أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابراهيم بسيوني - جمال عبد الناصر: الزعيم الذي حاول أن يُعيد صياغة المجتمع المصري














المزيد.....

جمال عبد الناصر: الزعيم الذي حاول أن يُعيد صياغة المجتمع المصري


محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق

(Mohamed Ibrahim Bassyouni)


الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 21:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حينما نتأمل شخصية جمال عبد الناصر (1918 – 1970)، فإننا لا ننظر فقط إلى رئيس دولة حكم مصر في ظرف استثنائي، بل إلى مشروع تاريخي حاول أن يعيد صياغة المجتمع المصري والعربي على أسس جديدة. ناصر لم يكن مجرد قائد عسكري أو زعيم سياسي، بل كان تعبيرًا عن طموحات أمة بأكملها خرجت من الاستعمار والفقر والازدواجية الطبقية، تبحث عن العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية.

1. ناصر والعدالة الاجتماعية
أدرك عبد الناصر مبكرًا أن أخطر ما يهدد مصر هو الازدواجية الطبقية التي ورثتها من قرون الإقطاع والاستعمار، فكانت سياساته في الإصلاح الزراعي، وتحديد الملكية، والتعليم المجاني، والرعاية الصحية، محاولة حقيقية لإحداث نقلة اجتماعية جذرية. لم يكن همه أن يُبقي الفقراء فقراء، بل أن يفتح لهم طريقًا للصعود الاجتماعي. هذا ما جعل ملايين المصريين يشعرون للمرة الأولى أنهم جزء من وطن له مكانة، وأنهم ليسوا مجرد أدوات إنتاج لخدمة قلة قليلة.

2. ناصر والوطنية المستقلة
لم يكن مشروع عبد الناصر مجرد سياسة داخلية، بل ارتبط عضوياً بالتحرر الوطني. فقد خاض معارك كبرى ضد الاستعمار البريطاني والهيمنة الغربية، بداية من جلاء القوات الأجنبية عن قناة السويس، مرورًا بتأميم القناة في 1956، وصولًا إلى مواجهة العدوان الثلاثي. ناصر رسّخ فكرة الاستقلال الوطني في وجدان المصريين، وأثبت أن دولة نامية يمكن أن تفرض إرادتها إذا امتلكت قيادة صلبة وإرادة جماعية.

3. ناصر والهوية العربية
عبد الناصر لم يكتفِ بأن يكون زعيمًا لمصر، بل تبنى المشروع القومي العربي باعتباره الامتداد الطبيعي للأمة المصرية. رفع شعار “الوحدة العربية”، ودعم حركات التحرر في الجزائر واليمن وفلسطين وأفريقيا. صحيح أن بعض مشروعات الوحدة فشلت سياسيًا، لكن الفكرة نفسها حركت الملايين وأعادت للمنطقة إحساسها بالقوة والفاعلية.

4. هزيمة يونيو 1967: جرح المشروع
لا يمكن الحديث عن جمال عبد الناصر دون التوقف عند نكسة يونيو 1967، التي مثّلت صدمة كبرى للمصريين والعرب. في ستة أيام فقدت مصر سيناء، وسقطت صورة الجيش العربي المنيع، وانهار حلم الوحدة في لحظة مؤلمة. كانت الهزيمة نتيجة تضافر عوامل داخلية وخارجية: غياب الاستعداد الكافي، أخطاء في القيادة، تآمر إقليمي ودولي، إضافة إلى غرور بعض دوائر الحكم التي استهانت بالعدو.
لكن ما ميّز عبد الناصر أنه لم يهرب من المسؤولية، بل وقف أمام الجماهير في 9 يونيو معلنًا استقالته، في مشهد تاريخي أثبت صدقه مع شعبه. المفارقة أن الملايين خرجت تطالبه بالبقاء، معتبرة أن الرجل الذي أخطأ هو نفسه الوحيد القادر على تصحيح الخطأ. ومن هنا بدأت حرب الاستنزاف التي أعادت للجيش المصري جزءًا كبيرًا من كرامته، ومهّدت لاحقًا لعبور أكتوبر 1973.

