أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - تونس خلال عشرية حكم -النّهضة-















المزيد.....


تونس خلال عشرية حكم -النّهضة-


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 15:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الوضع الإقتصادي والإجتماعي بعد 2011

لم يُشارك الإخوان المسلمون في انتفاضتَيْ 2010 – 2011 في تونس أو في مصر ولكنهم كانوا الأكثر تنظيمًا واستعدادًا للسّلطة والأكثر قُبُولاً لدى الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فحكموا حتى منتصف 2013 في مصر ثم استعالد الجيش السلطة، وكان حكمهم في تونس أطوَلَ، ضمن تحالف يُهيمنون عليه من 2011 إلى 2021، وسرعان ما اندمجوا في دواليب السّلطة واستمر تطبيق الخطط الإقتصادية والإجتماعية لزين العابدين بن علي أو حسني مُبارك، بدعم من الدّائنين التقليديين ( الإتحاد الأوروبي والبنك العالمي وصندوق النقد الدّولي...)، وأُهْمِلَت مطالب المنتفضين: فُرص العمل ومقاومة الفساد والمحسُوبية والعدالة الاجتماعية...

اهْتَمّت حركة النهضة بتركيز نفوذها داخل الإدارة والمنظومة الإقتصادية وأجهزة الدّولة، وبتنصيب قياداتها وأنصارها في مواقع حسّاسة تمكّنها من السيطرة الكاملة على المجتمع، دون احترام قواعد التّوظيف الحكومي، فضلا عن التعويضات التي استهلكت حوالي ثُلُث ميزانية الدّولة ورفعت عجز الميزانية، واهتمت بجانب الدّعاية ( الجانب الإيديولوجي) من خلال إطلاق العنان للمنظمات السلفية والإرهابية في الجامعات والشوارع والمساجد وهاجمت حركة النهضة محلات اتحاد نقابات الأُجَراء (الإتحاد العام التونسي للشغل) وأصبحت البلاد تعيش إرهابًا غير مسبوق، تمثل في اغتيال رَمْزَيْن للمعارضة في وضح النهار سنة 2013 ( شُكْرِي بالْعِيد ومحمد البراهْمِي) وفي تفجيرات عديدة وعمليات قتل واغتيال في المناطق الحدودية، وإرسال حوالي ثلاثة آلاف شاب وشابة للقتال في ليبيا وسوريا والعراق، بين سنتَيْ 2011 و 2018، ولم تكن التيارات الأخرى – وخصوصًا تيارات اليسار - قادرة على تقديم بديل يستجيب لمطالب المنتفضين بين كانون الأول/ديسمبر 2010 وكانون الثاني/يناير 2011، في ظل ارتفاع الأسعار والأزمة الاجتماعية ( البطالة والفقر) وارتفاع حجم الدّيُون الخارجية والدّاخلية...

تراجع الوزن الإنتخابي للإخوان المسلمين ( النهضة) بفعل تدهور مستوى العيش وغياب مخططات التنمية – خصوصًا في المناطق المحرومة التي انطلقت منها الإنتفاضة – والتصرف في السلطة كغنيمة يتقاسمها الإخوان المسلمون، فضلا عن تلقِّي دعم مالي خارجي ( من قَطَر أساسا، ومن بعض أثرياء الخليج)، وارتفعت وتيرة الإحتجاجات ضد السّلطة، قبل "الإنقلاب الدّستوري" الذي قاده الرئيس قيس سعيد يوم 25 تموز/يوليو 2021، ولم تتمكّن النهضة، خلال عشر سنوات، من إقناع المواطنين بأنها تفصل بين الدّين والدّنيا أو إنها لا تمارس أو تدعم الإرهاب، وانخفض عدد ناخبي النهضة من حوالي 1,5 مليون سنة 2011 إلى أقل من 562 ألف سنة 2019، وانخفض عدد نواب الإخوان المسلمين في البرلمان من 89 ( من إجمالي 217) سنة 2011 إلى 69 خلال انتخابات 2014 وإلى 52 سنة 2019، لكنها بقيت تُسيطر على الحياة السياسية وعلى منظومة الأمن والقضاء، ويرأس راشد الغنوشي البرلمان التونسي...



