة سيمبيري الاب والابن والجد. ليثيا تصدمها الحقيقة؛ حين تعلم من خلال بحثها الدؤوب؛ ان جميع هذه الجرائم يقف خلفها او من يقوم بتنفيذها رجال من الأمن والشرطة، بأمر من عرابها، لياندرو؛ الذي ينفذ اوامر وزير الداخلية، أخيل دي بارتيرا، والمحيطين به، من الحلقة الضيقة. ان هناك اباء وابناء كانوا قد اختفوا تماما. زميلها، بارغاس؛ يعثر من خلال بحثه هو الأخر عن من يقف خلف كل هذه الجرائم؛ بمساعدة قائمة من الارقام التي كانت بمثابة وثيقة مهمة، لكنها شكلت لهما لغز بحاجة الى حل. تاليا، يكتشفوا وبمساعدة موظفة تعمل في سجلات النفوس، ان هذه الارقام ما هي الا عبارة عن قيود لناس ولودوا وماتوا في ذات اليوم. ان من قام بهذه العمل هو فايس وزير الثقافة. تقول لهم ان هذه الارقام او القيود لاتشكل سوى اقل من 1% من هذه القيود. هنا يبدأ عرابها وحاميها بإصدار أوامره بتصفيتها هي وزميلها. ينجح في قتل زميلها وبأيدي زملاء له في مهنة الامن والتحقيق السري والشرطة عندما صار ليس عبئا على رؤسائه، بل شكل هو والمحققة السرية ليثيا خطرا على النظام بالكامل وعليهم وعلى وزير الداخلية ومساعديه ومنهم، بل في اولهم عرابها. حين تعود الى شقتها وشقة زميلها؛ تفجأ بان زميلها كان قد تم قتله بطريقة بشعة وجرى تهشيم معالم وجهه. بذكاء تعرف لا محال انها هي التالية. كما انها بفعل عملها في الشرطة والامن كمحققة سرية؛ تعرف تماما وبالكامل الاذرع المأجورة لعرابها ووزير الداخلية واخرون غيرهم. كما ان عائلة سيمبيري هي الهدف التالي للنظام بعدها. عائلة سيمبيري يرى ازلام النظام؛ ان ظلت على قيد الحياة كفيلة بكشف كل هذه الجرائم، ومنها هو قتل والدة دانيال الذي ظل يصر على ان لابد له يوما ما؛ ان ينتقم من وزير الثقافة ثأرا لقتله امه. جميع خيوط هذه الجرائم ومركز ثقلها؛ مكتبة سيمبيري، وعائلة سيمبيري. خوليان كاراكس، روائي وكاتب، رواياته كلها تتعرض للإهمال والتهميش على الرغم من انها روايات جادة وعميقة في جميع طروحاتها؛ يتعرف دانيال على واحدة من روايتها، ظل الريح، في مقبرة الكتب السرية، التي عرفه عليها ابوه. مقبرة الكتب عبارة عن متاهة من الممرات والرفوف ومن عدة طوابق حتى ان من يدخل فيها يتيه وهذا ما جعل الابن دانيال يضع علامات حتى لا يضيع فيها وفي دروبها. فيها ملايين من الكتب المنسية( في رأيي المتواضع ان كارلوس زافون في هذه الرواية وتحديدا في مقبرة الكتب ربما كان قد حاكى رواية اسم الوردة في الذي يخص مقبرة الكتب المنسية). لاحقا يقرأ دانيال جميع ما وقعت يديه عليها؛ من روايات خوان كاراكس. خوان كاراكس في ظل مجتمع اسبانيا الذي تسود فيه الفوضى والاضطرابات في المرحلة التي سبقت بزمن قليل الحرب الاهلية الاسبانية؛ يعاني شظف العيش ويخسر حبه، دانيلوب، التي تقتل هي وابنها بأيدي عشيقها التي لم تكن الحب له يوما، عندما قام هذا بحرق الفلة التي كانا قد اتخذا منها مسكنا لهما؛ تموت حبيبته وابنه وينجوا هو بوجه محروق ومشوه. ليهاجر الى فرنسا وتختفي اخباره لأنه كان قد قام بنشر رواياته باسم مستعار خوفا م تعقب الشرطة السرية له في باريس. مارتين صديق أزابيلا ام دانيال، او عشيقها السابق؛ اختفيا في فلة على الشاطيء، هو وصديقته او عشيقته الحالية، نوريا مونفورت، ابنة اسحاق القيم على مقبرة الكتب المنسية. في لحظة غير متوقعة يمسك بابنته المتوفاة، بعد ايام من ولادتها ميته؛ أذ، خرجت ميته من رحم امها، ونجت امها؛ يمسك بها ويذهب الى البحر تتابعه امها وهو يندفع في اعماق البحر الى ان ابتلعتهما هو وأبنته اعماق البحر. تعود وتمارس حياتها تحت تهديد قوى