5. ناصر والطبقة الجديدة
رغم نجاحاته، فإن نظام عبد الناصر ولّد أيضًا طبقة جديدة من البيروقراطيين وأصحاب النفوذ داخل مؤسسات الدولة، الذين وجدوا في سلطة الدولة ومكاسبها وسيلة للترقي الاجتماعي السريع. هذه الطبقة التي نشأت في الستينيات، تحولت بعد وفاته إلى نواة لطبقة طفيلية تسعى وراء السلطة والثروة، وسرعان ما تمددت في عهد السادات ومبارك. وهنا يظهر التناقض: الرجل الذي أراد تحطيم الازدواجية الطبقية، أسس دون قصد لطبقة جديدة حملت بذور ازدواجية أخطر في المستقبل.

6. الإرث الباقي
عند وفاته في سبتمبر 1970، خرج الملايين في جنازة مهيبة، وكأن مصر كلها تبكي رجلًا لم يترك وراءه ثروة ولا قصورًا، لكنه ترك إرثًا من الكرامة الوطنية، ومشروعًا ظل حيًا في الذاكرة الشعبية. عبد الناصر لم يكن معصومًا من الأخطاء، وأكبرها الهزيمة في 1967، لكنه كان زعيمًا عاش ومات نظيف اليد، مرتبطًا بشعبه، مؤمنًا بأن مصر لا يمكن أن تكون تابعة، ولا أن يبقى الفقير محرومًا من حقه في الحياة الكريمة.

جمال عبد الناصر لم يكن مجرد رئيس حكم مصر ثمانية عشر عامًا، بل كان علامة فارقة في تاريخها الحديث. قد نختلف حول بعض سياساته أو نتجادل حول نتائج مشروعه، لكن الثابت أنه جسّد إرادة التغيير، وأشعل جذوة الكرامة في شعب طالما عانى من الاستعمار والاستغلال. وبينما تتغير الأجيال، يظل ناصر رمزًا لفكرة أن مصر يمكن أن تقف شامخة، إذا امتلكت قائدًا صادقًا يحلم لها بالعدل والحرية.
يا شباب مصر، إذا أردتم أن تفهموا قيمة جمال عبد الناصر، فلا تكتفوا بالنظر إلى أخطائه أو إنجازاته فقط، بل انظروا إلى رسالته: أن لا وطن بلا عدالة، ولا حرية بلا استقلال، ولا كرامة بلا تضحيات. قد تتغير الظروف والأجيال، لكن يظل الدرس قائمًا: قوة مصر في وحدة شعبها، وفي قدرتها على أن تحلم وتعمل، لا أن تُستَغَل أو تُستَدرج للتبعية.



#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)       Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل العمود الفقري عيب صناعة؟
- تحسين مستوي الخدمه الطبيه
- كارثة في مستقبل الطب بمصر
- التخطيط الطبي المصري
- حالة من التيه والارتباك
- حالة من التيه والارتباك
- حالة ارتباك في الهوية
- بعد تصديق الرئيس
- استقرار مصر بين الواقع وأوهام المؤامرة
- ميرامار
- التعليم اليوم
- حوادث الطرق في مصر
- قانون ايجار الشقق القديمة
- تطوير التعليم
- تكلفة الضربة الأمريكية
- الهروب من اسرائيل
- ماذا يريد ترامب؟
- الصراع الإيراني الاسرائيلي
- أكل لحوم الأضحية
- الحرب الروسية الاوكرانية


المزيد.....




- كيف انتقلت من كونك قائدًا معارضًا لجزء من حكومة سوريا؟ الشيب ...
- مصر.. جدل بسبب طماطم -القلب الأبيض- والحكومة تقدم تفسيرًا عل ...
- غموض فوق المتوسط.. تقارير عن مسيّرات تركية تراقب -أسطول الصم ...
- لقاء ترامب - نتانياهو: ما مدى جدية خطة إنهاء حرب غزة هذه الم ...
- عاجل: قتيل وعدة إصابات بإطلاق نار وحريق داخل كنيسة في ولاية ...
- ترامب يلمح إلى -شيء لافت- في محادثات غزة وعاهل الأردن يتحدث ...
- وسط توتر مع الأطلسي ...روسيا تهاجم أوكرانيا بمئات المسيرات و ...
- شاهد.. قوة قسامية تقتحم موقعا عسكريا إسرائيليا بخان يونس
- رمضان 2026.. الدراما السورية تتحضر بخلطة من الإثارة والتراث ...
- نجاحها مذهل.. هل تهدد منصة -سبستاك- وسائل الإعلام التقليدية؟ ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ابراهيم بسيوني - جمال عبد الناصر: الزعيم الذي حاول أن يُعيد صياغة المجتمع المصري