الوضع الإقتصادي قبل 25 تموز/يوليو 2021

ادّعى "الإتجاه الإسلامي" ( النهضة لاحقًا) سنة 1981، أي بعد انهيار نظام الشاه في إيران وحكم الإسلام السياسي الشيعي، إن الحركة تُناصر الفُقراء والمُضطَهَدِين وتُحارب الفقر، وتعارض الترف والتبذير وتعمل على وتوزيع الثروة بالبلاد توزيعا عادلا (...) بعيدا عن كل أنواع الاستغلال و التبعية للقوى الاقتصادية الدولية." (راشد الغنوشي: من تجربة الحركة الاسلامية في تونس، البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الاسلامي - تونس 2011)، لكن الغنوشي ومن معه تبنّوا نهجًا اقتصاديا رأسماليا أساسُهُ "حرية الملكية التي تُحفّز إنتاج الثروة والإبتكار والإبداع، والجَمْع بين الإقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية، من خلال التّكافل والزكاة..."، وأهملت حركة النهضة وحكوماتها المتعاقبة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئات التي أطْلَقت الإنتفاضة، بل تم قمع عائلات المُصابين سنة 2012 و قمع المتظاهرين من أجل الشغل و التنمية الجهوية، مما أدّى إلى انخفاض عدد ناخبيها، وعمّقت النهضة التّبَعية للخارج من خلال الدّيُون، وبررت حركة النهضة القمع السافر لحكومة هشام المشيشي، خلال شهر كانون الثاني/ينايسر 2021، ضد المتظاهرين في الذكرى العاشرة للإنتفاضة واعتقلت الشرطة ما بين 1500 وألفيْ متظاهر وفق الجمعيات الحقوقية...

كان الوضع الإقتصادي متدهورًا قبل الإنقلاب الدّستوري لسنة 2021، فقد تضاعف حجم الدّيُون الخارجية وارتفع حجم الدّيْن العام ( الدّاخلي والخارجي ) إلى أكمثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وتُسدّد الدّولة القروض التي حل أجلها بقروض جديدة، وبلغت نسبة البطالة نحو 18% من القادرين على العمل، وازدادت الإحتجاجات على ارتفاع الأسعار منذ سنة 2019، وبلغت نسبة التضخم 5,7% خلال شهر حزيران/يونيو 2021، فيما تراجع حجم الصادرات وإيرادات السياحة بفعل جائحة كورونا...

لم يكن للإخوان المسلمين برنامج اقتصادي ملائم لوضع البلاد ولم تتغير الخيارات الإقتصادية بعد انتفاضة 2010 – 2011، واستمر تنفيذ المخططات التي أدّت إلى الإنتفاضة وتعمقت الفجوة بين الأثرياء والفقراء وتم العفو على الفاسدين واللُّصُوص، باسم "المُصالحة" ( كما حصل في مصر)، وفي المقابل احتدّت الخلافات مع الإتحاد العام التونسي للشغل، وهاجم الإخوان المسلمون وحلفاؤهم محلات الإتحاد وغمروها بالنفايات، فيما بقي الفقر والبطالة منتشِرَيْن، خصوصًا في المناطق الجنوبية والغربية التي تحتاج إلى العديد من الخدمات الأساسية، وإنشاء أو ترميم البنية التحتية، فيما يضغط الدّائنون من أجل إلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية وخفض الإنفاق والتوظيف الحكوميّيْن وخفض قيمة الدّينار، ولم يتم استثمار الدّيون في مشاريع منتجة ( لا يقبل الدّائنون ذلك) بل لسدّ عجز ميزانية الدّولة وتسديد قروض سابقة، وتطبيق الشروط المجحفة لصندوق النقد الدّولي والبنك العالمي والإتحاد الأوروبي ، وبذلك كانت حركة النهضة وحلفاؤها ممثلة لفئة التّجّار والبرجوازية المُحافظة، ووجدت نفسها في مواجهة من أوصلوها إلى السلطة من صغار الفلاحين والفقراء والفئات المتوسطة الذين يريدون تأمين الشّغل والغذاء والدّواء والرعاية الصحية والتعليم، فيما استفاد أعضاء الحزب الحاكم من التعيينات في وظائف هامة وحساسة في مجالات الإعلام والأمن والقضاء، بغض النّظر عن الخبرة والكفاءة، فضلا عن قضايا الفساد التي شابت عشرية حكم النهضة، وبيّن تقرير دائرة المحاسبات الذي صدر خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020 حصول النهضة على "تمويلات خارجية وغير قانونية خلال الحملة الانتخابية لسنة 2019"، فضلا عن اللجوء إلى مجموعات ضغط ومكاتب استشارات أمريكية لتصميم الحملة الإنتخابية...



