أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ساعة لا تدقّ














المزيد.....

ساعة لا تدقّ


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 10:07
المحور: الادب والفن
    


في حياة الإنسان العراقي، ثمة ساعة لا تدقّ...
ساعةٌ تتوقّف عند لحظة فَقْدٍ أو وجع، فيبقى صاحبها يحاول إصلاح ما حوله، بينما الزمن في داخله جامدٌ لا يتحرّك.
في زقاقٍ ضيّقٍ من شارع الصناعة ببغداد ، كان قاسم يجلس خلف منضدةٍ صغيرةٍ تتناثر عليها هواتفٌ مفتوحةُ الأسلاك، وبراغٍ صدئة، وذكرياتٌ لا تموت.
يداوم منذ الصباح حتى المساء، لا لشيءٍ سوى أن يُشغل نفسه عن صمتٍ ثقيلٍ يسكن قلبه منذ أن رحلت زوجته سعاد.
قبل أعوامٍ طويلة، كان شابًّا نحيلًا يحلم بأن يفتح ورشة تصليحٍ صغيرة، ويتزوّج من حبيبته.
كانت سعاد بنت الجيران، بسيطة الملامح، يلمع في عينيها دفءُ البيت وطمأنينةُ الأمل.
تحدّت معه الفقر، وسكنت معه غرفةً ضيّقةً في بيتٍ مستأجرٍ، تتسرّب منه المياهُ شتاءً وتغلي جدرانه صيفًا.
لكنّهما كانا يضحكان رغم كلّ شيء، ويتقاسمان الرغيف، ويحسبان الأيام بفرحٍ طفوليٍّ حتى جاء ابنهما الأول حسن، ليملأ الدار الصغيرة صخبًا وضوءًا.
كانت سعاد تضحك كلّما عاد قاسم منهكًا من عمله، تمسح العرق عن جبينه وتقول:
ــ «المهم تبقى بخير يا رجل البيت... والباقي يهون.»
وكان يشعر أن الدنيا كلها تتلخّص في تلك الجملة.
لكن القدر كان قاسيًا.
ذات مساء، حين عاد من عمله، وجدها شاحبةَ الوجه، تتألم بصمت.
قال الطبيب بعد سلسلة فحوصات: سرطان.
لم يفهم الكلمة أول الأمر، لكنه رأى الموت يتسلّل ببطءٍ في عينيها كلَّ يوم.
باع أدواته، وهاتفه، وحتى ساعة يده، وسافر بها بين المستشفيات.
كان يرجو الله في كلِّ سجدةٍ أن يُبقيها معه يومًا آخر فقط.
وفي الليلة الأخيرة، كانت تمسك يده وتهمس بصوتٍ متعبٍ رقيق:
ــ «لا تترك نفسك يا قاسم... لا تنكسر بعدي.»
لكنها رحلت، كأنها أخذت معها كلَّ ما بقي ينبض فيه.
منذ ذلك اليوم، توقّفت ساعته المعلّقة في الورشة عند الخامسة والنصف ، تمامًا في اللحظة التي لفظت فيها أنفاسها الأخيرة.
لم يحاول إصلاحها، كأنها أصبحت شاهدًا على موت الزمن بعد رحيلها.
كان يواصل إصلاح هواتف الناس، يُعيد النبض لأجهزتهم، لكنه لا يسمع سوى صوتها البعيد في رأسه، يقول له كلَّما أضاءت شاشةُ هاتفٍ بين يديه:
ــ «ترى الحياة بعدي صعبة... بس لا تيأس.»
وفي المساء، حين يُغلق محله، يجلس أمام الساعة الصامتة، يهمس لها:
ــ «كأنچ إنتِ وياها... ما تتحركين من وقتها.»
ثم يبتسم بحزنٍ طويلٍ ويقول لنفسه:
"أنا أصلّح ما ينكسر عند الناس، بس ما كدرت أصلّح نفسي بعدچ."
في حياة بعض البشر، تتوقف الساعةُ عن الدقّ، لا لعطلٍ فيها، بل لأنّ القلبَ نفسه لم يعُد يُريد أن يسمع صوت الزمن.
وهكذا بقي قاسم في شارع الصناعة، يُصلح ما انكسر من العالم، فيما زمنه هو ما زال واقفًا عند الخامسة والنصف .
لحظةٍ لم ينجُ منها بعد.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقعد في قاعة الانتظار
- حُلْمٌ يُحاكَمُ في اليقظة
- كلية واحدة للحب
- مرثيَّةُ الرُّوحِ الغائبة
- الطريق الى المخيم
- رسالة لم تُسلَّم
- ذاكرة التيار
- الفستان
- حذاء صغير عند العتبة
- ليل المستشفى
- رسائل لم تصل
- صوت المطر على المظلة المعدنية
- السماء المفتوحة
- غروب في المقبرة
- مذكّرات قائد فرقة عسكرية / ١
- أنابيب ضائعة
- دم الشهيد بين المكاتب
- تأملات راحل
- الجامعة وجرح لا يندمل
- بين البندقية والباسون


المزيد.....




- مهرجان الجونة السينمائي 2025.. إبداع عربي ورسالة إنسانية من ...
- تنزانيا.. تضارب الروايات حول مصير السفير بوليبولي بعد اختطاف ...
- باقة متنوعة من الأفلام الطويلة والقصص الملهمة في مهرجان الدو ...
- حريق دمر ديرا تاريخيا في إيطاليا وإجلاء 22 راهبة
- الإعلان عن 11 فيلما عربيا قصيرا تتنافس في مهرجان البحر الأحم ...
- هنا يمكن للمهاجرين العاملين في الرعاية الصحية تعلم اللغة الس ...
- قطر تطلق النسخة الدولية الأولى لـ-موسم الندوات- في باريس بال ...
- الممثل توني شلهوب يقدّم إكرامية بنسبة 340? إلى عربة طعام.. ش ...
- الموسيقى الكاميرونية.. أنغام متجذّرة وهوية نابضة
- جيل تيك توك: نهاية الأيديولوجيا أم تحولها؟


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ساعة لا تدقّ