أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة المهذب الرقيق .














المزيد.....

مقامة المهذب الرقيق .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 21:40
المحور: الادب والفن
    


مقامة المهذب الرقيق :

أختار صاحبنا من كتاب ( مع الانسان في الحرب والسلام ) لفتحي رضوان الصادرعن دار المعارف بمصر, ص١٦٦: (( وحين عاد غاندي من لندن التي درس فيها الى بلده الهند , ادرك الحقيقة المرة التالية : أن الاوربي المهذب الرقيق , في لندن ، يصبح في الهند وحشا ضاريا , يفتك بالناس )) , هذا النص جعلني أترحم على أستاذ مادة المذاهب الأقتصادية في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد (( أبراهيم كبة )) , حين كان يشرح لنا ان الحياة المنظمة والترف والرفاهية , والممارسة الديمقراطية التي نراها لدى الغرب ليست سوى نتاج تكدس الأموال الهائلة التي جائتهم من عملية النهب الأستعماري للشعوب المغلوبة على امرها , ألأمر الذي انعكس على اخلاق مهذبة قد تبدو راقية ومثالية لمن لم يطلع , على المآسي والكوارث التي أحدثوها في البلدان المستعمرة .

سبق ان نشرت (( مقامة النهب الاستعماري )) , تشير إلى الممارسات والمخلفات السلبية للاستعمار التي تركز على الاستغلال المنهجي للموارد والثروات والكنوز الثقافية والاقتصادية للأراضي والشعوب الخاضعة له , يشمل ذلك نهب الموارد المادية , مثل الثروات الطبيعية والمعادن , وسرقة القطع الأثرية والتاريخية , بالإضافة إلى فرض هيمنة اقتصادية وثقافية وسياسية , مما يؤدي إلى الفقر وعدم المساواة والتجريد من الملكية والأرض بالنسبة للمستعمَرين , وذكرت فيها انه في عام 1995 كان عاما شاقا على العراقيين بسبب الحصار الظالم وعرقلة الأدارة الأميركية لجهود التوصل الى صيغة أتفاق النفط مقابل الغذاء مع الأمم المتحدة , كلفت حينها بمهام المرافقة والترجمة لسناتور أميركي متقاعد وصل بغداد لحلحلة الموضوع وتسهيل العقد والصعوبات لأمرار وتبسيط أجراءات العمل بالقرار , بالطبع بعلم الأدارة الأميركية وطمعا منه بالحصول على قسم من عقوده , رافقته في معظم لقائاته مع وزراء ومسؤولين مترجما او مسجلا لفقرات وتفصيلات مايتحدث به , وكنت اعود به الى فندق الرشيد حيث اسكناه حينها , في مرة من المرات وبسبب انهاء جدول مقابلاته مبكرا أخذته الى نادي الصيد حيث تناولت معه طعام الغذاء , وجرى حوار بيننا شرح لي كيف تقوم الدول الكبرى بنهب الشعوب , وتقوم بتكديس الأموال لديها والتي تنعكس بتلك الرفاهية والحياة الرغيدة لشعوبها , قال لي نحن نشتري برميل النفط من منطقتكم بسعر تلك الأيام 18 الى 22 دولار , ولنقل انه يصلنا بسعر 40 دولار , تقوم مصافينا بفرزه الى مشتقاته المعروفه لتبيعه بسعر 440 دولار للبرميل , ثم تقوم معامل البتروكيمياويات في أميركا وأوروبا بأدخاله في الصناعات المختلفة ( البلاستك والاصباغ واللدائن والأسمدة والمبيدات ....الخ) ليصبح سعر هذا البرميل 1640 دولاراً , لاحظ الفرق بين سعر الشراء 18 دولار وسعر البيع 1640 دولار, عدت الى دائرتي وكتبت تقريرا الى رؤسائي , وتذكرت وانا اكتب الموضوع كيف أن مشروع مصنع البتروكيمياويات لدينا قصف بشدة ودمر مرتين الأولى عام 1980 من قبل ايران والثانية عام 1991 من قبل التحالف الدولي وعرفت وقتها فقط السبب في ذلك .