العلاقات الخارجية والتّطبيع

ذكرنا في فقرة سابقة إن موقف الإخوان المسلمين في تونس لم يقتصر على الدّعم السياسي للمجموعات الإرهابية في ليبيا وسوريا والعراق، بل تضمّن تجنيد وإرسال الإرهابيين والنساء الفقيرات، وكافأ الصهاينة ومراكز البحث الأمريكية النهضة بدعوة رئيسها راشد الغنوشي من قِبَل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى لإلقاء محاضرة يوم الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر 2011، برعاية منظمة "آيباك" أكبر منظمة صهيونية عالمية، وهي التي أسست – بمعية وكالة الإستخبارات الأمريكية - معهد واشنطن، وأعلن راشد الغنوشي إنه مَعْنِي بما يحدث في تونس وغير معني بفلسطين وبالكيان الصهيوني، وأكّد إن الدّستور التونسي لن يتضمّن تجريم التطبيع، ونشر المعهد تسجيلاً صوتياً ( 45 دقيقة) لجزء من محاضرة راشد الغنوشي، وتَضَمَّنَ الحوار غير المذاع نقاشاً حول التطبيع، وقال الغنوشي: " أن حزب النهضة يعارض إدخال أي نص في الدستور التونسي يمنع تطبيع العلاقات مع إسرائيل (...) إن الموقف من إسرائيل ليس مسئوليتي هو ولا مسئولية تونس ولا مسئولية الثوار في ليبيا، بل هو مسئولية الفلسطينيين، وأنني مهتم فقط بتونس"، ونشرت المجلة الأمريكية “ويكلي ستاندرد” بتاريخ الأول من كانون الأول/ديسمبر 2011 تصريحاً للغنوشي بنفس المعنى: " لستُ مَعْنِيًّا بالنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي لأنه شأن الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنما جئتُ للحديث عن تونس ومصلحتها... إن البرنامج الإنتخابي للنهضة لم يتضمّن اعتراضًا عن إمكانية نشوء علاقة مع إسرائيل (...) نحن نُنسّق مع حلف شمال الأطلسي وسوف يستمر هذا التنسيق..." ومن غير المنطقي أن يكون هذا الموقف شخصي يتعلق براشد الغنوشي – الذي كان آنذاك من قيادات الإخوان المسلمين على مستوى عالمي – بل هو موقف حزبه وموقف الإخوان المسلمين ككُلّ، وبالغ راشد الغنوشي في التّقرب من الإمبريالية الا/ريكية حد التّزلُّف، وشكر وزارة الخارجية الأمريكية على التقارير التي أصدرتها بشأن حقوق الإنسان في تونس خلال فترة حكم زين العابدين بن علي، وكذلك التقارير بشأن "الربيع العربي" وأعلن " يمكن أن يسهل ذلك العلاقة بين الإسلام والغرب بعد كل التشويه لصورة الإسلام الذي أحدثه الإرهابيون... لقد كنتُ ممنوعاً من دخول الولايات المتحدة مع أني وحركتي لم نصنف أبداً كمنظمة إرهابية، وبسبب هذه الثورات، أنا أجلس بينكم الآن، وأتمتع بسعة صدركم للحوار، ولهذا أنا ممنونٌ لشهداء تلك الثورات وللمواقف الإيجابية منها (...) لدينا في تونس لجان تنسيق مع حلف شمال الاطلسي واتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي الذي يشكل الجزء الأهم من أعضاء حلف شمال الاطلسي، وليست لدينا نية لإلغاء هذه اللجان وهذه الإتفاقيات..."



