محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق
(Mohamed Ibrahim Bassyouni)
الحوار المتمدن-العدد: 8330 - 2025 / 5 / 2 - 00:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدين في حقيقته ليس مجرد ممارسة فردية، بل منظومة قيمية ورمزية تحكم وجدان المجتمعات. والسياسة، مهما حاولت الانفصال عن الدين شكليًا، تجد نفسها مضطرة للاستفادة من حضوره حين يتعلق الأمر بتثبيت الشرعية أو كسب التأييد الشعبي أو بناء الجسور بين الشعوب. وهذا يثبت أن الفصل الصارم بين الدين والسياسة أقرب إلى النظرية منه إلى الواقع. فالدين لا يزال يلعب دورًا مركزيًا في توجيه السياسات، حتى في الدول التي ترفع شعار العلمانية. حضور هذا العدد الكبير من قادة الدول لجنازة البابا ليس مجرد احترام لشخصية دينية، بل هو تعبير عن إدراك عميق لقوة الرمزية الدينية في تشكيل العلاقات الدولية والتأثير في الشعوب.
ما يطرحه الدكتور سعد الدين الهلالي من دعوة لـ”عرض كل الآراء وترك الناس يختارون” يبدو في ظاهره دعوة إلى الحرية، لكنه في حقيقته تنازل خطير عن دور العالم في تمييز الحق من الباطل، والراجح من الشاذ، وتحويل الدين إلى “قائمة خيارات” بلا توجيه ولا ميزان.
الفقه ليس سوبر ماركت، والعلم الشرعي ليس نشرات تعريفية. العالم ليس مجرد ناقل للآراء، بل مؤتمن على تمييز الصحيح من الفاسد، والراشد من المنحرف. حين يترك الناس لاختيار أي قول دون ترجيح علمي، فهو يفتح الباب للفوضى، وتفكك المعايير، وتحويل الشريعة إلى أهواء.
والمشكلة الأكبر أن الدكتور الهلالي لا يعرض “جميع الآراء” فعلاً، بل ينتقي ما يوافق المزاج العام أو يُحدث ضجة، ويُغيب أقوال جمهور العلماء الراسخين التي تمثّل الاجتهاد المنضبط على مدى قرون.
نعم، لا وصاية على الناس، لكن لا مساواة بين رأي إمام مجتهد ورأي شاذ مهجور. الحرية الحقيقية تكون في الحق المُعلل، لا في الحيرة المقنّعة. ومهمة العالم الأمين ليست نشر كل ما قيل، بل بيان ما يصحّ وما لا يصح، وتحمل مسؤولية الكلمة أمام الله والناس
#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)
Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