حجي قادو
كاتب وباحث
(Haji Qado)
الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 19:09
المحور:
القضية الكردية
في ظل ما تعتبره تركيا تهميشًا متزايدًا لدورها في العديد من القضايا الجوهرية في المنطقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ومع تخبّط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحاته الأخيرة حول سوريا وغزة والكرد، وتصريحه الملتبس بشأن "تحالف الأتراك والعرب والأكراد في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد"، تلجأ الدولة التركية إلى أساليب دعائية وشعبوية لتغطية فشلها السياسي والإقليمي المتفاقم.
ففي الأيام الأخيرة، نظّمت الدولة التركية الفاشية مسيرات جماهيرية في معظم المحافظات ذات الغالبية الكردية، دون غيرها من المحافظات التركية، تحت شعارات دعم وتأييد لحركة "حماس" ذات التوجّه الجهادي التكفيري الإخواني. والهدف من هذه الفعاليات ليس نصرة القضية الفلسطينية كما تُروّج له أنقرة، بل يأتي في سياق سياسي يهدف إلى تقويض التقارب الكردي الإسرائيلي، الذي بدأ يتبلور مؤخرًا وفق اعتباراتٍ جيوسياسية ومصلحية متبادلة.
المفارقة اللافتة أن مثل هذه المسيرات لم تُشاهد في أيٍّ من المدن التركية الكبرى مثل إسطنبول أو أنقرة أو إزمير، وهو ما يؤكد أن دوافعها ليست جماهيرية أو عفوية، بل مفروضة وموجّهة من قبل أجهزة الدولة التركية. إنّ هذا النوع من "البراغماتية الإعلامية" أو "النشاطات الإلزامية"، التي تُجبر الموظفين وأعضاء جهاز المخابرات التركي (الميت) وحراس القرى والحدود على المشاركة، لا يمكن أن يُقنع العالم بخلاف الحقيقة الواضحة: أن تركيا تمارس سياسة قائمة على التناقض والخداع، أشبه بنعامة تدفن رأسها في الرمال بينما يبقى جسدها مكشوفًا أمام الجميع.
ولا يمكننا إنكار حقيقةٍ مؤلمة، وهي أن بين الكرد في تركيا من ما زال ينجرف وراء هذه الدعاية الرسمية، متغافلًا عن جوهر السياسات التركية التي تستهدف الوجود الكردي ذاته في الداخل والخارج. إنّ أولئك الذين لا يدركون حجم التناقض التركي، ولا يرون أن استغلالهم في مثل هذه المسيرات هو شكل من أشكال الإهانة والارتهان، إنما يساهمون بجهلٍ أو بتبعية في إدامة هيمنة النظام الفاشي على منطقتهم وشعبهم وعقولهم.
إنّ وعي الشعوب لا يُقاس بحجم الشعارات التي ترفعها، بل بقدرتها على إدراك ما وراءها من أهدافٍ خفية. وعلى الكرد، قبل غيرهم، أن يعوا أن سياسات أنقرة لا تُبنى على التضامن الديني أو الإنساني، بل على مبدأ المصلحة البحتة. فالبراغماتية التركية لا تعرف صديقًا دائمًا ولا حليفًا ثابتًا، بل تستغل الجميع في سبيل مشروعها التوسعي، حتى أولئك الذين ترفعهم مؤقتًا فوق المنابر، سرعان ما تُسقطهم حين ترى أنهم لم يعودوا يخدمون مصالحها أو مشروعها.
#حجي_قادو (هاشتاغ)
Haji_Qado#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