الإرث الإيديولوجي لعشرية النهضة

هل عيّن الله ممثلين عنه؟

طالب السلفيون مع شخصيات مقربة من تيار الإسلام السياسي الإرهابي - الذي أرسل شبابًا أصبحوا من محترفي الإرهاب في ليبيا وسوريا - "تخصيص قاعات للصلاة داخل مؤسسات التعليم"، ومن بينهم سَلَفِيُّون من الدّاعين للتطبيق المُتشدّد للشريعة، ورفض الطابع المدني للدولة، وشارك بعضهم في أعمال عُنف داخل المؤسسات الجامعية والمدرسية، ومنع مُدرّسين من دخول المؤسسات التّربوية التي يعملون بها لأنهم "مُتّهَمون بالإلحاد"، وكأن اللّه نَصّبَ هؤلاء السّلَفِيِّين على رأس شرطة دينية تُحاكم نوايا البشر نيابة عن الله ...

لم يُشارك هؤلاء السلفيون (منهم المحامي والمُدرس والموظف...) في المطالبة بتوفير قاعات ومُدرّسين لتخفيف الإكتظاظ وبمكتبات و نوادي ثقافية وملاعب أو قاعات رياضة أو مختبرات لإجراء التجارب العلمية أو بتعميم تدريس الرّسم والموسيقى والمسرح و الطّب المدرسي والجامعي، وخفض أسعار اللوازم المدرسية، وتوفير حافلات النّقل للتلاميذ والطّلبة، والمطاعم المدرسية والمبيتات والمُساعدات للفقراء...

لم يدرج هؤلاء هذه المطالب ضمن حَمْلَتِهم لأنهم غير معنيين بحياة الفُقراء وأغلبية المواطنين، ويخبئون اصطفافهم وراء البرجوازية الرّثّة والكمبرادورية بِتِعِلّات ذات صبغة دينية في ظاهرها، ورجعية في جوهرها، ولا هَمَّ لهم سوى تخصيص قاعات لأداء الفرائض الدّينية في أوانها ( هل وجب أن تتوقّف الدّروس لما تَحِين أوقات صلاة الظُّهْر أو العَصْر أو المَغْرِب؟) في ظل نقص القاعات واكتظاظ الفُصول الدّراسية ونقص المُدرّسين والإطار التّربوي، مما يُؤثّر سلْبًا على نتائج المُتَعَلِّمِين...

وافاني صديق بالبيانات التالية التي لم أتمكّن من التّثبُّت منها وأُورِدُها كما وصَلَتْنِي:

يُقدّر عدد المدارس الثانوية والإعدادية بالقطاع العام ب1530 بالإضافة إلى 601 مدرسة إعدادية وثانوية خاصّة، فضلا عن 395 مؤسسة جامعية، أي نحو 2526 مؤسسة تربوية في أنحاء البلاد، بينما يوجد 6728 محل مُخصص للعبادة والصّلاة، أي مسجد واحد ( رسمي تعترف به الدّولة) لكل 1783 نسمة، وهو رقم يقل كثيرًا عن العدد الحقيقي، لأن هذا الرقم لا يشمل سوى المحلات التي تعترف بها الدّولة وتمول ترميمها وتُسدّد أُجْرة العاملين بها، ولا توجد في تونس سوى 241 دار ثقافة وعشرون دار عرض الأشرطة السينمائية و15 مسبح و117 قاعة رياضة، أي إن سُكان العديد من البلديات والمدن وبالأخص سكان الأحياء الشعبية ومدن غرب وجنوب البلاد، محرومون من دور الثقافة ومن المسارح ودور السينما والمسابح وقاعات الرياضة، رغم ترديدنا "العقل السليم في الجسم السليم"...

أنا من المؤيدين لمقولة "الدّين لله والوطن للجميع" ومع إعمال العقل ( العَقْل قَبْل النّقل) وتقديم الأهمّ على المُهِمّ، ومع القائلين بأن العبادة مسألة شخصية والإيمان شيء داخلي، ولا يجب تقديم مسائل ممارسة الشعائر على المصلحة العامة، ولم يُعَيِّن الله نوّابًا له لكي يفرضوا علينا ما يجب وما لا يجب القيام به، لأن الإسلام يتميز ( عن المسيحية مثلا) بإلغاء الوساطة بين العابد والمعبود، وأنا مع المُطالبين ببناء مدارس جديدة ومستشفيات ومسارح ودور ثقافة وملاعب رياضية وحدائق، فضلا عن صيانة وترميم وتجهيز مؤسسات التعليم القائمة ودور الثقافة وغيرها...

