أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابراهيم بسيوني - التعليم اليوم














المزيد.....

التعليم اليوم


محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق

(Mohamed Ibrahim Bassyouni)


الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 19:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في وقتٍ يعيش فيه التعليم المصري واحدة من أسوأ مراحله من حيث الجودة والانضباط والعدالة، لا نجد من وزارة التربية والتعليم سوى مقترحات تبتعد عن جوهر الأزمة وتلامس السطح، بل تزيد من الضبابية والارتباك. ففي تصريح مثير للجدل، خرج الوزير محمد عبد اللطيف ليطالب بجعل مادة التربية الدينية مادة رسوب ونجاح بنسبة 70٪، وكأن أزمة التعليم في مصر سببها أن الطلاب لا يحفظون ما يكفي من النصوص الدينية، لا أنهم يعيشون في بيئة تعليمية تفتقد للقدوة، وتسمح بالغش، وتتواطأ مع الظلم، وتكافئ الفهلوة على حساب الاستحقاق.

الوزير، الذي تُثار حول شهادته العليا شبهات جدية، لا يرى بأسًا في أن يحمّل التلميذ عبءًا جديدًا، وهو في الأصل ضحية لنظام تعليمي مرتبك، يخلط بين الحشو والمعلومة، وبين التلقين والتربية، وبين الدين كقيمة والدين كشكل خارجي. والنتيجة أن التربية الدينية – في صورتها الحالية – ليست أكثر من مادة نظرية تُدرّس لتُنسى، دون أثر حقيقي في الضمير أو السلوك. فهل نحتاج إلى مزيد من الامتحانات لنغرس القيم؟ وهل صار الحل لأزمة الغش والكذب والنفاق أن نزيد درجة مادة الدين إلى 70٪؟ أي اختزال هذا للتربية؟ وأي منطق هذا الذي يعالج العطب الأخلاقي بحلول ورقية؟

في المقابل، تكشف الواقعة المؤسفة التي تعرّضت فيها مديرة لجنة امتحان للاعتداء الوحشي من بعض المنقبات – فقط لأنها منعت الغش – حجم التناقض بين الخطاب الديني وبين السلوك، وتضع أمامنا مرآة قاسية لما وصل إليه حال “التدين الشكلي” في مجتمعنا. فقد صار من السهل أن نرفع شعارات دينية ضخمة، ثم ندهسها بسلوك عدواني، يبرر الكذب والتزوير والعنف باسم الدين. وهذا المشهد بالذات، لا يعالجه قرار وزاري، بل يعرّي الخلل العميق في المنظومة كلها، من الأسرة إلى الإعلام إلى المدرسة إلى رجل الدين نفسه.

إن الخطورة لا تكمن في تدريس الدين كمادة، بل في التصور الساذج بأن إدراجها كمادة أساسية بنسبة نجاح مرتفعة سيصلح ما أفسدته سنوات من ازدواجية المعايير، وتناقض الخطاب، وغياب العدل. فالقيم لا تُزرع بالدرجات، بل تُكتسب من القدوة، وتُترسّخ بالبيئة الأخلاقية، ويقوّيها النظام الذي يحاسب المخطئ مهما علا، ويكافئ المجتهد حتى لو كان ضعيف الحيلة. الطالب الذي يُطلب منه أن يحفظ “ولا تبخسوا الناس أشياءهم”، هو نفسه الذي يرى بعينيه تزوير شهادات، وشراء مناصب، ومحسوبية في الجامعات والوظائف، واستثناءات لأبناء المسؤولين وأصحاب النفوذ. فأي أثر يُرجى من آيات تكتب في الكتب ولا تُرى في الواقع؟

لا يمكن أن نبني جيلاً مؤمنًا بالقيم ونحن نغرقه يوميًا في رسائل مضادة: من غش مفضوح لا يُعاقب، إلى مسؤولين يكذبون ولا يُحاسبون، إلى معلمين يعانون من الإهانة والإهمال، إلى إعلام يروّج للسطحية والانتهازية. التربية ليست قرارًا إداريًا، بل مشروع وطني طويل النفس، يبدأ من أعلى الهرم، ويُجسَّد في تصرفات الكبار قبل أن يُدرّس للصغار. إن تحويل الدين إلى عبء إضافي على الطالب، دون أن يتحول إلى منهج حياة في البيت والمدرسة والدولة، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانفصام، ومزيد من السخرية من القيم نفسها.

الأزمة ليست في المناهج وحدها، بل في المناخ الذي أفسد الدين وهو يرفعه شعارًا، ودهس التعليم وهو يزعم تطويره. إصلاح التعليم لا يبدأ من زيادة نسب النجاح في مادة ما، بل من إعادة تعريف التعليم نفسه: ماذا نريد أن نعلّم؟ ولماذا؟ وكيف؟ وعلى يد من؟ وبأي قدوة نغرس ذلك؟ ما لم تُطرح هذه الأسئلة بصدق، فلن ينجو الجيل القادم لا بالدين ولا بالدرجات.



#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)       Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوادث الطرق في مصر
- قانون ايجار الشقق القديمة
- تطوير التعليم
- تكلفة الضربة الأمريكية
- الهروب من اسرائيل
- ماذا يريد ترامب؟
- الصراع الإيراني الاسرائيلي
- أكل لحوم الأضحية
- الحرب الروسية الاوكرانية
- باريس سان جيرمان.. هوية بلا حدود في عالم جديد
- فيروس جديد
- الزعيم جمال عبدالناصر
- عندما تقترب النيران من الحدود، لا يبقى الصمت حكمة، بل تهديدا ...
- تحسين الجودة الصحية
- أنت ما تأكله
- السياسة والدين
- السياسة والدين
- أزمة المجتمع العميقة
- هجرة الاطباء من مصر
- الصراع مع إسرائيل


المزيد.....




- احتفال ينتهي بذعر وهروب للنجاة.. إطلاق نار يحوّل لم شمل سنوي ...
- أكبر رئيس في العالم يسعى لولاية ثامنة
- شباب مبدعون.. مهارات وابتكارات ذكية بأيد شبان في عدد من دول ...
- احتفالات فرنسا بالعيد الوطني تبرز -جاهزية- الجيش لمواجهة الت ...
- فرنسا.. أي استراتيجية دفاعية لمواجهة التهديدات الأمنية المتف ...
- أعداد القتلى إلى ارتفاع في اشتباكات متواصلة.. ما الذي يحدث ف ...
- زيلينسكي يستقبل مبعوث ترامب على وقع هجمات متبادلة بين روسيا ...
- زيلينسكي يقترح النائبة الأولى لرئيس الوزراء لقيادة الحكومة ا ...
- أكسيوس: إدارة ترامب تلاحق موظفي الاستخبارات باختبارات كشف ال ...
- الأحزاب الحريدية تعتزم الاستقالة من حكومة نتنياهو


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابراهيم بسيوني - التعليم اليوم