أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - جدعون ليفي - بين الإفراط في الحداد واللامبالاة تجاه كارثة غزة: عبادة الموت ترسم الملامح الأخلاقية لإسرائيل














المزيد.....

بين الإفراط في الحداد واللامبالاة تجاه كارثة غزة: عبادة الموت ترسم الملامح الأخلاقية لإسرائيل


جدعون ليفي

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 08:49
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


كما هو الحال في كل شيء في إسرائيل، فإن الحداد هنا ذو طابعٍ قومجي متطرف. ليس الحداد الشخصي طبعًا، بل الجماعي، الذي يكون دائمًا مفترسًا، عدوانيًا، آمِرًا للجميع بالامتثال، موحّدًا على نحوٍ مرعب، وممتدًا بلا نهاية. ستُبثّ مراسم التأبين على كل قناة تلفزيونية – وويلٌ لمن يخرج عن الصف.
وأحيانًا يكون الحداد أداة تلاعب، لا يُقصد به فقط التعبير عن مشاعر صادقة، بل أيضًا خدمة أهداف خفية. فالحِداد والفقدان هما أقرب ما يكون إلى الدين في إسرائيل، حتى بالنسبة للعلمانيين. إنها عبادةٌ للموت لا يُضاهي الإسرائيليون أحدًا في مستوى تفانيهم فيها.
ولهم بالطبع أسبابٌ وجيهة ليحزنوا جماعيًا، خاصة في العامين الماضيين، ومن حقهم أن يَحْزنوا. غير أنه يستحيل تجاهل البعد القومجي المتطرف، وأحيانًا الفاشي، في هذا الحداد. وقد بلغ هذا البعد مستوياتٍ غير مسبوقة منذ السابع من أكتوبر 2023.
على امتداد تاريخ إسرائيل، يبرز العامان الأخيران بوصفهما الأكثر حزنًا. كانت الكارثة أيضًا الأسوأ في تاريخها، لكن الغرق اللامتناهي في الحزن لم يأتِ من فراغ؛ فثمة من عمل بلا كلل لإبقاء شعلة الفاجعة مشتعلة إلى الأبد.
لقد غطّت وسائل الإعلام الإسرائيلية على خيانتها المخزية بحملة حداد مدروسة بعناية. لم يخلُ عددٌ واحد من الصحف أو نشرة أخبار تلفزيونية خلال العامين الماضيين من ذكر السابع من أكتوبر. لم يُغفل أي بثّ ذكر الفقدان، ولا أي برنامج تلفزيوني سرد بطولات "الأبطال". لكل ذلك مكانه، لكن الجرعات المحسوبة تحوّلت إلى إفراطٍ في الحِداد حتى حدّ الاشمئزاز.
كان الإسرائيليون سعداء بالاسترخاء كل مساء بين أطلال كيبوتس بئيري، والبكاء كل مساء مع كيبوتس نير عوز، والغرق في ذكريات مهرجان "نوفا". أي شيءٍ يُبعدهم عن مواجهة مخيم جباليا في قطاع غزة. كانوا راضين بسماع قصص البطولة المكررة، وبالطبع الخوف على مصير الرهائن – وهو خوفٌ حقيقي ومبرر.
لكن هذا الإفراط في الحِداد كان يهدف إلى تغطية عارنا. فإسرائيل لم ترد أن ترى غزة. من الممكن تفهّم أمّةٍ تبكي كارثتها، لكن لا يمكن قبول أمةٍ لا تتوقف عن البكاء على مصيبتها بينما تُغمض عينيها وضميرها عمّا تفعله بالآخرين. فمنذ "ذلك" السابع من أكتوبر، شهدت غزة ألف سابعٍ من أكتوبر، جميعها مروّعة بكل المقاييس. ومع ذلك، لم تجد هذه الكوارث صدىً في الخطاب الإسرائيلي. "اصمتوا – نحن في حداد. لا تزعجونا بالتفاهات."
وهذا بالضبط ما أراده الحداد الذي فرضته وسائل الإعلام: أن يكون ذريعة لتجاهل غزة. فإذا لم نتوقف عن الغرق في فاجعتنا، فلن نضطر إلى رؤية ما تفعله إسرائيل. يعرف أقطاب الإعلام – الذين يتاجرون بالعواطف – قلوب مستهلكيهم؛ فمشاهد غزة ستثير غضبهم، لذا من الأفضل تخديرهم بالغرق الدائم في ألمنا، مع التعتيم الكامل على الكارثة المروّعة في غزة، وهي من صنع أيدينا ويجب أن نخجل منها.
لقد خدم الحِداد المفروض الجميع: الإعلام، وجمهوره، والجيش الذي يرتكب جرائم الحرب، والحكومة التي تتحمّل مسؤوليتها. أصبح الخطاب الإسرائيلي أكثر قومجيةً من أي وقتٍ مضى. ففي هذا الخطاب، لا يعيش في غزة سوى عشرين رهينةٍ وجنودٌ إسرائيليون. عداهم، لا وجود لبشرٍ هناك، ولا لمعاناة.
يصعب المشاركة في حدادٍ بهذا القدر من القومية المتطرفة. من المستحيل طبعًا ألا تبكي على أطفال عائلة بيباس الذين قُتلوا، لكن كيف يمكن ألا تبكي على أطفال غزة؟ كيف يمكن أن نخاف على مصير رهائننا، بينما آلاف الأسرى الفلسطينيين يقبعون في ظروفٍ قاسية؟
صحيح أن بؤس أبناء شعبنا يأتي أولًا – هذا طبيعي في كل أمة. لكن بين الإفراط في البكاء على ضحايانا والتجاهل التام لضحايا الآخرين، تتجلى الصورة الأخلاقية لإسرائيل بوضوح: نعم، إنها تفوّقٌ يهوديّ مرةً أخرى.