سألتُ بعض أقاربي عن تكلفة بناء وتجهيز مسجد متوسّط الحجم، فكانت الإجابة إن تكلفة بناء صومعة تفوق بناء عدة مساكن شعبية بسيطة، وإن تكاليف بناء مسجد واحد تُضاهي بناء حي شعبي، وإذا قُدِّرَ لي أن أختار بين بناء مسجد وبناء حي شعبي فإني أُفضّل أن يتوفّر للفقراء مسكن لائق، أما الفرائض والصلاة فيمكن أداؤها في أي مكان...



خلاصة:

تميزت فترة حكم الإخوان المسلمين في تونس بعد انتفاضة 2011 بارتفاع الدّيون الخارجية إلى الضّعف، وبارتفاع نسبة الفقر والبطالة وتراجع مستوى التعليم والصحة العمومية والخدمات، وتميز كذلك بالفساد والمحسوبية ومن بينها تعيين حوالي أنصارها وأُسَرِهِم وأقاربهم في الوظيفة العمومية، دون احترام قواعد التّوظيف ( مستوى التعليم والتّأهيل والمناظرات الإلزامية والسّنّ وما إلى ذلك)، بين 2011 و 2021، وخصوصًا خلال الفترة 2011 – 2014، وهو ما عبرت عنه تقارير صندوق النّقد الدّولي ب"تضخم كتلة الأجور في تونس وضرورة التقليص منها"، كما إن بعض زعماء النّهضة يفتخرون بإرسال شبان وشابات إلى سوريا عبر ليبيا لدعم المنظمات الإرهابية، وأطلقت حركة النهضة العنان للتيار المسمى "التيّار السّلفي" الذي يناهض علنًا الدّولة المَدَنِية والدّيمقراطية والمساواة بين المواطنين...

لم تُراعِ حركة النهضة الكفاءة والخبرة والتجربة عند تعيين أتباعها بمؤسسات الدولة، بل حسب درجات الولاء، واتّهم رئيس الاتحاد التونسي لـ"المرفق العام وحياد الإدارة" خلال شهر أيلول/سبتمبر 2013، حركة النهضة، بتعمد "زرع أعضائها في مفاصل الدولة ومؤسساتها بشكل أصبحت معه غير محايدة"، وبعد عشر سنوات، انطلقت خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023 عملية تدقيق في 432 ألف من التعيينات التي حصلت خلال فترة حكم الإخوان المسلمين بين كانون الثاني/يناير 2011 و 25 تموز/يوليو 2021، في وظائف حكومية وتم تقديم التقرير النهائي ( بعد التّدقيق) إلى لجنة تنظيم الإدارة ومكافحة الفساد بالبرلمان بنهاية شهر أيار/مايو 2025، ووُصِفَت تلك التّعْيِينات بأنها تمت "وفق الولاءات الحزبية وبشهادات مزورة ".

من جهة أخرى، نشر منشقُّون عن النهضة وثائق أظهرت أن الحركة كانت تَبْنِي جهاز أمني موازٍ لخدمة مصالح الحزب داخل مؤسسات الدولة، ولاختراق القضاء والإعلام والمؤسسات الأمنية، بما يهدّد سيادة الدّولة...



