أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابراهيم بسيوني - حالة ارتباك في الهوية














المزيد.....

حالة ارتباك في الهوية


محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق

(Mohamed Ibrahim Bassyouni)


الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 10:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مصر اليوم تعيش حالة ارتباك في هويتها؛ فلا هي حسمت أمرها لتكون دولة ذات مشروع وطني واضح، ولا انتماؤها العربي أو الإسلامي يُترجم إلى مواقف ثابتة، ولا تبنت نموذجًا اقتصاديًا أو سياسيًا محددًا، فتأرجحت بين الليبرالية والاشتراكية، وبين الدين والدولة المدنية، وبين الحرب والسلام، حتى باتت تبدو وكأنها كل شيء ونقيضه، وهذه الضبابية أضعفت صورتها وشوّهت وعي شعبها وأدخلتها في نكسة هوية تحتاج إلى إرادة صادقة لإصلاحها.
في قلب هذا الارتباك، يبرز السؤال الأساسي: ما هي مصر؟ هل هي الدولة العربية الإسلامية التي تُعتبر قلب العالم العربي، أم هي كيان مدني حديث يسعى للانخراط في العولمة الاقتصادية والثقافية؟ هذا التناقض لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تاريخ طويل من التحولات السياسية والاجتماعية. منذ ثورة 1952، التي أسست لجمهورية اشتراكية قومية، مرورًا بسياسات الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، وصولًا إلى الثورات الشعبية في 2011 و2013، شهدت مصر تغيرات جذرية دون أن تثبت على نموذج واحد. كل نظام حاكم يحاول فرض رؤيته، لكن النتيجة هي تراكم طبقات من التناقضات، تجعل الهوية الوطنية تبدو كلوحة فنية غير مكتملة، مليئة بالألوان المتضاربة.
اقتصاديًا، يتجلى هذا الارتباك في التأرجح بين الاشتراكية والليبرالية. في عهد عبد الناصر، كانت مصر تتبنى نموذجًا اشتراكيًا يعتمد على التأميم والصناعات الثقيلة، لكن مع السادات، تحولت نحو الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية والسوق الحرة. اليوم، تحت قيادة السيسي، نرى مزيجًا غريبًا: مشاريع عملاقة مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تُروج لها كرمز للحداثة الرأسمالية، بينما يظل الاقتصاد يعاني من تدخلات الدولة الواسعة في القطاعات الحيوية. هذا التأرجح يؤدي إلى عدم استقرار، حيث يرتفع التضخم ويزداد الدين العام، دون خطة واضحة للتنمية المستدامة. الشعب المصري، الذي يعاني من ارتفاع الأسعار والبطالة، يجد نفسه محاصرًا بين وعود الازدهار الليبرالي وذكريات الرعاية الاشتراكية، مما يعمق الشعور بالضياع.
أما سياسيًا، فالتناقض أكثر وضوحًا في العلاقة بين الدين والدولة. مصر، كبلد يضم الأزهر الشريف كمرجعية إسلامية عالمية، تُعلن في دستورها أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، لكنها في الوقت نفسه تروج لنموذج الدولة المدنية. هذا الازدواجية يظهر في مواقفها تجاه القضايا الداخلية، مثل مكافحة الإرهاب الذي يستغل الدين، بينما تُدعم حملات تجديد الخطاب الديني. خارجيًا، انتماؤها العربي والإسلامي يبدو مشوشًا؛ فهي تُشارك في تحالفات مع دول خليجية ضد الإخوان المسلمين، لكنها تحافظ على علاقات مع إيران أحيانًا، وتتردد في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه قضايا مثل القضية الفلسطينية أو الصراع في سوريا. حتى في سياستها الخارجية، تتأرجح بين السلام مع إسرائيل، الذي أُبرم في كامب ديفيد، والدعم اللفظي للمقاومة، مما يجعلها تبدو غير موثوقة في عيون حلفائها العرب.
هذه الضبابية ليست مجرد قضية نظرية؛ إنها تؤثر مباشرة على الوعي الجماعي للشعب المصري. الشباب، الذين يشكلون غالبية السكان، يجدون أنفسهم في مواجهة تناقضات ثقافية: هل يتبعون التراث الإسلامي التقليدي، أم ينفتحون على الثقافة الغربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ الإعلام المصري، الذي غالبًا ما يكون موجهًا، يعزز هذا الارتباك بتقديم صور متضاربة عن الهوية الوطنية، تارة كبلد سياحي حديث، وتارة كحارس للقيم الشرقية. نتيجة لذلك، ينتشر الشعور بالاغتراب داخل الوطن نفسه، حيث يفقد الناس الثقة في مؤسسات الدولة، ويزداد الانقسام الاجتماعي بين طبقات وتيارات مختلفة.
ليس كل شيء مظلمًا، فمصر تمتلك إرثًا حضاريًا هائلًا يمكن أن يكون أساسًا لإعادة بناء الهوية. الفراعنة، والإمبراطوريات الإسلامية، والثورات الحديثة، كلها تشكل نسيجًا غنيًا يمكن استغلاله لصياغة مشروع وطني متماسك. لكن ذلك يتطلب إرادة صادقة من القيادة والمجتمع. يجب أن تبدأ الإصلاحات بتعزيز التعليم ليصبح أداة لبناء وعي وطني موحد، يجمع بين التراث والحداثة دون تناقض. كما يلزم تبني نموذج اقتصادي يركز على التنمية البشرية، بعيدًا عن الاستدانة المفرطة، ويضمن توزيعًا عادلًا للثروة. سياسيًا، يحتاج الأمر إلى حوار وطني حقيقي يشمل كل الأطياف، لتحديد مواقف ثابتة تجاه القضايا الإقليمية، وتعزيز الديمقراطية الحقيقية التي تحترم التنوع.
في النهاية، مصر ليست مجرد دولة، بل هي حضارة حية تحتاج إلى إعادة اكتشاف نفسها. الخروج من نكسة الهوية هذه لن يكون سهلًا، لكنه ضروري لاستعادة مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة. إذا استمرت الضبابية، فإنها ستعمق التحديات الداخلية والخارجية، أما إذا تحركت نحو الوضوح، فستصبح نموذجًا للدول العربية في بناء هوية قوية ومتماسكة. الوقت يدق، والإرادة الصادقة هي المفتاح.