#جدعون_ليفي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تبكوا على الحليب المسكوب، بل على الدم المسفوك: أجيال ستمر ...
- نتنياهو، إذا كان قتل 20,000 طفل في غزة امرا «خيرا» — فما هو ...
- اعتراف بلا إنقاذ: الهدية الجوفاء التي يقدمها العالم للفلسطين ...
- سكان مخيم جنين للاجئين ظنوا أن قوات الجيش الإسرائيلي قد غادر ...
- أيّ حياة تنتظر ستة أطفال وُلدوا في غزّة هذا الأسبوع؟
- لا مكان لإسرائيل في مسابقة اليوروفيجن وهي ترتكب الفظائع في غ ...
- كوخ استيطاني جديد ظهر في الخليل. ما تلاه أكد أسوأ مخاوف الجي ...
- الليبراليون الإسرائيليون مذهولون من احتمال أن يعاملهم رئيس ا ...
- الجيش الإسرائيلي لا يمكنه أن يغطي بقبعاته السوداء جرائمه في ...
- معظم حركة الاحتجاج في إسرائيل لا تهتم إلا بحياة رهائن غزّة – ...
- «جنرال سفك الدماء» في الضفة الغربية هو الوجه الأخلاقي لإسرائ ...
- مكان ترامب هو المحكمة الجنائية الدولية، لا حفل جائزة نوبل
- «من يهتم بأطفال غزة الآن»، هكذا صرح الجنرال -المعتدل- في الج ...
- في معركة عقربا، المستوطنون الإسرائيليون لا يرحمون الأرض الفل ...
- عندما مات أنس الشريف، ماتت الصحافة، وماتت الحقيقة، ومات التض ...
- مطلق النار الإسرائيلي يخرج حرًّا – ويعود لترهيب قرية فلسطيني ...
- نتنياهو يدفع مجلس الأمن الإسرائيلي للموافقة على -أمر الإبادة ...
- الاعتراف بفلسطين مكافأة لإسرائيل، ما يجب فعله هو فرض العقوبا ...
- نكار تجويع غزة لا يقل دناءة عن إنكار الهولوكوست
- عار التجويع المتعمد: حرب الجوع التي تشنها إسرائيل في غزة


المزيد.....




- يوسف الكواري عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية : قا ...
- رسالة من شيخ الأزهر إلى الفصائل الفلسطينية...هذا ما جاء فيها ...
- اجتماع المكتب السياسي والفريق البرلماني لحزب التقدم والاشترا ...
- رغم معارضة اليمين المتطرف.. حكومة الاحتلال تصادق رسمياً على ...
- جردة حساب مُرّة بعد عامين
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية حول اتفاق إنهاء ...
- العدد 622 من جريدة النهج الديمقراطي
- الاشتراكية في نظر تشي غيفارا
- حزب التقدم والاشتراكية ينعي وفاة الرفيق عبد القادر المريباح ...
- كل ما تريد معرفته عن الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي: -ماندي ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - جدعون ليفي - بين الإفراط في الحداد واللامبالاة تجاه كارثة غزة: عبادة الموت ترسم الملامح الأخلاقية لإسرائيل