خاتمة

تنحدر حركة الإتجاه الإسلامي ( النهضة ) من تيار الإخوان المسلمين الذي أسسه حسن البنا ( 1906 - 1949 ) وسيد قطب ( 1906 – 1966 ) بتشجيع من الإستخبارات البريطانية في مصر، وأبو الأعلى المودودي ( 1903 - 1979 ) في باكستان، ويمثل تيارًا متشدّدًا في تأويل الإسلام ( القرآن والسنة و"السلف الصالح") ويعتمد التيار – كجزء من الحركة أو التيارات السلفية – على فِكر الإمام أحمد بن حنبل: 780 – 855 صاحب المذهب الأكثر تزمُّتًا وتشدُّدًا، وأحمد بن تيمية: 1263 – 1328، وهو مُلْهِم الحركة السّلفية، و ابن قيم الجوزية 1292 – 1350 وهو تلميذ ابن تيمية، ثم محمد بن عبد الوهاب 1703 – 1792 والوهابية هي فرع من السلفية، رغم بعض الإختلافات، لأن السلفية حركة ( أو تيارات) غير متجانسة لكنها تتفق وتُركّز على "الهوية" ( نجحت النهضة في التركيز على هذا الموضوع خلال الحملات الإنتخابية، بدل التركيز على الوضع الإقتصادي والإجتماعي) المتمثلة في اعتماد القرآن والسنة وممارسات "السلف الصالح" كمصدر وحيد للشرعية السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وتعمل التيارات السلفية على اكتساح الفضاء العام من خلال دور العبادة والمدارس القُرآنية والعمل الخيري وشبكات الدعم الاجتماعي من أموال الزّكاة بدل الضرائب على الدّخل أو على الأرباح التي تجبيها الدّولة

تأسس التيار الإسلامي الحالي في تونس ما بين 1969 و 1972، وهو وريث أحد التيارات المحافظة في "لجنة صوت الطالب الزيتوني" التي تأسست سنة 1950، وأعلنت حركة الإتجاه الإسلامي رسميا عن نفسها سنة 1981 وكانت تُصدر مجلات قانونية تُباع في الأكشاك ( المعرفة والمجتمع والهداية...)، وكانت تُسيطر على الجمعية التونسية للمحافظة على القرآن الكريم بدعم من الحكومة والحزب الحاكم الذي اتفق مع قيادات الإخوان المسلمين على محاربة اليسار، مقابل طبع مجلاتهم في مطبعة الحزب الحاكم وتوزيعها قانونيا، وفتح محلات عبادة في مؤسسات التعليم، وفق عبد الفتاح مورو، أثناء محاكمته، كما اعترف كريم بن عبد السلام بتورّط النهضة في العنف السياسي، وتورط عناصر الإتجاه الإسلامي ( النهضة لاحقا) في أعمال عنف شديد ضد طلبة ومثقفي اليسار في الكُليات والأحياء الجامعية، ولما كانت حركة النهضة في السلطة تم اغتيال العديد من المناضلين السياسيين، ومن ضمنهم شكري بالعيد ومحمد البراهمي، فضلا عن اغتيالات أخرى "غامضة" في مدنين وفي سيدي بوزيد وغيرها...

لم تشارك تيارات الدّين السياسي في الإنتفاضة، سواء في تونس أو في مصر، ومع ذلك تمكن الإخوان المسلمون من ملء الفراغ الذي خلفته مؤسسات بن علي وحسني مبارك لأنه كان التيار الأكثر تنظيمًا وهَيْكَلَة واستعدادًا للسلطة وللتعاون مع القوى الإمبريالية ومع الرأسمالية الكمبرادورية المحلية، وحَكَمَ تيّارُ الإخوان المُسلمين البلدَيْن بدعم امبريالي أمريكي وأوروبي، ولكنه فشل في المحافظة على السلطة، بسبب قمع الحريات والفشل الإقتصادي الذّريع وكذلك بسبب الفساد والمحسوبية واستئثاره بالحكم ونهب موارد الدّولة، ونَسْخ أساليب الحُكْم القديمة التي انتفض ضدها الشعب، مما أضرّ بشعبيته التي كانت مبنية على المَظْلُومية، وزاد من حدّة الإحتجاج على سياساته، فضلا عن دفاعه عن اندماج الدّين بالدّولة وعن عدم المساواة بين المرأة والرجل ورفض حرية المعتقد...

إن إقصاء تيار الإخوان المسلمين من السلطة – التي تشبّث بها واستغلها واعتبرها "غنيمة"- لا يعني نهاية التيار العقائدي أو نهاية الدّين السياسي في تونس، فالإخوان المسلمون يُمثلون تيارًا سياسيا وعقائديا له شعبيته وقاعدته في المجتمع، وإن انخفضت شعبيته، أما القمع والحصار فهو لا يجتث الأفكار ولا القناعات، بل يكمن الحل في فتح الحوار العقائدي وكذلك حول طبيعة المجتمع الذي ننشد بناءه ومقارعة الحجة بالحجة، وعدم التركيز على الهوية، بل على حلول المشاكل القائمة، خصوصًا مشاكل البطالة والفقر والسكن والخدمات الأساسية وملكية وسائل الإنتاج وتوزيع الثروة...