على مدار التاريخ , ارتبط الاستعمار بالسرقة ونهب المقدرات وإفقار الشعوب , رغم زعمه بأنه جاء للتعمير والبناء والتثقيف ومحاولة إخراج الشعوب من ظلام الجهل إلى نور المعرفة , كان المستعمرون يقيمون المشاريع ويشقون الطرق والسكك الحديدية لتسهيل عمليات سرقة ونهب الدول التي يدعون أنهم كانوا سببا في عمارتها ففي الهند مثلا , أقام الاحتلال البريطاني شبكة سكك حديدية لنقل القطن والمعادن من مختلف المناطق إلى موانئ التصدير وليس لربط هذه المناطق كما كانوا يزعمون , وفي الكونغو , قام المستعمر البلجيكي باستغلال العمالة المحلية لبناء السكك الحديدية من أجل نقل المطاط والعاج إلى الخارج وقد قتل مئات آلاف العمال خلال علمية إنشاء هذا المشروع , والأمر نفسه في الجزائر, نهب الاستعمار الفرنسي الكثير من الأراضي لشق سكك حديدية بغية تعظيم الاستفادة من موارد المستعمرات في أفريقيا من خلال نقلها عبر البحر وهو ما تطلب إقامة مشروع السكك الحديدية في الجزائر.

في الختام , يكشف هذا التناقض الصارخ بين وجه الحضارة الناعم وقناعها الخشن عن حقيقة مرة : أن ما يبدو لأعيننا اليوم من رفاهية وتطور في الغرب ليس سوى ثمرة لعملية نهب ممنهجة وطويلة الأمد , امتدت عبر القارات والقرون , إن قصة السناتور الأمريكي , الذي كشف ببرود عن الأرقام التي تترجم برميل النفط إلى ثروات هائلة , ليست سوى تأكيد إضافي لما كان أستاذنا إبراهيم كبة يعلّمنا إياه : أن نظام الاستعمار لم يمت , بل تغيرت أدواته , لم يعد الأمر يقتصر على السفن التي تحمل المدافع , بل أصبح يعتمد على القوانين الاقتصادية , واتفاقيات التجارة , والسيطرة على مقدرات الشعوب من خلال آليات معقدة , تضمن استمرار تدفق الثروة من الأطراف إلى المركز, وهكذا , يبقى (( المهذب الرقيق )) في وطنه , بينما يستمر (( الوحش الضاري )) في نهب العالم , تاركًا وراءه شعوبًا منهكة لا تزال تحاول استعادة ما فقدته في معركة غير متكافئة.

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة نباح المناهج وذبابها : أدب المقاومة الفكرية.
- مقامة أموت نظيفًا .
- مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .
- مقامة عروس غاندي .
- مقامة حكمة قَعْنَب .
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.
- مقامة ديالى شقائق النعمان .
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.
- مقامة فلسفة الفقر .
- مقامة الغيوم .
- مقامة مادلين أولبرايت : عندما تتحدث الدبابيس .
- مقامة الأنسان وباء .
- مقامة الأقتران الشرطي .
- مقامة أصنام العقل .
- مقامة الرسيس .
- مقامة لحن القول .
- مقامة في مسار التاريخ ومآلاته .
- مقامة محضرون .
- مقامة الثلاجين .


المزيد.....




- سينمائيون إسبان يوقعون بيانًا لدعم فلسطين ويتظاهرون تنديدا ب ...
- وفاة الفنانة التركية غُللو بعد سقوطها من شرفة منزلها
- ديمة قندلفت تتألق بالقفطان الجزائري في مهرجان عنابة السينمائ ...
- خطيب جمعة طهران: مستوى التمثيل الإيراني العالمي يتحسن
- أعداء الظاهر وشركاء الخفاء.. حكاية تحالفات الشركات العالمية ...
- طريق الحرير.. القصة الكاملة لأروع فصل في تاريخ الثقافة العال ...
- جواد غلوم: ابنة أوروك
- مظاهرة بإقليم الباسك شمالي إسبانيا تزامنا مع عرض فيلم -صوت ه ...
- ابتكار غير مسبوق في عالم الفن.. قناع يرمّم اللوحات المتضررة ...
- طبيبة تمنح مسنة لحظة حنين بنغمةٍ عربية، فهل تُكمل الموسيقى م ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة المهذب الرقيق .