محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق
(Mohamed Ibrahim Bassyouni)
الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 09:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع تصاعد القصف وتوسع رقعة المواجهات، تزايدت حالات الهروب الجماعي داخل المجتمع الإسرائيلي، ليس فقط إلى الملاجئ بل أيضًا إلى خارج البلاد. خلال الأيام الأخيرة، شهد معبر طابا البري ازدحامًا غير معتاد، إذ عبر مئات الإسرائيليين إلى سيناء، خصوصًا إلى مناطق مثل طابا، نويبع، دهب، وحتّى شرم الشيخ، بحثًا عن ملاذ هادئ وبعيد عن مدى الصواريخ. هذه المناطق، التي كانت لسنوات وجهات سياحية مفضّلة، أصبحت الآن مناطق “نزوح آمن” مؤقت لمن يخشون تصاعد الحرب إلى داخل العمق الإسرائيلي.
في الوقت نفسه، شهدت المطارات الإسرائيلية موجة مغادرة باتجاه دول أوروبية مثل قبرص واليونان وألمانيا، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا لمن يحملون جنسيات مزدوجة. هذه الهجرة المؤقتة – أو ما يشبه الفرار – لم تقتصر على المدنيين فقط، بل شملت أيضًا بعض رجال الأعمال والعائلات القادرة على التحرك السريع، مما يكشف عن قلق يتجاوز مجرد الخوف من القصف، إلى شعور بأن الوضع قد يخرج عن السيطرة.
الداخل الإسرائيلي نفسه أصبح منقسمًا بين من اختار الملاجئ ومن فضّل الفرار إلى الخارج أو إلى سيناء. ومع تزايد الحديث عن احتمالية فتح جبهات جديدة، خاصة في الشمال، بات واضحًا أن قطاعًا من المجتمع فقد الثقة في قدرة الدولة على حمايته. أما الأكثر لفتًا للنظر، فهو أن سيناء – التي كانت في زمن سابق ساحة حروب وصراع – أصبحت اليوم رمزًا للنجاة المؤقتة، في مشهد يحمل من التناقض أكثر مما يحتمل.
استقبال مصر لهم، رغم الخلفية السياسية والتاريخية المعقدة، له عدة دوافع. فمن جهة، لا تمانع مصر دخولهم كسيّاح يساهمون اقتصاديًا في مناطق تعتمد جزئيًا على هذا النشاط، مثل جنوب سيناء، خاصة أن دخولهم يتم بتنسيق أمني وبقيود معروفة. ومن جهة أخرى، فإن مصر تلتزم بالاتفاقات الدولية ولا تسعى إلى التصعيد الإنساني أو إغلاق الباب أمام التحركات المدنية، طالما لا تمسّ الأمن القومي مباشرة. هذا التوازن الدقيق بين المصالح الاقتصادية والضرورات الأمنية يفسّر كيف تُفتح الأبواب من جهة، وتبقى العيون مفتوحة من جهة أخرى.
هذه التحركات لا تعبّر فقط عن رد فعل طارئ، بل عن تبدل عميق في المزاج العام الإسرائيلي. فحين يفرّ الناس إلى دول أجنبية أو أراضٍ كانت يومًا مناطق صراع، فإن الرسالة الأهم هي أن الشعور بالأمان لم يعد موجودًا في الداخل، وأن الحرب لم تعد على الجبهة فقط، بل في الوعي والوجدان أيضًا.
#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)
Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