أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - بعد مرور عامين على حرب الابادة في غزة: ماذا بقي من النظام العربي؟؟














المزيد.....

بعد مرور عامين على حرب الابادة في غزة: ماذا بقي من النظام العربي؟؟


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد مرور عامين على حرب الإبادة الشاملة على قطاع غزة، يبدو أن السؤال المصيري الذي يواجهنا لم يعد محصوراً في التوقف عند التداعيات الإنسانية أو السياسية المباشرة لهذه الحرب الهمجية، بل يتجاوزها إلى ضرورة تشريح التحول البنيوي العميق الذي طال البنية الهيكلية للنظام الإقليمي العربي برمته. لقد دفعتنا الوقائع والاثار الكارثية للانكشاف العربي إلى مواجهة إشكالية جوهرية تتعلق فيما اذا ما زال بوسعنا الحديث عن وجود نظام إقليمي عربي بالمعنى التاريخي الذي تشكل في منتصف القرن العشرين، أم أننا أمام تحول هيكلي جديد مختلف في طابعه وجغرافيته، ويؤسس لما يسمى ب "النظام الشرق أوسطي" الذي يبدو انه أخذ مكانه فعلياً في تفاعلات الاقليم التي اصبحت اكثر انفتاحا ورخاوة امام تفاعلات النظام الدولي وقوى المحيط بالنظام العربي، وتقوده قوى غير عربية تكرس لواقع جيوسياسي مختلف؟ تبدو الإجابة واضحة في ضوء الفحص الدقيق للوقائع، التي تكشف أن تداعيات الحرب تجاوزت أبعادها الإنسانية لتمس البنى الهيكلية للنظام نفسه. فما أن تحولت الحرب إلى صراع مفتوح متعدد الجبهات، حتى أسفر الانكشاف العربي عن تقويض قسري لأركان القوة العربية، بدءاً من الدمار الشامل في غزة الذي لم يكن مجرد مأساة إنسانية بل ضربة لرمزية النظام العربي المتمثلة بوحدة المصير المشترك، مروراً بضربات نوعية استهدفت قدرات حزب الله الردعية، وليس انتهاءً بضربات حاسمة طالت العمق النووي والعسكري الإيراني، وأعادت رسم حدود الردع المتبادل لمصلحة القوى المنافسة وخاصة اسرائيل.
ففي هذا المشهد المتصدع، لم يعد من الممكن الحديث عن سوريا بوصفها "صمام أمان" للمشرق العربي، فسقوط الدولة بمعناها الوظيفي، وتفتت جيشها، وتحولها إلى ساحة لصراع القوى الدولية، أفقد النظام العربي ركنه الاستراتيجي الأهم في مواجهة المخططات التوسعية التاريخية. هذا الانزياح الجيوبوليتيكي، إلى جانب عجز الجامعة العربية عن تقديم رد موحد وفعال، فتح المجال أمام قوى غير عربية لملء الفراغ والهيمنة على التفاعلات الإقليمية. فانتقلت إسرائيل من دولة محاصَرة إلى قوة مهيمنة تتصرف بمنطق "الضامن الإقليمي"، متجاوزة كل الخطوط الحمراء التي كبحت سلوكها لعقود، حيث أصبحت قادرة على استهداف عمق دول كانت تُعد حليفة للغرب، كما حدث في قصف العاصمة القطرية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة من خارج دول النيتو دون أن تواجه رداً موازياً الى جانب مقرات وزارة الدفاع في دمشق، وفي الاتجاه المعاكس لذلك، صعدت تركيا لتملأ الفراغ الاستراتيجي، مستغلة تحلل فكرة "الأمن الجماعي العربي" لتعمق نفوذها عبر سياسة مزدوجة تجمع بين الوساطة الدبلوماسية والتدخل العسكري المباشر، من شمال سوريا إلى شرق المتوسط، ومن البحر الأحمر إلى الخليج.
من هنا فانه لم يعد بالامكان ان يُعرّف الفضاء الإقليمي في هذه المعادلة الجديدة على أساس الانتماء القومي أو الجغرافي التقليدي، بل على أساس الفاعلية الجيوسياسية والقدرة على خلق الوقائع على الأرض. لقد انتقل معيار القوة من "الهوية" إلى "القدرة"، ومن "التضامن" إلى "النفوذ"، في تغير يعكس تحولاً جوهرياً في استراتيجيات بعض المحاور العربية الفاعلة ذاتها، حيث سعت دول خليجية مركزية إلى تأمين مصالحها عبر تحالفات تزاوج بين العلاقة التقليدية مع واشنطن وبناء شراكات عملية مع تل أبيب، مما يكرس بشكل عملي معالم النظام الشرق أوسطي الجديد القائم على المصالح أكثر من الانتماء. في ضوء هذه التحولات المتلاحقة، لم يعد النظام العربي القائم على فكرة "الجامعة" و"التضامن" و"الردع المشترك" قائماً إلا بوصفه ذكرى تاريخية، بينما الحاضر أصبح محكوماً بمعادلات جديدة تتحدد فيها مواقع القوة ليس بالانتماء، بل بالقدرة على البقاء والتأثير وخلق الوقائع.
والسؤال الأصعب الآن: هل ان هذا النظام الشرق أوسطي الجديد، القائم على هيمنة القوى غير العربية وتشرذم القرار العربي، هو نظام مستقر؟ أم أنه يحمل في طياته بذور صراعات أكثر تعقيداً وعنفاً في المستقبل؟ مشهد الانهيار الذي انكشف لا يقدم إجابات سهلة، بل يطرح تحديات وجودية جديدة على الأمّة بأسرها.
غير ان كل ذلك لا يمنع من امكانية القول ان هذه التغيرات الإقليمية لا تسير في خط مستقيم، فقد كشفت الأحداث الأخيرة عن وجود مساحات للمبادرة العربية الواعدة القادرة على إعادة تشكيل التوازنات للاقليم. فمؤتمر حل الدولتين الذي عقد في سبتمبر الماضي برعاية سعودية - فرنسية، يقدم نموذجاً عملياً لما يمكن للمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، بالتحالف مع مصر، من القيام به لاستعادة دور النظام الإقليمي العربي وتجاوز إرهاصات اقامة النظام الشرق أوسطي، عبر تفعيل ألادوات الدبلوماسية والاقتصاد والسياسة لصياغة معادلة إقليمية جديدة تحفظ للعرب دورهم المحوري. فالمشهد الإقليمي، وإن يشهد تنافساً بين النظام العربي التقليدي والنظام الشرق أوسطي الناشئ، إلا أن الغلبة ليست حتمية لأي منهما، وقدرة العرب على فرض وجودهم مرهونة بقدرتهم على تحويل مواردهم إلى قوة فاعلة في المعادلة الإقليمية الجديدة.
هاني الروسان/ استاذ الجيوبوليتيك والاعلام في الجامعة التونسية



