أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد ابراهيم بسيوني - إمكانية اطالة عمر الإنسان














المزيد.....

إمكانية اطالة عمر الإنسان


محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق

(Mohamed Ibrahim Bassyouni)


الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 10:34
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


الحوار الذي نُقل عن الرئيس الصيني ونظيره الروسي حول إمكانية امتداد عمر الإنسان ليصل إلى 150 عامًا في هذا القرن يكشف عن حقيقة عميقة في الوعي البشري: مهما بلغ الإنسان من قوة أو منصب، يبقى الحلم بالخلود أو على الأقل بإطالة العمر هو الدافع الخفي وراء كثير من الأبحاث العلمية والتكنولوجية الحديثة. هذا الحلم ليس مجرد ترف فكري، بل أصبح اليوم موضوعًا رئيسيًا في مجالات مثل علم طول العمر (Longevity Science) وبيولوجيا الشيخوخة (Biogerontology).

العلماء ينظرون إلى الشيخوخة باعتبارها عملية بيولوجية معقدة وليست قدرًا حتميًا لا يمكن التدخل فيه. خلال العقدين الأخيرين، ظهر اتجاه واضح للتعامل مع الشيخوخة (Aging) باعتبارها عملية أشبه بالمرض (Disease-like process) يمكن فهمها والتأثير فيها. على سبيل المثال، الأبحاث في مجال شيخوخة الخلايا (Cellular Senescence) تسعى لفهم كيف تؤدي الخلايا الهرمة إلى ضعف وظائف الأنسجة وظهور الأمراض المزمنة، ومن ثم تطوير أدوية تعرف باسم العقاقير المضادة للخلايا الهرمة (Senolytics) تستهدف هذه الخلايا وتزيلها.

إلى جانب ذلك، تشهد مجالات مثل الهندسة الوراثية (Genetic Engineering) وتقنية كريسبر (CRISPR Technology) ثورة غير مسبوقة، حيث يُتوقع أن تسمح للبشر بتصحيح بعض الطفرات أو العوامل الجينية المرتبطة بالتدهور الصحي مع التقدم في العمر. كذلك، الأبحاث حول إطالة التيلوميرات (Telomere Extension) – وهي النهايات الواقية للكروموسومات – توضح أن طول هذه التيلوميرات يرتبط مباشرة بقدرة الخلايا على الانقسام والبقاء.

ولا يمكن إغفال دور علم المناعة (Immunology) في هذا المجال؛ إذ إن التقدم في العمر غالبًا ما يرتبط بضعف الجهاز المناعي فيما يُعرف بالشيخوخة المناعية (Immunosenescence). هذا الضعف يؤدي إلى زيادة القابلية للإصابة بالعدوى والأورام والأمراض المزمنة. لذلك، يعمل العلماء على تطوير استراتيجيات لتعزيز كفاءة الجهاز المناعي، مثل اللقاحات المتقدمة (Advanced Vaccines) والعلاجات المناعية (Immunotherapies) التي تهدف إلى إعادة برمجة الخلايا المناعية أو تنشيطها، مما قد يساهم في الحفاظ على صحة كبار السن لفترات أطول ويجعل إطالة العمر أكثر واقعية. وفي هذا السياق، تلعب المناعة المضادة للسرطان (Anti-Cancer Immunity) دورًا محوريًا، إذ تسعى الأبحاث الحالية إلى تقوية قدرة الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها من خلال ما يعرف بالعلاج المناعي للأورام (Cancer Immunotherapy). هذا الاتجاه قد يكون من أهم مفاتيح الوصول إلى أعمار أطول وأكثر صحة.

لكن المسألة ليست بيولوجية فقط. التطور في الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) والطب المعتمد على البيانات (Data-driven Medicine) يقدم أدوات هائلة لتحليل مليارات البيانات الطبية بهدف التنبؤ بمسارات المرض والشيخوخة، بل وربما تصميم تدخلات شخصية (Personalized Interventions) قادرة على إبطاء التدهور الجسدي والعقلي.

ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو التوازن بين الحلم العلمي والواقع الاجتماعي والأخلاقي. فحتى لو تمكنت التكنولوجيا من إطالة متوسط العمر إلى 120 أو 150 عامًا، يبقى السؤال: هل سيكون هذا الامتداد متاحًا للجميع أم سيقتصر على نخبة قادرة على دفع تكاليف العلاج؟ وهل تستطيع المجتمعات والأنظمة الاقتصادية استيعاب أجيال تعيش أطول بمرات مما اعتدنا عليه؟

إن النقاش بين قادة دول كبرى حول هذه القضية يعكس أن المسألة لم تعد حكرًا على المختبرات، بل صارت جزءًا من التفكير الاستراتيجي العالمي. ومع أن الحلم بالبقاء أطول على الأرض قديم قِدم الإنسان، إلا أن ما يجري اليوم من ثورة علمية يوحي بأننا نقف بالفعل على أعتاب مرحلة جديدة قد تجعل عمر الـ 150 عامًا أقل غرابة مما نتصور. لكن يبقى السؤال الجوهري: ما قيمة العمر الطويل إذا لم يقترن بجودة حياة (Quality of Life) تضمن للإنسان الصحة والكرامة والقدرة على الاستمتاع بسنواته المضافة؟

ومن منظور ديني، نجد أن مسألة العمر والرزق والأجل محسومة في كتاب الله وسنّة نبيه ﷺ، قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: 34]. فالعمر بيد الله وحده، ولا يملك بشر أن يمدده إلا بما شاء الله. ومع ذلك، يحث الإسلام على الأخذ بالأسباب في الوقاية والصحة والعلاج، ويدعو إلى استثمار العمر في الطاعة والعمل الصالح، لا في مجرد إطالته. فالمعيار الحقيقي ليس كم سنة يعيشها الإنسان، بل كيف يعيشها، وهل يترك أثرًا نافعًا في دنياه وأجرًا مدخرًا لآخرته. اللهم اجعل أعمارنا فيما يُرضيك، وبارك لنا في صحتنا وأعمالنا، ووفّقنا لاستثمار أيامنا فيما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا.



#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)       Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جائزة نوبل في الطب
- روح السادس من اكتوبر
- جمال عبد الناصر: الزعيم الذي حاول أن يُعيد صياغة المجتمع الم ...
- هل العمود الفقري عيب صناعة؟
- تحسين مستوي الخدمه الطبيه
- كارثة في مستقبل الطب بمصر
- التخطيط الطبي المصري
- حالة من التيه والارتباك
- حالة من التيه والارتباك
- حالة ارتباك في الهوية
- بعد تصديق الرئيس
- استقرار مصر بين الواقع وأوهام المؤامرة
- ميرامار
- التعليم اليوم
- حوادث الطرق في مصر
- قانون ايجار الشقق القديمة
- تطوير التعليم
- تكلفة الضربة الأمريكية
- الهروب من اسرائيل
- ماذا يريد ترامب؟


المزيد.....




- أهمية قطر وكواليس علاقة أميرها مع ترامب.. نظرة فاحصة وماذا ي ...
- تحذير أممي من خطر الألغام على سكان غزة وواشنطن تقول إن حماس ...
- ألهمت حياة الملايين ... رحيل -ماما إيراسموس- صوفيا كورادي
- الشِّجارُ الطُّلابيُّ في الجامعةِ الأردنيّةِ.
- نتانياهو يعلن عزمه الترشح مجددا لرئاسة الوزراء في الانتخابات ...
- المغرب: متظاهرون يطالبون بإطلاق سراح موقوفين من حركة -جيل زد ...
- سي إن إن: مباحثات سرية لترتيب لقاء بين ترامب وزعيم كوريا الش ...
- الشيباني ينوي زيارة الصين ويستعرض دبلوماسية سوريا الجديدة
- 5 أشياء ينبغي معرفتها عن حاكم مدغشقر الجديد
- تقاسم -الكعكة- مع روسيا.. لماذا تعزز واشنطن أسطولها من كاسحا ...


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد ابراهيم بسيوني - إمكانية اطالة عمر الإنسان