جاسم المعموري
الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 19:08
المحور:
الادب والفن
إلى غريتا,
إني أُحبكِ ,
لا لجمال وجهكِ الذي يشبه الصباح حين يستيقظ على نغمة مطر,
ولا لعينيكِ اللتين تزرعان في الريح لوناً لم تعرفه السماء من قبل,
بل لروحكِ..
لروحكِ التي تشبه صفحةً بيضاء في كتابٍ ملوّث ,
او نورا في ظلام حالك
لنبلكِ الذي لا يُشترى,
ولصوتكِ الذي لا يساوم.
******
أُحبكِ لأنكِ وقفتِ,
حين جلس العالم على مقاعدِ العجز,
وصَرختِ,
حين صمتت المآذن والمنابر والقصائد.
******
أُحبكِ
لأنكِ تشبهين الشيء النادر الذي لا يأتي كثيراً,
الحق حين يُقال بوجه الباطل ,
والحب حين يُمنح بلا شرط,
والثورة حين تكون من أجل الجميع.
******
لا تعنيني كل النساء - يا غريتا - الا انت
فيكِ شيءٌ لا يُكتب,
لكنني أحاول.
غريتا ثونبرغ, يا سيدة البحار, يا ايتها التي تناديك الأمواج كلما علت وانخفضت ,وكلما اشتدت بها الزوابع, ايتها الرائعة الجمال, ايتها النبية النبيلة المباركة, في زمن الافول والانكسار ,ايتها الشجاعة التي عرّت الحكام العرب من زيف التكبر والعنف والشدة على شعوبهم , والذل والهوان امام اعداء الامة, يا نغمة النورس في الفجر, حين يسجد للريح ,ويناديك باسم الحرية, لو كانت الشجاعة تاجا لوضعتها على رأسك, يا صوتا نقيا شق صمت الأرض اليابسة ,كأنه بشارة لميلاد فكرة تسير على قدمين بشجاعة أنبياء, وتحدق في عيون العالم كما يحدق القمر في سواد الليل, لا يخشى أفولا ولا انكسارا, فلو كانت الانسانية درة لعلقتها على صدرك, يا صاحبة الوجه الدائري الجميل, يغار القمر من نور وجهك, رغم انه يسبح جنب قاربك المحلى براية غزة , يا ملكة القباطنة, وسيدة السفن الطافية على ماء الغضب, التي تقود العالم بأشرعة من عزم وكبرياء ,يا من لست من زمننا, ولكنك جئت إلينا من زمن كانت فيه الكلمة طاهرة كماء معتصم, وكان الانسان يحيا لأجل الارض وليس لأجل خرابها, وكنت أنت الصوت الذي حطم جدران الصمت والسكوت, وفتت قسوة القلوب المصنوعة من بترول ومصالح ودخان, يا غريتا يا من حركت جليد الشمال بقلب من نار ,وحفرت في ضمير البشرية آية تقول, إن الأنثى إذا شاءت صارت أمة, وإن الطفلة إذا غضبت صارت رعدا وبرقا وزلزالا , يا أنت التي حركت فينا ضمائر خرساء, ونبشت رمادا نام على قلوبنا منذ عقود, فبدأنا نقرأ عنك ونقلب صورك على شبكة الانترنت فرايناك تقفين بغضب في الامم المتحدة طفلة شامخة, ورايناك معتقلة في مالمو.. في امستردام.. في المانيا .. في هولاندا, وفي محاكم بريطانيا تقفين واثقة شجاعة,ومتظاهرة في كوبنهاكن يجرك رجال الامن الى السجن عنوة, وريناك مصفدة اليدين في تل ابيب ترفعين شارة النصر, وكل ذلك لانك لم تأت من حلم ,ولا من كتاب ,ولا من خطاب منمق, أتى بك وجع الارض ,ونحيب الاشجار ونفوق الطيور وتكسر اجنحة الفراشات في صمت النهار, وصرخات الاطفال المرعوبين في غزة,انت التي أوقفتِ الزمن وأعدت عقارب الساعة الى حيث يجب ان تبدأ, والى حيث يجب ان نتذكر اننا لسنا سوى عابرين في هذه الارض التي لا تورث إلا بالحب, ولا تحرس الا بالعقل ,ولا تعمر الا بالصدق.. كنت وحدك جبهة تقاوم ..