الامن والشرطة على ان لا تبوح بكل ما تعرف من جرائم كانت قد وقفت عليها في وقت سابق. لكنها في نهاية المطاف؛ تبوح لدانيال بجميع ما تعرف؛ ليتم قتلها بطريقة بشعة جدا. ان كل جرائم النظام وامنه وشرطته كانت تدور حول محور واحد او انها ظلت تفتر حول مكتبة عائلة سيمبيري؛ لأن جميع الشخصيات سواء التي تمت تصفيتها او التي هي على منضدة المستقبل للقضاء عليها والتخلص منها؛ حتى لاتخرج هذه الجرائم الى العلن ويتعرف عليها الشعب. فيرمين، ودانيال وبالتالي بيا زوجة دانيال وصوفيا ابنة خالة دانيال التي تدرس في الجامعة، التي اصبحت لاحقا حبيبة فرناندو الذي تربطه علاقة حب مع ليثيا من جانبه فقط.. واخيرا تزوجها. كل هؤلاء على علم بجميع الجرائم لذا فان تصفيتهم مهمة لحفظ اسرار الامن والشرطة مما قاوموا به من قتل وتشريد وتغيب لأعداد لا حصر لها من الناس من الذين يختلفون مع النظام في الموقف والرأي السياسيين، وحتى من كانت لهم اي صلة بهؤلاء فهم قيد التصفية ليظل كل الامر قيد السرية ولايظهر الى الاعلام مهما كان حجم هذا الظهور. المحققة السرية، ليثيا؛ تدرك وتعلم بكل هذا الذي سوف يجري لعائلة سيمبيري والقريبين منها والمحيطين بها. كي لاتسمح لهذه الجرائم ان تحدث كما حدثت غيرها في الذي سبق من الزمن، وهو زمن ليس بالقليل، بل هو زمن يقدر بعقود، من التي ربما سبقت مولدها ومجيئها الى الحياة. في عملية بارعة جدا؛ تقوم بقتل وتصفية كل هؤلاء القتلة واحدا تلو الأخر؛ واخيرا تقوم بتصفية عرابها، لياندرو، في شقته، وفي الحمام في عملية اقل ما يمكن ان توصف بها؛ بانها كانت عملية ذكية جدا وشجاعة وماهرة. تغادر الى امريكا ولا احد من معارفها واصدقائها تجعله يعلم بما نويت عليه، ولايعلموا بانها قد حطت رحالها في امريكا. لكنها، قبل المغادرة وحتى قبل ان تقوم بتصفية القتلة وهم من الدائرة المحيطة بالنظام؛ تأخذ تمثال صغير وتضع في داخله ورقة كتبت فيها مكان سجن وزير الثقافة، او الغرفة الصغيرة التي هي بلا نوافذ الا كوة صغيرة في اعلى الجدار؛ جعلوه يتفسخ فيها مع الزمن. كما انها اودعت ما كتبته أزابيلا عن نفسها وعن حياتها الى صديقها او الذي عشقها بجنون من جانبه فقط، فرناندو؛ قائله له بعد ايام اعط هذه الاوراق الى دانيال. عندما اعطها الى دانيال وقرأها الأخير؛ تأكد له بلا ادنى شك ان موت امه كان بيد فايس، فقد سممها. بعد اشهر يهدأ الوضع تماما، ودانيال يتخلى عن روح الثأر والانتقام بتأثير فيرمين وزوجته بيا. في احدى زيارته لقبر والدته؛ عثر على التمثال الذي كسره ابنه خوليان؛ ليرى فيه الورقة التي فيها عنوان ومكان سجن فايس. عندما وقف فوق رأس فايس، لم يكن هناك وجود لأنسان بل كان هناك شبح لم يبق منه اي اثر او ملمح من الأنسان. فتح الباب واطلق سراحه ليموت كما يموت صعلوك في ارصفة المترو، حتى الشرطة ورجال الامن لم تتعرف عليه. فهو من جانب الحكومة كان قد فارق الحياة بحادث مؤسف؛ وتم تنظيم مهرجان لنعي وزير الثقافة والقيت الخطابات والكلمات التي تشيد به وبآعماله من اجل اسبانيا. الرواية هنا ترسم لنها بصورة جلية تماما كيف ان الدكتاتوريات المدعومة بالإمبريالية الدولية، كما هي دكتاتورية فرانكو الذي حكم اسبانيا لعدة عقود؛ ليس في قيمها واخلاقها اية قيمة للإنسان حتى رجالها من الصف الاول، ومهما يكون موقعهم في السلطة حين يكون وجودهم عبئا عليها وعلى نظامها؛ يقومون بالتخلص منهم. يدخل خوليان على ابيه الذي بدأ في كتابة رواية يؤرخ فيها تاريخ عائلته والذي هو وفي جانب واسع وشامل منه يشكل تاريخ اسبانيا بما في هذا التاريخ من جرائم وظلم واستبداد. يقول