أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسن مدبولى - إحتلال العقل المصرى!؟














المزيد.....

إحتلال العقل المصرى!؟


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 10:37
المحور: قضايا ثقافية
    


الخطر الأكبر الذي يواجه المجتمع المصري اليوم لم يعد مقصورًا على تهديدات الخارج من احتلال عسكري مباشر لأرض، أو صراع على مياه النيل، أو حتى ضغوط سياسية واقتصادية تفرضها قوى إقليمية ودولية. إن التهديد الأخطر يتجسد في شكل أعمق وأخطر: احتلال العقل المصري ذاته. فحين يُصادر الوعي الجمعي، وتُعاد صياغة الإدراك العام بعيدًا عن أولوياته الحقيقية، يصبح من الممكن تمرير كل ما عجزت أدوات القهر التقليدية عن فرضه.

لقد تغيّرت أدوات السيطرة على العقول تغيّرًا جذريًا. لم يعد هناك زعيم كاريزمي يشد الجماهير بخطاب واحد، ولا إعلام رسمي يفرض رواية وحيدة، ولا حتى أحزاب معارضة شكلية من نوع "الوفد" أو "التجمع" أو "الكرامة" تؤدي دور "الديكور السياسي". حتى الدراما، التي طالما كانت أداة فعالة في تشكيل المزاج العام، تحولت إلى ترف موسمي قصير الأثر. والخطاب الديني بدوره فقد الكثير من بريقه بعدما تهاوت مصداقية رموزه الرسمية وغير الرسمية. أما التعليم، فبدل أن يُنشئ عقلًا نقديًا حرًا، انحدر إلى سوق تجاري يبيع شهادات ويغتال رسالته الأساسية.

لكن اختفاء تلك الأدوات القديمة لم يعنِ غياب السيطرة، بل تم إعادة إنتاجها بوسائل أكثر نعومة وخفاء. فاليوم يُمارس القهر عبر الاقتصاد؛ المواطن مثقل بأعباء المعيشة، مطارد بشبح الغلاء، لا يملك وقتًا أو طاقة للانشغال بما هو أبعد من لقمة يومه. وفي الخلفية تُختلق أحداث و"ترندات" آنية، تستهلك طاقته الذهنية وتُغرقه في ردود فعل سطحية بدلًا من التفكير في جذور الأزمات.

كما يُستدعى إعلام خارجي يبدو محايدًا أو مهنيًا، بينما هو جزء من ماكينة توجيه كبرى، يُقدّم سرديات متباينة لكنها تخدم الهدف نفسه وهو تشويش البوصلة العامة.

ومع كرة القدم، التي صارت بديلًا عن الانتصارات الوطنية الحقيقية، يتحول الانتماء الرياضي إلى تعويض نفسي عن الإحباط الجمعي، وتُدفن الطموحات الكبرى تحت هتافات المدرجات.
ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتُكمل الحصار، فبدل أن تكون فضاءً حرًا، تحولت إلى ساحة مخترقة تُدار بخليط من الجيوش الإلكترونية والحسابات المموهة، تصنع فوضى معرفية متعمدة، وتجعل من الصعب على الوعي العام أن يفرز الحقيقة من التضليل.

بهذه الشبكة المحكمة، لم تعد السلطة بحاجة إلى زعيم ملهم أو قمع دموي دائم. يكفي أن يُستنزف الناس في صراع يومي من أجل البقاء، وأن يُغرَقوا في ترفيه استهلاكي سطحي، وأن يُحاصروا بخطابات متناقضة، حتى يُصادر عقلهم الجمعي ويُعاد تشكيل وجدانهم بعيدًا عن قضاياهم الحقيقية.

إن أخطر ما يواجه المصريين اليوم ليس فقط حرمانهم من حرية القرار، بل تجريدهم من القدرة على التفكير المستقل، وإعادة برمجة وعيهم بحيث يفقدون البوصلة التي تدلهم على ما يستحق الدفاع والتضحية. وحين يُحتل العقل، تُصبح كل الهزائم ممكنة، وكل أشكال الاستسلام قابلة للتمرير.
#حسن_مدبولى



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية غزة والزمالك ،،
- ذكرى المشير طنطاوى
- من الأولى بالعداء !؟
- الفلسفة والبوابين !!
- حلفاء اسرائيل بالمنطقة!؟
- الحساسيات المصرية !!
- محور الهزيمة الماسخ ،،
- الحرب على ايران مرة أخرى!
- الإعتراف بدولة فلسطين !؟
- ماقبل الطوفان ،،
- فى ذكرى تفجيرات البيجر،،
- الناصريون فى مصر،،
- إعتذار إبراهيم عيسى للمسيحيين العرب!!
- الأمن القومى ،من يحميه؟
- ليست كل الثورات مقدسة،،
- كمال خليل ، الإشتراكى الزاهد ،،
- بيان القمة المتوقع !؟
- المناضل المصرى الشيوعى أحمد نبيل الهلالى
- الحزب الشيوعى النيبالى !!
- شنئان قوم !!


المزيد.....




- بيلا حديد تعود إلى منصّات الأزياء في باريس بعد غياب
- أقرب مسافة بين إعصارين منذ 50 عاما بالمحيط الأطلسي.. شاهد كي ...
- ما مدى تأثير مظاهرات دمشق على العلاقات بين مصر وسوريا؟
- لبنان بين الضغط الخارجي لنزع سلاح حزب الله وتمسّك إيران به
- من البحر إلى الجبال.. مناطق سياحية في العالم العربي تتنافس ل ...
- ألمانيا: مهرجان -أكتوبر فيست- بميونيخ يغلق أبوابه الأربعاء ب ...
- إسرائيل تواصل قصف غزة والغزيون بانتظار رد حماس على خطة ترامب ...
- هل الحكومة المغربية ماتزال قادرة على احتواء أزمة الاحتجاجات ...
- على خطى إثيوبيا.. كينيا تُعيد إحياء مشروع سد نهر تانا
- ملايين الدولارات وسبائك ذهب.. فيتنام تسجن مسؤولين في قضية فس ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسن مدبولى - إحتلال العقل المصرى!؟