#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)       Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد تصديق الرئيس
- استقرار مصر بين الواقع وأوهام المؤامرة
- ميرامار
- التعليم اليوم
- حوادث الطرق في مصر
- قانون ايجار الشقق القديمة
- تطوير التعليم
- تكلفة الضربة الأمريكية
- الهروب من اسرائيل
- ماذا يريد ترامب؟
- الصراع الإيراني الاسرائيلي
- أكل لحوم الأضحية
- الحرب الروسية الاوكرانية
- باريس سان جيرمان.. هوية بلا حدود في عالم جديد
- فيروس جديد
- الزعيم جمال عبدالناصر
- عندما تقترب النيران من الحدود، لا يبقى الصمت حكمة، بل تهديدا ...
- تحسين الجودة الصحية
- أنت ما تأكله
- السياسة والدين


المزيد.....




- اختتام أسبوع الموضة في كوبنهاغن: عروض تحافظ على الاستدامة وإ ...
- تسببت بأضرار جسيمة.. كاميرا أمنية ترصد عاصفة عنيفة تقتلع سقف ...
- -قد أُقصف وأستشهد بأي لحظة-.. كلمات قالها أنس الشريف للجنة ح ...
- كيف تختار اسماً يحقق النجاح لمشروعك التجاري؟
- الجيش الإسرائيلي يعتزم عرض خطة -لاحتلال قطاع غزة- تشمل تعبئة ...
- أستراليا تعلن اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطينية الشهر المقبل ...
- تحرك أوروبي حثيث استباقا لقمة ترامب بوتين، فهل يؤثرون على سي ...
- ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين في غزة إلى 238
- لماذا تغيب المظاهرات المناصرة لغزة عن بعض الدول العربية؟
- وداع غزة لصحفيي الجزيرة.. عندما تغتال رصاصات الاحتلال الحقيق ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابراهيم بسيوني - حالة ارتباك في الهوية