أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-















المزيد.....

حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدولة الحديثة تحتاج للأحزاب والمنظمات والجمعيات لتنظيم الاحتجاج وضبطه داخل إطار المعقول السياسي.
كنا نظن أن لحظة 25 جويلية ستكون لحظة إصلاح سياسي تسمح بإعادة تنظيم الحياة الحزبية والمدنية على أسس قانونية تمنع التلاعب بأجهزة الدولة، بالقضاء بالمؤسسة الأمنية، تمنع الاستقواء بالخارج، المال الفاسد، الجرائم الانتخابية.. الخ من الإجراءات والتشريعات التي تحمي المجتمع وتؤسس لديمقراطية حقيقية.
مع الأسف النهج الاعتباطي الذي نهجه الرئيس بعد استثماره غليان الشعب ضد حكم النهضة الذي استمر لأكثر من سنة، كان نهجا شُعبويًّا يعادي الأحزاب خيرها وشرها، سواء الأحزاب التي حكمت وتورطت في جرائم خطيرة، أو الأحزاب المعارضة التي لم تحكم ولم تتجاوز القانون.

بعد خمسة سنوات هُمّشت الأحزاب وفرغ الفضاء وحتى الدولة نفسها من مظاهر السياسة. واستقر حكم الإدارة الفاسدة. ولأن الأزمة الاقتصادية استمرت في التفاقم، والأوضاع الصعبة بطبيعتها مولّدة للاحتجاج، ولأن الأحزاب لم تعد فضاءات احتجاج، ولأن الشعوب لا يمكنها العيش في الفراغ، فمن الطبيعي أن ينتقل الاحتجاج إلى حاضنة أخرى. وماذا يبقى في المجتمع حين نحذف منه السياسة غير الفضاء الديني. أعتقد أن هذا هو المسار الذي يُفسّر في وجه ما معركة الصلاة في المعاهد.

الرجعية تعود دائماً إلى الماضي: إمّا لمحوِه أو لتوظيفه. وفي كل التجارب التاريخية، كانت القوى التقدمية تحرس هذا الماضي من التزوير وتنقل دروسه للأجيال. فالصراع مع الإسلام السياسي، الذي يعود هذه المرة من منفذ المعاهد الثانوية، يُشبه الصّراع بين الذّاكرة والنّسيان. لكن في تونس، ولأسباب سياسوية ضيقة، يغضّ الكثير من دعاة الحداثة الطرف عن كارثة المساجد داخل المعاهد الثانوية والكليات، وهي ظاهرة لم تكن بريئة، إذ تحوّلت في أوقات معينة إلى فضاءات للتعبئة والدّمغجة، جرى عبرها استقطاب الشباب ودفعهم إلى خيارات ستؤدي لاحقًا إلى مأساة وطنية: تفكك الحياة السياسية، استشراء الفساد، وضرب المكاسب المدنية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

أواخر الستّينات والبدايات السّوداء

لم تعرف تونس حركات إسلامية منظّمة قبل أواخر الستينات. كان المشهد الديني حينها بيد جامع الزيتونة ومشايخه في سياق ثقافي وديني طبيعي. لكن منذ عودة راشد الغنوشي من المشرق سنة 1968-1969 تقريباً، بدأت النواة الأولى للحركة الإسلامية تتكوّن. قبل ذلك، لم يكن هناك "إسلام سياسي" في تونس. وعندما تشكّلت الهيئة التأسيسية الأولى لهذه الحركة، لم تضم أيًّا من مشايخ الزيتونة، على الرغم من وجودهم وحضورهم التعليمي، وهو ما يبرهن أنّ حركة النهضة كانت نبتًا أجنبيًّا لا صلة له بالبيئة الزيتونية التونسية.

في بداياته، حاول الغنوشي استمالة بعض المشايخ. ويذكر الأستاذ عبد الفتاح مورو في "شهادته على العصر"، ويذكر آخرون أيضا أن الغنوشي اتصل بالشيخ الفاضل بن عاشور وعرض عليه رئاسة الحركة فرفض. كما اتصل بالشيخ الحبيب المسداوي رئيس جمعية المحافظة على القرآن الكريم، فطرده. واتصل بغيرهما فلم يلق تجاوبًا. والأهم أنّ الغنوشي نفسه يقرّ بأنه لم يطّلع على كتابات فكر الطاهر بن عاشور أو خير الدين التونسي إلا في الثمانينات، أي بعد أكثر من عقدين من عودته. هذا الانفصال المبكّر عن المرجعية التونسية عمّق شعور التونسيين بأنّ هذه الحركة غريبة عن تربتهم الثقافية والدينية.