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اذا رغبت السعودية استطاعت
- الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة
- بيان قمة الدوحة: الادانة الشديدة وانعدام الاليات
- قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم
- صدقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رهين بحماية السلطة ووقف حر ...
- نفس الاهداف ونفس النتائج: منع تأشيرة الرئيس ابو مازن يعيد لل ...
- اسرائيل ابنة الكذبة لا تستمر في البقاء الا بقتل الحقيقة
- هل يكفي التسويق الكلامي التركي للعب دور اقليمي؟؟
- ضرورات ما بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية
- اسرائيل لن توقف الحرب على غزة التي تدحرجت من انتقامية الى تأ ...
- هل تكون السويداء مخبر القادم؟؟
- سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .
- التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي
- لماذا يصر ترامب على تسويق ضرباته لمنشآت ايران النووية على ان ...
- اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ...
- بين تفادي مواجهة واشنطن وتصعيد الصراع مع إسرائيل: قراءة في ا ...
- الهجوم الاسرائيلي على إيران: استنزاف استراتيجي يهدد استقرار ...
- جريمة -جيت- اخر فصل من فصول الانهيار الأخلاقي للجيش الإسرائي ...
- إسرائيل في مواجهة الرأي العام العالمي: الى اين تمضي واي مصير ...
- منع الوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله: تأكيد على التمسك ...


المزيد.....




- -توقف لشراء الخبز في طريقه للكنيست-.. ما حقيقة صورة ترامب ال ...
- إطلاق سراح 4 سجناء أردنيين ضمن اتفاق غزة بين حماس وإسرائيل
- ++ الوسطاء يوقعون في شرم الشيخ وثيقة اتفاق لإنهاء الحرب في غ ...
- مواقع فلسطينية: المقاومة تعدم عملاء في غزة
- كاتب إيطالي: جيل جديد من المسيّرات الأميركية بخصائص باهرة
- خطة صلاح الدين الذكية والانتصار في القدس
- الاتحاد الأوروبي يبدأ تمويل محكمة خاصة لمقاضاة بوتين
- السيسي: مصر ستستضيف مؤتمرا لإعادة الإعمار بغزة في نوفمبر
- محللون إسرائيليون: نتنياهو يخشى تفكك حكومته بعد وقف الحرب
- ساركوزي يبدأ تنفيذ عقوبة السجن 5 سنوات في باريس


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - بعد مرور عامين على حرب الابادة في غزة: ماذا بقي من النظام العربي؟؟