يتميز اقتصاد تونس، سنة 2025، بارتفاع نسبة التداين ( 80% من الناتج المحلي الإجمالي) ومعدل التضخم وعجز الميزان التجاري، وتُشير البيانات إلى استمرار لجوء الدّولة إلى القروض الخارجية في ظل تراجع قيمة العملة المحلية ( الدّينار) ما يرفع أسعار الغذاء والدّواء والطاقة وغيرها، ومما يرفع نسبة التّضخّم، بالتوازي مع ركود الإقتصاد الذي يزيد من ارتفاع حجم البطالة والفقر. أما العجز التجاري فمردُّهُ اعتماد البلاد على تصدير المواد الخام ذات القيمة المضافة المنخفضة كالفوسفات والإنتاج الفلاحي، واستيراد المواد المصنّعة من الإتحاد الأوروبي بشكل شبه حصري، مع الإشارة إلى اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي التي ألحقت أضرارًا جسيمةً باقتصاد تونس الذي لم يتغيّر مساره وارتباطه بالإستعمار الجديد رغم تغيير الحكومات من فترة حكم بورقيبة إلى قيْس سعيّد، فقد نشأ المشروع الإقتصادي ونمط التنمية منذ 1956 في ظل الهيمنة واستمر الإستغلال الامبريالي في غياب المشروع الوطني.



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُتابعات – العدد الخامس والأربعون بعد المائة بتاريخ الحادي ع ...
- لحرب التكنولوجية والنفسية - من هواوي إلى تيك توك
- صهاينة العرب – نموذج عيال سعود
- كولومبيا والولايات المتحدة من التحالف إلى العداء
- الإتحاد الأوروبي عملاق اقتصادي وقِزْم سياسي
- بيرو – من دكتاتورية ألبرتو فوجيموري إلى فساد دينا بولوارتي
- بنغلادش - صناعة الملابس الفاخرة وبؤس العاملات والعاملين
- متابعات – العدد الرّابع والأربعون بعد المائة بتاريخ الرابع م ...
- ملخص القواسم المُشتركة لانتفاضات الجيل زد
- المغرب – الصحة أهَمّ من كأس العالم
- مدغشقر - مظاهرات حاشدة، وثراء فاحش وفساد وفقر مُدْقَع
- الدّعاية إحدى جَبَهات الحرب
- غذاء – ارتفاع الأرباح وانخفاض جودة المُنتجات
- إيطاليا - تضامن مع الشعب الفلسطيني
- متابعات – العدد الثالث والأربعون بعد المائة بتاريخ السابع وا ...
- فرنسا - الضّغْط يُوَلِّدُ الإنفِجار
- خرافة الإعتراف بدُوَيْلَة فلسطينية
- أوكرانيا -نموذج الحرب بالوكالة
- نيبال - الجزء الثاني والأخير - فشل تجربة سُلْطة اليسار
- متابعات – العدد الثاني والأربعون بعد المائة بتاريخ العشرين م ...


المزيد.....




- مصر.. تعيين خالد جلال وأحمد مراد وياسر جلال بمجلس الشيوخ.. ل ...
- مصر تعلن قائمة الدول المشاركة في -قمة شرم الشيخ للسلام- والب ...
- فيديو - -متى تُبنى منازلنا من جديد؟-.. سكان غزة يعودون إلى أ ...
- خبير عسكري: تعقيدات لوجستية ستعرقل الإفراج عن أسرى الاحتلال ...
- انقسامات داخل الجمهوريين تربك جهود لوكورنو لتشكيل الحكومة ال ...
- بريطانيا تستبعد إرسال قوات إلى غزة وخبراء يحذرون
- عدد محدود من شاحنات المساعدات يدخل غزة
- نرويجيون يدعمون غزة رياضيا في مواجهة إسرائيل والمنصات تتفاعل ...
- مدريد تؤكد إفراج إسرائيل عن آخر 5 إسبان من أسطول الصمود
- من أسرى القدس القدامى وذوو الأحكام العالية؟


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - تونس خلال عشرية حكم -النّهضة-