الثمانينات: من التأسيس إلى الصدام

في مطلع الثمانينات، بدأت أجهزة الدولة ترصد وجود تنظيم سري بعد أن أُلقي القبض على مجموعة في شارع قرطاج وبحوزتهم وثائق تنظيمية. ومع صعود محمد مزالي إلى الحكم، الذي لم يكن له وزن اعتباري داخل حزب الدستور، وجد في الإخوان فرصة حليف قويّ. فقد كان يُعدّ نفسه لخلافة الرئيس بورقيبة المريض، ففتح لهم الأبواب: أخرجهم من السجون، وسمح لهم بالتحرك في المساجد، بل وأُنشئت مساجد داخل المعاهد الثانوية والجامعات. وهكذا أصبح، لأول مرة، فضاء المعهد، وهو في الأصل فضاء تربوي مدني، وكرًا لإكراه فكري وابتزاز عاطفي للمراهقين. إذ لم يعد التدين خيارًا فرديًا ومسألة حميمية خاصة، بل تحوّل إلى شأن عمومي داخل المدرسة، يُجبر التلاميذ على الالتحاق بالحشد المُتدين، خشية العزلة أو النّبذ. وهنا تتجلى خطورة الظاهرة من حيث هي تأسيس بيئة حشد جماعي أفرزت لاحقًا قابلية استثنائية للعنف السياسي.

عهد بن علي: سياسة التراوح بين الاحتواء والقمع

مع وصول زين العابدين بن علي إلى السلطة سنة 1987، تبنّى سياسة مزدوجة: في البداية فتح لهم الأبواب عبر السّماح لهم بتأسيس منظمة طلابية موازية للاتحاد العام لطلبة تونس بغاية كسر وحدة الحركة الطلابية التي كانت تحت هيمنة اليسار. ومنحهم جريدة الفجر، وأعاد كلية الزيتونة إلى جامعة، وأنشأ وزارة للشؤون الدينية، وفرض الأذان عبر الإذاعة. بدا كأنه يتبنّى الخطاب الإسلامي ليحتويه. لكن سرعان ما وقعت عملية باب سويقة (1991)، وهي محطة فارقة: هجوم على مقر حزبي، وإحراق حارسين أبرياء أحياء. هذه الجريمة كشفت الوجه العنيف للحركة، وكانت نتيجة مباشرة لسياسة "تحرير المبادرة" التي أطلقها الغنوشي لأتباعه بعد هروبه للخارج سنة 1989، حيث دعاهم إلى مقاومة الدولة بوسائل حرة دون انضباط تنظيمي.

عملية باب سويقة، ومعها سلسلة من الاعتداءات الأخرى، وفّرت الذريعة المثالية لبن علي لبناء جهاز أمني شامل عطّل تطور الحياة السياسية وأرسى نظامًا بوليسياً محكمًا، وظلّت تونس تعاني من تبعاته حتى سقوطه سنة 2011.

بعد الثورة: عقد من الفشل والجرائم

تمكّن الإخوان من العودة إلى السلطة بقرار دولي وأمريكي بالأساس، بهدف تشويه الثورة وتوظيفهم إقليميًا. لكن حصيلتهم خلال عشر سنوات في الحكم كانت كارثية على جميع المستويات كما هو معروف. ومن المهم الانتباه إلى أنهن لم يصدروا كتابًا ثقافيًا واحدًا، ولا مجلة، ولا أنتجوا عملاً فنياً أو فكريًا ذا قيمة طوال حياتهم، وحتى وهم في الحكم ووزارة الثقافة تحت أيديهم. ظلت أدبياتهم مستوردة بالكامل من القرضاوي وسيد قطب والمودودي، وبقوا معادين للفن والثقافة. نصف قرن من النشاط لم يثمر مثقفًا أو شاعرًا أو فنانًا إخوانيا واحدًا. وهو ما عمّق غربتهم عن المجتمع التونسي.