له ابي سوف انا من يكتب هذه الرواية في المقبل من الزمن القريب. حين يبلغ ما بلغ من العمر؛ يقوم بالبحث عن خوليان الذي كان يحمل اسمه كنتيجة لأعجاب ابوه بهذا الكاتب والروائي الذي لم ينل حقه في الاشهار والاظهار. يجوب باريس كلها لكنه لم يعثر عليه وعلى اية اثار له فيها على الرغم من ان اغلب رواياته وكتبه كان قد نشرها في باريس تحت اسم مستعار خوفا من ملاحقة اسبانيا فرانكو له في باريس. إنما اخيرا يعثر عليه في احد الايام امام قبر زوجته، في مقبرة برشلونه، التي قتلها فوميرو احد اشرس واقسى رجالات النظام الامنية. لم يبق له من اثر يدل على انه او ان هذا الذي امامه انسان فقد تحول الى شبح، لكنه في العمق يحتفظ بكل مقومات الانسان الكاتب والروائي. يقوم بتدريب خوليان، على الطريقة الصحيحة في كتابة رواية مهمة وناجحة تكون في مستوى سفر التاريخ الاسباني من الوجع والخسارات وفقدان الاحبة وضياع بوصلة الطريق في الحياة الامنة والهادئة؛ لأغلب من كان له موقف بالضد من دكتاتورية فرانكو. يكتشف القاريء بان هذا العمل الذي قد انتهى من قرأته توا؛ هو للكاتب والروائي خوليان حفيد عائلة سيمبيري اصحاب مكتبة سمبيري التي كانت المحور الذي دارت من حوله حيوات جميع الكتاب والروائيين المفجوعين بفقدان الاحبة او من طالتهم طلقة السجان القاتلة، او اصدقائهم ومن لهم علاقة بهم. في جلسة عائليه ضمت فيرمين وصوفيا وزوجها، فرناندو، عشيق ليثيا وخلويان وابويه، وهم امام التلفاز؛ يعلن المذيع الخبر المفجع كما قال في بث الخبر عن موت فرانكوا. ليظهر بعدها بعدة دقائق رئيس الوزراء وهو يجهش بالبكاء؛ لقد مات حامي اسبانيا ورافع راسها وعزتها مات حامي امن الشعب والحريص على راحته وحياته. يلتفت خوليان الى الجميع ويقول؛ كيف يبكي رئيس وزرائنا وفي جعبته مئات الألاف من الاسبانيين الذين تم قتلهم بأمر منه. لتبدأ اسبانيا رحلة جديدة تختلف كليا عن ما سبقها. الرواية من اصدارات دار الجمل. تقع في اكثر من 600صفحة من القطع المتوسط.
#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مخرجات مؤتمر شرم الشيخ: التوقيع على وثيقة ترامب
-
المقاومة الفلسطينية:
-
خطة ترامب: تحديث لصفقة القرن
-
تفعيل ألية الزناد ربما تأتي بنتائج عكسية
-
محاولة اقصى الأخر المختلف.. محاولة بائسة وفاشلة
-
اتفاقية الدفاع المشترك السعودية الباكستانية: الاهم لم يعلن
-
المحارق الصهيونية في غزة..
-
مؤتمر القمة العربية الاسلامية:
-
النووي الايراني:
-
اغتيال قادة المقاومة..
-
العراق:
-
مايجري في غزة..
-
فلسطين..
-
الانسحاب الامريكي من العراق: خدعة
-
قراءة في عالم التعددية القطبية
-
خريطة وطن
-
تصريحات نتنياهو حول اسرائيل الكبرى:
-
ممرات التجارة الدولية..
-
قمة بوتين، ترامب:
-
مخاطرة اعادة احتلال غزة
المزيد.....
-
رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت
...
-
عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
-
كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
-
نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
-
صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
-
اللحظة التي تغير كل شيء
-
أبرزها قانون النفط والغاز ومراعاة التمثيل: ماذا يريد الكورد
...
-
-أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق
...
-
إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس
...
-
بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب
...
المزيد.....
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
المزيد.....
|