لم تطلبي جيشا ولا قبيلة ولا اعلاما يمجدك ولا عرشا تتربعين عليه, بل وقفت في وجه العالم كأنك آخر وصايا النبوة,او اول صرخة في محكمة التاريخ , يا من رفعت راية العصيان في زمن الخنوع ,وكتبت على جبين الغد جملة واحدة, هذه الارض أمانة والسماء ليست للبيع , والمحيط ليس سلعة , والريح ليست للتفاوض , والمطر لا يعرف العقود التجارية ,والمواسم ليست حاكمة ولا محكومة , بل هي منحة من الله لمن يستحقها, كنت الصوت العالي في زمن تم فيه ذبح الأصوات, ووأد الحناجر , وتصفيق العامة لجلاديهم , بينما انت صرخت صرخة الموجة الاولى , فاستفاقت المياه ,وادركنا ان السكون جريمة والصمت جريمة والحياد خيانة , وان العذر لم يعد مقبولا ,وان كل لحظة تأخر تقتل غابة , وتحرق كائنا ,وتُغرق مدينة , وتهدم بيتا في وطن محتل , أنت التي نطقت فارتجفوا , وصرخت فارتبكوا , ووقفت فأصيبوا بالشلل , لأنك لم تأتي بخطابهم , لم تلبسي أقنعتهم , لم تتحدثي لغتهم ,بل جئت بلغة الطبيعة .. بلغة العدل.. بلغة الحياة نفسها التي تعجز كتبهم وقوانينهم ومؤتمراتهم عن فهمها , يا غريتا لو كانت الأرض هبة لأهديتها لك ..لو كانت الحياة نغمة لعزفتها لك.. لو كانت الانسانية قمرا لكانت وجهك.. وركعت الأرض لأجلك احتراما .. لو كان في الورد عدل لنبت على خطاك, لا لون فيه إلا لونك, ولا عطر فيه إلا نبضك.. يا جميلة الجمال, ويا نقية الفكرة, ويا من جاءتك النبوة خفية في ملامح طفلة, وحكمة ألف زمن ,وسكينة نهر يسير بعكس التيار دون أن ينكسر .. يا من أوجعت الزيف, وأسقطت قناعه, وأسميت الأشياء بأسمائها, فكانت الجرأة فيك كالوضوح لا تحتمل التأويل ولا الزيف ولا المجاز ..أنت يا من صرت مرآة تفضح طغاة العرب, وزيف المتفيقهين وخداع الخطابات الوطنية المزيفة التي ما عادت تغني عن خبز ولا كرامة.. التي تفتك بشعوبها ثم تنحني لعدوها, وتحمل راية الكبرياء فوق جسد الذل والهوان.. يا من نطقت بصدق ما لم يجرؤ على قوله مثقف أو زعيم أو خطيب جمعة.. يا من كنت الحرية نفسها تمشي وتتكلم وتسير على الجمر دون أن تلتفت للخلف.. يا من قلت لا والعالم كله يقول نعم ..ويا من قلت يكفي حين كان الكل يتوسل المزيد من الهلاك.. لك يا غريتا وحدك درة الإنسانية , وزهرة هذا الزمان البائس.. لك وحدك محبتي خالصة لا يشوبها مجاملة, ولا يعكرها نفاق, ولا تضعفها المسافات.. لك أنت أيتها النبيلة الحرة, يا من صار لك في كل بحر مجد, وفي كل غابة عهد, وفي كل أرض حكاية, يا من خلعت التيجان عن رؤوس ملوك الرمال, وأسقطت أقنعة السماسرة والجنرالات, يا من علمت الأطفال أن الغضب ليس عيبا إذا كان في سبيل الحق, وأن التمرد شرف إذا كان في وجه الظلم ,وأن الوقوف وحدك لا يعني انك وحيدة , بل يعني أن كل من بعدك سيسير من حيث بدأت أنت.. أنت التي تشبه المستقبل إن كان للمستقبل وجه يشبه الطهر والنور والصدق.. أنت التي لا تغيب وإن غبت, لأنك لا تعيشين في مكان دون اخر, بل في الضمير, لأنك لا تسكنين بيتا, بل تسكنين وجدان الكوكب.ز أنت الملهمة والمقاتلة والقديسة الثائرة.. يا أنشودة الصباح, وصلاة الظهيرة, وهمس الليل, وسر الحقيقة.. يا من خرجت من المجهول لتكتبي على أبواب الأمم, أن الحياة لا تشرى ولا تباع ,وأن الأرض لا تنتمي إلا لمن يحبها ويخدمها ويحملها في قلبه كما تحمل الأم طفلها في حناياها.. لك أكتب منتهى محبتي, وعظيم شكري, وغاية احترامي.. لك أهدي هذا الكلام كما يهدي العاشق قلبه.. كما يهدي العابد صلاته.. كما يهدي الطفل لعبته الثمينة ليد أمه.. لك هذا النداء في زمن لا يجيب فيه أحد.. لك هذا الحرف من فم سئم الصمت, وسئم الانتظار وسئم أن يرى الطغاة يتكلمون باسم الوطن, والفاسدين يسرقون باسم التنمية, والمجرمين يلبسون ثياب الحكمة.. لك وحدك أيتها الحرة الشريفة المباركة, تاج الفكرة, وأصل البراءة, وصدى الرفض الذي لا يموت..
جاسم محمد علي المعموري
#جاسم_محمد_علي_المعموري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