إلى جانب الفراغ الثقافي، تورطوا في أخطر الملفات: الجرائم الاقتصادية والانتخابية وتبييض الاموال والتخابر والاغتيالات والتسفير.
أما في ملف التسفير الذي له علاقة بتصنيع العنف والإرهاب، فقد نسّقت حركة النهضة شبكات تجنيد وتسفير آلاف الشبان إلى "الجهاد"، وأنشأوا لذلك شركة طيران خاصة (يقبع صاحبها في السجن الآن). وأطلقوا الخُطب الأكثر تطرّفا في المساجد، وضخّوا أموالا سخية. ولعب أئمة ومسؤولون من النهضة دورًا مباشرًا في هذه العمليات، وهو ما خلّف مآسي لعائلات فقدت أبناءها بين السجون والمقابر السورية. ورغم الاحتجاجات الأولى التي نظمتها عائلات الشباب المُسفّرين، حيث تحدث عدد منهم في الإذاعات ووزعوا المناشير، ونظموا الوقفات، إلا أن هذه العائلات صمتت لاحقًا بسبب الضغوط والإغراءات المالية.

بالمختصر المفيد عانت تونس منذ أواخر الستينات إلى اليوم، وعلى الأقل منذ آواسط الثمانينات مثّلت المساجد في المعاهد نقطة انطلاق خطيرة للعنف. بدأت من استغلال المراهقين بالابتزاز الديني والإكراه الفكري، إلى خلق حشود شبابية مُتديّنة عاطفيًا، إلى التحول نحو العنف السياسي الذي منح بن علي ذريعة لبناء دولة بوليسية بكل المقاييس. هذا المسار التاريخي المتكامل يكشف أنّ ظاهرة "المساجد في المعاهد" لم تكن قضيّة دينية، بل كانت مؤامرة على البلاد والمدخل الأساسي لعسكرة الدين وتسييسه، وهو ما قاد إلى إفساد السياسة والدين معًا.

الحلّ اليوم لا يكمن فقط في نقد الماضي، بل في استعادة المدرسة والمعهد كفضاءات مدنية خالصة، تحمي التلاميذ من كل استغلال سياسي أو ديني، وتبني جيلًا حرًا قادرًا على التفكير النقدي والمشاركة الواعية في الحياة العامة.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حنظلة تونس في شوارع الليل ، حتى لا ننسى !
- تمييز السياقات هو الحدّ الفاصل بين القراءة الموضوعية وسردية ...
- -المؤامرة الغربية لإسقاط نظام قيس سعيّد- بين الوقائع والدّعا ...
- بخصوص مشروع قانون -استعادة الديمقراطية في تونس-.
- مرّة أخرى دفاعا عن التاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب ...
- الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحاكم: فروق جوهرية لا يج ...
- الأزمة النقابية في تونس: بين فساد البيروقراطية وتواطؤ الفاعل ...
- مقاومة الاستعمار خيار شعبي، وكل الحكومات معادية لبنادق الثوّ ...
- من التبعية إلى التمويه: أوروبا بين الإخضاع الأميركي والاستثم ...
- النظام السوري وازدواجية الأداء في لبنان وفلسطين
- سوريا الأسد: في توازن السلاح والسياسة، دعم المقاومة كتحجيمها
- العدوان الصهيوني ومشروع إسرائيل الكبرى
- الصهاينة يريدون سوريا مقسمة
- الفتنة الطائفية في سوريا صنيعة الخارج
- صعوبة التّمييز يخلق فوضى النقاش حول المُستهدف من التغيير: ال ...
- صفقة ترامب/نتنياهو: هدنة في غزة مقابل -شرق أوسط-إسرائيلي
- غزة على أعتاب تهدئة... وفلسطين في مهبّ صفقة كبرى
- مجتمع ملفّق وعنصري
- المطالبة بفرض العقوبات على النظام ووقف المساعدات
- المواجهة التاريخية بين مشروعين


المزيد.....




- لحظة لا تُصدّق.. شخص مطلوب يظهر أمام كاميرا بث مباشر والمراس ...
- بعد مرور عام على اغتياله من هو حسن نصرالله أمين عام حزب الله ...
- ترامب يأمر بنشر -كل القوات المسلحة الضرورية- في بورتلاند ويج ...
- نجمة شهيرة بهوليود تصف ما يجري بغزة بالإبادة الجماعية
- شاهد.. ألونسو يرتدي عباءة أنشيلوتي ليتسبب في خسارة دربي مدري ...
- 10 طرق طبيعية لتجاوز خمول الخريف
- مقتل عنصر أمن بريف دمشق وإحباط تهريب أسلحة بحمص
- فيديو.. نقص المستهلكات المخبرية في غزة يعيق الفحوصات ويهدد ب ...
- صحف عالمية: تكليف بلير بإدارة غزة يعيد احتلال العراق للأذهان ...
- أسرة عبد الحليم حافظ تحذر من التلاعب باسمه وتؤكد: منزله للجم ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-